من مقام كلّ شيء ، فيزداد شوقه إلى مصاحبتهم ، ولا يزال يعشقهم ويبذل فيهم محبّته بحيث لا يرى لنفسه وجودا في طمطام يمّ وجودهم الشريف ، كيف ولا يختار الجنّة على صحبتهم ، بل هي جنّة العارف يلتذّ بها.
با بهشت عدن ما را كار نيست |
|
كوى جانان روضه رضوان ماست |
ولا تتعجّب من ذلك أيّها السامع لتلك الكلمات ، أما ترى أنّ شخصا لو افتتن بوجه جميل وعشقه كيف لا يصبر ولا يرضى إلّا بصحبة معشوقه ، وتصير همومه كلّها فيه همّا واحدا :
هر كجا تو با منى من خوشدلم |
|
گر بود در قعر چاهى منزلم |
مع أنّ ذلك الجمال يفنى ويتغيّر بتغيّر الأحوال والأطوار الّتي تمضي على صاحبه ، فالجمال الحقيقيّ الروحانيّ الّذي لا يتغيّر أبدا ، بل يزيد بهاؤه كلّ حين إذا عشقه العارف ، كيف يكفّ عنه ويرضى بالمفارقة عن صاحبه ، كلّا ما عرف الأنبياء بالنورانيّة أحد إلّا وقد عشقهم بحقيقة العشق ، ولاذبهم في جميع أحواله ، وأثنى عليهم في جميع مقاله ، وتمسّك بعروة حبّهم ، وإن ألحّ العاذل وأصرّ اللائم.
وأمّا الّذي جهل بحقّهم وحرم عن درك محبّتهم ، فلكمال جهله ، وانهماكه في الغفلة يرى النبيّ صلّى الله عليه وآله كواحد من الناس ويقول أبشرا منّا واحدا نتّبعه ، ويتعجّب من الّذين يؤمنون به ، ويثنون عليه ، ويطيعونه في جميع أوامره ونواهيه ، ويحمل ذلك على سفاهتهم وجهالتهم ؛ كما أشار إليه بقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