أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

فإنّها بحاجة زائداً على المصادرة المذكورة إلى مصادرات اضافية توسّع من دائرة القرينية.

ومنها ـ انّ التمسك اثباتاً وسلباً في باب الورود يكون بالدليل المورود لا الوارد ، بخلاف الحكومة وسائر أنحاء القرينيّة ، حيث يكون التمسك اثباتاً وسلباً بالدليل الحاكم والمخصص والمقيّد ونحوها.

ومنها ـ عدم ملاحظة النسبة بين الدليل الحاكم والمحكوم ، فيقدّم الحاكم ولو كانت النسبة بينهما عموماً من وجه ، وهذا بخلاف التخصيص والتقييد. نعم ، لابد وأن لا يلزم من الحاكم إلغاء المحكوم.

ومنها ـ لغوية الدلالة الحاكمة لولا المحكوم لتوقفها عليه والنظر إليه بخلاف سائر أنحاء القرينية ، وما يلحظ من عدم لغوية حكومة دليل حجّية الامارات على الاصول العملية ـ على القول بها ـ أو على دليل حرمة الافتاء بغير علم ـ كما في بيان السيد الخوئي والسيد الشهيد ـ غير تام ، فإنّ الدلالة الحاكمة في دليل حجّية الأمارة وهي قيامها مقام القطع الموضوعي تلغو إذا لم يكن حكم للقطع الموضوعي ، وإنّما الذي لا يلغو مدلول آخر في دليل الحجّية أجنبي عن الحكومة المذكورة ، وهي قيامها مقام القطع الطريقي وتنجيز آثار الواقع.

والحاصل ، حيث انّ ملاك الحكومة وحقيقتها النظر وتفسير المراد من المحكوم فلولا المحكوم لا موضوع للنظر والحكومة ، وهو معنى اللغوية في المقام.

٤٢١

ص ١٧٤ قوله : ( ومنشأ الظهورين التصديقيين الحاليين ... ).

الغلبة في فعل الفاعل المختار بنفسها بحاجة إلى منشأ ، فلا يصحّ تفسير المنشأ بها ، وما في الكتاب من انّ منشئها يمكن أن يكون التعهد يبعده ما تقدم في محله من الاشكالات على مسلك التعهد من انّ الدلالات اللغوية حتى على مستوى المداليل التصديقية للكلام تتولد في حياة الإنسان ، وتاريخ البشر منذ صغره وقبل بلوغه النضج العقلي الذي يؤهله لانشاء التعهدات والقرارات العقلائية ، فالأصحّ ان منشأ الغلبة المذكورة هو الدلالة الطبعية في الإنسان العاقل الملتفت المتصدي للتخاطب والمحاورة نظير دلالة أخذه للماء أو جلوسه على الطعام على انّه عطشان أو جوعان ويقصد شرب الماء أو تناول الطعام ، والله العالم بحقيقة الحال.

ص ١٧٥ قوله : ( وكذا الأمر في قولنا : أسداً يرمي ... ).

قرينة المجاز غالباً تكون قرينة على المدلول الاستعمالي التصديقي لا على المدلول التصوري ، فينبغي ذكره في القرينة المتصلة على المدلول والظهور الاستعمالي.

نعم ، قرينة المشترك اللفظي المعبّر عنه بالقرينة المعينة المستفاد من السياق كقولنا : ( عين جارية ) أو الكنايات كقولنا : ( زيد كثير الرماد ) ، ( أسد الله الغالب ) ونحوها ، قد يكون مدلولها التصوري حتى إذا سمع من الجدار هو المعنى المجازي أو الكنائي ، للتناسب أو الانس الذهني أو الصراحة والألصقية التصورية للقرينة عن ذي القرينة في دلالتها التصورية في الذهن.

٤٢٢

وما ذكر من انّ فضلة الكلام تناسب القرينة صحيح بلحاظ المدلول الاستعمالي ؛ لأنّ المتكلم في مقام تعيين مراده الاستعمالي أو الجدي ـ أي التصديقي ـ يختار فضلة الكلام لا صدر كلامه ـ كما ذكر في الكتاب ـ فهذا البيان لابد من نقله إلى قسم القرينة المتصلة على المدلول الاستعمالي التصديقي ، وكأنّه وقع خلط في الكتاب من هذه الناحية ؛ ولهذا لم يذكر فيه مثالاً للقرينة النوعية المتصلة بلحاظ المدلول الاستعمالي.

ومما يوجب القرينية المتصلة بلحاظ المدلول الاستعمالي استبعاد قصد اخطار المعنى الحقيقي في نفسه أو العلم بعدمه ولو لعدم تناسبه مع الحكم أو الخبر المحمول عليه كما في مثل زيد أسد ، حيث يفهم منه استعماله للأسد في الرجل الشجاع لا الحيوان المفترس ؛ لعدم احتماله لكي يحتمل ارادته استعمالاً ، وإن كان قابلاً للتصور ذهناً.

