الله مرقده ـ في ديباجة كتابه (الكافي) أن مذهبه فيما اختلفت فيه الأخبار ، هو القول بالتخيير ، ولم أعثر على من نقل ذلك مذهبا له ، مع أن عبارته ـ طاب ثراه ـ بذلك ظاهرة الدلالة ، طافحة المقالة. وشراح كلامه قد زيفوا عبارته ، وأغفلوا مقالته.
قال قدسسره : (فاعلم يا أخي ـ أرشدك الله ـ أنه لا يسع أحدا تمييز شيء مما اختلفت فيه الرواية عن العلماء عليهمالسلام برأيه إلّا على ما أطلقه العالم بقوله : «اعرضوها (١) على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله عزوجل فخذوا به ، وما خالف كتاب الله فردوه».
وقوله عليهالسلام : «دعوا ما وافق القوم ، فإن الرشد في خلافهم».
وقوله عليهالسلام : «خذوا بالمجمع عليه ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه».
ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقله ، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ ذلك إلى العالم ، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله : «بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم» ...) (٢) انتهى كلامه ، علا في الخلد مقامه.
وقوله قدسسره : (ونحن لا نعرف) ـ إلى آخره ـ الظاهر أن معناه : أنا لا نعرف من كلّ من الضوابط الثلاثة إلّا الأقلّ ، ويمكن توجيهه بأن يقال : أما بالنسبة إلى (الكتاب) العزيز فلاستفاضة الأخبار ، بأنه لا يعلمه على التحقيق إلّا أهل البيت عليهمالسلام. والقدر الذي ربما يمكن الاستناد إليه في الأحكام الشرعية مع قطع النظر عن تفسيرهم ـ صلوات الله عليهم ـ أقل قليل ؛ ففي جملة من الأخبار الواردة في تفسير قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) (٣)
__________________
(١) من المصدر ، وفي «ح» و «ق» : اعرضوهما.
(٢) الكافي ١ : ٩.
(٣) فاطر : ٣٢.