أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

وغير منجز من أوّل الأمر بحسب الفرض ، وإنّما المنجز مخالفة التكاليف المعلومة بالاجمال في دائرة الطرق والمفروض انّه لا مخالفة لشيء منها بحسب الفرض.

لا يقال : انّ الانحلال إنّما يكون بعد الفحص والظفر بموارد الامارات ، امّا قبله فالعلم الصغير لا يحل الكبير لأنّ أطرافه منتشرة في كل أطراف الكبير.

وإن شئت قلت : ليس أحد العلمين قبل الفحص أصغر من الآخر وإنّما الفرق في المعلوم فالمعلوم في العلم الثاني هو التكاليف الموجودة ضمن الطرق والامارات ، وفي الأوّل ذات التكاليف.

فإنّه يقال : بل الانحلال ثابت بلحاظ نفي العقوبة من أوّل الأمر ، بمعنى أنّ الأطراف وإن كانت منتشرة وواحدة قبل الفحص إلاّ أنّ المكلف يمكنه من أوّل الأمر أن يؤمن عما عدى التكاليف المعلومة اجمالاً ضمن الطرق بحيث لو صادف مخالفتها زائداً على مخالفة المعلوم اجمالاً ضمن الطرق كان مؤمناً عن عقاب زائد نظير ما إذا علم اجمالاً بنجاسة دمية في أحد الانائين واحتمل نجاسة بولية في الآخر فإنّه يمكنه اجراء البراءة أو الطهارة عن النجاسة البولية على اجمالها لنفي العقوبة من ناحية مخالفتها إذا ارتكب أحدهما وهذا واضح.

فالصحيح عكس التفصيل الذي ذكره المحقق النائيني قدس‌سره.

وقد أضاف السيد الشهيد فرضاً ثالثاً وهو ما إذا كان المبنى عدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ولا البراءة الشرعية قبل الفحص فأفاد انّه حينئذٍ إذا قلنا بعدم الموضوع للقاعدة كبروياً أو صغروياً فالنتيجة استحقاق العقوبة بمخالفة الواقع

١٤١

كما أفاد الميرزا قدس‌سره ، وأمّا إذا قلنا بعدم جريانها من باب الشبهة المصداقية أي احتمال وجود الطريق الوارد والرافع لموضوعها بحيث لو لم يكن طريق في معرض الوصول كانت البراءة العقلية جارية واقعاً إلاّ انّ المكلف لا يعلم بها ، فحينئذٍ أيضاً لا عقاب في البين لأنّ المخالفة للواقع وإن كانت متحققة إلاّ أنّها مؤمن عنها واقعاً.

نعم ، قد يقال بتحقق نوع من التجرّي من قبل المكلف حيث لم يكن يحرز المؤمّن إلاّ انّ المفروض عدم العقاب على التجرّي وإلاّ ثبت العقاب على كل حال ولو لم يخالف الواقع ـ وهو المنسوب إلى المدارك والصحيح كما تقدم ـ وهو خروج عن الفرض في هذه الجهة.

وهذه الاضافة غير قابلة للقبول فإنّ المؤمن سواء كان شرعياً أو عقلياً لابد من العلم به ، فمع عدم العلم به لا يحكم العقل بقبح العقاب واقعاً ، إلاّ أنّ هذا الكلام معناه انّ الفرض الثالث وهو كون التمسك بالقاعدة العقلية من باب الشبهة المصداقية غير معقول في نفسه فمقصود الاستاذ انّه إذا فرضنا معقوليته كان لازمه انتفاء صحّة العقوبة واقعاً فلا يكون إلاّ التجرّي بل لا تجرّي بالمعنى المصطلح لثبوت التأمين وقبح العقاب حقيقة بحسب الفرض.

الجهة الثالثة : موارد قد يخفى فيها تنجز الواقع قبل الفحص وبترك التعلّم.

منها ـ ما إذا كان غافلاً عند الارتكاب. والصحيح فيه ما في الكتاب من كفاية الاحتمال قبل الغفلة لتنجز التكاليف قبل الفحص واحتمال أداء ترك التعلم والفحص إلى الغفلة وهو متجه. نعم الغافل من أوّل الأمر في كل عمره ذلك قد يكون خارجاً.

١٤٢

ومنها ـ في الموسع إذا ترك في أوّل الوقت وحكمه ما في الكتاب أيضاً من التفصيل.

ومنها ـ في المضيّق الذي لابد من التعلم قبل الوقت لعدم التمكن منه في الوقت لضيقه. وقد قسّم إلى ثلاثة كما في الكتاب ؛ والمهم القسم الثالث منها وهو ما إذا كان ترك التعلّم موجباً لعدم القدرة على الامتثال واقعاً ، وقد استفاد السيد من أخبار التعلّم تارة فعلية الملاك قبل الوقت حتى مع العجز الناشىء من ترك التعلّم واخرى فعلية الخطاب أيضاً بنحو الواجب المعلّق.

وفيه : انّه من الأقل والأكثر ، فإذا نفى فعلية الملاك في التنجز واستحقاق العقوبة فلا يمكن أن يستظهر من أخبار التعلم أكثر من ذلك لعدم ظهورها في أكثر من استحاق العقوبة على المخالفة بترك التعلم ، على أنّ ظهور الخطابات المشروطة في عدم فعلية الوجوب قبل زمان الشرط أقوى من الإطلاق المذكور في أخبار التعلم لو سلم ظهورها في سبق الوجوب ، ودعوى ابائه عن التخصيص كما ترى لا وجه له أصلاً.

