أو أنّه منسوخ لدعواهم الإجماع على عدم سماع شهادة الكفّار مطلقا على المسلم ، قاله القاضي ، والأصل والاستصحاب يقتضي العدم ، والإجماع ممنوع لقول علماء الإماميّة ورواياتهم ، ولكن مشروط بعدم إمكان المسلم العدل كما يشعر به (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) أي سافرتم فيها (فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) أي قاربكم الأجل فليس بشرط لمطلق هذه الشهادة ، بل إشارة إلى اشتراط الانتقال من شهادة العدلين من المسلمين إلى شهادة غيرهما بعدمهما ، ولما كان السفر مع حضور الموت غالبا سببا لذلك اكتفى به ، وذلك يعلم من قول الأصحاب كأنّ لهم دليلا على ذلك ، والفاء للعطف والخبر محذوف من جنس قوله (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) أو هو جزاء مقدّم واعتراض الشرط بين الموصوف والصفة أي (تَحْبِسُونَهُما) فإنّه صفة لآخران أي تقفونها وتصبّرونهما للإشارة إلى ما قلناه : إنّ سماع شهادة الغير مشروط بالتعذر قاله القاضي أيضا ، فهو صريح في عدم كون معنى منكم القريب ، ومن غيركم البعيد وفي عدم نسخ الآية فتأمّل ، إذ السبب المجوّز هو الضرورة. فيعمل به ما دام وجد فهو إشارة إلى كيفيّة استشهاد الغير.
(مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ) قيل : صلاة العصر لأنّه وقت اجتماع الناس وقيل مطلق الصلاة وهو الظاهر من الآية «فَيُقْسِمانِ بِاللهِ» أي الآخران (إِنِ ارْتَبْتُمْ) أي إن ارتاب وشكّ الورّاث في صدقهم أو الحكّام ، فهو اعتراض ، بناء على قاعدتهم ، بين القسم والمقسم عليه أي (لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً) أي قليلا ، يعني لا نستبدل بالقسم أو بالله عوضا من الدنيا ، وهو المراد بالثمن القليل ، فانّ كلّ ما في الدنيا فهو قليل بالنسبة إلى الآخرة وعقابها ، حاصله لا نحلف بالله كاذبين لطمع في الدنيا ، للإشارة إلى أنّ القسم إنّما هو مع الارتياب والشكّ فتأمّل.
(وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) يعني يقسمان ويقولان لا نحلف بالله كاذبا ولو كان المحلوف له قريبا منّا ، وقال القاضي جوابه أيضا محذوف أي لا نشتري ، وفيه أنّه وصلّي فلا يحتاج إلى تقدير الجزاء ، ولعلّه بناء على عادته أنّه دائما يجعل الجزاء محذوفا لا مقدّما ، وهنا تقديره سواء كان المحلوف له بعيدا منّا أو قريبا فتأمّل «وَلا نَكْتُمُ