الرابعة عشر : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (١).
أي ما يوجد أظلم من كاتم شهادة حاصلة عنده من الله ، أو يكتمها من الله بحيث لا يقولها عند الطلب ، فكأنّه يريد يخفيها من الله ، إذ لو كان يعلم أنّ الله يعلم فلا فائدة له في الكتمان ، بل يعلم أنّه يضرّه فلا يكتمها أو يكتمها من عباد الله فيكون المضاف محذوفا ، والحال أنّ الله تعالى عالم به وبغيره من أعماله الحسنة والقبيحة ففيها ترغيب وترهيب فاعملوا وكونوا على حذر من الله.
كتم الشهادة إخفاؤها ، و «من الله» متعلّق بكتم أو صفة أخرى للشهادة ، والأوّل أولى ، والباقي ظاهر ، ويمكن الاستدلال بها على تحريم كتمان الشهادة ، وبقوله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٢).
تفسيرها ظاهرا أنّ كلّ شخص يخفى ولم يبيّن ما أوجده الله من الدلائل المبيّنات والّذي يهدي إلى المطلوب بعد أن بيّنه الله له ولغيره من الناس في الكتاب المنزل أيّ كتاب كان ، بل لا يبعد إطلاقه على كتب الأخبار أيضا بل جميع ما يمكن فيه البيان كتابا كان أولا ، مجازا وتغليبا (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) فهم ملعونون يلعنهم الله أي يحكم بلعنهم ويبعدهم عن رحمته ، ويلعنهم أيضا من يتأتّى منه اللعن ، بأن يدعو عليهم بالبعد عن رحمة الله تعالى والّذين يتأتّى منهم اللّعن المسلمون أنسا وجنّا أو الكفّار أيضا باعتبار لعنهم ذلك الشخص في الآخرة كما ورد أو البهائم أيضا بأن يلهمهم بالدعاء عليهم باللعنة ، بل كلّ مخلوق كما قيل.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) وهذا اللعن ثابت للكلّ دائما إلّا بعد التوبة لمن تاب أي
__________________
(١) البقرة : ١٤.
(٢) البقرة : ١٦٠.