من علم الفلك القرآني

الدكتور عدنان الشريف

من علم الفلك القرآني

المؤلف:

الدكتور عدنان الشريف


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلم للملايين
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٧٢

( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ )

( آل عمران : ١٩٠ )

« تفكّروا في خلق الله ، ولا تتفكّروا في الله ، فإنّكم لن تقدروا قدره »

( حديث شريف عن ابن عباس )

« أريد أن أعرف كيف خلق الله العالم ... الله حاذق بارع ولا يلعب بالنرد مع الكون »

( من رسائل أينشتاين إلى أحد أصدقائه )

٤١
٤٢

الفصل الثاني

نظرة خاطفة في عالم المجرات والنجوم

أولا : ( وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ )

١ ـ آيات القسم في القرآن الكريم : ( فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ. وَما لا تُبْصِرُونَ ) ( الحاقة : ٣٨ ، ٣٩ )

أقسم المولى في الآية الكريمة أعلاه بجميع مخلوقاته سواء كانت مرئية بالعين المجردة أو بواسطة المجهر والمرصد ، أو غير مرئيّة كالأشعة المجهولة والملائكة والروح والجان والجنّة والنار وكل الغيبيات. ربما كان ذلك ، والله أعلم ، لكي يتوقف الإنسان العاقل مطوّلا أمام بديع الصنعة والإعجاز الكامن في كل خلق من مخلوقات الله بدءا من أصغر جسيم في الذرة وهو « الكوارك » ( Quark ) وانتهاء بأكبر المجرات وأبعدها. ففي دراسة كل خلق من مخلوقات الله دليل إيماني محسوس على وجود الخالق وعظمته. وكلما ازداد الإنسان العاقل علما ازدادت معرفته بالخالق وخشعت جوارحه في طاعته.

وأقسم المولى أيضا بذاته والعديد من مخلوقاته في آيات قسم خاصة هي في أكثرها آيات علمية إعجازية في مضامينها ، بمعنى أن بعضها أصبح اليوم مبادئ أساسية وقوانين رئيسة في مختلف فروع العلوم المادية. ولقد وجدنا أن أكثر آيات القسم الكريمة لم توفّ حقّها من التعليق العلمي ، ربما

٤٣

( وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ )

كدس العذراء العملاق : Super amas de la vierge يتألف من عدة آلاف مجرة ، بعضها يظهر بشكل بقع بيضاء ، أما النقط البيضاء فليست مجرات بل نجوما تابعة لمجرتنا اللبنية التي تنتسب إلى هذا التجمع العظيم من المجرات الذي يبلغ حجم قطره خمسين مليون سنة ضوئية ( ٦ ـ ٥٠* ٤ ـ ١٠ مليار كلم ، السنة الضوئية تساوي عشرة آلاف مليار كلم ).

٤٤

لأن العلم لم يكشف مضامينها إلا متأخرا بعد قرون من التنزيل. وتبقى آيات قسم كثيرة لم يكشف العلم تأويلها بعد ، والواجب يلزمنا اليوم بالتوقف والشرح العلمي المطوّل مع آيات القسم التي تيسّر لنا الاطلاع على شيء من مضمونها العلمي. ونبدأ بالشرح المبسّط لمعاني قوله تعالى : ( وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ).

في معاجم اللغة أن « البروج » جمع « برج » ، وهو البناء العظيم ، فهو إذن كل تجمّع للنجوم وليس فقط منازل الشمس والقمر والكواكب بالنسبة للنجوم ، وهي اثنا عشر تجمّعا من النجوم ، سمّيت بالبروج (١) معروفة منذ القدم ، تسير الشمس في كل برج منها شهرا ، ويسير القمر في كل منها يومين وثلث يوم. وفي الشرح العلمي المبسّط عن تجمعات النجوم كما كشفه علم الفلك في القرن العشرين يجد المسلم فكرة عامة عن بروج السماء التي أقسم المولى بها وأسمى سورة من كتابه الكريم باسمها.

