ويقضي بها حق الشهوة فكأنه يأكل في معى واحد لفرط الاقتصار وكراهة الاستكثار وأما الكافر فإنه لتبجحه في المآكل وتنقله في المطاعم وتوخيه ضد ما يتوخاه المؤمن من اجترار حطام الدنيا التي يطلب عاجلها ولا يأمل آجلها فهو عبد للذته وكادح في طاعة شهوته كأنه يأكل في سبعة أمعاء لأن أكله للذة لا للبلغة وللنهمة لا للمسكة انتهى (١).
وقال الراوندي رحمهالله المعى على وزن اللوى واحد الأمعاء وهي مجاري الطعام في البطن وهذا مثل وذلك أن المؤمن لا يأكل إلا من الحلال ويجتنب الحرام والشبهة والكافر لا يبالي ما أكل وكيف أكل ومن أين أكل وإذا كان كذلك فمأكل الكافر أكثر من مأكل المؤمن وخص السبعة بالذكر مثلا كما يذكر السبعون في مثل هذه المواضع قال تعالى « إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ » (٢).
والمعى أيضا المذنب من المذانب وهو مسيل الماء في الحضيض قال أبو عبيد ترى ذلك لتسمية المؤمن عند طعامه فتكون فيه البركة والكافر لا يفعل ذلك وهذا الوجه كما ترى وقيل إنه مثل ضربه النبي صلىاللهعليهوآله للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها وليس الغرض بذلك الأكل فحسب بل يعني اتساع الرغبة وهذا الوجه قريب من الوجه الذي قدمناه وصدرنا به الكلام.
وقيل : هذا في رجل بعينه كان يأكل في حال كفره فيكثر فلما أسلم قل طعمه وذكر أنه عمرو بن معديكرب الزبيدي وقال أبو عبيد في تاريخه ترى أنه عنى أبا نضرة الغفاري واسم أبي نضرة حميل بالحاء وضمه فمن قال حميل أو جميل فقد أخطأ والله أعلم بذلك ويؤيد أن المعنى اتساع الرغبة قولهم فلان يأكل هذه البلدة وهذه الولاية ولعله لا يأكل مما يحصل منها لقمة بل يتصرف في ذلك وذكر الأكل مجاز في مثل هذه المواضع يقال أكل فلان ألف دينار ولعله لبس به ولم يأكل أو أعطاه أو أنفقه في وجه غير الأكل والغرض بالأكل الشنعة ألا ترى إلى
__________________
(١) المجازات النبوية ٢٤٣.
(٢) لنا كلام في شرح الآية تراها في ج ٩١ ص ٣٦٤.