المراتب شروطا معدّة لإفاضته تعالى ، وهذه مؤاخذة تشبه المؤاخذات اللفظيّة ، فإنّ الكلّ متّفقون على صدور الكلّ منه تعالى ، وأنّ الوجود معلول له على الإطلاق ، فإن تساهلوا في تعاليمهم لم يكن منافيا لما أسّسوه وبنوا مسائلهم عليه ... إلى آخره.
وقال فخر الدين الرازيّ في «المباحث المشرقيّة» : الحقّ عندي أنّه لا مانع من إسناد كلّ الممكنات إلى الله ، لكنّها على قسمين :
منها : ما إمكانه اللازم لمهيّة كاف في صدوره عن الباري تعالى ، فلا جرم يكون وجوده فائضا عن الباري من غير شرط.
ومنها : ما لا يكفي إمكانه ، بل لا بدّ من حدوث امور قبل حدوثه ، لتكون الأمور السابقة مقرّبة للعلّة الفيّاضة إلى الأمور اللاحقة ... إلى آخره.
والحاصل : أنّ الهداية مستندة إلى الله تعالى ، فالمتصدّون لأمرها من الأنبياء وغيرهم أسباب جعلها الله واسطة لإفاضة الفيض إلى الخلق ، فلا يهدونهم إلّا بقدرة الله ، ولا فعل لهم في ذلك ، فلو نسبت إليهم فالنسبة مجازيّة ؛ من قبيل نسبة المعلول إلى العلل المتوسّطة ، وكذلك أمر الإضلال ، فإنّه تعالى يضلّ الخلق بأسباب جعلها ؛ كما قال (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) (١) وما أورد على ذلك من لزوم الجبر والظلم غير وارد ، والجواب عنه يعرف من مطاوي ما أسلفناه ، فلا حاجة إلى التفصيل.
الثالثة : قد عرفت أنّ في النسبة المذكورة إشعارا بأنّ الاهتداء بالأنبياء هو الاهتداء بالحقّ تعالى.
__________________
(١) الرعد : ٢٧ ، النحل : ٩٣ ، فاطر : ٨.