« وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها » يقول بسطها فقال له الشامي يا أبا جعفر قول الله تعالى :
______________________________________________________
فوق الأخرى ، أو بين نسبة خلقهما في كتابه بقوله « وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها » فبين أن دحو الأرض بعد رفع السماء ، ولنذكر هنا وجه الجمع بين الآيات التي وردت في تقدم خلق الأرض على السماء وتأخره ، إذ زعم بعض الملاحدة أن فيها تناقضا.
فأما الآيات الواردة في ذلك فالأولى منها قوله تعالى : « قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ ، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ » (١) والثانية قوله تعالى « هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » (٢) فهاتان الآيتان تدلان على أن خلق الأرض قبل السماء ، والثالثة قوله تعالى : « أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها » (٣) وظاهرها تأخر خلق الأرض عن السماء.
وأجيب عن هذا الإشكال بوجهين : أحدهما : إن خلق الأرض قبل السماء ، إلا أن دحوها متأخر عن خلق السماء واستشكل بوجهين :
الأول : إن الأرض جسم عظيم فامتنع انفكاك خلقها عن التدحية ، فإذا كانت التدحية متأخرة عن خلق السماء كان خلقها لا محالة أيضا متأخرا عن خلق السماء.
والثاني : إن الآية الثانية تدل على أن خلق الأرض وخلق كل ما فيها مقدم خلق السماء ، وخلق الأشياء في الأرض لا يكون إلا بعد ما كانت مدحوة.
__________________
(١) سورة فصّلت : ١ ـ ٩.
(٢) سورة البقرة : ٢٩.
(٣) سورة النازعات : ٢٧ ـ ٢٩.