واقعة في الحضر ، على ما هو شأن الصوم ، سيّما الواجب ، ولو وجد الهدي بعد الصوم فالظاهر الإجزاء للآية والخبر ، وخلافه يحمل على الندب.
قوله (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) قيل معنى كما لها أنّ الصوم قام في البدليّة بحيث لا ينقص ثوابه عن ثواب مبدله وهو الهدي ، وهو مرويّ عن أبي جعفر عليهالسلام في التهذيب (١) وقيل ذكر العشرة للتأكيد كما يحفظ الحسّاب ، وقيل : لدفع توهّم كون الواو بمعنى «أو» في قوله (وَسَبْعَةٍ) كما جاء في غير هذا المحلّ فتأمّل ، وقيل : ليحصل علمان إجماليّ وتفصيليّ وذلك إشارة إلى التمتّع عندنا وعند أبي حنيفة وأصحابه لأنّ الكلام في التمتّع ، وهو المبحوث عنه لا الهدي أو الصوم إذا عجز عنه ، كما هو رأي الشافعيّ ، فكان عنده يجوز التمتّع لأهل مكّة أيضا ولكن لا يلزمهم الهدي ويكون التمتّع بلا هدي وإلّا يلزم عدم الفرق بين إرجاعه إلى التمتّع أو الهدي أو الصوم ، وهو مناف لظاهر أوّل الآية (فَمَا اسْتَيْسَرَ) وتخصيصه بغير أهل مكّة بعيد من سوق كلام الله تعالى.
ثمّ إنّه في تفسير القاضي والكشّاف إرجاع ذلك إلى التّمتّع عند أبي حنيفة لأنّه لا متعة ولا قران عنده لأهل مكّة وهو غير واضح إذ ظاهر الآية عدم التمتّع فقط لا القران ، وأيضا التعليل غير مناسب إذ المناسب إخراج الحكم عن الآية لا العكس ، وأيضا فهما وجوب هدي على من تمتّع أو قرن من أهل مكّة للجناية عند أبي حنيفة ، وما جوّز الأكل منها بخلاف المتمتّع من الآفاق وذلك كلّه خلاف ظاهر الآية ، وغير واضح الدليل والصحّة ، والأصل عدم وجوب جبر إلى أن يثبت بدليل فتأمّل.
فالتمتّع فرض من نأى عن المسجد الحرام ، أي غير حاضريه وهو من بعد عن مكّة مقدار ثمانية وأربعين ميلا عند أكثر الأصحاب وعند الشافعي أيضا ودليلهم أخبار منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام قول الله
__________________
(١) التهذيب ج ١ ص ٤٥٧ ، الكافي ج ٤ ص ٥١٠ ولفظه : قال كمالها كمال الأضحية وترى مثله مرسلا في الفقيه ج ٢ ص ٣٠٢ ولفظه «تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ لجزاء الهدى».