أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

وهذا يعني أنّ أحد الخاصين في المقام إجمالاً يعلم بكون معارضته مع عامه مستحكمة وموجبة للتساقط ، وهو معنى سريان التعارض إلى ظهور الخاصين ، وبالتالي إلى سنديهما إذا كانا ظنيين.

نعم ، يصح ما ذكره السيد الشهيد في مورد وجود خاص واحد لأحد العامين من وجه يخرج مورد افتراقه بناءً على انكار انقلاب النسبة ، حيث يقال بسقوط العام المختص به عن الحجّية وسراية التعارض إلى سنده ؛ لسقوط تمام مدلوله في مورد الاجتماع ـ بالتعارض المستقر ـ وفي مورد الافتراق بالتخصيص وعدم سريان التعارض إلى ظهور الخاص ؛ لكون معارضته غير مستقرة وصالحة للقرينية ؛ إذ لا يعلم بكذب وعدم جدية ظهور عامه في مورد اجتماعه مع العام الآخر. بل لعلّ ما ليس بجدّيى إنّما هو ظهور العام الآخر في مورد الاجتماع ، فيقال بأنّ هذا كاف للقرينية في المقام ، وإن كان مدلوله ساقطاً عن الحجّية بالتعارض في مورد الاجتماع مع العام الآخر ؛ لأنّه يحتمل جدّيته ثبوتاً ، فيتعين ظهور العام المخصّص في موردي الاجتماع والافتراق للسقوط دون ظهور الخاص ، ويسري التعارض إلى سنده أيضاً من باب اللغوية.

وانقدح بما ذكرناه أنّ ما جاء في ذيل هذا البحث في الكتاب ص ٣٠٢ من انّه لو فرض صدور الأدلّة الأربعة في مجلس واحد متصلاً كان كل من الخاصين تام الاقتضاء في الكشف عن المراد من العام المتصل به ، وينحصر التعارض والاجمال في العامين فقط غير تام أيضاً ، بل يسري الإجمال إلى ظهور الخاصين جزماً للعلم بعدم جدية أحدهما أو أحد ظهوري العامين في موردي الافتراق.

أو بتعبير أدق : عدم جدية العام الذي يعلم بعدم جدية اطلاقه وظهوره في

٤٦١

مورد الاجتماع ، وهذا موجب للاجمال جزماً ، وقياس ذلك بما إذا لم ينعقد دلالة تصورية من أوّل الأمر في العامين إلاّبلحاظ مورد الاجتماع غير صحيح ، فإنّ ذلك خارج عن الفرض.

ص ٣٠٥ قوله : ( التحقيق انّ هذا الكلام ليس جواباً ... ).

هذا الاشكال إنّما يرد إذا كان مبنى انقلاب النسبة ما ذكر من انّ الميزان بالأخصية في الحجّية وامّا إذا كان الميزان في انقلاب النسبة ما ذكرناه نحن أو أحد البيانات الاخرى من قبيل الغاء الفواصل الزمنية واعتبار الأدلّة جميعاً في مجلس واحد فما ذكره السيد الخوئي قدس‌سره من الجواب تام لا محالة كما هو واضح.

ص ٣٠٧ قوله : ( وقد ترد هنا الشبهة المتقدمة في الجهة السابقة ... ).

بل هذا المورد أيضاً مما يحكم العرف بالانقلاب فيه ، وانّ خطاب يكره اكرام العالم الفاسق بعد ورود أخص الخاصين ولو متصلاً بالعام علم بأنّ تمام المراد منه هو كراهة اكرام العالم الفاسق غير الكذاب ، وامّا هو فيحرم اكرامه ، فعندئذٍ يتعامل العرف بينه وبين العام المخصص بالتخصيص ؛ لأنّ ملاكه وهو القرينية على ما هو المراد من العام ثابت فيه ولو في طول التخصيص ، فليس المدار في القرينة على أن يكون الظهور والدلالة التكوينية أخص ، كما انّه ليس المدار بأخصية الحجة ، وإنّما المدار بأخصية الكاشف عمّا هو المراد من الخطاب ، ولو كان نتيجة ضم ظهورات منفصلة بعضها إلى بعض ، وهذا هنا محفوظ.

ولعلّ دعوى انّ الخاصين المذكورين حكمهما واحد في فرض انفصالهما عن البيان أو اتصال أخصهما به عرفاً ليست مجازفة.

٤٦٢

وقد ينقض على جعل الملاك في القرينة بالأخصية بحسب ذات المدلول والدلالة بأنّ لازمه عدم تقديم الخاصين الواردين على العام الواحد إذا كانا مستوعبين لتمام أفراده ولكن كان بينهما تعارض بنحو العموم من وجه بحيث يسقطا عن الحجّية فيه ورجعنا فيه إلى العام فإنّه لا إشكال في امكان تخصيص العام حينئذٍ بموردي افتراقهما واختصاص العام بمورد الإجتماع لهما ، مثاله : ( يستحب اكرام كل عالم ) ، و ( يكره اكرام العالم غير المسلم ) ، و ( يجب اكرام العالم الموحد ) ، والنسبة بين الموحد وغير المسلم عموم من وجه ؛ لأنّ بعض غير المسلمين موحدين ، فإنّه بعد تساقط الخاصين في الموحد غير المسلم ـ كالمسيحي واليهودي ـ يرجع فيه إلى العام ويخصص العام بالمسلم والكافر غير الموحد فيجب اكرام العالم المسلم ويحرم اكرام العالم غير الموحد ـ أو المشرك ـ ويستحب اكرام العالم الموحد غير المسلم. وهذا هو مقتضى الصناعة والعمل فقهياً.

