من علم الفلك القرآني

الدكتور عدنان الشريف

من علم الفلك القرآني

المؤلف:

الدكتور عدنان الشريف


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلم للملايين
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٧٢

( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ )

تتحول الشمس عند احتضارها إلى عملاق أحمر قبل أن ينفد وقودها بعد خمسة مليارات سنة تقريبا فتمتلئ نواتها بغاز الهاليوم الذي يقلّصها على بعضها ، وهذا ما يرفع حرارتها إلى مائة مليون درجة مئوية ، وهنا تنفجر بثوان وتتحول إلى قزم أبيض. ويقول علماء الفلك إن الشمس خلال احتضارها أي عند ما تتحول إلى عملاق أحمر ، سيكبر حجمها مئات المرات وتبتلع جميع أجرام النظام الشمسي ، فهل هذا معنى قوله تعالى ( فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ )؟ الله أعلم

٨١

الكربون يبقى فقط ٨ % بشكل مواد عضوية. وإذا علمنا أن ألف كيلوغرام من الأحياء البحرية الحيوانية التي تتغذى بالنبات تتحول إلى عشرة كيلوغرامات من الأحياء الحيوانية التي تتغذى باللحوم ، وأن هذه تتحول إلى كيلوغرام واحد من المواد البروتينية التي تعطي كمية من الطاقة تعادل ألفي وحدة حرارية ، نعلم مدى الترابط بين مختلف مصادر الطاقة الغذائية وأساسها ضوء الشمس ، ونعلم شيئا بسيطا جدّا عن عظمة قسم المولى بضحى الشمس.

الطاقة الكامنة في حركة الأمواج الممتدة على مسافة مائة كلم من الشواطئ ، إن أحسن استغلالها ، تكفي لإمداد مليون منزل بالطاقة الكهربائية ، علما أن الطاقة الكامنة في حركة الموج مصدرها ضوء الشمس المسبّب للرياح التي تسبّب الموج. كما أن حرارة الشمس التي تختزنها مياه خليج المكسيك تكفي نظريّا ، إذا أمكن استغلالها ، لأن تعطي ٣٠ % من حاجة الولايات المتحدة للكهرباء. هذه الأمثلة القليلة والبسيطة تعطي فكرة عن « خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب » التي أودعها في المخلوقات من خلال خزان الطاقة الهائل المتمثل بالشمس.

كيف ولدت الشمس وما هو ضوؤها

بعد الانفجار الكبير الذي حصل في الكتلة البدائية الأولى التي انبثق منها الكون منذ ستة عشر مليار سنة تقريبا ، توسع الكون فنشأت سحب غازيّة متناثرة لا حصر لها هي السّدم ( جمع سديم ). وفي سحابة منها ذات حجم هائل ودوران سريع حول نفسها ، ومع مرور مليارات السنين ، تكثفت في وسط السحابة الجزيئات البدائية التي تتألف منها ( البروتون ـ النترون ـ الإلكترون ـ ومضاداتها ) ، فنشأ من هذا التكثف ضغط هائل رفع الحرارة في وسط السحابة إلى ملايين الدرجات المئوية. وبفعل الحرارة الهائلة هذه اتحدت جزيئات المادة فيما بينها فألّفت نواة ثم ذرّة غاز الهيدروجين ، ثم اتحدت أربع ذرات من غاز الهيدروجين فأعطت ذرة من غاز الهيليوم. ومن هذا التحول خرج ضوء الشمس المؤلف من جزيئات من المادة اسمها الفوتون ( Photons ) التي نشأت نتيجة اتحاد وانعدام جزيئات المادة مع

٨٢

( وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً )

كيف ولدت الشمس

منذ خمسة مليارات سنة تقريبا ومن وسط سحابة كونية هائلة الحجم سريعة الدوران حول نفسها تكثفت الجزيئات التي تتألف منها بفعل الضغط الهائل الناتج عن دوران السحابة حول نفسها ثم ارتفعت الحرارة في وسط السحابة إلى عشرات الملايين ، فاتحدت جزيئات المادة وتحوّلت إلى نوى غاز الهيدروجين ، ثم اتحدت أربع نوى من غاز الهيدروجين فأعطت نواة غاز الهاليوم ، ومن هذا التحول الاندماجي النووي نشأ ضوء الشمس وبقية النجوم التي تشبهها

