من علم الفلك القرآني

الدكتور عدنان الشريف

من علم الفلك القرآني

المؤلف:

الدكتور عدنان الشريف


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلم للملايين
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٧٢

ترجع إلى الفضاء الخارجي الإشعاعات الكونية الضارة بالحياة على الأرض كأشعة « غاما » و « ألفا » والقسم الأكبر من الأشعة ما تحت الحمراء والمجهولة.

٢ ـ السماء بمعنى الكون : وإذا عنينا بالسماء الكون وما فيه من نجوم ومجرات وما بينها من غيوم فكل شيء في الكون يرجع إلى ما كان عليه.

فمن المتفق عليه اليوم بين أكثر علماء الفلك أن الكون ليس أزليّا ، بل بدأ منذ خمسة عشر مليار سنة تقريبا بكتلة بدائية هائلة انفجرت وتشتتت في أرجاء الكون ومنها تكونت لا حقا النجوم والكواكب والمجرات والسّدم.

فالنجوم تنشأ من غيمة كونية خلال ملايين بل مليارات السنين بفعل تكثّف المواد التي تؤلف الغيمة وتحوّل جزءا منها إلى نجم يضيء خلال ملايين أو مليارات السنين ، ثم ينفذ وقوده فيتحول إلى نجم هائل متفجر ما يلبث أن ينفجر ، ثم يموت ليرجع كما بدأ غيمة كونية ، ثم تعاد الكرة التي تتطلب ملايين السنين مصداقا لقوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) ( العنكبوت : ١٩ ).

ولقد رأى العلماء في القرن العشرين كيف يبدأ الله الخلق ثم يعيده ، ليس فقط في النجوم بل في كل المخلوقات. أما في زمن التنزيل فلم يكن باستطاعة العلم أن يرى شيئا عن عملية بدء الخلق وإعادته ، فسبحان الذي صدقنا وعده. كيف لا ، وهو القائل : ( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ( الأنعام : ٦٧ ) ، وقد وعدنا بأننا سنرى كيف يبدأ الخلق ثم يعيده ، واستقر خبر ما أنبأنا به بعد خمسة عشر قرنا من التنزيل من خلال الكشف العلمي لدورة الحياة في المخلوقات الحية وغير الحية.

خامسا : ( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) ( الذاريات : ٧ )

يستفاد من لسان العرب لابن منظور ومن غيره من المعاجم أن الحبك : جمع حبكة وحباك وحبيكة ، ولها عدة معان منها : طرائق جمع طريق. ( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) تعني طرائق النجوم. وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) أي ذات الخلق الحسن. والحبكة هي

٦١

الحبل الذي تشدّ به الأشياء ليثبت بعضها مع البعض الآخر.

١ ـ طرائق السماء

في الكون طرائق كثيرة منها أفلاك ( Orbites ) أي مسارات الكواكب والنجوم والمجرات والسدم. ويكفي القارئ المعلومات الفلكية التالية عن مسارات النجوم ليأخذ فكرة مبسطة عن عظمة الكون وعظمة خالق الكون وجلال هذه الآية التي أقسم بها المولى بطرائق السماء :

فلو أعطى أحدنا عقله قليلا من التأمل المريح فخرج في ليلة صافية الأديم غاب قمرها ونظر إلى السماء فوقه ثم علم أن ما يراه بالعين المجردة من النجوم ما هو في الحقيقة إلا جزء يسير من مائة مليار مجرة أحصيت حتى الآن يتألف أصغرها من عشرة ملايين نجم ويصل تعداد نجوم بعضها إلى آلاف المليارات ، وكلها تدور في مسارات خاصة بكل واحد منها ، ربما عقل شيئا من معنى قسمه عز وعلا : ( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ. إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ. يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) ( الذاريات : ٧ ـ ٩ ).

ولو تدبرنا حقّا معنى قوله تعالى : ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ ) ( ق : ٦ ) ، فعلمنا أن في السماء التي فوقنا ( أي في الغلاف الجوي الأرضي ) « حبكا » أي طرائق تمنع عنا الأشعة الكونية القاتلة وملايين الشهب والنيازك الحارقة ، وطرائق تنظف أرضنا من الغازات الضارة المتصاعدة منها وممن عليها من مخلوقات ، وطرقا كشفها الإنسان واستطاع أن يسلكها في القرن العشرين عند ما نفذ بمركباته الاصطناعية إلى الفضاء الخارجي ، ربما أدرك شيئا من معاني قوله تعالى : ( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ).