بينما على القول بأنّ ملاك القرينية بالأخصية للمدلول يقال بأنّ مجموع الخاصين مدلولهما ليس أخص بل مستوعب لتمام أفراد العالم فلا تصلح للقرينة وسقوط الدلالة عن الحجّية في مورد الاجتماع لا يجعله قرينة.

والجواب : انّ القرينية في المقام ثابتة لكل من الخاصين بحسب مدلوله في نفسه ، وإنّما المحذور عدم امكان الجمع بين القرينتين والخاصّين ؛ لاستيعابهما تمام مدلول العام ، فالمحذور في الجمع بينهما ، وهو فرع حجيتهما في مورد الاجتماع ، فإذا سقطا لم يلزم الجمع بينهما لكي لا يكون قرينة.

وفذلكة البحث : انّ هناك احتمالات ثلاثة في تحليل كبرى القرينية والتخصيص :

٤٦٣

الأوّل : أن يكون الميزان فيها بكون الدلالة والظهور التكويني التصديقي أخص سواءً كان حجة أم لا ، وذلك لأقوائية كاشفيته عن المراد أقوائية نوعية ناشئة من مزيد التركيز في الدلالة المحفوظ في الأخص بالقياس إلى الأعمّ ، وهذا مبنى عدم انقلاب النسبة لوضوح عدم حصول هذه النكتة في المعارض بعد تخصيصه بمخصص منفصل حتى لو كان المقدار الباقي فيه على الحجّية بعد التخصيص أخص من معارضه.

الثاني : أن يكون الميزان بكون ما هو الحجة أخص ؛ لأنّ التعارض إنّما يكون بين الحجج لا الأعم مما يكون حجة ولا يكون فلابد وأن تلحظ النسبة بين الأدلّة بما هي حجة ، وهذا مبنى لانقلاب النسبة ، والسيد الشهيد قدس‌سره كأنّه جعل تحليل كبرى القرينية ونكتتها منحصراً ومردداً بين هذين الاحتمالين ، وعندئذٍ أبطل الثاني الذي هو مبنى الانقلاب بأنّ الأخصية في الحجية لا تكفي لتفسير القرينية ؛ إذ لا نكتة فيها إلاّ التعبد ، وهو لا يناسب البناءات والقرارات العقلائية في باب الطرق والامارات ، فيتعيّن الأوّل وهو مبنى عدم الانقلاب.

إلاّ أنّ هناك احتمالاً ثالثاً في تفسير القرينية يكون مبنى لانقلاب النسبة من دون أن يلزم منه تعبدية البناء العقلائي في التقديم :

الثالث : أن يكون الميزان في القرينة صلاحية الخاص والقرينة لتقييد العام بلحاظ كيفية المبين لا قوّة البيان ، وتلك الكيفية هي كونها بمثابة اضافة القيد والحد والتفسير ، فإنّ هذا قد يكون بملاك النظر والتفسير الشخصي الصريح ، وقد يكون كذلك عند النوع ؛ لكونه المناسب معه كما تقدم في محلّه.

وهذه نكتة طريقية لا تعبدية وهي أولى من نكتة الأقوائية في الاحتمال الأوّل

٤٦٤

لما تقدم في محلّه من عدم ابتناء القرينية على الأقوائية في الظهور ، وإن كانت الأقوائية قد تكون أيضاً موجبة للقرينية.

والمصادرة أو التوسعة الاضافية التي ندعيها هنا أنّ هذا التحديد للمراد بلسان التقييد والتخصيص ونحوه ـ لا مجرد سقوط الظهور عن الحجّية ، كما في موارد التعارض بنحو العموم من وجه ونحوه ـ لا فرق فيه بين حصوله بدليل وظهور واحد أو من مجموع ظهورين منفصلين ، فيكون بمثابة القرينة على القرينة عرفاً ومسامحةً ، فأكرم كلّ عالم إذا ورد عليه لا يجب اكرام العالم غير العادل أصبح الكاشف التصديقي الفعلي عن مدلول مجموعهما انّ العالم العادل يجب اكرامه كما إذا اورد ذلك في ظهور واحد وهو صالح لتقييد وتحديد المراد بلا تكرم العالم أيضاً ؛ فكأنّ للخاص دلالتين عرفاً ، دلالة ايجابية تقتضي اخراج مفاده عن العام المخصّص به ودلالة ثانية سلبية على انّ المراد من ذلك العام ما عدا الخاص ، وهذه الدلالة وإن كانت مركبة من مجموع دلالة الخاص وضمها إلى العام وهي تتبع أخسّ المقدمتين أي تكون في قوّة دلالة العام أو المطلق لا الخاص أو المقيّد إلاّ أنّها تكفي لتخصيص العام الآخر بهما ؛ لأنّ الميزان في التخصيص بالكشف عن المفاد الأخص لا أقوائية الدلالة ، فيصلح أن يكون مفسراً ومخصِّصاً لعموم النهي عن اكرام العالم بغير العادل.