٢ ـ بنية الكون : ( لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( غافر : ٥٧ )

عند ما نظر « غاليله » إلى السماء من خلال أول منظار بناه بنفسه في سنة ١٦٠٩ ، رأى ما أذهله في الكون. وخلال أربعة قرون من هذا التاريخ بنى الإنسان مراصد متطورة كمراصد جبل « بالومار » ( Palomar ) و « كيت بيك » ( PeakKitt ) في الولايات المتحدة ، ومرصد جبل « سميرودريكي » ( Semirodriki ) في القوقاز ، ولا يزال علماء الفلك يكتشفون من خلالها كل يوم ما يذهل في هذا الكون الفسيح. فالإنسانية ، كما قال العالم « بيكر » ( Piker ) ، لن تنتهي من سبر أغوار الكون ، وهي لن تعرف من الكون إلا مقدار ما نعرفه عن نقطة ماء في محيط ؛ أو كما قال « نيوتن » ، مكتشف مبدأ الجاذبية منذ ثلاثة قرون ونيّف : « لست أدري كيف أبدو في نظر العالم ، ولكني في نظر نفسي أبدو كما لو كنت غلاما يلعب على شاطئ البحر

__________________

(١) الحمل ـ الثور ـ الجوزاء ـ السرطان ـ الأسد ـ السنبلة ـ الميزان ـ العقرب ـ القوس ـ الجدي ـ الدلو ـ الحوت.

٤٥

ويلهو بين الحين والآخر بالعثور على حجر أملس أو محارة بالغة الجمال ، في الوقت الذي يمتد فيه محيط الحقيقة أمامي دون أن يسبر أحد غوره ».

٣ ـ عالم المجرات ( وَالسَّماءِ وَما بَناها ) ( الشمس : ٥ )

المجرة ( Galaxie ) هي الوحدة الأساسية في تركيب الكون ، وهي تجمعات هائلة من النجوم ( Etoile - Astre ) والكواكب ( Planetes ) وتسمى سديما ( Nebuleuse ) عند ما يغلّفها الدخان أو الغبار الكوني. والمجرات أنواع ، فالمجرة القزم تتألف من عشرة ملايين نجم ، أما المجرة العملاقة فيصل تعداد نجومها إلى عشرة آلاف مليار نجم ترتبط بعضها ببعض بواسطة قوة الجاذبية. أما مجرتنا المسماة بالطريق اللبني والتي يتبع لها نظامنا الشمسي فمؤلفة من مائة مليار نجم تقريبا منها الشمس ، وهي نجم متوسط الحجم ، وبعض النجوم تكبر الشمس بعشرات أو مئات المرات. والمجرة اللبنية تبدو من خلال المراصد كقرص ( Disque ) قطره تسعون ألف سنة ضوئية وسمكه خمسة آلاف سنة ضوئية ( السنة الضوئية تساوي ٩٤١٦ مليار كلم أو عشرة آلاف مليار كلم تقريبا ). وفي حين يصل إلينا نور القمر في ثانية وثلث ونور الشمس في ثماني دقائق ، فإن النور يستغرق مائة ألف سنة ليصل بين طرفي قرص المجرة اللبنية ( يقطع النور ثلاث مائة ألف كلم في الثانية ). وهناك مجرات تكبرهما بعشرات المرات. وفي الكون أحصي حتى الآن مائة مليار مجرة تقريبا وكلها تدور وتجري بسرعة متفاوتة. فالأرض تدور حول الشمس بسرعة ٣٠ كلم في الثانية تقريبا ، والشمس تجري بسرعة ٧ ، ١٩ كلم في الثانية بالنسبة للنجوم المجاورة لها. أما أسرع المجرات فهي التي تحمل الرقم ( ٣ ـ ٢. ٢٩٥ ) إذ تصل سرعتها إلى ٣٦ % من سرعة الضوء أي ١٠٨ آلاف كلم في الثانية.

والنجوم والمجرات لا تتوزع عشوائيّا في الكون ، فالنجوم تتجمع مع بعضها لتؤلف المجرة ، والمجرات تتجمع مع بعضها لتؤلف مجموعة محلية ( Locale Groupe ) مؤلفة من عشرات المجرات ، والمجموعة المحلية

٤٦

( تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً )

صورة رائعة للمجرة اللبنية المؤلفة من مائة مليار نجم التي يتبع لها نظامنا الشمسي كما تظهر من خلال المرصد في شهر آب في غياب القمر ( الخط الأبيض يمثّل صورة مرور قمر اصطناعي ).