وكلما كان هناك قرينة على مستوى المدلول التصوري النهائي للكلام فلا تكون قرينية على مستوى المراد الاستعمالي التصديقي ، بل يكون المدلول الاستعمالي على طبق المدلول التصوري النهائي على القاعدة ، لا على أساس القرينة ، وإنّما يكون تحديد المراد الاستعمالي بالقرينة حينما لا يكون المدلول التصوري النهائي للفظ على طبق القرينة.

وكذا الحال بالنسبة للقرينة المتصلة بلحاظ المراد الجدّي وليس ذلك إلاّمن جهة الطولية بين الدلالات الثلاث ، فكلما أعملت القرينية المتصلة بلحاظ المرحلة الأسبق من الدلالة ارتفع موضوع اعمالها بلحاظ المرحلة الطولية المترتبة عليها ، كما انّه إذا أعملت القرينية المتصلة بلحاظ المراد الجدّي بقي

٤٢٣

المراد الاستعمالي على معناه الحقيقي.

ومن هنا لا يلزم المجاز في الاستعمال في موارد الخاص المتصل بالعام بنحو الجملة المستقلة ، كما لا يلزم عدم اخطار العموم من جملة العام حتى بلحاظ مورد المخصّص في مثل ذلك ، بخلاف ما إذا كانت القرينة المتصلة بلحاظ المدلول الاستعمالي أو التصوري أو كان الخاص بنحو القيد في مدخول العام ، فإنّه لا دلالة اخطارية فيه للعموم أصلاً.

ص ١٨٦ قوله : ( القسم الثاني ـ التخصيص بالاستثناء ... ).

الصحيح انّ أدوات الاستثناء ونحوه تدل وضعاً على الاقتطاع ، فليست الدلالة التصورية النهائية سياقية ، بل لفظية وضعية وهو سبب انحفاظها حتى إذا سمعنا الجملة من لافظٍ غير ذي شعور.

ص ١٩٢ قوله : ( إلاّ أنّ هذا البيان أيضاً لا يتم في العام المجموعي ... ).

يمكن أن يقال : حيث إنّ المدلول الاستعمالي باقٍ على العموم فالظهور التصديقي الثاني التابع للظهور الاستعمالي أيضاً باقٍ على ارادة العموم إلاّبمقدار ما زاحمه الظهور الأقوى لا أكثر.

والوجه في ذلك انّ الارادة الجدية انحلالية بلحاظ كل ما يدخل في المدلول الاستعمالي ، سواء كان حكمه انحلالياً أو مجموعياً ، فالانحلالية والمجموعية لا ربط له بالانحلالية المدعاة من قبل المحقق الخراساني والسيد الخوئي.

هذا ، مضافاً إلى امكان دعوى انقضاء الظهور الجدي على السلب والايجاب كما يذكره السيد الشهيد بناءً على القرينية.

٤٢٤

ص ١٩٣ قوله : ( يكون مفسراً للمدلول التصديقي الاستعمالي من العام ... ).

هذا غير محتمل لا في القرينية الشخصية ولا النوعية ؛ لاستلزامه المجازية في المعنى المستعمل فيه وهو خلاف الوجدان ولا يدعيه أصحاب هذه المحاولة بل يصرّحون بخلافه ، وانّ العام لا يخرج من الحقيقة إلى المجاز بالتخصيص.

ولعلّه سهو من القلم.

فالصحيح أن يقال : يكون مفسّراً للمدلول التصديقي الجدّي.

ص ١٩٨ قوله : ( الثاني : ... ).

في الأظهر والظاهر يمكن القرينية بلحاظ المدلول الاستعمالي بأن تكون الجملة الثانية قرينة على ارادة الاستحباب من الأمر.

وأمّا مجرد أنّ الظهور التصديقي في الجدية وعدم التقية أو الهزل يكون في أحدهما أقوى ، فهذا لا دليل فيه على رفعه الظهور التصديقي الجدي الآخر ولا على القرينية النوعية ، فإنّها تابعة للمدلول الاستعمالي ؛ إذ الخاص كأنّه الاستثناء والتفصيل والقرينية الشخصية أيضاً فيها نظر استعمالي ، بخلاف مجرد الأقوائية ، فإنّ هذا عكس ما جاء في حاشية السيد الحائري على تقريراته فراجع.

ولعلّه لهذا لا يكون الحمل على التقية جمعاً عرفياً رغم انحفاظ الأقوائية في الجدّية في أحدهما.

٤٢٥

ص ٢٠٤ قوله : ( ٣ ـ لو فرضنا ... ).

الظاهر أنّه لابدّ من وجود جواب آخر وحاصله : انّ تقيد حجّية الظهور بعدم صدور القرينة من المتكلم على خلافه وإن كان لابد من إحرازه بمحرز يجعل دليل حجّية السند متقدماً لأنّه على تقدير صدقه ومطابقته للواقع يثبت القرينة الرافعة لموضوع حجّية الظهور بخلاف العكس وكلما تعارض حجتان كذلك قدم الأوّل على الثاني لأنّه ليس فيه إلغاءً للحجة بخلاف العكس.