فالحاصل : القرينية إنّما تكون بملاك خصوصية في المبين والمنكشف بما هو منكشف ، فكلّما كان كاشف وظهور فعلي شخصي أو نوعي على ما هو المراد الجدي من خطاب ، سواء كان بظهور واحد أو بضم ظهور إلى ظهور ، وكان ذاك المراد والمنكشف بمجموع الظهورين صالحاً للتفسير والقرينية نوعاً بالنسبة لخطاب ثالث ، كفى ذلك في القرينية.

٤٦٥

وإن شئت قلت : كما أنّ العام المخصَّص إذا كان تخصيصه بالمتصل بنحو الجملة المستقلة ، كما إذا قال : ( أكرم كل عالم ، ولا يجب اكرام فسّاق العلماء ) يصلح لتخصيص عموم لا يجب اكرام العلماء ، كذلك الحال فيما إذا كان المخصّص المتّصل منفصلاً عنه ، فإنّه في كلا الفرضين المقتضي للظهور التصديقي الجدّي في العموم موجود في العام المخصّص ، وهو الظهور التصديقي الأوّل ـ الاستعمالي ـ إلاّ أنّه لأقوائية مقتضي المخصّص المتصل لا يصبح الظهور الجدّي في ارادة العموم فعلياً حتى في عالم انعقاد الظهور الحالي ، فضلاً عن الحجّية ، فكذلك الحال في المخصّص المنفصل فإنّه وإن كان لا يرفع انعقاد الظهور الحالي ، وإنّما يرفع حجيته ، ولكن بنكتة القرينية النوعية والكشف عمّا يراد به جدّاً ولو بضم القرائن المنفصلة ، لا مجرد سقوطه عن الحجّية كما في موارد التعارض ، فهذه النكتة الموسعة مقبولة ومطابقة مع الذوق العرفي كما أفاده الميرزا والسيد الخوئي.

ص ٣٠٩ قوله : ( الحالة الاولى ... وإلاّ تعيّن العام المخصّص للسقوط ... ).

أي غير مورد التخصيص لا أكثر ، فلا يسقط سنده الظني عن الحجّية مطلقاً ، لامكان الأخذ به في مورد التخصيص ، وهذا واضح.

ص ٣٠٩ قوله : ( الحالة الثانية ... ).

أقول : تخصيص العام غير المخصص بالمقدار المتيقن يتم بلا حاجة إلى فرض ورود مخصص في البين أصلاً لأنّ قطعية صدور العام المخصّص وقطعية جهته يوجب القطع بثبوت مفاده في الجملة واقعاً ، فإذا كان له متيقن سقط العام الآخر عن الحجّية فيه ووقع التعارض بينهما في الباقي وإن كان دائراً

٤٦٦

بين متباينين كان من القطع الإجمالي بالتخصيص الموجب لسقوط العام عن الحجّية في قباله حتى بالعنوان الإجمالي في غير معلوم التخصيص إذا كان العام الزامياً لما ذكر من سقوط ذلك بالمعارضة في المقام مع ظهور العام المخصّص فلا يتوقف هذا البيان على ورود المخصّص وتشكل دلالة التزامية فيه لتكون صالحة للقرينية.

هذا ، مضافاً إلى أنّ هذا المدلول القطعي للعام قطعي الجهة ، كما يمكن ضمّه إلى المخصّص لتتشكل فيه دلالة التزامية لحديث المعصوم أخصّ من العام الآخر يمكن ضمه إلى نفس العام المخصَّص بما هو مدلول لأصل الحديث ، فيكون أخصّ لا لمفاده الذي هو قضية مطلقة أو مهملة.

ص ٣١١ قوله : ( فإنّه يقال : ... ).

قد يقال : هذا الكلام غير فني لأنّ الدلالة الالتزامية في حديث الإمام قضية شرطية كما تقدم ولا يثبت شرطها إلاّبدليل حجّية السند الظني للعام المخصّص ، والمفروض انّ دلالتها لا تصلح للقرينية والتخصيص ، فالنتيجة تتبع أخسّ المقدمتين ، ولا يقاس بالحالة السابقة حيث كانت تتشكل فيها دلالة التزامية لنفس الخاص ، أي حديث الإمام عليه‌السلام على أساس القطع الوجداني بثبوت حكم العام المخصّص في الجملة.

فالحاصل : كما لا يكون الحكم الإجمالي الذي يشهد به الراوي صالحاً لتخصيص العام الآخر ؛ لأنّه حجة ظنية تعارض حجة ظنية اخرى ، وكونها أخص وأضيق منها لا أثر له بعد أن كان التقديم بالأخصية في باب ظهورات كلام متكلم واحد ، وبمقدار الكشف عن المراد ، لا انّ كل حجة أضيق تتقدم

٤٦٧

على حجة أوسع ، كذلك في المقام ، فلا فرق في ذلك بين أن يرد مخصّص على العام قطعي الجهة أم لا ؛ لأنّ ما سوف تتشكل له من الدلالة على القضية الشرطية بما هي شرطية لا تصلح لتقييد العام الآخر ، وبضمها إلى السند الظني وإن كان يثبت الجزاء ، إلاّ انّه بكاشف معارض مع عموم العام غير المخصّص فلا يصلح للتقديم.