٤٧

تتجمع مع بعضها لتؤلف كدس المجرات ( Galaxies Amas des ) المؤلف من بضعة آلاف من المجرات ، وأكداس المجرات تتجمع كل خمسة أو ستة فيما بينها لتؤلف كدسا عملاقا ( Amas Super ). فالنجوم هي حجر البناء في المجرة ، والمجرة هي بيت في الكون ، والمجموعة المحلية هي قرية في الكون. أما كدس المجرات فهو مدينة في الكون والكدس العملاق عاصمة من عواصمه العديدة حسب تشبيه علماء الفلك. فالشمس مع بقية كواكب النظام الشمسي ومائة مليار نجم غيرها تتجمع مع بعضها لتؤلف مجرتنا اللبنية ، ومجرتنا اللبنية مع توأمها المجرة « أندروميد » ( Andromede ) التي تبعد عنا ٣ ، ٢ مليون سنة ضوئية وغيمتا « ماجلان » الصغرى والكبرى ( Nuages de Magellan ) وخمس عشرة مجرة قزما ( Naine Galaxie ) تتجمع مع بعضها لتؤلف المجموعة المحلية التي تمتد أبعادها إلى خمسة عشر مليون سنة ضوئية وتبلغ كتلتها عشرة آلاف مليار مرة كتلة الشمس ( ٤٦ ـ ١٠ [ تصوير ] غرام ). وهذه المجموعة المحلية تتجمع مع غيرها لتؤلف كدس المجرات Amas) ( de Galaxies الذي يحوي بضعة آلاف من المجرات وتصل أبعاده إلى ستين مليون سنة ضوئية وكتلته إلى بضعة ملايين المليارات من كتلة الشمس [ تصوير ] ( ٤٨ ـ ١٠ غرام ). وقد استطاع العلماء حتى الآن إحصاء ثلاثة آلاف كدس منها في نصف الكرة الجنوبي للكون.

إلا أن تركيب الكون لا يتوقف عند هذا الحد ، فأكداس المجرات تتجمع فيما بينها كل خمسة أو ستة لتؤلف كدسا عملاقا ( Amas Super ) تصل أبعاده إلى مائتي مليون سنة ضوئية وكتلته إلى عشرة ملايين مليار مرة كتلة الشمس [ تصوير ] ( ٤٩ ـ ١٠ غرام ). فمجرتنا اللبنية ما هي إلا جزء من كدس عملاق مؤلف من عشرة آلاف مجرة (١).

إن هذه الأرقام المبسطة عن النجوم والمجرات وتجمّعاتها وأكداسها تعطي المؤمن شيئا عن معنى قوله ( وَالسَّماءِ وَما بَناها ) ( الشمس : ٥ ) ، وعظمة قسمه ببروج السماء ، وتجعله خاشعا أمام عظمة خالق الكون عند ما يقرأ قوله

__________________

(١) Trinh Thuan. La Melodie Secrete, pp. ١٧١ – ٢.

٤٨

تعالى : ( تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً ) ( الفرقان : ٦١ ). كذلك نرى أن رقم مائة مليار مجرة في الكون يتألف أصغرها من عشرة ملايين نجم وأكبرها من آلاف المليارات من النجوم وكلها تجري بسرعات هائلة متفاوتة كل نجم في مسار خاص دون تصادم بينها وفق نظام قانون الجاذبية الكونية ، نرى أن هذا الرقم أيضا يعطي فكرة عن معنى قوله تعالى : ( لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) ( غافر : ٥٧ ) ( في عظمة الصنعة ) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ) ( فاطر : ٤١ ) ( بواسطة القوانين التي تحكم مسار الأجرام السماوية ). لذلك كان التفكير في خلق السماوات والأرض آيات لأولي الألباب : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ) ( آل عمران : ١٩٠ ). وفي هذا الصدد يقول أينشتاين ، وهو من كبار العلماء المؤمنين بالله : « أريد أن أعرف كيف خلق الله الكون ... أريد أن أعرف أفكاره ، وما عدا ذلك فتفاصيل ... الله بارع حاذق وليس بشرير ... الله لا يلعب بالنرد مع الكون » (١).

