على قدر عقولهم» (١) ، والحسين عليهالسلام لا شكَّ أنَّ المُجتمع في ذلك الحين لم يكن يُطيق فهم واستيعاب أهدافه الحقيقيَّة مِن حركته ؛ لأنَّه كان حديث عهد بالدين وبشريعة سيِّد المُرسلين ، ولم يكن المُجتمع يومئذ تربَّى بالمقدار المطلوب ، وإنَّما كان فهمه للدين بسيطاً وتطبيقه للتعاليم قليلاً ، ما عدا نفر يسير مِن الناس ؛ وبالتالي لم تكن هذه الألف وحوالي النصف مِن السنين ، قد مرَّت وأثَّرت في تربية المُجتمع وتكامل فهمه العقلي والنفسي تكاملاً مُعتدَّاً به ، وكلَّما مرَّت السنين أكثر كان هذا التكامل أكثر لا محالة.
فإذا لم يكن بيان أهدافه مُمكناً عندئذ ، فخير له أنْ يطويها في نفسه وأنْ يكتمها عن غيره ، وإنَّما يقول للآخرين بمُقدار ما هو مُمكن فقط ، مِمَّا لا يكون هو الهدف الحقيقي لحركته عليهالسلام ، ولا أقلَّ مِن احتمال ذلك ، الأمر الذي يسقط به هذا الشرط الرابع.
الجواب الثالث على هذا الشرط : إنَّ هناك بعض الأعمال يُعتبر التصريح بأهدافها إفساداً لها ، وتكون عندئذ عقيمة وغير مُنتجة ، وهذا أحد التأويلات المُهمَّة لما ورد «استعينوا على أُموركم بالكِتمان» (٢). وما ورد مِن أنَّ التصريح بالشيء قبل إنجازه موجب لإفساده (٣).
وهذا المعنى ظاهر للعيان بالتجربة ، في كثير مِن الأُمور الشخصيَّة والعامَّة ؛ إذاً فمِن المُحتمل أنْ يكون تصريح الحسين عليهالسلام بأهدافه قبل حركته ، مُفسد لها مُخرِّب لنتائجها ؛ ومِن هنا سيكون المُتعيِّن عليه كِتمان ما يُريده والصمت عمَّا
__________________
(١) أصول الكافي ج ١ ص ٦٧ حديث ١٥. بتصرُّف.
(٢) إسعاف الراغبين على هامش نور الأبصار للشبلنجي ص ٧٧. بتصرُّف ـ تحف العقول للبحراني ص ٤٠.
(٣) مرآة العقول لللمجلسي ج ٩ ص ١٨٦. بتصرُّف.