ربّك ترجو أن يفتح لك ، فسمّي الرزق الرحمة ، فردّهم ردّا جميلا ، وعدهم عدة حسنة ، وقل لهم قولا سهلا ليّنا ، وفيها مبالغة في ملاحظة ردّ السّؤال حيث ينبغي أن لا يكون إلّا لعدم الوجدان مع طلبه ، ثمّ مع ذلك لا بدّ من القول الجميل.
قيل : لما نزلت هذه كان صلىاللهعليهوآله إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي قال : يرزقنا الله وإيّاكم من فضله (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) أي ولا تكن ممّن لا يعطي شيئا أصلا ولا يهب ، فتكون بمنزلة من تكون يده مغلولة إلى عنقه لا يقدر على الإعطاء والبذل ، وهذا مبالغة في النهي عن الشحّ في الإمساك (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) أي ولا تعط أيضا جميع ما عندك ، فتكون بمنزلة من بسط يده حتّى لا يستقرّ فيها شيء ، وهذا كناية عن الإسراف (فَتَقْعُدَ مَلُوماً) تلوم نفسك ويلومك غيرك أيضا (مَحْسُوراً) منقطعا بك ليس عندك شيء ، وقيل : عاجزا نادما ، وقيل محسورا من الثياب أي عريانا وقيل معناه إن أمسكت قعدت ملوما مذموما ، وإن أسرفت بقيت متحيّرا مغموما ، وقال الكلبيّ لا تعط ما عندك جميعا فيجيء الآخرون ويسألونك فلا تجد ما تعطيهم فيلومونك.
وروي أنّ امرأة بعثت ابنها إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وقالت : قل له إنّ أمّي تستكسيك درعا ، فان قال : حتّى يأتينا شيء ، فقل له : إنّها تستكسيك قميصك فأتاه فقال ما قالت له فنزع قميصه فدفعه إليه فنزلت ويقال إنّه عليهالسلام بقي في البيت إذ لم يجد شيئا يلبسه ، ولم يمكنه الخروج إلى الصلاة فلأمه الكفّار ، فقالوا إنّ محمّدا اشتغل بالنوم واللهو عن الصلاة.
وما أجد حسن هذه النقول الله أعلم بل أجد أنّ الإحسان والبذل حسن وكذا الإيثار على نفسه بل عياله أيضا مع رضاهم كما دلّت عليه سورة هل أتى ، وقوله : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (١) وكفى بذلك دليلا وفي العقل ما يؤيّده نعم إن علم الحاجة بحيث يفوت معه الواجب أو الأولى لا ينبغي الإعطاء والظاهر أنّ مثله لا يقع عن أدنى عاقل فكيف عنه صلىاللهعليهوآله فالاية كما قيل دليل المنع
__________________
(١) الحشر : ١٠.