ولقد ظل أينشتاين حتى أواخر عمره (١٩٥٥) يفتش عن القوانين التي يقوم عليها نظام السماوات والأرض.

تعليق

لقد كان أينشتاين من اليهود الذين آمنوا حقّا بالله مصداقا لقوله تعالى : ( مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ ) ( آل عمران : ١١٠ ). فلقد كان يخشى الله ، وهو من العلماء الحقيقيين الذين يستحقون لقب « العالم » بحسب التعريف القرآني للعالم : ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) ( فاطر : ٢٨ ). ولو اطلع « أينشتاين » على ما جاء في القرآن الكريم

__________________

(١) Je veux savoir comment Dieu a cree le monde; je veux connaitre ses pensees, tout le reste n’est que detail… Dieu est subtil mais il n’est pas mechant; dieu ne joue pas aux des avec le monde.

راجع :

Ronald Clark Einstein: Sa vie et son epoque, p. ٣٧.

٤٩

وخاصة الآيات الكريمة التي تتعلق بعلم الفلك لربما كان من كبار المسلمين المؤمنين بالله والقرآن العظيم ورسالة الرسول الكريم. يكفي فقط التمعن في قول « أينشتاين » : « إن الله لا يلعب بالنرد مع الكون » ، وما جاء في سورة الأنبياء : ( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ. بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِ ) ( النظام ) ( عَلَى الْباطِلِ ) ( نظريات الماديين في الصدفة والأزلية ) ( فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ، وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) ( الأنبياء : ١٥ ـ ١٨ ). ومن أقوال « أينشتاين » المأثورة أيضا جوابه على سؤال طريف طرحه أحدهم عليه عمّن يرغب بمقابلته من العلماء الذين سبقوه إلى الحياة الأخرى : « أرخميدس » أم « نيوتن » ، إن سمح له المولى بذلك فقال : « بل أحب سؤال النبي موسى : هل فكر يوما بأن شعبه سيتبع شريعته لوقت طويل؟ ... ».

ثانيا : ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) ( النجم : ١ ) ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) ( المرسلات : ٨ )

موت النجوم

وضع المولى في أبسط الكلمات وأوجز العبارات أعمق المعاني العلمية التي لم يكتشفها العلم إلا بعد قرون من التنزيل. فمن معاني كلمة « هوى » ، كما جاء في لسان العرب ، « سقط ومات ». ولعل كلمة « طمس » أي درس أو امّحى أثره هي الأبلغ علميّا لأنها المعنى القرآني لكلمة « هوى » وذلك من قوله تعالى : ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ). فلقد كشف العلم حديثا أن لكل نجم دورة حياتية وأطوارا يمر بها : ولادة ونمو ونضوج واحتضار وفناء. فالنجوم وإن بقيت ملايين بل مليارات السنين تشعّ وترسل إلينا ضوءها ستطمس ويندرس أثرها وتموت عند ما تبلغ أجلها المحدد لها كما جاء في قوله تعالى : ( كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ) ( الزمر : ٥ ).

وفيما يلي بعض التفاصيل العلمية عن موت النجوم :

في سجلات الأحداث التاريخية الفلكية ظواهر لم يستطع علم

٥٠

( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى )

احتضار نجم : سديم المروحة Nebuleuse de l’helice الناشئ عن احتضار نجم بحجم الشمس يبعد عنا أربعمائة سنة ضوئية.

