بالجرّ ، مع كونها متواترة كما فعله في الكشاف والقاضي ويرتكب التمحّلات البعيدة ، مثل ضرورة الشعر ، وتقدير حرف الجرّ إذ لا تعمل مقدّرة كما صرّح به الرضيّ على أنه يصير النزاع لفظيّا ، وهو ظاهر ، والتقدير لغوا بحسب المعنى ولم يثبت المنع اللفظيّ وقول صلىاللهعليهوآله مشهور مستفيض بحيث لا يمكن إنكاره في الأخبار وكلام الأصحاب.
وفي الآية دلالة على إباحة السكنى في الأرض مطلقا بل التصرّف فيها مطلقا حتّى يمنع بدليل وعلى أنّ خلق الأمور والأشياء الموزونة أي المقدّرة بقدر تقتضيه المصلحة للإنسان ، وإباحة كلّ ما خلق لهم كما دلّ عليه العقل أيضا ، نعم قد يحرم بعضه لدليل عقليّ بأن يكون ضارّا مثل السموم المخلوق لغرض آخر للإنسان أو نقليّ آية أو خبر أو إجماع دالّ على تحريم بعض الأشياء كالميتة والدم ولحم الخنزير ، وعلى إباحة أكل ما نبت ، وشرب وركوب ما يصلح لهما وسائر الانتفاعات إلّا أن يخرج بدليل فتأمّل.
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١) قيل : المعنى وما من شيء ينتفع به العباد إلّا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه ، والانعام به ، وما نعطيه إلّا بمقدار معلوم نعلم أنّه مصلحة ، فضرب الخزائن مثلا لاقتداره على كلّ مقدور ، ففيها دلالة على أنّ المخلوقات مباحة للإنسان ، فالأشياء مباحة في الأصل عقلا ونقلا وهو ظاهر.
الثانية: (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٢).
قال في مجمع البيان : الأكل هو البلغ عن مضغ ، وبلع الذهب والفضّة واللؤلؤ وما أشبهه ليس بأكل ، والحلال هو الجائز من أفعال العباد «و (طَيِّباً») يعني طاهرا من كلّ شبهة ، وفي الكشّاف تستطيبه الشهوة المستقيمة ، وفي القاضي : هو
__________________
(١) الحجر : ٢١.
(٢) البقرة : ١٦٨.