الخدمة ليس بداخل في الحجّ ، وليس بعبادة بل قد يحصّل الثواب والأجرة أيضا كما يقصد تحصيل المعاش الواجب أو الندب أو يؤجر نفسه للحجّ وغيره بمال فيحصل المال والثواب ويدلّ عليه الروايات فكأنّ الثواب باعتقاده وفعله على أنّه مشروع وأنّه لو لم يشرع لم يفعل.
ولكن حصول القربة المعتبرة في النيّة مشكل هنا فتأمّل فإنّه لا محذور بعد ثبوته بالنصّ ، فمعنى القربة يكون غير الّذي اعتبره بعض الأصحاب في غير هذه الصورة ، مع أنّها غير بعيدة الحصول ، فانّ فعلها بعد الإجارة قد يكون للتقرّب فقط إذ لا يحصل شيء حيث وجب فعلها بعد عقد الإجارة فتأمّل ، فعلى هذا الحكم المستفاد من الآية هو جواز التجارة والأجرة والكرى مع الحجّ ، وقيل معناه لا جناح عليكم في طلب المغفرة ، وقال في مجمع البيان : الأوّل مرويّ عن أئمّتنا عليهمالسلام والثاني عن أبي جعفر عليهالسلام فلا يبعد الحمل على الأعمّ.
(فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) أي دفعتم عنها بعد الاجتماع فيها من أفضت الماء إذا صببته بكثرة وأصله أفضتم أنفسكم فحذف المفعول كما حذف في دفعت من البصرة أي دفعت نفسي منها «وعرفات» جمع عرفة وسمّي بها الأرض المخصوصة كمفردها وإنّما نوّن مع منعها الصرف للعلميّة والتأنيث ، لأنّ تنوينها تنوين المقابلة ، والعوض عن نون الجمع في مسلمون (١) أي بإزائه فكما لا يحذف ذلك لا يحذف هذا التنوين وهذا التنوين غير ممنوع من غير المنصرف ، بل الممنوع عنه هو تنوين التمكّن ، وإنّما لم يمنع من الكسرة لأنّ منعها تابع لمنع التنوين ، ولمّا لم يمنع المتبوع لم يمنع التابع أيضا بالطريق الأولى ، هكذا في مجمع البيان بتغير ما وفي تفسير القاضي (٢).
وقال في الكشّاف والقاضي أيضا : إنّ تاءها ليست للتّأنيث بل هي مع الألف علامة الجمع وليست هنا تاء مقدّرة لأنّ المذكورة تمنع من ذلك
__________________
(١) يعني إذا سمى به امرأة.
(٢) مجمع البيان ج ٢ : ٢٩٥ ، أنوار التنزيل : ٥٢.