٨٣

أضدادها ( أي من البروتون مع البروتون المضاد والنترون مع النترون المضاد ). هكذا ولدت الشمس وبقية النجوم في السحابات الكونية ، كما يقول علماء الفلك والفيزياء النووية اليوم. وهذا التفسير العلمي لمولد الشمس يقع أيضا تحت مفهوم الآية الكريمة التي تطرقت إلى خلق السماوات والأرض في قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ) ( الأنبياء : ٣٠ ) ، ذلك أن الغيمة التي ولدت فيها الشمس تأتّت من فتق الكتلة البدائية الأولى التي كانت في البدء مجموعة معها ( راجع فصل نشأة الكون ).

إن ضوء الشمس اليوم ناشئ عن تحول غاز الهيدروجين إلى غاز الهيليوم في قلب الشمس بفعل الحرارة الهائلة في مركزها والتي تصل إلى خمسة عشر مليون درجة مئوية ، أما على أطرافها فتصل الحرارة إلى ستة آلاف درجة مئوية ، ذلك أن شعاع قرص الشمس ، أي المسافة بين مركزها وأطرافها ، يقدّر بسبعمائة ألف كلم ( ٠٠٠ ، ٧٠٠ ) تقريبا ، أي مائة مرة أكبر من شعاع الأرض. ويقدّر العلماء أن الشمس ، كمعمل حراري هائل ، تعطي في الثانية من الضوء ما يعادل الرقم ٩ ، ٣* ٢٦ ـ ١٠ من الطاقة بوحدة « جول » ( Joule ) وهذا الضوء متأتّ من تحويلها في كل ثانية لستمائة مليون طن من غاز الهيدروجين إلى ٥٩٦ مليون طن من غاز الهيليوم ـ كما أسلفنا ـ علما أن الشمس قد ولدت منذ أربعة مليارات سنة ونيف ، وأن فيها من الوقود ما يكفي لخمسة مليارات سنة أيضا. ويحاول الإنسان منذ ثلاثين سنة أن يسيطر على الطاقة الاندماجية الكامنة في تحوّل غاز الهيدروجين إلى غاز الهيليوم كما هي الحال في الشمس ، إلا أنه لم يصل بعد حتى الآن ، وإذا توصل إلى شيء ما في هذا المجال فإن كوبا من مياه البحر يكفي لإنارة مدينة نيويورك في يوم إن استطاع الإنسان السيطرة على الطاقة الاندماجية الكامنة في ذرات غاز الهيدروجين الموجودة في كوب الماء.

أما ضوء الشمس فيتألف من موجات إشعاعية مرئية هي الأشعة البيضاء المؤلفة من مختلف ألوان قوس قزح ( الأحمر ـ البرتقالي ـ الأصفر ـ الأخضر ـ الأزرق ـ النيلي ـ البنفسجي ) ، وموجات أشعة غير مرئية كالأشعة

٨٤

( وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً )

قبل أن يعرف العلم في القرن التاسع عشر أن الشمس جرم مستقلّ يستمدّ ضياءه من ذاته ، وأن القمر جرم بارد يستمدّ نوره من الشمس ، أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة العلمية في الآية الكريمة أعلاه ، وفي قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً )

والصورة (١) التي أخذت للشمس بالأشعة المجهولة تبين كيف جعلها سراجا وهّاجا : ( وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً ). أما الصورة (٢) فتبين الوجه المنير للقمر كما يبدو نتيجة انعكاس ضوء الشمس على سطحه

٨٥

تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والأشعة المجهولة وأشعة غاما وموجات الراديو والموجات الصغيرة. نلاحظ هنا عمق البعد العلمي القرآني الذي فرّق بين أشعة الشمس وقد وصفها التنزيل بالضياء ، وأشعة القمر وقد وصفها بالنور : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) ( يونس : ٥ ). فالنور الذي يأتي من القمر ما هو إلا انعكاس لأشعة الشمس المرئية المتساقطة على سطحه. أما ضوء الشمس فهو مؤلف من أشعة مرئية وغير مرئية ، إلا أن الإنسان استطاع أن يدرس الأشعة غير المرئية ويستعملها بواسطة آلات التصوير بالأشعة المجهولة التي يستخدمها الطب اليوم في تصوير مختلف أعضاء الجسم ، وآلات التصوير بالأشعة ما تحت الحمراء وما فوق البنفسجية التي يستعملها علماء الفلك والفيزياء والأحياء.