وتوضيحه : انّه ليس المقصود من رجوع أصالة عدم القرينة إلى أصالة الظهور دلالة الظهور على نفي صدور القرينة ، بل المقصود حجّية الظهور الكاشف عن المراد الجدي ما لم يثبت ما ينافيه ، سواء كان قرينة أو معارضاً ؛ إذ ليست الظهورات حجة إلاّفي اثبات المراد لا نفي صدور القرينة ؛ لعدم الملازمة بينهما أوّلاً ، ولو فرضت الملازمة فلعدم حجّية الظهورات إلاّ في اثبات المرادات لا العكس ؛ ولهذا لم يكن أصالة الحقيقة نافعاً لاثبات المعنى اللغوي الحقيقي ، ولا أصالة عدم التخصيص لاثبات التخصّص ، فكذلك في المقام.

وهذا يعني : انّ عدم صدور القرينة واقعاً إذا كان مأخوذاً في موضوع حجّية الظهور فهو لا يمنع عن حجيته حين لم يثبت ؛ لأنّ الحجّية حكم ظاهري ، وكل حكم ظاهري ما لم يثبت ما ينافيه أو يحكم عليه يكون حجة ، فما يرفع حجّية الظهور مجموع أمرين : صدور القرينة واقعاً ، وثبوته بعلم أو حجة ، ومع فقدان أحدهما تكون الحجّية فعلية.

وعلى هذا الأساس يكون الظهور حجة عند احتمال القرينة المنفصلة حتى إذا

٤٢٦

كان صادراً واقعاً ، كما انّه ترتفع حجيته بثبوت القرينة بالحجة ظاهراً لا واقعاً ، أي تكون من الحكومة الظاهرية لا الورود ، بخلافه على الوجه المذكور في الكتاب.

كما انّه يثبت بهذا التحليل وجه عدم سريان التعارض إلى السند الظني ؛ لأنّه يثبت ارتفاع موضوع حجّية الظهور بالحكومة ، وظهور العام ذي القرينة لا ينفيه بالنكتة التي ذكرناها ولو كان ينفيه كان حال المقام حال تعارض حجتين في صدور القرينة كما إذا تعارض خبر ثقة في اثباتها ونفيها ، فإنّه لا وجه عندئذٍ لترجيح احدى الحجتين على الاخرى.

ص ٢٠٩ قوله : ( ولكن التحقيق عدم صحة هذا الشرط ... ).

تارة : يقرّر هذا الشرط بالنحو الذي في الكتاب من أنّ شمول دليل حجّية السند للسندين معاً لا يمكن فيقع التعارض بينهما ، واخرى : يقرر بنحو أفضل وهو أنّ الجمع العرفي والقرينية إنّما يكون بين الدلالتين والظهورين ، وهو فرع ثبوتهما بالوجدان أو بالتعبد ، فيكون الجمع العرفي في طول حجّية السندين ، فلا يمكن أن يكون رافعاً لحجية أحد السندين ، فإنّه دور ، ويلزم من وجوده عدمه.

والجواب : أمّا على البيان الموجود في الكتاب ، بأنّ مجرد عدم امكان حجّية السندين معاً لا يوجب التعارض بينهما فيما إذا كان أحدهما المعين فيه المحذور ، وهو سند ذي القرينة ، فلماذا يرفع اليد عن حجّية سند القرينة؟

٤٢٧

وأمّا عن التقريب الآخر ، فبأنّ عنوان الجمع العرفي ليس هو المطلوب ، وإنّما الأثر والحكم الشرعي هو المطلوب ، وهو حجّية الظهور ، ومن الواضح أنّ حجّية ظهور القرينة لا تتوقّف على عدم حجّية ظهور ذي القرينة ، ولا على عدم حجّية سنده ، بخلاف العكس ؛ لأنّ حجّية ظهور ذي القرينة متوقفة على عدم ثبوت القرينة المتوقف على عدم حجّية سند القرينة ، فتكون حجّية سند القرينة حاكماً ورافعاً لموضوع حجّية سند ذي القرينة كما في الكتاب.

فجواب الكتاب يناسب أن يكون جواباً على التقريب الثاني غير المذكور فيه.

ثمّ إنّ هنا شرطين آخرين ينبغي اضافتهما على الشروط المذكورة لاعمال قواعد الجمع العرفي :

أحدهما ـ أن يكون الدليلان لفظيين ـ وقد تقدم شرح هذا الشرط في تعريف التعارض ـ فلا موضوع للجمع العرفي بين الأدلّة غير اللفظية فيما بينها أو مع اللفظية.

نعم ، مثل السيرة والإجماع أو غيرها من الأدلّة القطعية قد يقال عنها بأنّها مخصصة للاطلاقات ، إلاّ أنّ المقصود سقوط الإطلاق عن الحجّية في قبال القطع ، أو يراد كشف الدليل القطعي كالاجماع عن صدور نصّ شرعي على التخصيص.

ثانيهما ـ أن لا يعلم بصدور أحد الكلامين تقية أو هزلاً ، أي على وجه غير جدّي ، فإنّ هذا إن كان في أحدهما المعين كان مسقطاً له عن الحجّية أو الظهور في الجدّ كما هو واضح.

