وإنّما حصل التميّز بين الفريقين والتفريق بين الصنفين ببعث الرسل والكمّل ، فمن قصد طاعتهم حقّ القصد ، وأجابهم حقّ الإجابة ، فهو من الفرقة السعيدة ، ومن تولّى عنهم ، واتّخذ سبيلا غير سبيلهم ، فهو من الفرقة الشقيّة.
فالإجابة علامة الهداية ، وهي كاشفة عن الاستعداد الأزليّ لمراتب المعارف ، والإنكار آية الشقاوة ، وهو كاشف عن عدم القبول أوّلا ؛ كما قال : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١).
وقال : (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (٢). أي : لا يمكن لك هداية من ليس مستعدّا لمقام الهداية ، وإنّما تهدي من استعدّ لها في الأزل.
وبالجملة : فحاصل معنى الآية الشريفة أنّكم لا تختارون في ذلك المشهد شيئا من أمر السعادة والشقاوة ، إلّا والله تعالى يعلم ذلك في الأزل من قضيّة استعدادكم ، فمن عمله سعيدا أي مستعدّا لذلك المقام يظهر في ذلك المشهد بالسعادة ، أي إجابة الرسل ، والإقرار بمقاماتهم.
وكذلك من علمه شقيّا في الأزل يظهر بالشقاوة في ذلك المشهد ، فالمشيّة المنتسبة إلى الله بمعنى العلم الأزليّ والقضاء الإلهيّ الأوّليّ ؛ كما في
__________________
(١) القصص : ٥٠.
(٢) الروم : ٥٢ ـ ٥٣.