لا يقال : صدور العام قطعي الجهة يلازم ثبوت حكمه في غير دائرة التخصيص والسند الظني يثبت هذا الأمر الموضوعي ، فليست الدلالة الالتزامية للمخصص متوقفة على القطع الوجداني.

فإنّه يقال : هذا صحيح ، إلاّ انّه لا يجدي لأنّ ثبوت ذاك الواقع الموضوعي المستلزم لثبوت حكم العام القطعي في غير دائرة التخصيص إذا لم يكن بالقطع والوجدان بل بالتعبد كان ذلك الكاشف التعبدي داخلاً في التعارض مع عموم العام الآخر لعدم صلاحيته للتقييد والتخصيص بحسب الفرض ، إذ ليس كل حجة وطريق وكاشف أخص تتقدم على الأعم.

وإن شئت قلت : انّ ترتب ذلك الحكم الأخص في غير دائرة التخصيص ليس وجدانياً بل تعبدي بدليل حجّية السند الظني ؛ لأنّ الحكومة ظاهرية لا واقعية ؛ إذ قد لا يكون صادراً ومعه لا دلالة التزامية في حديث الامام الخاص واقعاً ، والمفروض انّ هذه الكاشفية معارضة ولا تصلح للتقديم.

لا يقال : الراوي يشهد بوجود منشأ الدلالة الالتزامية في حديث الامام الخاص فيكون كشهادة الراوي بصدور خطاب خاص من حيث انّه يتقدم على أصالة عموم العام الآخر نظير نقله لرواية أخص يخصص به العمومات.

٤٦٨

فإنّه يقال : لو شهد الراوي بوجود دلالة وحديث أخص تمّ ما ذكر ، إلاّ انّه منتف في المقام ، وإنّما يشهد بثوبت الحكم الشرعي وثبوته واقعاً لا يكفي لتشكل الدلالة الالتزامية وإنّما العلم به وجدناً يوجب تشكل دلالة التزامية في الحديث الأخص كما في الحالة الاولى.

فالحاصل : لابد من القطع الوجداني بالحكم الشرعي لكي تتشكل دلالة التزامية وكاشفية فعلية للحديث الأخص والتي هي القرينية ، ولا يكفي ثبوته بدليل تعبدي ، ولا يقاس بالشهادة على الظهور الأخص ؛ لأنّ الظهور لها موضوعية ، فتكون الشهادة به تعبداً بوجود القرينية الموضوعية على خلاف العام بخلاف المقام فإنّ الدلالة هنا دلالة المدلول والتي تحصل من العلم بالشرط والتعبد لا يشهد بالعلم.

هذا ، ولكن هذه الشبهة جوابها : أنّ ما يكون قرينة على التخصيص في المقام أيضاً أمر موضوعي ، وهو الدلالة الالتزامية في حديث صادر من معصوم تكون أخص من عموم عام ، وهذا يثبت تعبداً بضمّ دليل المخصّص إلى دليل العام قطعي الجهة ، حتى إذا كانا ظنيّين سنداً ، وأي فرق بين أن يثبت بسند ظني واحد أو بمجموع خبرين وسندين ظنيّين.

وأمّا إذا كان العام المخصَّص ظني الجهة ، فلا يثبت ذلك إلاّبالتمسك بأصالة الجد ، وهي لا تجري في القضية المهملة ، وفي القضية المطلقة معارضة في كل جزء مع أصالة الجد في العام الآخر ، فلا محرز لهذا المخصِّص والقرينة الموضوعية.

٤٦٩

حكم التعارض

طبق الأخبار الخاصة

ص ٣١٦ قوله : ( الثانية ... ).

إلاّ أنّ لسان الاستنكار والتحاشي بل التعبير بقوله لم أقله كالصريح في ارادة نفي الصدور كجملة خبرية لا نفي الحجّية.

ص ٣١٩ قوله : ( الاولى ... الثانية ... ).

الفرق بين الأمرين انّه في الأمر الأوّل يفترض انّ مفاد هذه الطائفة عرفاً نفي حجّية مطلق الخبر لأنّ الحجّية إنّما تجعل للخبر في مورد لا يكون فيه دليل قطعي آخر كالسنة القطعية أو الكتاب الكريم فكأنّ الوارد فيها ابتداءً عدم حجّية غير القطع في ناحية السند ، فيكون مفادها الغاء حجّية خبر الثقة بما هو خبر ، وإنّما الحجّية للكتاب والسنة القطعية. وحيث انها أخبار آحاد فيشمله بنفسها فلا يمكن الاستدلال بها على ذلك في نفسه ـ أي سواء كان لها معارض أم لا ـ للزوم الخلف والتناقض.

