وفي وجوب الإقرار بما عليه ، وفي إقامة الشهادة لله ، وعلى جواز الشهادة على الوالدين بل وجوبها فمنع البعض بعيد ، وكذا يعلم وجوبها على المملوك والحرّ فيعلم جواز شهادته على سيّده أيضا بل وجوبها ، فالمنع هنا أيضا بعيد.
ثمّ إنّ الظاهر أنّ المقصود من الشهادة والأمر بها والإيجاب والمبالغة هو القبول فدلّت على قبول إقرار المؤمنين على أنفسهم كما هو مجمع عليه ، ومدلول الأخبار ، والظاهر أنّه لا قائل بالفرق ، فغيرهم كذلك ، وعلى قبول شهادة الولد على الوالدين والأقربين والعبد على سيّده وللسيّد للعموم ، ففيها إشعار بأنّ الايمان يكفي للقبول ، ولا يشترط غيره فتأمّل إلّا أن يدلّ دليل على اعتبار العدالة أو اعتبار عدم ظهور الفسق فافهم.
ثمّ أكّده بقوله (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى) أي ارعوا أمر الله كما أمركم به ، ولا تقصدوا غير مقصوده تعالى ، فإنّه أعلم بمصالح العباد منكم فلا تتّبعوا هوى أنفسكم في إقامة الشهادة فتشهدوا على الغنيّ دون الفقير ، ملاحظة للمصلحة ، أو على من كان بينكم وبينه عداوة دون الصديق ، وتمتنعوا عن الشهادة للأعداء وأيضا لا بدّ أن يكون الشهادة امتثالا لأمر الله لا لاتّباع النفس والهوى كما مرّ (أَنْ تَعْدِلُوا) أي لأن لا تعدلوا أو لأجل أن تعدلوا في الشهادة ، قال الفرّاء هذا كقولهم لا تتّبع هواك لترضي ربّك ، أي كيما ترضي ، قاله في مجمع البيان.
(وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا) أي إن تميلوا في أداء الشهادة أو تعرضوا عن أدائها قيل الخطاب للحكّام أي إن تميلوا أيّها الحكّام في الحكم لأحد الخصمين على الآخر ، أو تعرضوا عن أحدهما إلى الآخر ، وقيل معناه : إن تلووا أي تبدلوا الشهادة أو تعرضوا أي تكتموها وهو المرويّ عن أبي جعفر عليهالسلام فيجازيكم (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) معناه أنّه كان عالما بما يكون منكم من إقامة الشهادة أو تحريفها ، والاعراض عنها ، وقد روي عن ابن عبّاس في معنى قوله (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا) أنّهما الرجلان يجلسان بين يدي القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه لأحدهما على الآخر هكذا في مجمع البيان.