٤٢٨

وإن كان في أحدهما إجمالاً فإن كان بنحو العلم الإجمالي بخصوصية في أحدهما المعين واقعاً تجعله غير ظاهر في الجد أو غير حجة أي غير واجد لشرط من شروط الحجّية ـ من قبيل كونه موافقاً للعامة ولكنّا لا ندري فتوى العامة فيتردد عندنا الحجة عن اللاحجة ـ كان من باب اشتباه الحجة باللاحجة أو اشتباه ما فيه الظهور وما ليس فيه أصل الظهور في الجدية ، فلا موضوع لاعمال قواعد الجمع العرفي هنا أيضاً ، وإن كان بنحو العلم الإجمالي بصدور أحدهما تقية أو هزلاً واقعاً مع انعقاد الظهور في الجدية في كل منهما وعدم انثلام شرط من شرائط الحجّية في شيء منهما مع ذلك يمكن أن يقال بالتساقط فيهما ؛ لأنّ من شرائط القرينية والجمع العرفي بين كلامين لمتكلم واحد أن يكون كلامه غير صادر منه هزلاً أو تقية ، بل في مقام الإخبار أو الانشاء الحقيقي ولو باحراز ذلك بحسب ظاهر حاله.

فالكلام الصادر هزلاً أو تقية لا يكون قرينة عرفاً كما انّه لا يكشف القرينة عن عدم ارادة ظاهره ، فلابد في المرتبة السابقة من اثبات الجدية بهذا المعنى في أصل الخطاب ـ ولو بظهور حالي المتكلم ـ لاعمال القرينية والجمع العرفي ، وفي المقام حيث يعلم إجمالاً بعدم الجدية بهذا المعنى في أحدهما يقع التنافي بين الظهورين الحاليين في نفي التقية أو الهزلية لكلّ منهما مع الآخر ، وحيث لا قرينية بين هذين الظهورين الحاليين ـ كما قلنا فيما سبق ـ فيقع التعارض والتساقط بينهما في المرتبة السابقة على الجمع العرفي.

ولعلّ الوجدان العرفي أيضاً يشهد على عدم اعمال الجمع العرفي في موارد العلم الإجمالي بعدم جدية أحد الخطابين.

٤٢٩

حكم التعارض المستقر

بمقتضى القاعدة

ص ٢٢٣ قوله : ( وهذا التوهم غير صحيح ... ).

يوجد جواب آخر حتى على تقدير الدوران بين التمسك بدليل حجّية الظهور ودليل حجّية السند ، وحاصله : انّ دليل حجّية الظهور ساقط في المقام امّا تخصيصاً للتعارض أو تخصّصاً لعدم صدور أحدهما عن المعصوم ، فلا يمكن أن يعارض دليل حجّية السند.

وإن شئت قلت : انّ العلم الإجمالي ينحل إلى العلم التفصيلي بعدم مطابقة أحد الظهورين للواقع ، امّا للتعارض أو لعدم الصدور ، فيكون التمسك بدليل حجّية السند بلا مانع.

ص ٢٢٨ قوله : ( وامّا الصورة الثانية ... ).

حاصل الجواب الذي ذكره السيد قدس‌سره في الكتاب : أن التقديم يكون بالقرينية فإذا كان المعنى مردداً فلابد من احرازها بالظهور بين معنى يكون معارضاً ، ومعنى آخر عليه يكون قرينة فلا تحرز القرينية لكي يثبت الجمع المعرفي ، فضلاً من أن يكون المعنى الظاهر هو المعارض.

قد يقال : انّ المعارض ليس هو مفاد اسم الجنس بل مفاد مجموع دالين

٤٣٠

ولا معنى للجمع بينهما في مقام حساب المعارضة وعدمها ، إذ المعارض إنّما هو إطلاق كل منهما مع إطلاق الآخر وأصل الآخر ، إلاّ انّ معارضته مع إطلاق الآخر لا جمع عرفي فيها ، ومعارضته مع مدلول اسم الجنس في الآخر الذي هو دالّ مستقل فيهما جمع عرفي.

والجواب : انّ الإطلاق وإن كان بدال آخر إلاّ انّ هذا الدال الآخر يجعل مفاد اسم الجنس مطلقاً بحيث تكون مقدمات الحكمة حيثية تعليلية لصيرورة مفاد اسم الجنس الطبيعة المطلقة المعارضة مع مفاد الدليل الآخر ، وهذا كلام لا بأس به.

ومنه يعرف أنّ ما جاء في ذيل هذه الصورة بعنوان ( إن قلت : ... قلت : ... )

ليس بلازم ، أي لا نحتاج إليه ، فإنّ الدلالة التحليلية لا تفيد في القرينية ولا في تأثير أقوى الدلالتين وتزاحمهما ، فإنّه إنّما يكون في الدلالات غير التحليلية ، أي المستقلّة والواضحة ، ولهذا نجد التعارض والاجمال فيما إذا ورد ( لا بأس ببيع العذرة ) و ( يحرم بيع العذرة ) متصلين أيضاً.

ثمّ انّ ما جاء في ذيل هذه الصفحة من تعميم ذلك لما إذا كان أحدهما مجملاً دون الآخر غير تام في باب المطلقات والدلالات التصديقية الحكمية ؛ إذ في فرض الاجمال ووجود قدر متيقن كما لو وقع مصداق من الطبيعة مورد السؤال فلم نحرز الإطلاق ومقام البيان لأكثر من ذلك لا اشكال في تقييد المطلق الآخر بذلك في فرض انفصاله أو اتصاله ، وعدم سريان الاجمال إليه حتى في فرض اتصاله به.