وهكذا ، وعلى ضوء هذا الشرح المبسط جدّا للشمس وضحاها ، والذي هو في مستوى أكثرية المؤمنين ، تتبين الأبعاد العلمية لقسم المولى بالشمس وضوئها ، فيرتفع المؤمن بعيدا في أجواء العظمة الإلهية في الخلق عند ما يتلو في صلاته وقرآنه : ( وَالشَّمْسِ وَضُحاها ) بدل أن يردد يوميّا هذه الآيات من دون أن يدرك بعدها العلمي. وبعد أن درسنا خلال سنوات وفي أحدث المراجع العلمية ممّ تتألف الشمس ، وكيف تعمل ، وممّ يتأتّى ويتألف ضحاها ، تفتحت أمامنا آفاق علمية قرآنية لدى تلاوتنا في صلاتنا لآية الشمس والضحى فأحببنا أن نشارك المؤمن فيها ، والله وراء القصد.

ملاحظة

سورة الشمس هي السورة الوحيدة في كتاب الله الكريم التي أقسم فيها المولى بأحد عشر قسما متتاليا : ( وَالشَّمْسِ وَضُحاها ، وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها ، وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها ، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها ، وَالسَّماءِ وَما بَناها ، وَالْأَرْضِ وَما طَحاها ، وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ). ( الشمس : ١ ـ ٧ ) ، وجعل جواب آيات القسم هذه التأكيد بأن الإنسان مخيّر بين الفجور والتقوى وتزكية نفسه أو تدنيس نفسه بالمعاصي : ( فَأَلْهَمَها ) ( أي عرّفها ) ( فُجُورَها وَتَقْواها. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ) ( الشمس : ٨ ـ ١٠ ). ومع ذلك فلم يتنبه بعض الباحثين

٨٦

في الإسلاميات إلى هذه السورة الكريمة ، فتساءلوا عن الجبر والاختيار في الإسلام مع أن الموضوع محسوم منذ التنزيل بأن الإنسان مخير بين التقوى والفجور.

رابعا : ( وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها ) ( الشمس : ٢ )

أقسم المولى بالقمر ككل بقوله : ( كَلاَّ وَالْقَمَرِ ) ، ( المدثر : ٣٢ ) وأقسم بمنزلة من منازل القمر عند ما يكون بدرا مكتملا بقوله : ( وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ) ( الانشقاق : ١٨ ) ، وهذا القول يشرح قوله أعلاه ( وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها ) أي تبعها في نوره ، فأداة الشرط « إذا » تخصص القسم هنا بمنزلة معينة للقمر وذلك عند ما يلي نوره ضوء الشمس بعد غيابها وعند ما يكون متسقا أي بدرا ، ويكون ذلك في الليالي البيض من الليلة الثالثة عشرة إلى السادسة عشرة من الشهر القمري.

( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ ) ( إبراهيم : ٣٣ ). لم يعرف السبب العلمي لحركة البحار اليومية المعروفة بالمد والجزر إلا في القرن الثامن عشر مع « نيوتن » الذي ربطها بتأثير جاذبية القمر والشمس على الأرض. ولا يبدو أثر هذه الجاذبية على الأرض الصلبة واضحا ، إلا أن تأثيرها يبدو واضحا على سطح البحار والمحيطات من خلال ارتفاع المياه وانخفاضها المعروف بالمد والجزر. وحركة المد أي ارتفاع مستوى منسوب المياه تكون في أقصاها في أول الشهر القمري ومنتصفه وذلك عند ما يكون القمر والأرض والشمس في خط مستقيم. ولقد كشفت علوم الأحياء وخاصة الأحياء البحرية أن تصرفاتها الحياتية ، كالتفتيش عن الغذاء والتوالد والهجرة والنمو ، مرتبطة ارتباطا وثيقا بتعاقب الليل والنهار ومنازل القمر وخاصة عند ما يكون بدرا. فكثير من الأسماك والقشريات التي تعيش في أعماق البحار تصعد إلى سطحه عند ما يكون بدرا. والنباتات تنمو بسرعة خلال الليالي التي يكون فيها القمر مكتملا. وهناك إحصائيات تدلّ على أن الأمراض النفسية الشعورية والاضطرابات السلوكية وحتى بعض الأمراض العقلية والعضوية تتأثر بمنازل القمر. وبصورة عامة فإن جميع الأحياء تتأثر