يظهر النجم المحتضر وقد تحول إلى قزم أبيض في وسط الصورة في الدائرة الزرقاء ، أما الطبقات المحيطة بها بشكل غيوم فهي تتألف من غاز الهيدروجين والآزوت ( اللون الأحمر ) والأوكسجين ( اللون الأخضر ) الناتجة عن انفجاره واحتضاره

٥١

الفلك تعليلها إلا في العشرين : ففي صباح الرابع من تموز من سنة ١٠٥٤ ميلادية لاحظ علماء الفلك الصينيون ظهور نجم هائل اللمعان بلغ ضياؤه من الشدة بحيث إنه ظل يسطع في وضح النهار لمدة عامين قبل أن يخبو ويحتجب عن الأنظار ، ولم يعرف العلم إلا لا حقا أن هذا النجم الذي أسمي بالنجم الجديد ( Nova ) كان موجودا في كوكبة برج الجوزاء ثم تضخّم وانفجر ومات وتحوّل بعد ذلك إلى ما يسمّى بسديم السرطان ، وهو سحابة من الغازات المتخلفة عن انفجار ذلك النجم قبل موته.

وفي السنين ١٥٧٢ و ١٦٠٤ و ١٨٨٥ سجّلت الظاهرة نفسها ، إذ ظهرت نجوم شديدة اللمعان حتى في وضح النهار مرئية بالعين المجردة سميت أيضا بالنجوم الجديدة. وبقيت مسألة ظهور النجوم الجديدة بدون تعليل علمي حتى القرن العشرين إلى أن قال الفلكي الإنكليزي « أدينغتون » ( Edington ) (١٩٢٠) ومن بعده « والتر بادي » ( Baddy Walter ) (١٩٤٠) بنظرية التطور النجمي ، أي أن كل نجم يمر بمراحل من النشوء والنمو والنضج والشيخوخة والموت ، وما ظواهر النجوم الجديدة في الحقيقة إلا انفجار هائل لنجوم موجودة في السابق قبل احتضارها وموتها. ومع اختراع المراصد الجبارة تبيّن للعلماء منذ عشرات السنين فقط أن مئات النجوم تموت كل يوم بل كل ساعة وحتى كل ثانية ، فبعض النجوم قبل أن تنطفئ يزداد فجأة لمعانها وتوهجها الذي يصل إلى لمعان مليار شمس ، ويكبر حجمها ألوف الكيلومترات في الثانية ، ثم تنفجر انفجارا هائلا هو من القوة بحيث يقذف الضغط الذي ينجم عن انفجار نجم قتيل الموادّ التي يتألف منها بسرعة تفوق عشرة آلاف كلم في الثانية!!!.

وفي ٢٧ شباط ١٩٨٧ كانت آخر الظواهر الفلكية الفريدة التي تجندت لها سلفا جميع المؤسسات الدولية الفلكية فصوّرتها ورصدتها المركبات والأقمار الاصطناعية والمراصد المنتشرة في العالم ، ولا يزال يدرس آثارها علماء الفلك حتى اليوم. في ذلك التاريخ ظهر نجم عملاق أسموه « سوبرنوفا » ( Super Nova. ١٩٨٧. A. ). وهذا النجم ما هو في

٥٢

الحقيقة إلا الضوء الناتج عن انفجار نجم عملاق اسمه « سنديليك » ورقمه ٦٩٢٠٢ ( ٦٩٢٠٢ .Sanduleak ) حصل منذ مائة وسبعين ألف سنة. ولقد بقي ضوؤه تلك المدة حتى وصل إلينا في ٢٧ شباط ١٩٨٧ ، وهذا النجم المتفجر موجود في غيمة « ماجلان » التي تبعد عنا مائة وسبعين ألف سنة ضوئية.

تعليق

أولا : لم تعرف حقيقة الأطوار التي تمر فيها النجوم ومنها موتها إلا في القرن العشرين ، في حين أن التنزيل قال بموت النجوم في آيات لا لبس فيها ولا غموض : ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) ( النجم : ١ ) ، و ـ ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) ( المرسلات : ٨ ) ، و ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) ( التكوير : ١ ) ، و ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) ( التكوير : ٢ ) ، و ( كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ) ( الزمر : ٥ ). وفي ذلك برهان علمي منطقي واضح لا جدال فيه بأن القرآن الكريم هو كلام الله. فحقيقة موت النجوم لا يعرفها في زمن التنزيل إلا خالق النجوم ولم تعرف من قبل الإنسان كما بيّنا إلا لا حقا في القرن العشرين.

