ومثّل بقولك صلّيت يوم الجمعة ويوم العيد وإنّما صلّيت في جزء منهما ، وفيه تأمّل واضح إذ الفرق بينهما ظاهر لأنّه جعل في المثال السّنة ظرفا للرّؤية ، ويوم الجمعة للصّلوة ، وظرفيّة الزمان لفعل لا يستلزم وقوعه في كلّ ذلك الزمان عرفا كما في المكان مثل قولك جلست في بلد كذا ، وفي محلّة كذا ، وسوق كذا ، ممّا لا يتناهى وفيما نحن فيه جعل شهر ذي الحجّة خبرا عن وقت الحجّ كأنّه قال : زمان الحجّ شهر ذي الحجّة وهو في هذا المقام ظاهر في غير ذلك المعنى ، ففي الأوّل لا مسامحة بخلاف الثاني ، نعم لو مثّل بقوله يقال : وقت رؤيتي سنة كذا لكان مثله في المسامحة ، على أنّه قد يتسامح فيه لظهور المراد دونه ، فانّ المتبادر منه لا أقل صحّة بعض أفعال الحجّ في أيّ زمان كان.
وقال القاضي : وهي شوّال وذو القعدة وتسع ذي الحجّة بليلة النحر عندنا والعشر عند أبي حنيفة وذو الحجّة كلّه عند مالك ، وبناء الخلاف أنّ المراد بوقته وقت إحرامه أو وقت أعماله ومناسكه ، أو ما لا يحسن فيه غيره من المناسك فانّ مالكا كرّه العمرة في بقيّة ذي الحجّة وأبو حنيفة وإن صحّح الإحرام به قبل شوّال ، فقد استكرهه ، وفيه تأمّل إذ الظاهر أنّه لا يصحّ تأخير الإحرام إلى وقت يتيقّن فوت عرفة ، فانّ الوقوف بها ركن إلّا أن لا يكون عندهم كذلك وأيضا يصحّ بعض المناسك بعد يوم النحر ، وأيضا يلزم كراهة العمرة بل جميع المناسك سوى الحجّ في هذه الشهور كلّها بناء على قول مالك وأيضا كراهة الإحرام بالعمرة عند مالك لا يستلزم القول بأنّ طول ذي الحجّة كلّه شهر الحجّ بمعنى أن لا يحسن غيره فيه.
ولا يكون وجها لقول مالك كما قاله في الكشّاف : قالوا وجهه أنّ العمرة غير مستحبّة فيها عند عمر وابن عمر فكأنّها مخلصة للحجّ لا مجال فيها للعمرة ، وعن عمر أنّه كان يخفق الناس بالدرّة وينهاهم عن الاعتمار فيها ، فان الظاهر من شهر الحجّ وقوعه فيه لا كراهة وقوع غيره فيه ، نعم لو كان حراما عنده لكان مناسبا في الجملة مع أنّ قول عمر ليس بحجّة فإنّ قول الصحابي ليس بحجّة وأيضا لا وجه