ولو تفكرنا في خلق السماوات والأرض التزاما بقوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ، ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) ( الروم : ٨ ) ، فعلمنا بأن الأرض ، وهي بالنسبة للكون كحبة رمل من صحراء « الربع الخالي » ، تسير في مسار بيضاوي حول الشمس طوله التقريبي ٩٦٠٠ مليون كلم من دون أن يصطدم بها بلايين النجوم

٦٢

والكواكب المنتشرة في الكون ، لاعترى بعضنا الرهبة والخشوع أمام عظمة الخالق في ملكوته ، وربما عقلنا شيئا من معاني قوله تعالى : ( وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) ( الحج : ٦٥ ) ، وعقلنا عظمة قسمه بالسماء وطرائقها.

ولو اطّلع الإنسان على شيء من علم الفلك الميسّر والمبسّط في المكتبات العلمية ثم خلا بنفسه يوميّا لبضع دقائق فتأمل في عوالم النجوم والمجرات التي يراها في ليل صفا أديمه وغاب قمره ، وتوقف مطوّلا عند آيات الله الكريمة التي تطرقت إلى علم الفلك ، ربما أصبح من « أولي الألباب » مصداقا لقوله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ ) ( آل عمران : ١٩٠ ـ ١٩١ ).

٢ ـ حبال السماء

ومن معاني الحبك أيضا الحبال. وقد اختصر أحد العلماء النظام الكوني بالجملة الجامعة التالية : « في الكون كل شيء يدور ويجري ويشدّ بعضه بعضا ». ففي السماء حبال غير مرئية تشد المجرات والكواكب والنجوم إلى بعضها البعض فتجعلها تلتزم بمسارات ( Orbites ) محددة بكلّ منها ، عنينا بذلك قوى الطبيعة الأربع التي يقوم عليها النظام الكوني وهي : قوى الجاذبية والكهرطيسية والنووية القوية والضعيفة كما سبق شرحه ، وقد رمز إليها القرآن الكريم « بالحق » و « العمد » و « الحبك » كما جاء في قوله تعالى : ( خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) ( لقمان : ١٠ ) ، و ( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ ) ( النحل : ٣ ) ، ( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) ( الذاريات : ٧ ) ، ربما لأن المستوى العلمي للناس في زمن التنزيل لم يكن يسمح لهم بفهم كلمات علمية كالجاذبية والقوى الكهرطيسية والنووية ، في حين أن معاني كلمات « الحق » و « العمد » و « الحبك » هي في مستوى كل الناس وفي جميع العصور ، والله أعلم.

٦٣

سادسا : ( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) ( الواقعة : ٧٥ ، ٧٦ )

إنه القسم الوحيد الذي وصفه المولى بأنه عظيم من بين الآيات الكريمة التي أقسم فيها بمخلوقاته. والمعلومات الفلكية التالية عن مواقع ( Positions ) النجوم تعطي فكرة مبسّطة عن عظمة مواقع النجوم وأهميتها البالغة في النظام الكوني.

١ ـ موقع الشمس بالنسبة للأرض

جاء في مجلة العلم والحياة الفرنسية ، عدد حزيران سنة ١٩٨٦ ، ما ترجمته الآتي : « لو كان موقع الأرض بالنسبة للشمس بحيث يكون شعاع مدارها حول الشمس أصغر بأربعة بالمائة مما هو عليه ، أي ١٤٤ مليون كلم بدلا من ١٥٠ مليون كلم ، لارتفعت حرارتها تدريجيّا حتى ٤٥٠ درجة مئوية وتبخرت مياهها ، ولانعدمت إمكانية الحياة فيها كما هو الحاصل في الكوكب فينوس. وعلى العكس من ذلك ، لو كان موقع الأرض بالنسبة للشمس بحيث يكون شعاع مدارها حول الشمس أكبر بنسبة واحد بالمائة مما هو عليه ، أي ٥ ، ١٥١ مليون كلم بدلا من ١٥٠ مليون كلم ، لانخفضت حرارتها تدريجيّا حتى تصل إلى أربعين درجة تحت الصفر ، ولتجمّد الماء فيها وانعدمت إمكانية الحياة على سطحها ـ أيضا ، وهو الحاصل بالنسبة للكوكب مارس ».

