أسباب التصدق بعد (١) ، ثم علمت به ، وكان موته بتلك الأسباب مشروطا بألا يتصدق فتحكم أولا بالموت ، وثانيا بالبرء.
وإن (٢) كانت الأسباب لوقوع أمر أو لا وقوعه متكافئة ولم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد ؛ لعدم مجيء أوان سبب ذلك الرجحان بعد ؛ كان لها التردّد في وقوع ذلك الأمر ولا وقوعه ، فينتقش فيها الوقوع (٣) تارة واللاوقوع اخرى. فهذا هو السبب في البداء والمحو والإثبات والتردّد ، وأمثال ذلك في امور العالم.
وأما نسبة ذلك إلى الله تعالى ؛ فلأن كل ما يجري في العالم الملكوتي إنما يجري بإرادة الله تعالى ، بل فعلهم بعينه فعل الله سبحانه ، حيث لا يعصون ما يأمر الله (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) ؛ إذ لا داعي لهم في الفعل إلّا إرادة الله عزوجل لاستهلاك إرادتهم في إرادته تعالى. ومثلهم كمثل الحواسّ للإنسان ؛ كلّما همّ بأمر محسوس امتثلت الحاسة لما هم به وأرادته دفعة ، فكل كتابة تكون في هذه الألواح والصحف ، فهو أيضا مكتوب الله عزوجل بعد قضائه السابق المكتوب بقلمه الأوّل. فيصح أن يوصف الله عزوجل بأمثال ذلك بهذا الاعتبار وإن كان مثل هذه الأمور تشعر بالتغير والسنوح ، وهو سبحانه منزّه عنه ؛ فإن كل ما وجد أو سيوجد ، فهو غير خارج عن عالم ربوبيته) (٤) انتهى.
واعترضه بعض الأفاضل المحدثين على ذلك ـ ووافقه آخرون ـ بأن (فيه :
أولا : أن قوله سبحانه (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) (٥) وكذا الروايات صريحة في أن الماحي والمثبت هو الله سبحانه ، لا النفوس الفلكية كما زعمه.
وثانيا : أنه لم يقم دليل على ثبوت النفوس للأفلاك.
__________________
(١) من «ح» والمصدر.
(٢) في «ح» والمصدر : وإذا.
(٣) من «ح» والمصدر ، وفي «ق» : الرجوع.
(٤) الوافي ١ : ٥٠٧ ـ ٥٠٩.
(٥) الرعد : ٣٩.