(لَمُنْقَلِبُونَ) أي راجعون إلى الله تعالى ، ولمّا كان ركوبهما قد يؤل إلى الهلاك فقد أمروا أن يذكّروا ، ويجعلوا أنفسهم كالهالكة الراجعة إلى الله ، والغرض عدم الغفلة عن الله في كلّ حال والسّلام.
فيها دلالة على جواز ركوب البحر بالفلك ، وركوب الأنعام ، وأنّهما نعمة من الله على عباده ، واستحباب ذكر نعم الله بعد الوصول إليها والشكر عليها ، واستحباب قول (سُبْحانَ الَّذِي) إلى آخره بعد الركوب وإضافة الحمد.
ويدلّ على استحباب وسم موضع السجود ، بأن يظهر أثره فيه لكثرته قوله (سِيماهُمْ) علامتهم (فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ) إلخ (١).
وفي قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) (٢) في القاضي : مستعار ممّا بين الجبهتين المتسامتتين ، والمعنى لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكم الله ورسوله فيه ، فلا تحكموا بأمر من أمور الدين ، قبل علمكم بأنّه بيّنه الله ورسوله فلا تقولوا ولا تفعلوا شيئا على أنّه أمر من أمور الدّين إلّا أن تعلموا أنّه ممّا قاله الله تعالى ورسوله دلالة على تحريم الفعل والقول من غير علم ، لعلّه يريد بالعلم أعمّ من الظنّ المعمول به في الفقه ، أو يؤل ذلك إلى العلم كما مرّ مرارا.
ويدلّ على عدم جواز التسخّر والاستهزاء بالمؤمنين وتحريمه قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) (٣).
أي لا يسخر بعض المسلمين والمسلمات بعضهم ، وإنّما اقتصر في الأوّل على المسلمين وفي الثانية على المسلمات للوقوع والكثرة إذ قد يكون المسخور منه خيرا عند الله من الساخر ، وظاهره أنّ القوم مخصوص بالرّجال كالنساء بالمرأة ، ويحتمل العموم وخصّ هنا للمقابلة (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي ولا يعيب بعضكم بعضا فإنّ المؤمنين كنفس واحدة ، واللمز الطعن باللّسان (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) أي ولا يدعوا بعضكم
__________________
(١) الفتح : ٢٩.
(٢) الحجرات : ١.
(٣) الحجرات : ١١.