وامّا الأمر الثاني فالمفروض فيه انّ مفاد هذه الطائفة ليس عدم حجّية خبر الثقة مطلقاً ليشمل نفسها ، بل عدم حجّية صنف منه إلاّ انّ تخصيص إطلاق دليل حجّية خبر الثقة بغير ذلك الصنف غير ممكن لأنّه القدر المتيقن منه مثلاً ، فيقع

٤٧٠

التعارض بينهما فلا يبقى ما يثبت حجيتها ، أي التعارض بين ظهور أدلّة حجّية خبر الثقة ـ لكون سندها قطعياً ـ وسند هذه الطائفة ، وحيث انّ حجّية سند هذه الطائفة متوقفة على حجّية ظهور دليل الحجّية العام فتكون في طولها ، وما يكون حجيته في طول حجّية دليل آخر يستحيل أن يعارض ذلك الدليل ، بل يتعيّن هو للسقوط ، فلا يسري التعارض والتساقط إلى ظهور دليل الحجّية العام.

ومن هنا أجاب السيد الشيهد قدس‌سره عنه بأنّه مبني على انحصار دليل الحجّية العام في الدليل اللفظي ، وأمّا لو كان في البين دليل لبي متمثل في السيرة أمكن التمسك به لاثبات حجيتها والردع عن الجزء الآخر للسيرة ، أي في غير هذا الخبر وما عليه شاهد من الكتاب.

إلاّ أنّ امكان الردع عن السيرة بمثل رواية أو روايتين تقدم في محلّه عدم تماميته.

إلاّ أنّ كلا هذين الجوابين مبنيان على أن يكون مفاد هذه الطائفة الغاء حجّية سند الروايات التي لا شاهد عليها من كتاب الله بنحو التخصيص لا التخصّص ، وإلاّ لم تكن معارضة ولا مخصّصة لأدلّة الحجّية العام.

وتوضيح ذلك : انّه قد تقدم عدم حجّية خبر الثقة إذا كان توجد أمارة عقلائية قوية على خلاف مضمونه ـ كاعراض المشهور ـ لأنّ هذا خارج عن معقد السيرة العقلائية على الحجّية ، كما أنّ الأدلّة اللفظية لا إطلاق لها لمثل ذلك ؛ لكونها امضائية أو لا إطلاق فيها في نفسها.

ومفاد هذه الروايات بيان صغرى ذلك ، وأنّ الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام أحاديثهم لا تكون على خلاف الكتاب وسنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل لا تكون خارجة عمّا فيهما ،

٤٧١

فما لا شاهد عليه من الكتاب ولا السنة غير صادر منا ، فيكون نفس هذا قرينة نوعية على عدم الصدور أو وجود خلل في السند.

فالحاصل : مفاد هذه الطائفة أنّ العرض على الكتاب والسنة النبوية وعدم وجود مضمون الخبر فيهما ، بحيث يكون عليه شاهد عليه موجب لعدم الحجّية تخصّصاً لا تخصيصاً ، أي من باب كونه بنفسه قرينة نوعية على وجود خلل في الخبر من حيث الصدور ، وهذا وارد على دليل الحجّية العام ، وليس مخصّصاً له ، فضلاً من أن يكون معارضاً أو دالاًّ على عدم حجّية خبر الثقة في نفسه.

وبهذا يظهر أنّ كل الوجوه القادمة ـ باستثناء وجه واحد سنذكره ـ لا يتم شيء منها ؛ لأنّها فرع وقوع التعارض بين مفاد هذه الطائفة وأدلّة حجّية الخبر الواحد ، وكون بعضها أخصّ من هذه الطائفة فتخصّص به أو التساقط والرجوع إلى العموم الفوقاني على الحجّية ، مع أنّه ليس مفاد هذه الأخبار تخصيص الحجّية أصلاً ، بل تبيين نكتة ومضمون لو ثبت كان رافعاً لموضوع الحجّية في الأخبار التي لا شاهد عليها من الكتاب ، فتكون واردة على أدلّة الحجّية ، فلا تصل النوبة إلى التعارض أو التخصيص.

وأمّا الجواب الذي نستثنيه فهو الجواب المذكور تحت عنوان ( الرابعة ) في الكتاب ، وهو دعوى العلم بعدم صحة هذا المضمون للعلم بصدور أحاديث كثيرة عنهم ، ليس فقط لا شاهد عليها من الكتاب ، بل ومخالفة مع إطلاق أو عموم كتابي ومقيدة لهما ، فلا تتشكل من هذا المطلب قرينة نوعية على الخلل في خبر الثقة الناقل لتلك الأحاديث ليكون من باب التخصّص والورود ، أي هذا المضمون معلوم العدم وجداناً.

٤٧٢

نعم ، لو احتملنا في مفاد هذه الطائفة التعبّد بسقوط ما لا شاهد عليه من الكتاب لا من جهة حصول أمارة نوعية على عدم الصدور بل في نفسه اتجهت الأجوبة المذكورة في الكتاب عندئذٍ ، والسيد الشهيد قدس‌سره يقصد ذلك.

إلاّ انّ هذا في نفسه بعيد عن مساق هذه الطائفة ، بل ظاهرها نفي الصدور ، غاية الأمر لابدّ وأن يفسّر عدم الشاهد من الكتاب والسنة ، بمعنى آخر لا ينافي ما يعلم صدوره منهم كثيراً ، كما في التفسير الذي سيأتي عن السيد الشهيد قدس‌سره لكل هذه الروايات.