فهل موقع الشمس بالنسبة للأرض كان نتيجة الصدفة أم من تدبير « العزيز العليم » الذي ( خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) ( الفرقان : ٢ )؟.

ولما ذا لم تلعب الصدفة دورها بالنسبة لبقية الكواكب من غير الأرض والتي تتبع النظام الشمسي؟ مسكينة الصدفة هي وأخواتها من النظريات الخرقاء كالأزلية والتطور والضرورة والطبيعة التي غالبا ما يلجأ إليها منطق بعض المتعلمين العاجز عند ما نسألهم : من وراء النظام البديع المحكم في كل خلق من مخلوقات الله؟ ( سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( الزمر : ٦٧ ).

٦٤

٢ ـ موقع الشمس في المجرة اللبنية

شمسنا هي نجم متواضع من مائة مليار نجم تؤلف المجرة اللبنية التي يتبع لها نظامنا الشمسي. ومن نعم المولى علينا أن موقع الشمس بالنسبة إلى مركز ( Centre ) المجرة اللبنية هو على أطرافها ، إذ يبعد عن مركزها مسافة ثلاثين ألف سنة ضوئية. وقد اكتشف حديثا في مركز المجرة اللبنية شيء هائل غير منظور هو الثقب الأسود ( Black Hole – Trou Noire ) الذي أسموه بمقبرة النجوم أو « بالوعة النجوم » ، وله من قوة الجاذبية ما يمكّنه من أن يبلع آلاف النجوم يوميّا لأن الثقل النوعي لكتلته يعادل أربعة ملايين مرة الثقل النوعي لكتلة الشمس ، ولو لم تكن شمسنا في موقع بعيد جدّا عن موقع هذا الغول الملقب « بالثقب الأسود » لأصبحت لقمة سهلة الابتلاع.

والثقب الأسود موجود على ما يبدو في قلب أكثر المجرات ، ويعتقد علماء الفلك أن الكازارات ، أي أشباه النجوم ، تستمد طاقتها من الثقوب السوداء المتلازمة معها في أكثر المواقع التي اكتشفت فيها حتى الآن.

٣ ـ مواقع بعض النجوم بالنسبة للأرض

تبعد الشمس عنا ثماني دقائق ضوئية ، أي مسافة مائة وخمسين مليون كلم تقريبا. أما أقرب نجم إلينا بعد الشمس فيبعد أربع سنوات ضوئية ، أي أربعين ألف مليار كلم تقريبا ، وأما أشباه النجوم وهي « الكازارات » فبعضها يتطلب ضوؤه كي يصل إلينا أربعة عشر مليار سنة. فالمسافات بين النجوم تذهل ، وكذلك أحجامها وسرعتها وتعدادها وتكوينها وطريقة عملها.

٤ ـ مواقع النجوم بالنسبة لمرور الزمن

نظرا لبعدها الساحق عنا ، تبدو النجوم وكأنها ثابتة إلا أنها في الحقيقة ليست كذلك ، فالمسافات بين مواقعها تتزايد في كل ثانية ، والكون كما سبق شرحه في توسع دائم. فكدس كوكبة العذراء ( Amas de la Vierge ) يبتعد عن مجرتنا اللبنية ١٢٠٠ كلم في كل ثانية ، وكدس العدار Amas de ) ( l’Hydre يبتعد عنا ٦٠ ألف كلم في كل ثانية ( الكدس أو الكوكبة هو مجموعة مجرات يصل تعدادها إلى ألفي مجرة ). ويشبّه علماء الفلك

٦٥

( إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ )

صورة لشهاب ( قطعة متساقطة من الكواكب ) كما ظهر خلال ليلة من ليالي شهر آب ١٩٧٨ في سماء فنلندا ، حيث بلغ عدد النيازك والشهب عشرين شهابا ونيزكا في الساعة خلال ثلاث ليال