٨٧

بضوء الشمس ونور القمر من خلال ساعات داخلية بيولوجية في كل منها. كما أن للحقل المغنطيسي الشمسي تأثيره أيضا على تصرفات الأحياء. من هنا نفهم شيئا من المعنى العلمي لآيات القسم التي أقسم بها المولى بأوقات معيّنة من الليل والنهار كالفجر ( وَالْفَجْرِ ) ( الفجر : ١ ) ، والصبح ( وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ ) ( المدثر : ٣٤ ) ، والشروق ( وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها ) ( الشمس : ٣ ) ، و ( وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى ) ( الليل : ٢ ) ، والغروب ( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها ) ( الشمس : ٤ ) ، و ( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ) ( الليل : ١ ) ، والله أعلم.

خامسا : ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ) ( الرحمن : ٤ )

١ ـ ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ، ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) ( يونس : ٥ )

روي عن الرسول الكريم قوله : « أبى الله أن يجري الأشياء إلا بالأسباب فجعل لكل شيء سببا ولكل سبب علما وجعل لكل علم بابا ناطقا ». فلقد وضع المولى في جميع مخلوقاته ميزات وخصائص مكّنت الإنسان من دراستها والولوج إلى سر الصنعة فيها. ومع الأسف ، فكلما اكتشف الإنسان بابا ناطقا في المخلوقات أرجعه بعضهم إلى الصدفة أو الطبيعة وكأن المنطق العلمي السليم يمنعه من التصريح بأن الخالق وضع في خلقه أبوابا استطاع من خلالها الإنسان تعلّم البيان في المخلوقات. من الأمثلة على ذلك الشمس والقمر والعلاقة الحسابية بينهما : فلو لم يجعل المولى الشمس أكبر من القمر أربعمائة مرة تقريبا وأبعد منه بأربعمائة مرة تقريبا بالنسبة إلى الأرض ، لما كان هناك كسوف كلّي للشمس ومن هذا الكسوف تعلّم الإنسان الكثير من خصائص الشمس وميزاتها. وننقل من كتاب « الخسوف » (١) بالفرنسية ما ترجمته كالآتي :

__________________

(١) Paul Couderc. Les Eclipses pp. ١٤ – ١٥.

٨٨

( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ )

صدفة سعيدة أم ( تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) : رسم توضيحي وصورة رائعة لخسوف كلي للشمس وذلك عند ما يقع القمر بين الشمس والأرض في خطّ مستقيم. ولو لم يكن قطر القمر أصغر بأربعمائة مرة من قطر الشمس وأقرب إلينا منها بأربعمائة مرة ما حصل خسوف كلّي للشمس. ومن الخسوف تعلّم الإنسان الكثير من خصائص الشمس وميزاتها. والعجيب أن كل كتب الفلك التي استقينا منها المعلومات الحسابية عن نسبة قطر القمر والشمس ونسبة بعدهما عن الأرض أرجعت ذلك إلى مفارقة عجيبة أو صدفة سعيدة ( ... قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ )

( وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ )

صورة توضيحية لمنازل القمر بالنسبة للأرض والشمس : خلال دورة كاملة حول الأرض يدور القمر حول نفسه وحول الأرض في نفس المدة الزمنية ، لذلك لا يبدو لنا منه إلا نصفه المضيء المواجه للشمس. أما النصف الآخر فيغرق في ليل سرمدي ، فليل القمر لا يسبق نهاره بالنسبة لنا وهو معنى من معاني قوله تعالى ( وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ) ( يس : ٤٠ )