ثمّ إنّ هناك روايتين بنفس مضمون رواية ابن أبي يعفور ، إلاّ أنّ في سندهما اشكالاً :

احداهما ـ مرسلة عبد الله بن بكير عن رجل عن أبي جعفر قدس‌سره في حديث ، قال : « إذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به ، وإلاّ فقفوا عنده ثمّ ردّوه إلينا حتى يستبين لكم ».

الثانية ـ رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في حديث قال : « انظروا أمرنا وما جاءكم عنّا ، فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه ، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا » (١).

والظاهر منها أنّ الميزان بالموافقة وعدم الموافقة ، لا المخالفة وعدم المخالفة ، فتكون على وزان الطائفة الثانية لا الثالثة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٢٠ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ٣٧.

٤٧٣

ص ٣٢٢ قوله : ( ٢ ـ انها مشمولة للطوائف الدالة ... ).

هذا الجواب يتوقف على أن تكون رواية ابن أبي يعفور معارضة مع أدلّة الحجّية لا مخصّصة للحجية بما عليه شاهد لأنّ هذا التخصيص ونحوه خارج عن مفاد أخبار الطرح كما سيأتي.

ص ٣٢٣ قوله : ( ٤ ـ لو قطع النظر عن العموم الفوقاني ... ).

هذا الجواب لا يتوقف على ما افترضه السيد الشهيد من كون النسبة بين آية النفر وخبر ابن أبي يعفور عموماً من وجه ، بل حتى إذا كان بنحو التباين أو أخصّ منها مطلقاً مع ذلك لو كان يوجد خبر ثقة واحد يدلّ على حجّية الخبر الذي ليس عليه شاهد من الكتاب ، بحيث كان هذا قدره المتيقن ، كما في ( خذ عنه معالم دينك ) ، كان بحكم الأخص من خبر ابن أبي يعفور ، وكان إطلاق الآية أو أي دليل قطعي على حجّية الخبر بشموله له مخصصاً لاطلاق خبر ابن أبي يعفور باصول الدين ، وبالتالي لا يثبت المخصص ، فضلاً عن المعارض لاطلاق دليل الحجّية ؛ لأنّ ما يكون في طول عدم إطلاق آخر لا يمكن أن يكون مخصصاً أو معارضاً معه.

وهذا يعني انّ إطلاق العام في المقام للخبر المذكور وارد على إطلاق المخصّص له وهي نكتة ظريفة إلاّ انها متوقفة على امكان تخصيص خبر ابن أبي يعفور باصول الدين وهو بعيد بعد أن كان المهم في العمل بأحاديثهم والأخذ بها والابتلاء بها والسؤال عنها هو فروع الدين والأحكام الفقهية التي كانت محلّ ابتلائهم.

ثمّ انّه من المحتمل قوياً أن تكون هذه الروايات خصوصاً الطائفة الثالثة

٤٧٤

والثانية بصدد الحثّ على التمسك بالقرآن والسنة والأمر القطعي في المشتبهات وعدم التمسك بكل حديث وظن فيكون العقد الايجابي التأكيد على ذلك والعقد السلبي نفي حجّية كل ظن وخبر بما هو ظن ويشهد لهذا ما ورد فيها من الأمر بالوقوف عند الشبهة وانّه خير من الاقتحام في الهلكة وانّ على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً ، ونحو ذلك من التعابير المناسبة مع هذا المعنى ، ومعه فلا دلالة فيها لا على جعل الحجّية للخبر الموافق أو المخالف للكتاب ليقال بأنّه لغو عرفاً ، ولا تدل بعقدها السلبي أيضاً على تقييد حجّية خبر الثقة ، بل ارشاد إلى عدم حجّية الظن ، فوزانها وزان أدلّة النهي عن اتباع الظن وغير العلم.

ص ٣٢٦ قوله : ( ولا يبعد تعين الاحتمال الأخير منهما ... ).

بل المتعين الاحتمال الثالث ، بأن يراد من الموافقة عدم المخالفة ؛ لأنّ الذيل قرينة على الصدر دائماً ؛ ولأنّ مناسبة الحكم والموضوع أيضاً تقتضي ذلك ، فإنّه ينبغي أن لا يخالف الإنسان مع ما هو الحق ، وما في القرآن الكريم الذي لا ريب فيه ، وأمّا ذكر جملة ( انّ على كل حق حقيقة ) ، فهو بمثابة حكمة وقابلة للتطبيق على هذا الاحتمال أيضاً ، بأن يكون النهي عن الأخذ بما يخالف الكتاب من باب أنّ فيه الحق والصواب والنور ، فلا ينبغي الأخذ بخلافه ، ولا أقل من الاجمال الذي أيضاً يكون بصالح الاحتمال الثالث.

ص ٣٢٩ قوله : ( ويمكن أن يجاب أيضاً ... ).

