العمل. فلا بدّ في صحّة العمل صدق الإخلاص فيه حقيقة ، وهذا لا يتحقّق مع شوب مدخليّة لغير محض الامتثال والتقرّب وحبّ ما يحبّه الله من عبده كما هو واضح ، فإنه مع ذلك لا يخفى عدم تحقّق مبدأ اشتقاق الإخلاص عليه حقيقة ، بل ولا مجازاً ؛ لأنه ما لم تتحقّق الحقيقة في مثل المقام لا يتحقّق المجاز ؛ لأن المقام ليس بقابل للمجازفات والتجوّزات التي يصحّ نفيها بوجه. فصحّة العبادة يحتاج إلى مجاهدات كثيرة صعبة للنفس وعليها ، لكنّه بعد ارتياض النفس وتطبّعها به يكون سهلاً جدّاً لا يخرج عن وسع كلّ عابد بقدر قابليّته ، وعلى الله قصد السبيل ، ومنها جائر. عصمنا الله وإيّاكم من همزات الشيطان ، وأخذ بنا سبيل الرشاد.
لا يصحّ العمل إلّا إذا طابق النيّة وطابقته من كلّ وجه فـ : « إنما الأعمال بالنيّات ، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى » (١) ، وجاء في تفسير قوله تعالى : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ ) (٢) تفسير الشاكلة بالنيّة (٣). فلا بدّ إذن من تطابقهما.
والأخبار بهذا المضمون كثيرة جدّاً. والنيّة هي الإرادة الخاصّة من كلّ وجه بالعمل الخاصّ المتشخّص من كلّ وجه. فلا بدّ من تشخّص العمل فيها من كلّ وجه ، وروحها هو الباعث على تلك الإرادة. فإذن هي رتبة من مراتب وجود العمل الكونيّ ، فلا بدّ من تطابقهما من كلّ وجه ، وإلّا لم تكن تلك النيّة والإرادة نيّة لذلك العمل ، فلا بدّ من تشخّصه فيها من كلّ وجه.
فإذن لو كانت النيّة كلّيّة أو مجملة أو مبهمة ولو بوجه ، لم تكن مطابقة للعمل الواقع في خارج الزمان المتشخّص بجميع مشخّصاته ولا نيّة له ؛ لأنها رتبة من رتب
__________________
(١) الأمالي ( الطوسيّ ) : ٦١٨ / ١٢٧٤ ، وليس فيه لفظ : « إنما » ، وأخرجه بهذا اللفظ البخاريُّ في صحيحه ١ : ٣ / ١ ، يُذكر أن المصنّف قدسسره ذكر الحديث من غير لفظ : « إنما ». راجع الصفحة : ٢٧ ، الهامش : ١.
(٢) الإسراء : ٨٤.
(٣) الدرّ المنثور ٤ : ٣٦١ ، الجواهر الحسان ٢ : ٢٧٧.