اللهمّ إلاّ أن يُقال : إنّه عليهالسلام أدركَ بوضوح بعد أن أُخبرَ بغدر الكوفة ببيعته أنّهُ لا يستطيع أن ينجو وهو في هذه المنطقة بالذات من بلاد الله ، وبهذا يختلف حاله عن حاله وهو في مكّة أو المدينة ، فإنّه كان يستطيع أن يذهب من هناك إلى اليمن مثلاً ، في حين لا يستطيع الآن أن يفعل شيئاً بحسب القانون الطبيعي ؛ لأنّه أصبحَ بمنزلة المُحاصَر بجيوش بني أُميّة ، وإن لم يكن كذلك فعلاً ، إلاّ أنّ الرجوع يحتاج إلى زمنٍ طويل نسبيّاً ، الأمرُ الذي يستلزم أنّهم يُدركونه أينما وجدوه.
وهنا ينتج : أنّه سلام الله عليه كان يائساً من الحياة ، وتحدّثنا فيما سبقَ أنّ اليائس من الحياة يختلف تكليفه الشرعي عن غيره ، ويستطيع أن يختار المَوتة التي يتمنّاها لنفسه إن كان في مقدوره ذلك ، وكان في مقدوره سلام الله عليه ذلك ، فاختار لنفسه.
الهدفُ السابع : المُحتمل لحركة الحسين عليهالسلام :
إعطاء الأمثولة للدين الحنيف القويم ، وأنّه يستحقّ هذا المقدار العظيم من التضحية والفداء في سبيل الله وفي سبيل إقامة الأحكام الإسلاميّة والشعائر الدينيّة.
وينبغي هنا أن نُلاحظ أنّ الأمر إنّما هو مربوط بالله سبحانه قبل أن يكون مربوطاً بشيء آخر ؛ لأنّ الدين على عَظمته إنّما اكتسبَ الأهميّة ؛ لأنّه أمر الله ونهيه ، والرسول إنّما اكتسبَ الأهميّة لأنّه رسول الله ، والمعصومون إنّما حَصَلوا عليها ؛ لأنّهم أولياء الله ، إذاً فالأمر مربوط بالله مباشرة وليس بغيره من قريبٍ ولا بعيد ، وهو الذي يستحقّ الفداء في الحقيقة ، وإن كان هو في غِنى عن العالَمين ، ولذا وردَ في تفسير قوله تعالى : (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (١) ، يعني الحسين عليهالسلام ، وهو لم يفدِ إسماعيل الذبيح سلام الله عليه ، كما هو ظاهر السياق ، بل وقعَ السياق في سبيل الله وفي طريق توحيد الله
__________________
(١) سورة الصافات : آية ١٠٧.