يمكن أن يلاحظ عليه : بأنّ حمل المخالفة في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله على المخالفة بنحو التقييد والتخصيص والحكومة بالخصوص غير عرفي

٤٧٥

وخلاف الاستظهار المتقدم في سائر الروايات التي ذكر فيها هذا العنوان ، مما يعني قوّة ظهور هذه الرواية في ارادة نفس القاعدة والضابط المبيّنة في سائر روايات الأمر بأخذ ما وافق الكتاب وطرح ما خالفه ، ويكون مفادها أنّ الخبر المخالف للكتاب ليس بحجة في مورد التعارض على كل حال ، سواء كان من جهة عدم مقتضي الحجّية فيه أو من جهة المعارضة ، فإنّ هذه الحيثيات التحليلية العلمية لا يستفاد من هذه الرواية ، كما أنّ المخالفة فيها تعمّ جميع أنحائها ، ومعه لا يبقى فيها ظهور أو دلالة على ثبوت مقتضي الحجّية في بعض الأخبار المخالفة أو كلّها إذا لم يكن لها معارض أصلاً.

ولعلّه لهذا فرض الإمام عليه‌السلام في الذيل عدم وجود حكمهما معاً في كتاب الله ، ولم يفرض سائر الشقوق المتصورة بناءً على ثبوت مقتضي الحجّية في الخبر المخالف للكتاب.

والأولى الاستدلال على حجّية الخبر المخالف للكتاب بنحو يكون فيه جمع عرفي في غير مورد التعارض بالسيرة المتشرعية المقطوع بها ، وقد ذكر السيد الشهيد قدس‌سره نفسه هذا الوجه في بحث ( ملتقى المسألتين ) فراجع.

ص ٣٣٨ قوله : ( أخبار التخيير ... ).

يمكن أن يقال : بأنّ المتأمل في مضامين روايات التخيير يطمئن إلى انّ التعبير المذكور ـ موسع عليك بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك ـ في هذه الروايات اريد به أحد معنيين :

أحدهما ـ موارد الجمع العرفي أو حمل الأمر والنهي على الاستحباب والكراهة ، أي صحّة أحاديث أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ووجود محمل لها ، ولزوم

٤٧٦

التسليم بها ، وعدم طرحها لمجرد توهم التعارض فيما بينها ، وهذا هو المستفاد من التعبير الوارد في بعضها « أخذت من باب التسليم » ، كما في رواية التكبيرة عند القيام من الجلوس ، ورواية الصلاة في المحل ، ورواية الميثمي عن الإمام الرضا عليه‌السلام الطويلة ، فإنّها صريحة في هذا المعنى في الباب ـ ٩ ـ من صفات القاضي فراجعها.

الثانية ـ التوسعة في الأخذ بأحد الخبرين المتعارضين من باب التقية ، لما ورد من التعبير في روايات التقية في الباب بأنّ ذلك يسعكم ، وانّا لا ندخلكم إلاّفيما يسعكم ، ومن الواضح انّ هذه التوسعة أو التخيير لظروف التقية حكم واقعي ، فكما انّ ظرف التقية جوّز للإمام عليه‌السلام أن يصدر خلاف الواقع كذلك يجوز للمكلفين في تلك الظروف من اتباعهم أن يعملوا بذلك حتى يلاقوا القائم والإمام عليه‌السلام فيردوه عليه ـ كما في بعض الروايات ـ فلا يمكن أن يستفاد من ذلك قاعدة عامة للمتعارضين بنحو القضية الحقيقية لغير ظروف التقية كما في زماننا ، وهذا واضح.

وأمّا ما ذكره السيد الحائري في هامش تقريرات الاستاذ بالنسبة للمكاتبتين من احتمال أنّ المعصومين المتأخرين كانوا يريدون التمهيد لعصر الغيبة ، وتعليم أصحابهم الأخذ بأحد الخبرين المتعارضين فخلاف الظاهر جدّاً ؛ لقوّة ظهورهما في عدم التنافي بين المضمونين ، وأنّ كلا الحديثين صواب واقعي ، المساوق مع التوسعة والتخيير الواقعي وهو معقول ، خصوصاً في أدلّة السنن والمستحبات التي هي مورد السؤال ومورد الحديثين.

كما أنّ ما ذكره السيد الشهيد قدس‌سره في الكتاب من أنّه على تقدير استفادة التخيير

٤٧٧

الاصولي في الحجّية فهو خاص بمورد قطعية سند الحديثين غير وجيه ، إذ لم يفرض في كلام الإمام عليه‌السلام إلاّصدور حديثين من دون التعرّض لسنديهما ، فيكون ظاهره أنّ التخيير حكم الحديثين المتعارضين واقعاً ، ومعه لا يسري التعارض إلى السند ، كما هو واضح.

ثمّ انّ الظاهر أنّ الرواية الأخيرة ليست للحميري بل لمحمد بن أحمد بن داود ، راجع الغيبة والوسائل.

ص ٣٥٧ قوله : ( وأمّا الحديث عن مفادها فقد اشتمل مفادها ... ).

التحقيق : انّه لا يستفاد من رواية الراوندي الترجيح بموافقه الكتاب ، لا لما ذكره في الكفاية وغيره من انّ المخالفة لا تشمل موارد الجمع العرفي ، فإنّ هذا خلاف الظاهر كما تقدم في أخبار الطرح أيضاً ، بل المخالفة أعم من المعارضة.