٦٦

مجموعات النجوم والمجرات بتباعدها عن بعضها البعض بغيمة هائلة من الدخان يبدّدها الهواء ويباعد بين ذرّاتها في جميع الاتجاهات. والكون أشبه ببالون هائل تنتشر على سطحه النجوم والكواكب والمجرات ، وهذا البالون ينتفخ تدريجيّا مع مرور الوقت وسيظل يتوسع إلى أن يطويه المولى ، جلّت قدرته ، يوم القيامة ، كطيّ السجلّ للكتب ويعيده كما بدأ ، كتلة بدائية كما جاء في قوله تعالى : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ، كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ، وَعْداً عَلَيْنا ، إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ ) ( الأنبياء : ١٠٤ ).

سابعا : ( وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) ( الحج : ٦٥ )

لما ذا لا يقع القمر على الأرض؟

تساءل علماء الفلك منذ القدم لما ذا لا يقع القمر وبقية الكواكب والنجوم على الأرض ، وحاولوا حل هذه المعضلة كلّ على طريقته وحسب معتقداته ، فجعلوا للكواكب والنجوم آلهة تمسك بها ، ووضعها علماء اليونان على كرات هائلة من الكريستال تمسك بها ، إلى أن أتى « نيوتن » في القرن السابع عشر فاكتشف مبدأ الجاذبية وحل المعضلة قائلا بأنه من دوران القمر حول الأرض تنشأ قوة معادلة ومعاكسة لقوة جاذبية الأرض على القمر هي القوة الطاردة أو النابذة ( Centrifuge Force ) ، وهكذا يبقى القمر سابحا حول الأرض من دون أن يقع عليها.

النيازك والشهب

( إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً ( بمعنى قطعا ) مِنَ السَّماءِ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) ( سبأ : ٩ )

حتى القرن الثامن عشر رفضت بعض الجمعيات العلمية حقيقة سقوط قطع من السماء على الأرض ، فأكاديمية العلوم في « باريس » ألقت في القمامة مجموعة كبيرة من النيازك كانت بين مقتنياتها ، اعتقادا من أعضائها بأن هذه النيازك ليست إلا حجارة مجموعة من الأرض ، إلى أن جاء العالم

٦٧

( إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ )

صورة لنيزك صخري يزن ثلاثة كيلوغرامات ، سقط من السماء في شهر تشرين الثاني ١٩٨٢ والتقط في بيت في الولايات المتحدة بعد أن خرق سقفه واستقر تحت طاولة

( وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ )

الحفرة النيزكية : حفرة بقطر ١٢٩٥ مترا وعمق ١٤٧ مترا ، نتجت عن نيزك ضرب صحراء أريزونا في الولايات المتحدة منذ أربعين ألف مائة سنة تقريبا ، وقد قدّروا وزنه بعشرة ملايين طن