ثانيا : إن الآية الكريمة ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) ( النجم : ١ ) هي مثل من الأمثلة العديدة عما أسميناه في كتابنا السابق (١) بالجدلية العلمية المنطقية في القرآن الكريم بمعنى أن المولى يقسم بآية علمية إعجازية لا جدال فيها ثم يربطها بنبإ مختلف عليه بين الناس. فالمولى أقسم بموت النجوم وهذه حقيقة علمية لا جدال فيها اليوم ، ثم ربط جواب قسمه بصدق رسوله وبأنه لا ينطق عن الهوى : ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى. وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) ( النجم : ١ ـ ٤ ). هنا استنتاج يفرض نفسه على كل ذي منطق سليم : إن الذي أقسم بموت النجوم قبل أن يتبيّن العلم ذلك بقرون جعل من هذا القسم دليلا على صدق رسوله. فالمنطق السليم إذن يفرض علينا التسليم والالتزام بكل ما جاء من الوحي على لسان الرسول الحبيب لأن المصدر واحد إذ لا يستطيع اليوم كل ذي منطق

__________________

(١) من علم الطب القرآني : الثوابت العلمية في القرآن الكريم ، دار العلم للملايين ، ١٩٩٠.

٥٣

سليم ولو كان ملحدا ، أن ينكر بأن الآية الكريمة ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) هي قول المولى سبحانه وتعالى. والمنطق عينه يفرض علينا التسليم بأن كل ما في القرآن الكريم من آيات غيبية لا تقع تحت سلطان التجربة والعلم المادي هي أيضا كلام الله ، وإن أنكر ذلك فهو مصاب بازدواجية المنطق وانفصام التفكير ، وهي حال كل المتعلمين من المادّيين وأشباههم من الذين يتهافت منطقهم مع نظريات الصدفة والمادة والتطور والأزلية.

ثالثا : يزداد لمعان النجم العملاق قبل موته لدرجة هائلة بحيث يعادل توهجه مليارات النجوم لذلك يمكن رؤيته في وضح النهار ، فهل هذا النجم العملاق الساطع بإشعاع ثاقب هو الذي أسماه المولى « بالطارق » وأقسم به بقوله : ( وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ. وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) ( الطارق : ١ ـ ٣ )! والله أعلم. ربما يكون في السطور القادمة زيادة في الشرح العلمي عن النجم الثاقب (١).

ثالثا : ( وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ )

( وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ. وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) ( الطارق : ١ ـ ٣ )

سمّى المولى سورة من كتابه الكريم « بالطارق » وأقسم به وعرّفه بأنه « النجم الثاقب ». وبعد خمسة عشر قرنا من التنزيل ، وبعد التقدم الكبير في دراسة النجوم نتساءل : هل أماط علم الفلك اللثام عن « النجم الثاقب »؟ وهل تسمية « الطارق » هي عامة لكل النجوم أم أنها تسمية خاصة بنوع معيّن من النجوم؟ نرى ، والله أعلم ، أن « الطارق » هو نوع معيّن من النجوم. ولعل في المعلومات الفلكية التالية عن بعض النجوم ما يساعدنا على التعرف على خصائص « الطارق » الذي حدّد هويته المولى بأنه « نجم ثاقب ».

__________________

(١) المراجع

١ ـ لايف : المكتبة العلمية ( الكون ـ مولد وفناء النجوم ) ، ص ١٢٨.

٢ ـ Science et Vie, no ٨٤٨, Mai ١٩٨٨: « Autopsie d’une Etoile Morte », p. ٤٠.

٣ ـ Poussieres d’etoiles. Hubert Reeves. Edition Seuil, Paris.