٨٩

« مفارقة سعيدة : قرصا الشمس والقمر متساويان تقريبا عند ما ننظر إليهما من الأرض إلا أن الشمس في الواقع أكبر من القمر بأربعمائة مرة وأبعد منه بالنسبة لنا بأربعمائة مرة. وبفضل هذه النسبة في بعد القمر والشمس عنا ونسبة قطر كل منهما ، أمكن لكسوف الشمس أن يكون كليّا عند ما يقع القمر بين الشمس والأرض ويكون الثلاثة في خطّ مستقيم. فلو كان قطر القمر ٣٢٠٠ كلم بدلا من ٣٤٨٠ كلم لما كان كسوف كلّي للشمس ولما علمنا بالشيء الكثير عن جو الشمس وخصائص طبقاتها الخارجية ، ذلك أن علم الفلك اليوم يدين بالكثير لخسوف الشمس الكلّي الذي مكّن وسيمكّن الإنسان من معرفة الكثير عن الشمس وميزاتها ».

تعليق

إن بعد الشمس والقمر عن الأرض وقطرهما وبالنّسب التي ذكرنا ، ليس من المفارقات السعيدة أو الصدف العجيبة كما كتب أكثر الذين استقينا منهم المعلومات الفلكية أعلاه ، بل لأهداف كثيرة أشار إليها المولى في كتابه الكريم. فمنها تعليم الإنسان بيان الخصائص في الأشياء : ( خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ) ( الرحمن : ٣ ـ ٥ ) ؛ ومنها الدليل على وجوده ومعجزاته : ( وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ ) ، ( غافر : ٨١ ) ، و ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) ( الرّحمن : ١٦ ) ؛ ومنها التسخير لخدمة الإنسان : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ ) ( إبراهيم : ٣٣ ). أما بعض الكلمات الجوفاء كالصدفة السعيدة أو العجيبة فقد آن لها في القرن العشرين أن تمحى من كتابات العلماء ليحل محلها كلمة الخالق أو العلة الأولى. ولكن الإنسان كان وسيظل كما وصفه خالقه : ( إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) ( العاديات : ٦ ).

٢ ـ ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ) ( الكهف : ٢٥ )

السنة الشمسية والقمرية : أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أنزلت ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ ) ، فقيل يا رسول الله : سنينا أو شهورا؟ فأنزل الله : ( سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ). ومن تفسير ابن كثير للآية

٩٠

الكريمة أعلاه : « هذا خبر من الله تعالى لرسوله بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم منذ أرقدهم إلى أن بعثهم وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان ، وأنه كان مقداره ثلاثمائة سنة تزيد تسع سنين بالهلالية ».

وقبل أن تصل حسابات الرصد الفلكية إلى الدقة المتناهية التي هي عليها اليوم في القرن العشرين ، بحيث إن مقدار الخطأ قد لا يتجاوز الواحد من المليون أو المليار من الثانية كما يقولون ، أنبأنا المولى في محكم كتابه عن العلاقة الحسابية بين السنة الشمسية والقمرية في الآية الكريمة أعلاه. ونجد في موسوعة « الفلك » الصادرة عن مؤسسة « لاروس » بالفرنسية أن كل سنة شمسية تساوي تقريبا ٢٥٦٣٦١ ، ٣٦٥ يوما وكل سنة قمرية تساوي ٣٦٧٤٦ ، ٣٥٤ يوما ، وبحساب بسيط نجد أن كل ثلاثمائة سنة شمسية تساوي ٠٠٢١ ، ٣٠٩ سنة قمرية حسب تقديرات المراصد والحسابات الفلكية في القرن العشرين. أما الفرق الضئيل جدّا بين ما قال به القرآن الكريم في العلاقة الحسابية بين السنة الشمسية والسنة القمرية وبين ما وجده الإنسان اليوم فهو بدون شك نتيجة عدم كمالية الإنسان في معلوماته مهما تقدم في العلم مصداقا لقوله تعالى : ( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) ( الإسراء : ٨٥ ).

