قلت : فلم فوضت دينك إلى أبي بكر ورضيت أن تفوض أهلك إلى من لا يكون ممدوح الفريقين؟ فأطرق إلى الأرض مليا.
ثم قلت : ألم يك أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في غزوات المشركين فعل ما فعل كما هو مشهور ، وفي كتب الفريقين مسطور ، وألم يك أبو بكر وعمر فرا كما هو في الألسنة مذكور وفي التواريخ (١) مزبور؟
قال : نعم.
قلت : لم يسعيا في غزوات النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مع كونهما مبشرين بالنعيم إن صارا مقتولين ومعززين عند الله ورسوله إن كانا حيين ، وحيث لم يسعيا في ذلك الزمان ، أوان ضعف الأسلام والأيمان ، وحين شوكة الشرك والكفر ، بل فرا في كل الغزوات وما خجلا عن رسول الكائنات ، علم أن طلبهم الرئاسة وابتغائهم السياسة ، كان لأجل الغرض ، بل في قلوبهم مرض ، فأطرق أيضا إلى الأرض مليا.
ثم قلت : أنت ما رضيت بأن تترك الوصية لابنك وأهلك وأولادك لئلا تخرج السلطنة عنهم ، ولا يصيرون معرضا للقتل والنهب والأسر والذلة ، فكيف يرضى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ان يموت ولا ينصب عليا ـ عليه السلام ـ خليفته وقاضي دينه ومنجز وعده ولا يجعله إمام العباد ، وسلطان البلاد ، مع علمه بغرائز العرب ، وكثرة إفسادهم في حالة الغضب.
حيث يقتلون القبائل ، لطلبهم ثارا واحدا من الأراذل ، ولا ينتهون
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ١ ص ٢٤٠ ، ترجمة الأمام علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ ص ١٧٧ ح ٢٤٢ و ٢٤٣ و ٢٤٧ ، الشذرات الذهبية لابن طولون ص ٥٢ ، كشف الغمة للاربلي ج ١ ص ١٨٨ ، بحار الانوار ج ٢٠ ص ١٠١ ح ٢٩.