وضع الأمر بالإحسان موضع النهي عن الإساءة إليهما للمبالغة والدلالة على أنّ ترك الإساءة هنا لا يكفي ، بل لا بدّ من الإحسان ، فيفهم أنّ ترك الإحسان بمنزلة الشرك في النهي والقبح.
(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) أي من جهة الفقر وخشيته كقوله (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) (١) منع لموجب القتل ، وإبطال لحجّتهم في القتل.
(وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) (٢) قيل كبائر الذنوب أو الزنا مطلقا (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي الظاهر والخفيّ ، قيل هو مثل (ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) (٣).
(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) (٤) مثل القصاص والحدّ والرجم والارتداد وقتل الأولاد داخل فيه ، إلّا أنّه خصّ بالذكر للاهتمام به ، ولأنّهم كانوا يفعلون ذلك ، فذكر للمنع بخصوصه وردّ حجّتهم والاحتجاج عليه (ذلِكُمْ) أي الأمور المذكورة في الأمر والنهي ما (وَصَّاكُمْ بِهِ) أي بحفظه (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ترشدون بسبب العمل به ، والتعبير عن الرشد بالعقل لأنّ الرشد كمال العقل.
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٥) أي لا تقربوا من مال اليتيم بأن تتصرّفوا فيه فعلا ، فلا تدنوا إليه بفعلة أصلا إلّا بالفعلة الّتي هي أحسن ما يفعل بماله ، بحسب ما يقتضيه عقل العقلاء كحفظه ، وتعمير ما هو خراب منه وتنميته وتثميره أو أحسن من تركه وبالجملة هو الّذي يجده العقل السليم حسنا وأولى من تركه ، وهو مقتضى أكثر عقول العقلاء. فالآية تدلّ على تحريم الأمور المذكورة ، خصوصا التصرّف في مال اليتيم ، حيث عبّر عن النهي عنه بعدم القرب منه ، ولهذا عدّ بخصوصه من الكبائر ، واليتيم غير البالغ الّذي لا أب له ويمكن إدخال غير الرشيد فيه إلى أن يرشد لاحتمال أن يكون معنى (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)
__________________
(١) أسرى : ٣٤.
(٢) الانعام : ١٥٣.
(٣) الانعام : ١٢٠.
(٤) الانعام : ١٥٣ : أسرى : ٣٦.
(٥) أسرى : ٣٧ ، الانعام : ١٥٤.