أطرف الأشياء وذلك إنهم يعتقدون تفسيق إنس بل تكفيره ، فيقولون : إنه كتم الشهادة في النص حتى دعا عليه أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ببلاء لا يواريه الثياب ، فبرص (١) على كبر السن ومات وهو أبرص ، فكيف يستشهد برواية الكافرين؟ (٢)
فقالت المعتزلة : قد أسقط هذا الكلام الرجل ولم يجعل الحجة في الرواية أنسا ، وإنما جعلها الأجماع ، فهذا الذي أوردته هذيان وقد تقدم ابطاله.
فقال السائل : هب أنا سلمنا صحة الخبر ما أنكرت أن لا يفيد مإ
__________________
(١) راجع : المعارف لابن قتيبة (في باب البرص) ص ١٩٤ وص ٣٩١ ، بحار الانوار ج ٣٤ ص ٢٨٧ وج ٣٧ ص ١٩٧ وج ٤٢ ص ١٤٨ وج ٣٨ ص ٣٥١ ، سفينة البحار للقمي ج ١ ص ٤٧ ، عبقات الانوار (حديث الثقلين) ج ٢ ص ٣٠٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٩ ص ٢١٧ ـ ٢١٨ ، وقال في ج ٤ ص ٧٤ (فصل في ذكر المنحرفين عن علي ـ عليه السلام ـ) :
وذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أن عدة من الصحابة والتابعين والمحدثين كانوا منحرفين عن علي ـ عليه السلام ـ ، قائلين فيه السوء ، ومنهم من كتم مناقبه وأعان أعداءه ميلا مع الدنيا ، وإيثارا للعاجلة ، فمنهم أنس بن مالك ، ناشد علي ـ عليه السلام ـ الناس في رحبة القصر ـ أو قال : رحبة الجامع بالكوفة ـ : أيكم سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها ، وأنس بن مالك في القوم لم يقم ، فقال له : يا أنس ، ما يمنعك أن تقوم فتشهد ، ولقد حضرتها؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، كبرت ونسيت ، فقال : اللهم إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة. قال طلحة بن عمير : فوالله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.
وروى عثمان بن مطرف أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ ، فقال : إني آليت ألا أكتم حديثا سئلت عنه في علي ـ عليه السلام ـ بعد يوم الرحبة ، ذاك رأس المتقين يوم القيامة ، سمعته والله من نبيكم.
(٢) بل الاعتراض من أطرف الأشياء ، لأن المسلم في محله صحة استدلال الخصم في الحجاج بما يراه المستدل عليه صحيحا ، ولا يلزم أن يكون هو عند المستدل ايضا صحيحا.