٥٤

( النَّجْمُ الثَّاقِبُ )

الطارق أو النجم الثاقب

الكازارات هي النجوم الأكثر لمعانا في الكون ، ويعتقد بأنها تتألف من نوى المجرات المندثرة. ويظهر في أعلى الصورة أحد الكازارات الذي يبعد عنا ثلاثة مليارات سنة ضوئية بمعنى أن الضوء المنبعث منه بقي ثلاثة مليارات سنة حتى وصل إلى المرصد الذي التقط له هذه الصورة الرائعة

٥٥

( وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ )

في ٢٣ كانون الثاني ١٩٨٧ توقعت الحسابات الفلكية أن النجم المسمى ساندوليك ٢٠٢ ـ ٦٩ Sanduleak في غيمة « ماجلان الكبرى » ( أشير إليه بسهم ) هو في طور الاحتضار وسينفد وقوده

٥٦

وفي ٢٤ شباط ١٩٨٧ حصل ما كان متوقعا ، فقد سجّلت المراصد في جميع أنحاء العالم انفجار النجم المحتضر وتحوّله قبل موته النهائي إلى نجم عملاق متجدد قدّر لمعانه بمائة ألف مرة لمعان شمسنا العادية ، واستغرق ضوؤه حتى وصل إلينا ١٨٠ ألف سنة. هل هذا النجم العملاق المتجدد ( Nova Super ) هو الذي أسماه المولى « بالطارق » أو « النجم الثاقب »؟ الله أعلم

٥٧

لقد كشفت المراصد الفلكية في سنة ١٩٦٣ عن موجات لا سلكية أطول بكثير من الموجات الضوئية تأتينا من الفضاء الخارجي ، لها ميزة اختراق كل الأجسام مهما كانت سماكتها ، لذلك يمكن التقاطها في كل وقت ، إلا أن مصدرها بقي مجهولا.

وفي سنة ١٩٧٣ تمكنت مراصد الراديو المتطورة من كشف هوية هذه الموجات اللاسلكية التي تخرق كل شيء ، إذ تبيّن أن مصادرها بعيدة جدّا ، فهي على حافة الكون ، كما يقول الفلكيون ، والمسافة التي تفصلها عنا تصل إلى عدة مليارات من السنين الضوئية وحتى عشرة مليارات سنة ضوئية ونيف. وآخر مصدر اكتشف حتى الآن بعيد عنا أربعة عشر مليار سنة ضوئية. وقد أسميت مصادر هذه الإشعاعات « شبه النجوم » أو « الكازار » ( Quasar ) ، وميزتها شدّة الإشراق واللمعان بحيث إن ضوء البعض منها يفوق مائة ألف مليار مرة ضوء شمسنا التي تنيرنا ، فهي الأشد لمعانا في الكون.

ملاحظة

كلمة كازار ( Quasar ) هي المختصر لما ترجمته بالعربية : مصدر إشعاع راديو شبه نجمي. ( Quasi Stellar Radio Source )

. ( Source de Rayonnement Radio Quasi Stellaire )

تعليق

أولا : أليست أشباه النجوم المسمّاة كازار ، والتي تثقب بقوة إشعاعها الهائل مسافات تصل إلى مليارات السنين الضوئية ، هي التي أسماها المولى « بالطارق » أو « النجم الثاقب »؟ الله أعلم.

ثانيا : بعض النجوم الكبيرة قبل أن يموت يتحول إلى نجوم عملاقة ثم ينفجر انفجارا هائلا هو من الشدة بحيث إن اللمعان والطاقة المتأتيان منه تعادلان مليارات من القنابل الهدروجينية. أليس النجم العملاق المتفجر ( Nova Super ) هو « الطارق » أو « النجم الثاقب »؟ الله أعلم.

ثالثا : كل نجم ، وخاصة الكازار والنجم العملاق المتفجر ، هو

٥٨

مصدر هائل لمختلف أنواع الأشعة. وبعض هذه الأنواع مضر بالحياة ، إلا أن الغلاف الجوي المحيط بالأرض يعمل كدرع حافظ يقي الأرض وما عليها من أحياء من الأشعة النجمية القاتلة ومنها أشعة النجم الثاقب. نلاحظ من هذه الزاوية عمق الربط العلمي بين قوله تعالى : ( النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) وقوله في الآية التي تليها : ( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ) ( الطارق : ٣ ) ، بمعنى أن الله جعل لكل نفس حافظا من إشعاع النجم الثاقب بواسطة الغلاف الجوي وغيره من سبل الوقاية التي جعلها المولى ، حافظا لكل النفوس من مختلف الأخطار التي تهدد كيانها.