والوجه فيه : انّه يكفي في الصلاحية للقرينة في المطلقات أن يكون الظهور

٤٣١

النهائي التصديقي المتحصّل بالفعل أخصّ من الآخر وإن كان يحتمل ارادة الإطلاق ثبوتاً المعارض مع الآخر فمجرد الاجمال في المدلول التصديقي لا يكفي لا للتعارض مع المطلق الآخر على تقدير الانفصال في مورد اجتماعهما ، ولا لاجماله على تقدير الاتصال.

نعم ، إذا كان الاجمال من باب تردّد المعنى المستعمل فيه اللفظ بين معنيين على أحدهما يكون معارضاً وعلى الآخر يكون قرينة ، فلا تتم القرينية فيه ، كما في مثال الكرّ وفي مثال أكرم زيداً ولا تكرم زيداً إذا كان هناك زيدان زيد بن عمرو وزيد بن بكر ، فإنّه حتى إذا كان أحدهما ظاهراً والآخر مردداً في فرض الاتصال يسري الاجمال إلى الأوّل أيضاً ، بخلاف فرض الانفصال ، فيتم فيه ما ذكر في الذيل أيضاً.

ثمّ انّه وجداناً يوجد فرق بين هذا المثال ومثال الكر ، فإنّه هنا لو ورد ( أكرم زيداً ) وورد منفصلاً ( لا تكرم زيداً ) وتردد زيد فيهما معاً بين الشخصين ، فإنّه لا يقال بالجمع بينهما بحمل كل منهما على فرد من زيد غير الآخر حتى إجمالاً ، بدعوى أنّ جامع أحدهما واجب الاكرام والآخر يحرم اكرامه ، وصدقهما معاً يستلزم ذلك ، فلو كان أحدهما لا يحتمل فيه الحرمة مثلاً كان هو الواجب والآخر هو المحرّم ، بل يقال بالتعارض والاجمال ، وهذا بخلاف مثال الكرّ فإنّه يثبت لازمهما.

ويمكن التفرقة بين المثالين بأنّ مثال الكر لا تردد فيه بلحاظ المفهوم المستعمل فيه الرطل ، وهو الوزن ، وإنّما الشك في المراد التصديقي منه الذي يتعين بالانصراف.

وإن شئت قلت : أنّ لكل من روايتي الستمائة والألف ومئتا رطل مدلول

٤٣٢

واضح متعين ، وهو انّ الكر ليس بأكثر من ستمائة بالمكي ، ولا بأقل من ألف ومائتا رطل بالعراقي ، وهذا المدلولان بيّنان وفعليان ، فيكونان حجتين ، فيثبت لازمهما نظير ما إذا قال : ( يجب اكرام أحد الزيدين ) و ( يحرم اكرام أحد الزيدين ) وكان يعلم انّ أحدهما لا يمكن أن يحرم اكرامه ، فإنّه يثبت حرمة اكرام الآخر ووجوب الأوّل.

هذا ، مضافاً إلى أنّه حتى في مثال ( أكرم زيداً ، ولا يجب أن تكرم زيداً ) المردد بين زيدين أيضاً يمكن القول بحجية لازمهما ، وهو وجوب اكرام أحد الزيدين وعدم وجوب اكرام الآخر فيجب الاحتياط من باب العلم الإجمالي ، لا من باب القرينية والجمع العرفي ، بل من باب أنّه مدلول التزامي لكل منهما ، ولا يعلم بسقوط أو كذب مدلوليهما المطابقي ، وهذا كافٍ في حجّية المدلول الالتزامي ، ولا يشترط فيها احراز حجّية المدلول المطابقي ، فإنّ التبعية بينهما في الحجّية ليس بهذا المعنى ، بل بمعنى التبعية في الكذب والسقوط عن الحجّية لا أكثر من ذلك على ما هو منقح في محلّه.

ص ٢٣٢ قوله : ( أ ـ تحديد مركز التعارض بين الدليلين ... ).

الشقوق ثلاثة :

١ ـ أن يكون السندان قطعيين ، وهنا التعارض بين الظهورين والدلالتين ، فمركزه دليل حجّية الظهور ، ولو فرض أنّ أحدهما قطعي الدلالة والجهة أيضاً سقط الظهور الآخر عن الحجّية بمقدار القطع بالخلاف من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، أمّا فرض القرينية من باب صراحة الدلالة فهو خلف فرض التعارض المستقرّ ، فلا وجه لذكره هنا.