٦٨

« بيو » ( Biot ) (٢٠٨١ ) فاتّبع أساليب علمية وتحقيقات شخصية مطوّلة أكد بعدها أن هناك قطعا تتساقط فعلا من السماء ، فالأرض تتعرض لقصف مستمر بقطع مختلفة التركيب والأحجام والأشكال مصدرها السماء ، الصغير منها يحترق ويتفتت خلال اختراقه الغلاف الجوي للأرض فيصلها رمادا وغبارا ، وهذه القطع الصغيرة تسمى بالشّهب ، وأما القطع الكبيرة التي تصل إلى سطح الأرض فتسمى بالنيازك التي يحدث بعضها تدميرا وحرائق هائلة. فبعض النيازك يزن عشرات الأطنان ( ٦٥ طنّا ) كالذي ضرب صحراء « الأريزونا » منذ أربعين ألف سنة تقريبا وترك في سطحها فجوة قطرها ألف متر وعمقها مائتا متر هي من المعالم السياحية في الولايات المتحدة الأميركية ( CraterMetor Le ). ويظن بعض العلماء أن انقراض واختفاء الديناصور و ٦٠ % من الأصناف الحيوانية المنقرضة منذ خمسة وستين مليون سنة هو نتيجة نيزك هائل ضرب الأرض في ذلك الزمن السحيق. ويقدّر العلماء أن ارتطام نيزك بحجم كيلومتر واحد في الأرض قد ينجم عنه قوة تدميرية معادلة لانفجار مائة ألف قنبلة هدروجينية بقوة « مغاتون » ( Megatone ). أما مصدر النيازك والشهب فيعتقد العلماء بأنه من بعض المذنّبات (١) ( Comete ) وحزام الكويكبات ( Asteroides خ d Ceinture ) الموجود بين كوكب « المريخ » و « جوبيتر » ، وقد اكتشف في القرن التاسع عشر وهو مؤلّف من ٤٥ ألف كويكب أكبرها لا يتجاوز قطره ألف كيلومتر. ومنذ سنوات شوهد في وضح النهار في غرب الولايات المتحدة حجر كبير قدّر وزنه بآلاف الأطنان ، وقد وصل هذا النيزك إلى علوّ ستين كيلومترا فوق سطح الأرض ولم يرتطم بها ، بل قفل عائدا إلى الفضاء الخارجي عند الحدود الكندية. والنيازك أجسام صلبة مختلفة التركيب والوزن ، تشبه الصخور ، وبعضها يتألف من ٩٠ % من الحديد ، وقد استعملها الإنسان القديم في صنع الفئوس. ويقدّر العلماء أن ملايين الأطنان من الحديد تتساقط يوميّا بشكل قطع صغيرة على الأرض مصداقا لقوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ ) ( الحديد : ٢٥ ).

__________________

(١) المذنّب : جرم هائل مؤلف من الغبار والثلج المتجمد والحصى.

٦٩

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن القرآن الكريم قد قال بسقوط قطع من السماء وحدد مصدرها من الكواكب التي أسماها أيضا بالمصابيح في الآيات التالية :

( إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ. وَحِفْظاً ) ( أي وجعلنا الكواكب حفظا للسماء ) ( مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ. لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ. إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ ) ( الصافات : ٦ ـ ١٠ )

( وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ( فصلت : ١٢ )

( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ ) ( الملك : ٥ )

كما فرّق القرآن الكريم تفريقا واضحا بين « الكوكب » و « النجم » و « القمر » ، إذ يطلق اسم « النجم » على كل جرم سماوي يستمدّ طاقته ونوره من ذاته كالشمس ، ويطلق اسم « القمر » على كل جرم يتبع في نظام دورانه إلى كوكب معين ، كما نلاحظ في الآيات التالية :

( إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ ) ( يوسف : ٤ ). اكتشف العلماء حتى الآن تسعة كواكب ، وربما اكتشفوا في المستقبل كوكبين مصداقا لرؤيا يوسف ، والله أعلم.

( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) ( التكوير : ٢ )

( وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ ) ( الانفطار : ٢ )

( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) ( المرسلات : ٨ )

( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) ( يونس : ٥ )

( وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً ) ( نوح : ١٦ )

٧٠

( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى )

( الرعد : ٢ )

« كلما اتسع أفق العلم ازددنا معرفة بالله ، ذلك لأن العلم يزوّدنا ببراهين قطعية على وجود الخالق الأزلي القدير الذي لا حدّ لقدرته »

( هرشل ـ عالم فلكي )

« عند ما ننظر إلى الإنسان أو سواه من المخلوقات الرائعة وإلى الطبيعة والكون ، لا يمكن إلا أن نفكر ونؤمن بوجود علة على قدر هائل ولا متناه من الذكاء أفرزت كل هذه الأشياء البديعة »

( أحد العقلاء )

٧١
٧٢

الفصل الثالث

الشمس والقمر في المنظار القرآني والعلمي

أولا : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ( يس : ٣٨ )