تعليق

١ ـ لو توافر بين علماء الفلك من الذين ساهموا في إطلاق المركبات الفضائية التي دارت ثم نزلت على سطح القمر عالم مؤمن اطّلع على الآية الكريمة أعلاه وانطلق في حساباته من أن كل مائة سنة شمسية تساوي مائة وثلاث سنوات قمرية ربما وفّرت عليهم هذه الحقيقة الحسابية القرآنية اليقينية كثيرا من عمل الأدمغة الألكترونية الحاسبة التي كانت تصحح وبصورة مستمرة مسار المركبات التي أرسلت إلى القمر.

٢ ـ لما ذا لا يعتمد المسلمون اليوم الحسابات الفلكية في اعتماد بداية شهر رمضان ونهايته؟ وإذا كان المعتمد في زمن الرسول الكريم في بداية الصوم ونهايته رؤية هلال رمضان بالعين المجردة التزاما بقول الرسول الكريم :

٩١

« صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته » ، فلأن المسلمين كانوا في زمن الرسول الكريم كما وصفهم عليه‌السلام : « نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب ». أما في القرن العشرين وقد أصبح المسلمون أمة تقرأ وتكتب قادرة على تحديد بداية شهر رمضان ونهايته بأدق وأسهل مما تفعله العين المجردة ، فالأولى أن تعتمد الحسابات الفلكية لا سيما وقد أشار إلى ذلك التنزيل في قوله تعالى : ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ) ( الرحمن : ٥ ).

٣ ـ الشمس والقمر بالأرقام

هذه هي الهوية بالأرقام التقريبية للقمر والشمس كما علّم المولى الإنسان بيانها في القرن العشرين مصداقا لقوله تعالى : ( خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ) ( الرّحمن : ٢ ـ ٤ ).

الشمس

عمرها : خمسة مليارات سنة.

بعدها : ١٥٠ مليون كلم عن الأرض ، و ٣٠ ألف سنة ضوئية عن مركز المجرة اللبنية.

شعاعها : ٦٩٦٠٠٠ كلم ( مائة مرة أكبر من شعاع الأرض وأربعمائة مرة أكبر من شعاع القمر ).

وزنها : ألفا مليون مليار مليار طن ( أي ٣٣٠٠٠٠ مرة أكبر من وزن الأرض و ٧٠٠ مرة أكبر من وزن مجمل الكواكب التابعة لها ).

كثافتها : ٤ ، ١ غرام في السنتيمتر المربع ، أي ربع كثافة الأرض.

حرارتها : في مركزها ١٥ مليون درجة مئوية ، وفي أطرافها ٦٠٠٠ درجة مئوية.

سرعتها : بالنسبة للنجوم المجاورة ٧ ، ١٩ كلم في الثانية.

٩٢

القمر

عمره : أربعة مليارات سنة تقريبا.

بعده : ٣٨٥ ألف كلم عن الأرض ( أقل بأربعمائة مرة من بعد الشمس عن الأرض تقريبا ).

شعاعه : ١٧٤٠ كلم أي أربعمائة مرة أصغر من شعاع الشمس تقريبا.

وزنه : ٤ ، ٧٣* ٢٤ ـ ١٠ [ تصوير ] كيلوغرام.

كثافته : ٣ ، ٣ كثافة الماء.

حرارته على سطحه : بين ١٢٠ درجة فوق الصفر و ١٨٠ درجة تحت الصفر.

سادسا : ( وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) ( يس : ٣٩ )

يدور القمر حول نفسه وحول الأرض وفقا لنظام منه نشأت الأشكال المختلفة للقمر التي يبدو فيها كل ليلة خلال الشهر القمري : فالقمر يدور دورة كاملة حول نفسه وحول الأرض في نفس الاتجاه وخلال نفس المدة الزمنية أي ٣٢١ ، ٢٧ يوما ، لذلك لا يرى منه من على الأرض إلا نصفه المضيء الذي يستمد نوره من الشمس ، أما النصف الآخر فهو غارق أبدا في الظلام ، أي غير مرئي بالنسبة لنا. وهذه الخاصية بالنظام الفلكي للقمر هي التي تشرح أشكاله المختلفة حسب منازله بالنسبة للأرض والشمس : فعند ما يكون موقع القمر بين الأرض والشمس أي في بداية الشهر القمري يكون نصفه المظلم بكامله مواجها للأرض ، لذلك لا يبدو منه شيء ، وخلال دورته حول الأرض ينحصر تدريجيّا النصف المظلم منه فيبدو قسم من النصف المضيء كهلال يكبر كل ليلة إلى أن يصبح بدرا في منتصف الشهر القمري ، وذلك عند ما يكون موقع الأرض تماما بين القمر والشمس ، فنرى حينئذ النصف المضيء من القمر بكامله. ثم يتابع القمر دورته حول الأرض فيتغير شكله حتى يعود كالعرجون القديم أي كعرق النخل

