كما أنّ في تنكير «خير» وذكر «ما» الموضوعة للعموم والإبهام ثمّ البيان ، وذكر لفظ الله المستجمع لجميع الصفات دلالة على ذلك.
وقال في الكشّاف : حثّ الله على الخير عقيب النهي عن الشرّ وأن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن منه ، ومكان الفسوق البرّ والتقوى ، ومكان الجدال الوفاق والأخلاق الجميلة ، أو جعل فعل الخير عبارة عن ضبط أنفسهم حتّى لا يوجد منهم ما نهوا عنه وينصره قوله (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) أي اجعلوا زادكم إلى الآخرة اتّقاء القبائح فإنّ خير الزاد اتّقاؤها ، والتعميم أولى ، أي تزوّدوا لمعادكم التّقوى ، وهو كما مرّ فعل الطّاعات وترك المعاصي ، فإنّه خير الزاد ، أي خير من كلّ زاد ، ولا يبعد جعل الخطاب لعموم المكلفين وكأنّه ذكر هنا لأنّ الحاجّ لا بدّ أن يأخذ زادا لسفر قصير ، فأخذ الراد للأمر البعيد أحقّ وأولى ، وبيّن وجوب أخذه بأنّه التّقى أو أنّه لمّا يأخذ الراد فيتّكل عليه ، فأمره بأخذ خير الزاد ، فإنّه لو أخذ ذلك الزاد ولم يأخذ التقوى يهلك بالجوع إمّا ظاهرا في الدنيا بأن يفوت منه في الطريق سريعا فيبقى بلا زاد أو حقيقة في الآخرة فإنّه إذا فعل المعاصي يهلك جوعا يوم القيامة بمعنى عدم انتفاعه بزاد الحجّ في الآخرة.
فلا يبعد أن يكون إشارة إلى صرف الزاد إلى المحاويج ، من المأكل والمشرب والمركب ممّا يحتاج إليه المحاويج ، بحيث لا يصير إهلاكا لنفسه وإلقاءها إلى التهلكة ، والاعتماد على زاد الله الّتي هي الزّاد الحقيقيّ دون غيرها من المطعم الفاني الّذي في معرض التلف مع وجوده ، لاحتماله العدم بالمرّة في الحال ، وقيل : نزلت في أهل اليمن كانوا يحجّون ولا يتزوّدون ويقولون : نحن متوكّلون فيكونون كلا وعيالا وثقلا على الناس فأمروا أن يتزوّدوا ويتّقوا السّؤال ، والتثقيل عليهم (١).
__________________
(١) ذكره أصحاب التفاسير ، راجع البيضاوي : ٥٢ ، مجمع البيان ج ٢ : ٢٩٤ ، الدر المنثور ج ١ ص ٢٢١ وتراه في صحيح البخاري ج ١ ص ٢٦٥.