١ ـ لمحة تاريخية

تشير المراجع العلمية التي تبحث في تاريخ العلوم الفلكية إلى أن العالم « كابلر » ( Kepler ) في القرن السابع عشر الميلادي هو أول من نظر نظرة صحيحة إلى النظام الشمسي. فلقد أكد أن الشمس والكواكب التي تتبعها تدور كلها في مسارات خاصة بكل منها وفق نظام وجد بعضا من معادلاته. أما قبل هذا التاريخ ، فأكثر المهتمين بالعلوم الفلكية كانوا يأخذون بآراء « تاليس » ( Thales ) و « أرسطو » ( Aristote ) و « بطليموس » ( Ptoleme ) ، وغيرهم من علماء اليونان الأقدمين من الذين قالوا إن الأرض ثابتة في مركز لكون كروي مغلق مؤلف من كرات متطابقة من الكريستال تتوزع وتدور عليها الشمس والكواكب والنجوم. وحده « أريستارك » ( Aristarque ) ، في بداية القرن الثالث الميلادي ، قال بدوران الأرض حول الشمس ، إلا أنه جعل من الشمس جرما ثابتا ، ولم يأخذ بآرائه إلا قلة مجهولة. ولم نجد في المراجع العلمية التي تيسّر لنا الاطلاع عليها من يذكر بأن القرآن الكريم هو الذي أشار قبل « كابلر » وغيره بأن كل جرم يجري في النظام الكوني ، كما جاء في العديد من الآيات الكريمة ومنها : ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ

٧٣

( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )

صورة توضيحية لمسارات أي أفلاك الكواكب التسع ، وحزام الكويكبات التابعة للنظام الشمسي بحسب بعدها عن نجم الشمس. وفي القرن الخامس عشر اعتقد الناس خطأ بأن الأرض ثابتة وفي مركز الكون والحقيقة أنها جرم بسيط من آلاف المليارات من الأجرام الكونية التي تجري كل منها في مسار خاص به.

٧٤

يَسْبَحُونَ ) ( يس : ٤٠ ) ، و ( كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ) ( الرعد : ٢ ). لما ذا؟ ربما لأنه لم يتيسّر لمن كتب هذه المراجع العلمية الاطلاع على علم الفلك القرآني؟ أو ربما نسي أو تناسى ذلك ، والله أعلم. إلا أن المسئولية في ذلك تبقى على عاتق من يفترض بهم بعث ونشر التراث الإسلامي والمدافعة عنه. وإذا لم يطّلع الغرب على الحقائق العلمية القرآنية في علم الفلك فلما ذا لا نذكر هذه الحقائق في الكتب العلمية التي نضعها بين أيدي أبنائنا؟

٢ ـ التعليق العلمي

أ ـ ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي ... ). الشمس نجم عادي يقع في الثلث الخارجي لشعاع قرص المجرّة اللبنية. وهي تجري بسرعة ٢٣٠ مليون كلم في الثانية حول مركز المجرة اللبنية الذي تبعد عنه ثلاثين ألف سنة ضوئية ساحبة معها الكواكب السيارة التي تتبعها بحيث تكمل دورة كاملة حول مجرتها كل مائتين وخمسين مليون سنة. فمنذ ولادتها التي ترجع إلى ٦ ، ٤ مليار سنة أكملت الشمس وما تبعها ١٨ دورة حول المجرة اللبنية التي تجري بدورها نحو التجمع المحلي للمجرات ، والتجمع المحلي يجري نحو تجمّع أكبر هو كدس المجرات ، وكدس المجرات يجري نحو تجمّع أكبر هو كدس المجرات العملاق ، فكل جرم في الكون يجري ويدور يجذب ويجذب كما سبق شرحه.

ب ـ ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ) مستقرّ الشمس هو أجلها المسمّى والمقدّر لها من العزيز العليم ، أي الوقت الذي فيه ينفد وقودها فتنطفىء. هذا المعنى لمستقرّ الشمس نستنتجه من الآية الكريمة التالية التي تشرح معنى مستقر الشمس : ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ... ) ( الرعد : ٢ ). وقد تكررت هذه الآية الكريمة ست مرات في كتاب الله ربما لنتوقف عند الإعجاز العلمي الكامن فيها. فحتى القرن التاسع عشر ، كانت المعلومات الفلكية تقول بأزلية النجوم. أما تقدير العزيز العليم فهو بأن للشمس أجلا مسمّى ككل المخلوقات. ولم يكشف علم الفلك إلا في القرن العشرين عن أن النجوم

٧٥

( وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً )

