وأما ثانيا ، فلأن مجرد الاستعانة لا قبح فيه ـ كما ادّعاه رحمهالله ـ ولا يستلزم ما ذكره من الأخذ بأمر نائب الرسول كما لا يخفى.
والظاهر أيضا قصر الحكم على ما لو كان المتداعيان من الشيعة ، فلو كان من عليه الحق مخالفا فلا يبعد جواز التوصّل إلى أخذ الحق منه بقضاتهم. وأخبار المسألة لا تأباه ؛ لاختصاص المنع فيها بالصورة الاولى ، كقوله في الرواية المذكورة من أصحابنا ، وفي روايتي أبي خديجة الآتيتين : «إياكم». وفي رواية أبي بصير الاولى (١) : «أخ له» وإن كانت الثانية مطلقة ، فتحمل على ذلك. وإلى ذلك يشير : «عاملوهم بما عاملوا به أنفسهم».
إلّا إنه قد ورد في صحيحة علي بن مهزيار عن علي بن محمد عليهماالسلام (٢) : هل نأخذ في أحكام المخالفين ما يأخذون منا في أحكامهم؟ فكتب عليهالسلام : «يجوز لكم ذلك إن شاء الله ، إذا كان مذهبكم فيه التقيّة منهم والمداراة لهم» (٣).
فإن الظاهر أن المراد من السؤال المذكور : أنه هل يجوز لنا أن نأخذ حقوقنا بحكم قضاتهم ، كما أنهم يأخذون منا حقوقهم بحكم قضاتنا؟ ولعل المراد من قوله عليهالسلام : «إذا كان مذهبكم فيه التقية» ـ إلى آخره ـ : أنه يجوز لكم ذلك إذا كان رجوعكم إلى قضاتهم تقية ؛ لعدم إمكان تحصيل الحقّ منهم بوجه آخر من المرافعة إلى حكام العدل أو الأخذ بنوع اخر ، وخوف الضرر والفتنة بذلك ، ومداراة لهم بإظهار الرضا بقضاتهم ، وحل ما يقضون به.
__________________
(١) انظر : الكافي ٧ : ٤١١ / ٢ ، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور ، دعائم الإسلام ٢ : ٤٥١ / ١٨٨٣ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١١ ـ ١٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١ ، ح ٢.
(٢) في «ح» بعدها : قال سألته.
(٣) تهذيب الأحكام ٦ : ٢٢٤ / ٥٣٥ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٢٢٦ ، أبواب آداب القاضي ، ب ١١ ، ح ١. ومثله رواية أيوب بن نوح ، وسائل الشيعة ٢٦ : ١٥٨ ، أبواب ميراث الإخوة ، ب ٤ ، ح ٣.