٤٣٣

٢ ـ أن يكون السندان معاً ظنّيين ، وهنا تسري المعارضة إلى السندين ، سواء كانت الدلالتان ظنّيتان أو كان أحدهما ظنّياً والآخر قطعياً ؛ لأنّ الدليل الذي نتمسك به حقيقة إنّما هو دليل حجّية السند وبه نثبت الظهور في حديث المعصوم بنحو الحكومة الظاهرية ـ كما في الكتاب ـ فليس لنا التمسك بدليل حجّية الظهور ابتداءً ، فمركز التعارض دليل حجّية السند ، غاية الأمر هذا التعارض قد لا يكون من جهة التكاذب ؛ لاحتمال صدور الحديثين المتعارضين ، بل بملاك اللغوية وعدم الفائدة في اثبات خبرين متعارضين في الظهورين وهو كالتكاذب موجب لسريان المعارضة إلى السندين وأن يكون مركز التعارض دليل حجّية السند.

وهنا أشكل السيد الشهيد بأنّه إذا كان هناك أثر مترتب على أصل صدور الحديث ، أي الجامع بين معناه الظاهر وغير الظاهر لابد وأن يقال بترتبه ، كما إذا دلّ دليل الأمر على الوجوب وكان يحتمل فيه الاستحباب ودلّ دليل على الاباحة بالمعنى الأخص ويحتمل فيه الاستحباب ، ولم يكن يحتمل التقية فيهما ، فإنّ ثبوت الاستحباب أو الرجحان حينئذٍ لازم عقلي لصدور الحديثين ، فلابد من ترتبه والحكم به لعدم التكاذب بين السندين ، بخلاف موارد التكاذب كما في الموضوعات ، أو فيما إذا نفى أحد الراويين نفس ما ينقله الآخر من النص ، مع انّه لا يلتزم بذلك في الفقه. نعم ، التزم السيد الشهيد بذلك في موارد الاجمال وموارد نقل الجامع ابتداءً ، وكأنّه لهذه الشبهة ذكر السيد الشهيد التقديرات الثلاثة لحجية السند واختار الأوّل منها ، وسوف يأتي انّه لا حاجة إليه ، بل ليس بصحيح ، وسيأتي في التعليق القادم انّه على كلّ حال يسري التعارض إلى السندين امّا بالتكاذب أو باللغوية ، فانتظر.

٤٣٤

٣ ـ أن يكون أحد السندين قطعياً والآخر ظنياً ، وهنا يكون التعارض بين دلالة السند القطعي ودليل حجّية السند الظني سواء كانت دلالته قطعية أو ظنية بنفس النكتة التي أشرنا إليها في الشق السابق ، فمركز التعارض في هذا القسم يكون دليلين للحجية لا دليل واحد.

هذا إذا لم يكن الدليل قطعي السند قطعي الدلالة ، وإلاّ كان الدليل الآخر مقطوع الكذب سنداً ودلالةً ، فيسقط سنده عن الحجّية على كل تقدير مع فرض عدم القرينية ـ كما هو المفروض في أصل هذا البحث ـ وحكم هذا القسم على مقتضى القاعدة سوف يأتي. وعلى مقتضى أخبار طرح ما خالف الكتاب سقوط السند الظني عن الحجّية على كل حال كما سيأتي تفاصيله.

وهكذا يتضح انّ موضوع البحث عن مقتضى الأصل الأولي والثانوي يجري في الشقوق الثلاثة ، ولكن موضوع البحث عن مفاد الأخبار الخاصة هو القسمان الثاني والثالث فقط ، كما انّ مقتضى الأصل الأولي والثانوي قد يختلف فيما إذا كان مركز التعارض دليل حجّية السند فقط ، أو دليل حجّية الظهور فقط ، أو مجموع دليلين.

ص ٢٣٣ قوله : ( التقدير الثاني ... ).

لا ينبغي الاشكال في انّ حجّية السند من باب حجّية الشهادة والكاشف فيها اعتقاد الشاهد ، وهذا لا ربط له بحجية الظهور الذي هو كاشف عن مراد المتكلم واعتقاده ، فهما متباينان موضوعاً وجعلاً وملاكاً ، فلا وجه لاناطة حجّية احداهما بالاخرى ، بل المتعيّن التقدير الثاني من التقديرات الثلاث ، أي عدم اناطة حجّية الأخبار بحجية الظهور ، غاية الأمر التمسك في موارد الأخبار

٤٣٥

لا يكون ابتداءً بدليل حجّية ظهور كلام المعصوم عليه‌السلام ، بل بدليل حجّية السند وترتيب آثار حجّية الظهور من باب الحكومة الظاهرية ـ كما في الكتاب ـ وهذا واضح.

وكأنّ التشقيق إنّما جاء في كلام السيد الشهيد قدس‌سره ثمّ اختياره للشق والتقدير الأوّل من الشقوق الثلاثة ـ والذي هو غريب جدّاً ـ من أجل حلّ اشكال ذكره السيد الشهيد قدس‌سره وهو أنّه يلزم على التقدير الثاني أن نحكم بثبوت اللازم العقلي للخبرين المتعارضين سواء كانا متعارضين بحسب ظاهرهما أو كانا مجملين فلو دلّ خبر على الأمر بشيء الظاهر في وجوبه مع احتمال ارادة الاستحباب أو الرجحان ودلّ خبر آخر على اباحته بالمعنى الأخص مع احتمال اباحته بالمعنى الأعم الجامع بين الرجحان والاستحباب ، فإنّه على التقدير الأوّل يقع التعارض بينهما ، بينما على التقدير الثاني ينبغي الأخذ بهما في اثبات اللازم المذكور مع انّه لا يلتزم به في الفقه بل يحكم فيه بالتعارض والتساقط والرجوع إلى سائر الاصول ، بخلاف فرض الاجمال ، وأوضح منه فرض دلالة كل منهما على الجامع ابتداءً.