الشمس كما صوّرتها بالأشعة المجهولة المركبة الفضائية مختبر الفضاء ( سكايلاب Skylab ) والشمس مختبر عملاق من الفيزياء النووية حيث تصل حرارة المادة في مركزها إلى ستة عشر مليون درجة ، وبفعل هذه الحرارة الهائلة تتحد جزيئات الذرة وتعطي غاز الهيدروجين الذي يؤلف القسم الأكبر من مادتها ١ ، ٩٢ % ، وغاز الهيدروجين يتحول إلى غاز الهليوم ومن هذا التحول نشأ ضوء الشمس

٧٦

تولد وتنمو وتكبر وتهرم وتموت ، كما سبق شرحه في فصل سابق عند التعليق العلمي على قوله تعالى : ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) ( النجم : ١ ). وقد أشار القرآن الكريم إلى موت الشمس بالتحديد في قوله تعالى : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) ( التكوير : ١ ). فتكوير الشمس يعني موتها ، من قوله تعالى : ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) ( النجم : ١ ) ، و ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) ( المرسلات : ٨ ). وفي المعجم العربي نجد أن « كوّرت الشمس » تحمل معنى : جمع ضوؤها ولفّ ، واضمحلت ، وذهبت ، ودهورت ، ونزع ضوؤها ، وغوّرت. ولأن موت الشمس حدث فلكي ذو أهمية كبيرة ، سمّى المولى سورة من كتابه الكريم بالتكوير. ويقدّر علماء الفلك بأن عمر الشمس الحالي هو أربعة مليارات سنة ونيف ، ويبقى فيها من الطاقة ما يمكّنها من أن تضيء لمدة ستة مليارات سنة أخرى ، وبعد ذلك تكون قد استنفدت وقودها فتدخل في فئة النجوم الأقزام ثم تموت وبموتها تنعدم إمكانية الحياة في كوكب الأرض (١).

تعليق

من موقع إيماني نعلّق بالآتي : أما أن الشمس ستنطفئ يوما فهذا صحيح ، وقد أنبأنا القرآن الكريم بذلك قبل أن يكشفه ويؤكده العلماء في القرن العشرين. وأما توقيت موتها ، ولو كان بصورة تقريبية ، فلا يعلمه إلا علاّم الغيوب القائل عز من قائل : ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ، قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ، لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ) ( الأعراف : ١٨٧ ).

ثانيا : ( وَالشَّمْسِ وَضُحاها ) ( الشمس : ١ )

جاء في كتاب « كوكب الأرض » (٢) من منشورات مجلة لايف العلمية ما ترجمته : مهما تقدم العلماء في علومهم الفلكية فلن يعرفوا الكثير عن النجم المميز : الشمس ، وحتى بداية القرن التاسع عشر لم يعرفوا عن هذا الموضوع أكثر مما يعرفه إنسان ما قبل التاريخ. فقد كتب « وليام هرشل » ،

__________________

(١)La planete terre : Le systeme solaire – La machine solaire, P. ٥٨.

(٢).La planete trre : Lasysteme solaire, P. ٥٩

٧٧

( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً )

سحابة هائلة من الغازات الملتهبة الممتدة إلى آلاف الكيلومترات فوق سطح الشمس كما صوّرتها الأقمار الاصطناعية بالأشعة ما تحت الحمراء

٧٨

وهو عالم متّزن اكتشف كوكب « أورانوس » ( Uranos ) ، بأن الشمس جسم صلب معتم مخبأ تحت طبقة من الغيوم المنيرة ، أما المناطق الرطبة فيها فمأهولة بمخلوقات تأقلمت بخصائص هذا الجرم الواسع.

أما التنزيل فقد وصف الشمس بأنها سراج مضيء وهّاج ، ونحن نعلم أن لا إمكانية للحياة على سطح جرم متوهج ، أي شديد الحرارة : ( وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً ) ( النبأ : ١٣ ) ، و ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً ) ( يونس : ٥ ). من هنا نتساءل ونردّد : من أين تعلّم أو نقل الرسول الكريم علم الفلك والفيزياء النووية؟ من كتب الأقدمين؟ وتلك علوم الأقدمين والمحدثين حتى القرن التاسع عشر ، أليس خالق الشمس الذي أقسم بالشمس وموتها وربط جواب قسمه بصدق أقوال الرسول الحبيب هو الذي أوحى إليه بها على لسان أمين الوحي سيّدنا جبريل : ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى. وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ) ( النجم : ١ ـ ٥ ).

