وخاصّةً أنّ الإمام عليهالسلام لا يجد في ذلك مَفسدة دينيّة ؛ لأنّ الأعمّ الأغلب من الناس إنّما هُم بمنزلة دعبل أو دون مستواه ، فلا يكون من المنافي مع مستواهم أن يسمعوا أبياته.
إذاً ، فليس في هذه الرواية ـ لو تمّت سَنداً ـ أيّ إقرار على قول ما خالفَ الواقع من الحوادث أو الأقوال أو الأفعال ، لا في الشِعر ولا في النَثر.
وهنا ينبغي أن نلتفت إلى أنّ الحُزن الحقيقي ، إنّما هو على أهل الدنيا وأهل الشر وأهل العِناد ، على اعتبار أنّهم اختاروا لأنفسهم الغفلة والشرّ والعناد ، وقد رويَ أنّ الإمام الحسين عليهالسلام بكى على أعدائه في كربلاء (١) ، باعتبار أنّهم اجتمعوا ضدّ إمامهم ومولاهم الحقيقي وعَرّضوا أنفسهم لهذه الجرائم النكراء. وأمّا تصوّره عليهالسلام عن شهادته والبلاء الذي مرّ عليه : فهو الاستبشار والفرح بحُرمة الله ونعمته جلّ جلاله ، كما أنّ الحُزن يكون على أولئك المشمولين لقوله عليهالسلام : «مَن سمعَ واعيتنا ولم ينصُرنا أكبّه الله على مَنخريه في النار» (٢) ، وهذا هو بكاء الأبوّة الواقعيّة حين يحسّ الأب بتمرّد أولاده عليه ، والواقع أنّ تمرّدهم ليس ضدّه بل ضدّ ربّهم من ناحية ، وضدّ أنفسهم من ناحية أخرى ، فتكون المصيبة عليهم منهم أكبر ؛ لأنّه لن يُعاقَب إلاّ فاعل الجريمة.
وقد يخطر في البال : إنّ هذا البلاء في كربلاء أصبحَ ـ بحسب ما شرحناه ـ سبباً للاستبشار وللبكاء في نفس الوقت في نفس الحسين عليهالسلام ، وهذا تناقض غير معقول ، فلابدّ أن يكون للمسألة تفسير آخر.
وجوابُ ذلك : إنّ هذا البلاء بنفسه له جانبان أو نظرتان أو لحاظان :
__________________
(١) الخصائص الحسينيّة للتستري : ص ٧٨.
(٢) البحار للمجلسي : ج ٤٤ ، ص ٣١٥.