كما أنّ ما ذكر في ذيل الحديث من فرض عدم وجود حكمهما معاً في الكتاب أيضاً يشهد على ذلك.

لا يقال : على هذا لابد وأن يحمل ما فرض في صدر الكلام من ورود حديثين مختلفين أيضاً على الأعم مما فيه جمع عرفي.

فإنّه يقال : ظاهر اختلاف الأحاديث تعارضها والتحير في مقام العمل ، وهذا واضح جدّاً. وهذا بخلاف الأمر بطرح أو ردّ ما خالف الكتاب.

إذاً ، فالمخالفة تشمل المخالفة بنحو التقييد والتخصيص ، بل وحتى الحكومة ، وإنّما نقول بأنّ هذا الحديث ـ وكذا المقبولة ـ لا يدلّ على الترجيح ، لوجهين آخرين :

٤٧٨

الأوّل : انّ غاية مفاد الرواية هو عدم حجّية الخبر المخالف للكتاب ، سواء كان من جهة سقوط مقتضي الحجّية فيه مطلقاً ، أي حتى إذا كان بلا معارض ، أو في خصوص مورد التعارض ، وهذا غير الترجيح بموافقة الكتاب ـ كما هو المدّعى والمشهور ـ.

والثاني : أنّ مقتضى صدر الرواية سقوط الخبرين المتعارضين إذا كانا معاً مخالفين للكتاب ، حتى إذا كانا بنحو التخصيص ، كما إذا دلّ دليل على بطلان البيع الغبني ، والآخر على عدم وجوب الوفاء به ـ أي عدم لزومه ـ حيث انهما معاً مخالفان مع إطلاق « أَحَلَّ اللهُ البَيع » و « أَوفُوا بالعُقود » ، فإنّ إطلاق « وأمّا ما خالف الكتاب فردّوه » شامل لهما معاً ، ويشهد على ذلك أنّ الإمام عليه‌السلام لم يفرض بعد ذلك إلاّصورة عدم وجدان حكم كلا الحديثين المتعارضين في الكتاب ، ولم يفرض صورة كونهما معاً مخالفين للكتاب ، مع كون أحدهما مخالفاً للعامة ، بل مقتضى إطلاق أخبار الطرح أيضاً سقوطهما معاً وإطلاق صدر الحديث ، وكذلك إطلاق أخبار الطرح حاكم ومقدم على إطلاق روايات الترجيح بما خالف العامة. ونفس الشيء يستفاد من مقبولة عمر ابن حنظلة لا أكثر.

لا يقال : ثبوت الترجيح بمخالفة العامة في الخبرين الذين ليس حكمهما في الكتاب يستلزم عرفاً ثبوته في الخبرين المتعارضين الذي يخالفان الكتاب معاً بنحو الجمع العرفي ؛ لعدم احتمال الفرق ؛ إذ كل من هذين الخبرين أيضاً لو كان وحده لكان حجة ، رغم مخالفته للكتاب بهذا المقدار ، ولا نقصد بالمرجحية إلاّ ذلك.

فإنّه يقال : لا وجه لهذه الملازمة حتى عرفاً ؛ لاحتمال دخل مخالفتهما

٤٧٩

للكتاب مع التعارض في تضعيف كاشفيتهما معاً وسقوطهما عن الحجّية ، بخلاف غير المخالفين للكتاب.

ص ٣٨١ قوله : ( الاولى ـ دلالة المقبولة في نفسها ... ).

انّ ذكر المخالفة للعامة بعد ذلك مرجحاً مستقلاًّ في المقبولة ، ينافي عدم استقلالية موافقة الكتاب في الترجيح ، إذ يلزم منه أن يكون من قبيل ضم الحجر إلى الإنسان لغواً ؛ لأنّه قد فرض فيه أنّ المرجوح المخالف للكتاب والموافق للعامة يسقط عن الحجّية ، مع انّه حتى إذا كان موافقاً للكتاب ، أي غير مخالف له أيضاً كان يسقط عن الحجّية ؛ لكونه موافقاً للعامة ومعارضه ليس مخالفاً للكتاب ومخالف للعامة بحكم المرجح الثاني ، إذا يكون ذكر مخالفة الكتاب لغواً ، وهذا واضح. ويمكن أن نضيف إلى ذلك نكات اخرى :

منها ـ انّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن تكون موافقة الكتاب بنفسها مرجحاً مستقلاًّ لأهمية الكتاب وحقانيته ومرجعيته في الكشف عن أحكام الشريعة والمعارف الإسلامية مما يؤكد ما سيذكره السيد الشهيد قدس‌سره من انّ ذكر مخالفة العامة لأجل الإشارة إلى انهم يخالفون الكتاب الكريم الذي أمر النبي بالتمسك به وبالعترة.

ومنها ـ عطف السنة على الكتاب حيث ورد في المقبولة : « ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف الكتاب والسنة ووافق العامة ».

مع وضوح انّ موافقة الكتاب والسنة القطعية ومخالفة العامة مجموعها لا يكون شرطاً في الترجيح فيكون هذا قرينة على ارادة الانحلالية لا المجموعية

٤٨٠