مجمع البيان احتمال كون المذكور بدلا عن مساجد ، بدل اشتمال ، كأنّه يقول ليس أحد أظلم ممّن منع أن يذكر في مساجد الله اسمه ، لعلّ علاقة الاشتمال مثل اشتمال الظرف على المظروف والتقدير : ومن أظلم ممّن منع الناس من مساجد الله كراهية أن يذكر أو من ذكر الله ، وفي جعل مساجد ممنوعا كما وقع في الاحتمال الأوّل مسامحة ، فيحتمل القول بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، فكأنّ الأصل «متردّدي مساجد الله» فلا يرد ما قيل إنّ «منع» يقتضي مفعولين ، ولا يمكن أن يقدّر إلّا الذكر فإنّه الممنوع. على أنّ الذكر ممنوع منه ، والناس هم الممنوعون. والمقصود تحريم المنع من ذكر الله في المساجد أيّ مسجد كان ، وبأيّ ذكر كان وإن كان سبب النزول خاصّا بأنّه كان النزول في الرّوم حيث غزوا في بيت المقدس وخربوه ، أو في المشركين حيث منعوا رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية فأمّل.
ولا يبعد أن يراد به مطلق العبادة فيه ، بل المنع عن مطلق العبادة ، لظهور العلّة وتدلّ الآية على تحريم السعي في خرابه ، فيحرم الخراب بالطريق الأولى وفي ذكر السعي في الخراب بعد المنع إشعار مّا بأن يكون المنع عن الذكر فيها تخريبا ، والعبادة فيها تعميرا ، فيدخل الذكر فيها في تعمير المساجد ، وأمّا دلالة تتمّة الآية على تحريم دخول المساجد على الكفّار كما قيل ، فليس بظاهر. إذ ليس بظاهر في أنّ معناها النهي عن تمكّن الكفّار وتمكينهم من دخولها ، إذ قد يكون معناها كما هو الظاهر ما كان ينبغي لهم الدّخول في نفس الأمر ولا يليق لهم ذلك إلّا خائفين من أذى المسلمين ، والإخراج لهم ، وصار الأمر الآن بالعكس ، يعني في الواقع ما يستحقّون الدخول إلّا خائفين وذليلين وهم يتعدّون ذلك ويمنعون المسلمين من الدخول ، كما يدلّ عليه أيضا آخرها (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) ويمكن كون ذلك الدخول خائفا والخزي (١) هو الذلّ في الدّنيا أو إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون ويكون العذاب العظيم في الآخرة إشارة إلى
__________________
(١) في نسخة سن بعد قوله خائفا : ولذا سئموا الخزي في الدنيا وإعطاء الجزية إلخ.