فالاستكثار قد يكون حراما إذا لم يكن على الوجه المأمور به ، خصوصا إذا استلزم أذى المعطى ، فيضيّع ماله ويحصّل العقاب به من جهة الأذى والإسراف والتبذير وإليه أشير في قوله تعالى (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) و (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) (١) فيكون النهي للتحريم وراجعا إلى القيد.
قال في الكشاف : أو طلبا لعوض كثير من الموهوب له ، فيكون نهيا عن الاستغزار ، وهو أن يهب شيئا وهو يطمع أن يتعوّض من الموهوب له أكثر من الموهوب ، والظاهر أنّ هذا جائز في نفسه ، إلّا أن يضمّ إليه ما يحرّمه ، فيكون النهي للتنزيه والكراهة ، أو يكون حراما ومخصوصا به صلىاللهعليهوآله كسائر خصائصه قاله في الكشاف والقاضي ولكنّه غير معلوم الكراهة ، إذا كان برضيّ فإنّ الهبة على طريق المعاوضة برضا الطرفين لم يظهر وجه كراهتها ، وما قالها الفقهاء أيضا وما عدّ من خصائصه أيضا إلّا أن يكون عندهم كذلك لهذه الآية.
وقال فيهما أيضا إنّه قرئ منصوبا بتقدير «أن» وقد قرئ بها ، ويحتمل حذفها على تقدير الرفع أيضا مع إبطال عملها كما روي القرائتان في أحضر في قول الشّاعر : ألا أيّهذا اللّائمي أحضر الوغى ، أي من أن أحضر الحرب والمعركة وقرئ أيضا بالجزم بدلا عن تمنن فيجزم بلا مثله ويكون حينئذ من مقولة قوله تعالى (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ) الآية وعلى الأوّل من العطيّة كما يظهر من الكشّاف وفيه تأمّل ، إذ قد عرفت أنّ الأولى في الأوّل كونه بمعنى مطلق الإحسان واصطناع المعروف وفي غيره أيضا يصحّ العطيّة وأنّ قرأه النصب من الشواذّ مع إظهار أن وعدمه ، وإن حذف «أن» خصوصا مع العمل إذا لم تكن ظاهرة ، ويكون الأمر ملتبسا غير مستحسن ، سيّما في كلام الله تعالى وظاهر حذفه في الشعر فإنّه من دون تقديره لا معنى له ، وأنّ البدل إذا كان جملة عن جملة أخرى لا يعمل في لفظ البدل ما يعمل في لفظ مبدله ، فانّ البدل الّذي يعرب بإعراب مبدله من التوابع المعربة
__________________
(١) البقرة : ٢٦٤ و ٢٦٦.