٩٣

اليابس. ( تمعّن في الصورة التوضيحية ). وقد عرفت منازل القمر منذ القدم واعتمدها الناس كمواقيت في أعمالهم وزراعتهم. أما الدقائق الحسابية في نظام دورانه حول نفسه وحول الأرض في نفس المدة الزمنية فلم تعرف إلا في القرن العشرين. فمن هذه الخاصية بدوران القمر نفهم معنى ( وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ) في قوله تعالى : ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) ( يس : ٤٠ ). فليل القمر لا يسبق نهاره بل هما موجودان في نفس الوقت بالنسبة لنا لأن نصف القمر مظلم وغير مرئي بصورة دائمة بالنسبة للأرض ونصفه الآخر مضيء ومرئي بالنسبة للأرض. والليل والنهار لا يتعاقبان على سطح القمر بالنسبة لسكان الأرض الذين لا يرون من القمر إلا نصف سطحه المضيء. أما على سطح الأرض فالليل لا يسبق النهار أيضا إذا تصورنا الأرض بكلّيتها ، ففي نفس الوقت الذي يخيم الليل على جزء من الأرض يكون النهار ساطعا في الجزء المقابل منها. أما إذا تصورنا كل جزء من الأرض على حدة فهناك تعاقب الليل والنهار. ونحن نورد هذا الشرح الواضح حتى لا يقول جاهل إن في القرآن الكريم آيات متناقضة عند ما يقرأ قوله تعالى : ( وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ) ، وقوله عز من قائل : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ) ( آل عمران : ١٩٠ ).

سابعا : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ )

( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ. وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ، وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) ( القمر : ١ ـ ٣ )

انشق القمر في زمن الرسول الكريم كمعجزة أيّده المولى بها علّ كفار مكة يؤمنون. هذا ما نفهمه من السياق القرآني ونؤمن به ، وذلك ما شرحته الأحاديث في كتب الصحاح ، فانشقاق القمر والإسراء والمعراج وقتال الملائكة في بدر هي من المعجزات والبراهين التي أيّد بها المولى رسوله وجاء ذكرها في القرآن الكريم ولا يجوز للمؤمن أن يشكك بها.

٩٤

فبعض المتعلمين من الذين يحبون المناقشة يسلّمون علميّا بأن الآيات الكريمة التي تطرقت إلى مختلف فروع العلم المادية لا يمكن أن تكون من وجهة منطقية إلا قول الخالق. أمّا منطقهم العلمي هذا فينفصم عند ما تتطرق المناقشات إلى الآيات الغيبية ومنها المعجزات التي أيّد بها المولى رسله ، فهم يرفضونها لأن العلم لا يستطيع إثباتها! إلى أصحاب هذا المنطق نسوق الآتي :

١ ـ كيف يصحّ منطقيّا أن نذعن لبعض ما جاء في القرآن من آيات تبيّن للعلم أنها حقائق لا جدال فيها ، ولا نؤمن بغيرها من الآيات الغيبية التي لا سلطان للعلم عليها؟ أليس القائل ، عزّ من قائل ، واحدا؟ هذا المنطق هو منطق أعرج مزدوج وأصحابه أقرب إلى الانفصام والازدواجية في المنطق.