ومن هنا ادّعى في الكتاب اختيار التقدير الأوّل تخلّصاً من ورود هذا الاشكال مع انّه لا يصحّ التقدير الأوّل جزماً ، فإنّ ظاهر أدلّة حجّية الأخبار حتى اللفظيّة منها هو لزوم تصديق الثقة في اعتقاده وما يشهد به ، وهذا لا ربط له بحجية ظهور كلام المعصوم عليه‌السلام المشهود به.

نعم ، قد يكون منوطاً بعدم اجمال ظهور كلام الراوي نفسه في الكشف عن اعتقاده ومراده ، وهذا أجنبيى عن ظهور كلام المعصوم عليه‌السلام الذي هو محلّ

٤٣٦

البحث. على انّ الأدلّة اللفظيّة على حجّية خبر الثقة امضاء للسيرة العقلائية ، ولا يحتمل في السيرة العقلائية مثل هذه الاناطة.

هذا ، مضافاً إلى أنّ حجّية السند لو كان منوطاً بحجية الظهور كان اللازم عدم ثبوت المدلول الالتزامي في فرض الاجمال أيضاً ؛ لعدم حجّية المجمل بالفعل ، فلا يكون السند حجة في اثبات اللازم العقلي أيضاً ما لم ينتهى إلى الظهور كما إذا فرض دلالة الخبرين على الجامع ابتداءً ، مضافاً إلى انّه لماذا لا يكتفى بوجود مدلول وأثر مترتب على السند ولو من باب الملازمة العقلية من التقدير الأوّل.

وقد يقال في حلّ الاشكال المذكور : انّ ظهور الخبر في المعنى المعارض يوجب سريان التعارض إلى السندين ؛ لأنّ كلاً من الظهورين ينفي المدلول الالتزامي للآخر أيضاً ، كما ينفي ظاهره ؛ لأنّ الوجوب ينفي الاباحة بالمعنى الأعم ، كما انّ الاباحة بالمعنى الأخص تنفي الرجحان ، وهذا يعني انّ كلاً من السندين والخبرين باثباته لما هو ظاهر الحديث ـ بنحو الحكومة الظاهرية ـ ينفي صدور الحديث والخبر الآخر عن المعصوم أو ينفي جدّيته فلا يكون سنده ونقله حجة للغويّة ، فيسري التعارض إلى السندين والاخبارين امّا بنحو التكاذب ـ كما إذا لم يكن التقية وعدم الجدّية محتملاً ـ أو بنحو الاخراج الموضوعي عن الحجّية للغوية وعدم الجدية ، وحيث لا مرجح لأحدهما على الآخر فيتعارضان ويتساقطان ، وهذا بخلاف فرض دلالتهما على الجامع ابتداء أو إجمالهما ، كما هو واضح.

نعم ، لو علمنا بصدور الخبرين كما إذا كانا متواترين ولم يكن احتمال التقية وارداً في شيء منهما ، علمنا تفصيلاً لا محالة بعدم ارادة شيء من ظهوريهما

٤٣٧

وارادة الرجحان فينتفى موضوع الحجّية في الظهورين معاً ؛ للعلم بعدم ارادتهما ، بخلاف ما إذا احتملنا التقية في كل منهما أو أحدهما ، فتدخل أصالة الجدّ في المعارضة مع الظهور أيضاً ، فلا يثبت حتى اللازم حينئذٍ.

والجواب : انّ هذا يصحّ إذا كان يحتمل التقية في كل منهما أو في أحدهما ، وفي هذا الفرض لا يتم اللازم العقلي الذي ذكره السيد الشهيد قدس‌سره ، وإنّما يتم اللازم العقلي إذا لم نحتمل التقية وعدم الجدّية في شيء من الحديثين ؛ ولهذا قال السيد الشهيد على ما في الكتاب « واستبعدنا احتمال التقية » فيكون حينئذٍ نفس صدور الحديثين مع قطع النظر عن حجّية ظهورهما دليلاً على ارادة جدية للمولى هو جامع الرجحان أو الاستحباب في المثال المذكور ؛ لأنّ أي فرض آخر خلف صدور الحديثين ، وحيث يحتمل صدق كلا الخبرين لامكان صدور حديثين كذلك فإنّ مخالفة الظهورات وصدور المتعارضات ليس بعزيز ؛ ولهذا يمكن أن يكونا قطعيين سنداً ، أو يسمعهما معاً راوٍ واحد من معصومين ، فيكون مقتضى تصديق الخبرين المعتبرين سنداً ترتيب هذا الأثر حتى في موارد التعارض.

