على الواقعيّات ، ومع الاطّلاع على الواقعيّات ، فمن الممكن أن يكون ردّ فعلها هو الاستبشار لا الحزن ، فكيف يقول دعبل الخزاعي هذين البيتين؟ نُعيدهما لكي يطّلع القارئ الكريم مجدّداً :
أفاطمُ لو خِلتِ الحسين مُجدّلاً |
|
وقد ماتَ عطشاناً بشطّ فُراتِ |
إذن للَطمتِ الخدّ فاطم عندهُ |
|
وأجرَيتِ دمعَ العين في الوَجناتِ |
فإذا التفتنا والحال هذه إلى أنّ الإمام الرضا عليهالسلام قد أقرّ عمل دعبل وباركهُ ، إذاً فمن الممكن القول : إنّ أمثال ذلك من جِنس الكذب ، وهو عَرض ما هو مُحتمل باعتبار أنّه يقين فيكون جائزاً بإقرار الإمام عليهالسلام.
وجوابُ ذلك من عدّة وجوه نَذكر المهمّ منها : وهو أنّ دِعبل الخزاعي ـ حيث قال هذين البيتين وأضرَابهما ـ إنّما يُعبّر عن مستواه في الإيمان واليقين ، ومقتضى مستواه : هو أن يُفهِم الزهراء (سلام الله عليها) بهذا المقدار لا أكثر ، ومن الصعب عليه أن يلتفت إلى ما ذكرناه من احتمال الاستبشار برحمة الله عزّ وجل ، والإمامُ الرضا عليهالسلام لم يجد مصلحة في تنبيهه على ذلك ، إذ لعلّها من الحقائق التي يصعب عليه تحمّلها ، فمن الأفضل استمرار غفلتهُ عنها ، طبقاً لقانون : «دَعوا الناس على غَفلاتها» (١) ، أو قانون : «كلِّموا الناس على قَدر عقولهم» (٢).
ومن هنا يتّضح : أنّه ليس كلّ إقرار من قِبل الأئمّة سلام الله عليهم حُجّة في إثبات الصحّة ، بل يُشترط في الإقرار إمكان المناقشة فيه والنهي عنه ، فإذا لم يَنهِ وهو يُمكنه النهي ، إذاً يدلّ ذلك على الإقرار ، وأمّا إذا لم يُمكنه النهي على الإطلاق ، إذاً فسوف لن يكون سكوتهُ دالاً على الإقرار.
وموردنا من هذا القبيل ؛ لأنّ دعبل لم يكن يتحمّل إيضاح الفكرة له ،
__________________
(١) أشار إليها سماحة المؤلِّف في المقدّمة الثانية ، فراجع.
(٢) أصول الكافي : ج ١ ، ص ٦٧ ، حديث ١٥ ، البحار للمجلسي : ج ٢ ، ص ٦٩ ـ ٧٠ ، حديث ٢٣ ـ ٢٤.