٢ ـ العلم هو مجموعة القواعد والنواميس والأنظمة التي وضعها الخالق في الأشياء والذي خلق النواميس والنظم في الأشياء يستطيع أن يوقفها أو يمنع جريانها أو يقلبها إذا شاء ، فهل هذه الفرضية العقلية تتنافى مع المنطق السليم؟

٣ ـ يحاول بعض الباحثين في الإسلام أن يجدوا تعليلا علميّا لبعض المعجزات كمعجزة الإسراء والمعراج. وبرأينا المتواضع أن المعجزات التي أيّد بها المولى رسله لا يمكن تعليلها علميّا بل يجب التسليم منطقيّا وعقليّا بها من دون تعليل علمي لها. فالذي وضع القوانين في الأشياء يستطيع إذا أراد ، وهو القادر على كل شيء ، أن يبدل القوانين والنواميس في الأشياء متى أراد.

٤ ـ أخيرا لقوله تعالى : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) ( القمر : ١ ) وجه علمي آخر : فنحن نفهمه ، والله أعلم ، مشهدا من اقتراب الساعة ، بمعنى أنه عند ما تقترب الساعة سينشق القمر ، وحسابات علماء الفلك اليوم تتوقع بأن الشمس قبل أن تموت سيكبر حجمها مئات المرات ، وستقضي حينئذ على الكواكب التي تتبعها ومنها الأرض والقمر ، وبعدها تموت

٩٥

وتتحول وبقية الكواكب والنجوم إلى كتلة بدائية مجتمعة كما كانت في البدء. وهذه التوقعات الفلكية يؤيّدها قوله تعالى : ( فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ) ( القيامة : ٧ ـ ٩ ) ، و ( وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) ( الزمر : ٦٧ ) ، و ( يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ، كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ، وَعْداً عَلَيْنا ، إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ ) ( الأنبياء : ١٠٤ ).

٩٦

( وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ ) ( الرحمن : ١٠ )

( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )

( الملك : ١٥ )

« إن العلم الطبيعي الصحيح والدين الصحيح توأمان ، إذا انفصل أحدهما عن الآخر خرّا صريعين وماتا حتف أنفهما »

( هكسلي ؛ عالم أحياء )

« إن القول بأن الحياة وجدت نتيجة الصدفة ، شبيه في مغزاه بالقول بأن معجما ضخما كتب نتيجة انفجار وقع صدفة في مطبعة »

( إيدوين كونكلين )

٩٧
٩٨

الفصل الرابع

الأرض في المنظار الفلكي

أوّلا : دوران الأرض حول الشمس

للأرض حركات عدة أهمها تأثيرا وظهورا في حياة الإنسان حركتان : دوران الأرض حول الشمس ، وحول نفسها. وقد أشارت الآيات التالية إلى دوران الأرض حول الشمس :

١ ـ ( كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) ( الأنبياء : ٣٣ )

حتى القرن الرابع عشر للميلاد اعتقد أكثر الناس خطأ بأن الأرض ثابتة وأنها مركز الكون ، وهو ما قاله ـ كما أسلفنا ـ علماء اليونان الأقدمون « تاليس » و « أرسطو » و « بطليموس » وغيرهم ، ويستثنى منهم « أريستارك » الذي قال بدوران الأرض إلا أنه جعل الشمس ثابتة ، إلى أن أتى « محمد بن زكريا القزويني » (١٣٨٦) و « كوبرنيك » (١٥٥٤) و « غاليله » (١٦٠٩) فقالوا بدوران الأرض. ولكن العالم « كابلر » ( القرن السابع عشر ) هو أول من وضع تصوّرا صحيحا عن النظام الشمسي. أما التنزيل فقد وصف حركة الأرض والشمس والقمر والنجوم في أبسط وأعمق وأوجز عبارة : ( كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ). ولقد رأى أكثر الناس في النصف الثاني من القرن العشرين على شاشة التلفاز كيف تسبح الأرض والنجوم والمجرات في الكون.

وتدور الأرض حول الشمس في مدار إهليلجي ( أي شبه دائري ) فتجري

٩٩

( إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ... )

الكون المغلف كما تصوّره الأقدمون

حتى القرن الرابع عشر الميلادي اعتقد أكثر علماء الفلك بأن الشمس والقمر والكواكب تدور في مسارات دائرية حول الأرض الثابتة التي هي في مركز الكون وداخل كرة مرصوصة بالنجوم الثابتة ، أما في كتاب الله العظيم الذي لا ريب فيه فالكل ( فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) والكون مفتوح وبتوسع دائم : ( وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )

١٠٠