وإن شئت قلت : انّ كلا من السندين لا يشهد بما هو مراد المعصوم وانّه الوجوب أو الاباحة بالمعنى الأخص ابتداءً ليقع التكاذب والتنافي بينهما وإنّما ينقل كلاماً للمعصوم ظاهراً في الوجوب أو الاباحة يكون موضوعاً لأثر شرعي هو حجّية الظهور ، وحيث انّ حجّية أحدهما يوجب تنجيز الحكم ـ لكونه ظاهراً في الوجوب ـ والآخر يوجب التعذير عنه فيقع التنافي والتعارض بين السندين في الحجّية بلحاظ هذا الأثر الشرعي.

وأمّا الأثر الشرعي غير المترتب على الظهور فلا وجه لعدم تصديق الخبرين

٤٣٨

المعتبرين لاثباته بعد أن كان موضوعه وهو صدور نفس الحديثين محتملاً ، لا علم بكذبه ، ولا محذور في شمول دليل حجّية السند له.

وقد يقال : هذا إذا لم يكن الأثر التنجيزي أو التعذيري المترتب على هذه الدلالة بنفسها أيضاً طرفاً للمعارضة بلحاظ أثر الظهورين ، فإنّ هذا الأثر إذا كان تنجيزياً فهو يعارض السند الذي ينقل الظهور التعذيري ، وإذا كان تعذيرياً فهو يعارض السند الذي ينقل الظهور التنجيزي ، فالمعارضة بحسب الحقيقة ثلاثية الأطراف بناءً على الحكومة الظاهرية ، فلا يثبت شيء من التنجيز أو التعذير في الدلالات الثلاث كما في معارضة أدلّة أو اصول عملية ثلاثة.

فإنّه يقال : السندان في المقام لا يثبتان موضوع التنجيز والتعذير معاً ليتعارضان ـ كما في موارد التكاذب ـ بل يثبتان وجود ظهورين متعارضين متكافئين ، فلا موضوع لحجية الظهور في شيء منهما ؛ لأنّ الحجّية الفعلية للظهور مشروطة بعدم وجود معارض مكافئ له ، فلا يكون السندان معتبرين في اثبات الظهور لانتفاء موضوع الحجّية والأثر الشرعي في مدلوليهما إلاّبترجيح أحدهما على الآخر ، وهو بلا مرجّح ، وهو معنى سريان التعارض إلى السندين في المقام.

وعندئذٍ فيمكن أن يكون الأثر التنجيزي أو التعذيري للمدلول الالتزامي العقلي المترتب على صدور نفس الحديثين مع قطع النظر عن حجّية ظهورهما مترتباً لا محالة ؛ لعدم ارتباطه بالظهور وحجيته ليرتفع بارتفاع موضوع الحجّية فيه ، فلا يصحّ قياس المقام بموارد المعارضة ثلاثية الأطراف.

والصحيح في مقام الاجابة عن هذه الشبهة هو الالتزام بترتيب هذا الأثر لو فرض تمامية الملازمة العقلية ، ولكنها لا تتم في أكثر الفروض ؛ لاحتمال التقية

٤٣٩

أو عدم الجدية لجهة اخرى ، فلا تتم هذه الدلالة الالتزامية العقلية المنفصلة عن حجّية الظهور إلاّفي فروض نادرة جداً ، لو تمت لا بأس في الالتزام فيها بثبوت المدلول الالتزامي العقلي لنفس صدور الحديث المشهود به ، لا لظهوره ، وهذا بخلاف موارد تكاذب الخبرين ، كما إذا أخبر أحدهما عن صدور حديث وأخبر الآخر عن عدم صدوره.

وبعبارى اخرى : هذه الدلالة العقلية اللازمة لنفس صدور الحديث لا لظهوره حجة حتى في موارد العلم بصدور الحديثين المتعارضين مع عدم احتمال التقية وعدم الجدية فيهما ، من دون اشتراط أن يكونا مجملين أو دالّين على الجامع ، فإذا كان كذلك ثبت في الظنين سنداً أيضاً تعبداً لا وجداناً.

وهذا غير ما قبله السيد الشهيد قدس‌سره في المجملين ولم يقبله في الظاهرين المتعارضين ، فإنّه كان مدلولاً التزامياً لنفس الظهور لا لصدور الحديث ، ومن هنا كان ساقطاً بسقوط الظهور بالمعارضة ، فلوازم الظهور كما لا تثبت في الحديثين المتعارضين قطعيّ الصدور كذلك لا تثبت في الظنين سنداً بلا فرق ، فتدبر فإنّه وقع خلط هنا ، والله الهادي للصواب.

ص ٢٣٨ قوله : ( وتوضيحاً لذلك نقول : انّ هناك فروضاً أربعة ... ).

ذكر في هامش تقريرات السيد الحائري اشكال في المقام حاصله : انّ عدم شمول دليل الحجّية الواحد لمورد التعارض إنّما هو بمقيد لبّي كالمتصل فيوجب اجمال خطاب الحجّية وعدم شموله لشيء من المتعارضين في نفسه لا أنّه يشملهما ، ولكن لا يمكن حجّية الاطلاقين ، والعلم بالخصوصيات المذكورة في الفروض الثلاثة كلها أمر خارجي بالنسبة لدليل الحجّية ، فلا يجدي في احياء إطلاق دليل الحجّية بالنسبة للخبر ذي المزية أو للخبر على تقدير الأخذ به ، فإنّ

٤٤٠