فقط في القرن العشرين ، ومع تقدم العلوم الكيميائية والفيزيائية النووية ، أمكن التوصل إلى معرفة شيء عن الشمس وأهميتها البالغة بالنسبة للحياة على الأرض وتأثيرها الذي لم يكن يتصوره أحد بهذه الأهمية قبل ذلك. أما العمليات الكيميائية التي تجعل منها ( سِراجاً وَهَّاجاً ) فهي في منتهى التعقيد ، ونبسّطها بالتالي : في القرن العشرين ومن خلال دراسات العلماء « هلمولز » ( Helmholz ) و « أينشتاين » ( Einstein ) و « أدنغتون » ( Eddington ) ) ٠٢٩١ ـ .. ( و « بث » ( Bethe ) ، أمكن القول علميّا إن الشمس أتون هائل تصل الحرارة في داخله إلى خمسة عشر مليون درجة مئوية ، وفي أطرافها إلى ستة آلاف درجة. وهي شبيهة بمعمل حراري يستمد طاقته من تحويل ودمج المادة أي من انصهار نوى ( جمع نواة ) غاز الهيدروجين وتحوّلها إلى نوى غاز الهيليوم. فالشمس المكونة من ٩ ، ٩٩ بالمائة من كتلها من الغاز ( ٧٥ % هيدروجين ، ٩ ، ٢٤ % هيليوم ) يبلغ وزنها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ألف مرة أكثر من الأرض ( ٠٠٠ ، ٣٣٣ ) أي ألفي مليار مليار طن

٧٩

تقريبا. وتصل درجة الضغط في قلبها إلى مائتي مليون طن في السنتيمتر المربع. شمسنا هذه تحول في كل ثانية ٦٠٠ مليون طن تقريبا من غاز الهيدروجين إلى ٥٩٦ طنّا من غاز الهيليوم ، ومن هذا التحول تنتج طاقة تبلغ ٣٨٠ ألف مليار مليار كيلووات ، مما يكفي لحمل مياه المحيطات كلها على الغليان في ثانية واحدة.

ثالثا : ( وَالضُّحى ) ( الضحى : ١ )

خص المولى ضوء الشمس بقسم خاص في الآية الكريمة أعلاه. وفي قوله أيضا ( وَالشَّمْسِ وَضُحاها ) قسمان : بالشمس ككل ، وبالضحى. والمعلومات التالية المبسّطة عن ضوء الشمس تعطي المؤمن فكرة علمية عن عظمة هذه الهبة التي منّ بها الله علينا :

فلو لا ضوء الشمس لما كان من حياة على الأرض فهو السبب الأول في ظهور الأحياء على سطحها. وضوء الشمس هو المصدر الأساسي لبقية مصادر الطاقة كالرياح والطاقة المائية والطاقة الغذائية وغيرها. وهذه الطاقة خلافا لبقية مصادر الطاقة ، نظيفة لا تترك تلويثا في البيئة ولا تنضب إلا عند ما ينفد وقود الشمس وتنطفئ. وقد بدأ الإنسان باستغلال الطاقة الشمسية كما تنبّأ وخطّط لذلك منذ خمسين سنة ونيف العالم اللبناني حسن كامل الصباح.

أمثلة بسيطة عن الطاقة الكامنة في ضوء الشمس

خلال فصل الصيف يصب ضوء الشمس على كل كيلومتر مربع من مياه المحيط طاقة تعادل مليوني وحدة حرارية يعكس البحر ويمتص منها ٥,٩٩ %. وأما البقية البالغة ٥ , ٠ % ، فتمتصها الأحياء البحرية النباتية المجهرية ( Phytoplancton ) وتحوّلها إلى ١٥٠٠ كلم من الكربون بفعل عملية التمثيل الضوئية ( Photosynthese ) ، وهي تفاعلات كيميائية معقدة تستلزم ضوء الشمس ومادة الكلوروفيل ( اليخضور ) الموجودة في الأحياء النباتية البحرية والماء وثاني أوكسيد الكربون. ومن الألف وخمسمائة كيلوغرام من

٨٠