رابعا : في كتب التفسير واللغة أن « الطارق » كلمة مشتقة من الطّرق بمعنى الضرب الشديد ، فكل ما جاء بليل يسمى طارقا ، ولعل أقرب التفاسير القديمة للمفهوم العلمي هو تعريف « النجم الثاقب » « بأنه النجم الذي ارتفع على النجوم ». فصفة الثاقب تطلق على كل الأشياء النافذة والمضيئة والعالية.

رابعا : ( وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ ) ( الطارق : ١١ )

لغويّا كل سقف سماء ، وكل ما علا شيئا هو بالنسبة له سقف أو سماء ، من قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ ) ( الأنبياء : ٣٢ ) ، و ( وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ) ( الطور : ٥ ). وبصورة عامة ، كل ما علانا في الكون هو سقف أو سماء. أما الرّجع فاسم صفة للسماء ، والكلمة مشتقة من رجّع أي أعاد الشيء إلى ما كان عليه.

إن الآية الكريمة أعلاه ، كأكثر آيات القسم ، تحمل أبعادا علمية إعجازية بيّن العلم بعضا منها ، وهي كما أسلفنا وجه من وجوه الإعجاز القرآني ، هو الإعجاز العلمي القرآني ، وبه ينتقل المسلم في القرن العشرين من إيمان الفطرة إلى يقين البرهان العلمي. والبرهان العلمي القرآني صخرة الإيمان التي تتحطم عليها موجات الشك المتأتية من أنفسنا وغيرنا ، لذلك نرى ـ كما أسلفنا ـ وجوب إعادة النظر في دراسة وتفسير أكثر الآيات القرآنية

٥٩

التي تطرقت في مضامينها إلى مختلف فروع العلوم المادية على ضوء الحقائق العلمية الثابتة التي اكتشفها الإنسان في القرن العشرين ، وعلى يد علماء مؤمنين ملتزمين متخصصين في العلوم الطبيعية والعلوم القرآنية. فهل تفسير قوله تعالى ( وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ ) بأنه قسم بالسماء التي ترجع الماء إلى الأرض بعد تبخّره منها بكاف في القرن العشرين؟ وهل يفي هذا التفسير بجلال القسم؟ وهل أعطت هذه المعلومات القليلة عن السماء ذات الرجع البرهان العلمي الذي يحشر منطق وتفكير القارئ فيقنعه بجواب القسم ، أي بأن القرآن الكريم هو قول فصل وليس بالهزل كما قال تعالى : ( وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ. وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ. إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ. وَما هُوَ بِالْهَزْلِ ) ( الطارق : ١١ ـ ١٤ )؟

التعليق العلمي

في المعلومات الفلكية التالية يجد المسلم بعضا من الحقائق العلمية الإعجازية الكامنة في قول تعالى : ( وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ ) كما كشفها علماء الفلك في القرن العشرين :

١ ـ السماء بمعنى الغلاف الجوي الأرضي : لكلمة السماء معان كثيرة كما أسلفنا ، فإذا عنينا بالسماء مختلف الطبقات التي يتألف منها الغلاف الجوي المحيط بالأرض ( Terrestre Atmosphere ) نجد أن من خصائص بعضها إعادة الأشياء إلى ما كانت فيه :

فالطبقة السفلى من الغلاف الجوي ( Troposphere ) تعيد بخار الماء المتصاعد إليها من الأرض بشكل مطر ، وكذلك القسم الأكبر من الحرارة المنعكسة والمتصاعدة من الأرض.

والطبقات الرابعة والخامسة والسادسة من الغلاف الجوي ( Ionosphere ) ترجع إلى الأرض موجات الراديو الطويلة والمتوسطة وبعض الموجات القصيرة المتأتية من الأرض ، كما تعكس نفس هذه الموجات ، إذا كانت متأتية من الفضاء الخارجي وترجعها إليه.

والطبقة السابعة أو الحزام المغنطيسي الأرضي ( Magnatosphere )

٦٠