إلاّ أنّ في النفس في أصل الإطلاق المذكور لاخبار التعلّم لمثل هذا التعلّم اشكالاً : فإنّ هذا ليس من باب تعلّم الأحكام بل تعلّم العربية والقراءة التي هي متعلق الوجوب والحكم الشرعي نظير ما إذا وجبت صنعة معينة كالصياغة وجوباً عينياً في وقت مضيق فإنّ تارك تعلمها يعجز عن الامتثال في الوقت المضيق لا محالة ، وأخبار التعلّم ليست ناظرة إلى ذلك بل إلى ترك تعلّم الحكم الشرعي الذي خالفه وهو الوجوب والحرمة لا فعل القراءة أو الصياغة وإن كان متعلقاً للوجوب فاثبات وجوب التعلّم في أمثال المقام لابد وأن يكون بالملاك العام المذكور في بحث المقدمات المفوّتة.

١٤٣

ومنها ـ موارد الشك في دخول مسألة في محل ابتلائه في المستقبل فترك تعلم حكمها ، وهنا أيضاً يجري التشقيق الثلاثي المتقدم ، إلاّ انّه في الشق الأوّل منها لا يجب التعلم لامكان الاحتياط حين الابتلاء ، وامّا في الشقين الآخرين فمقتضى الأصل مع قطع النظر عن أخبار وجوب التعلّم عدم تنجز التعلم عليه الآن لأنّ الابتلاء بالزلزلة مثلاً مشكوك والشبهة موضوعية لا حكمية فتكون مجرى البراءة.

وإن شئت قلت : كما انّ احتمال التكليف الفعلي من ناحية الشبهة الموضوعية مؤمن عنه كذلك احتماله المستقبلي.

ولكن ادعي في الكتاب إطلاق أخبار التعلّم وشموله للمقام لأنّه لو كان قد تعلم الأحكام لم يكن يفوته الواجب عند ابتلائه به.

ودعوى حكومة الاستصحاب لكونه قطعاً موضوعياً اجيب عليه في الكتاب بجوابين.

إلاّ أنّ في أصل الإطلاق المذكور لأخبار التعلّم نظراً ؛ إذ ظاهرها انحصار منشأ المخالفة بترك التعلم ، لا احتمال عدم الابتلاء بالموضوع كما في المقام.

نعم ، لو كان يتعلم لما كان يفوته إلاّ أنّ هذا وحده لا يكفي بل لابد من استناد الفوت والمخالفة إلى ترك التعلّم. وبتعبير آخر لابد من تنجز التكليف مع قطع النظر عن التعلّم وما ينشأ منه من الالفات أو القدرة على الامتثال ، وهذا غير متحقق في المقام فيكون نظير من يحتمل الزلزلة أو الخسوف بعد ساعة فيريق الماء أو ينام فتفوته الصلاة ، فإنّه لا يكون معاقباً ، وهذا واضح بناءً على طريقية وجوب التعلّم لا وجوبه النفسي أو التهيؤي.

١٤٤

التنبيه الرابع :

بعد فرض تنجز الواقع في موارد ترك الفحص والتعلّم لا محالة يكون ترك التعلّم تقصيراً ومعصية مستحقاً فاعله للعقوبة إذا أدّى إلى مخالفة الواقع ، ولا يكون ما يأتي به المكلّف مجزياً عنه بحيث لو علم بالواقع وجبت الاعادة.

إلاّ أنّ المشهور خالفوا ذلك في مسألتين فقهيتين مشهورتين احداهما الجهر موضع الاخفات في الفريضة أو بالعكس جهلاً ـ ولو كان عن تقصير ـ والآخر الاتمام مكان القصر جهراً ، فإنّه قد حكم فيه المشهور باستحقاق الجاهل المقصّر لحكم الجهر والاخفات والقصر في السفر للعقاب ومع ذلك يكون الفعل الذي جاء به خلافاً للواقع صحيحاً ومجزياً لا تجب على صاحبه الاعادة حتى إذا علم بالحكم الواقعي في أثناء الوقت.

فكأنّ الملازمة بين تحقق المعصية بلحاظ مخالفة الواقع وعدم صحة المأتي به على خلافه قد اختلّت في هاتين المسألتين.

ومن هنا تعرّض الاصوليين لكيفية تخريج هذه الفتوى المشهورة وتوجيه امكانها ثبوتاً.

أمّا البحث الاثباتي فهو بحث فقهي مبناه استفادة ذلك من الجمع بين إطلاق أدلّة وجوب القصر وكذلك الجهر والتمام حتى للجاهل بالحكم وأدلّة وجوب التعلّم مع ما دلّ على عدم وجوب الاعادة على الجاهل في هاتين المسألتين ، فإنّ المستفاد من الروايات الواردة في ذلك عدم وجوب الاعادة على الجاهل ، حتى إذا كان مقصراً ولو ارتفع جهله في أثناء الوقت ، وهذا المقدار من المفاد يمكن أن يجتمع مع أدلّة وجوب القصر والجهر والاخفات حتى على الجاهل ،

١٤٥

غاية الأمر إذا فعل التمام أو الجهر أو الاخفات محل الآخر جهلاً لم تجب عليه الاعادة ، فتكون النتيجة ما ذهب إليه المشهور ، إلاّ إذا كان فيه استحالة ثبوتية.

نعم ، لو استظهر من أدلّة عدم وجوب الاعادة عدم وجوب القصر على الجاهل من أوّل الأمر وكذلك الجهر والاخفات وأنّها شرائط ذكرية فذاك أمر آخر ، إلاّ انّه بحاجة إلى عناية اضافية واستظهار زائد على المقدار المتقدم وهو متروك إلى محلّه من الفقه. والمحققون تصدوا إلى اثبات امكان تخريج هذه الفتوى المشهورة بأحد طرق :

الطريق الأوّل : ما ذكره صاحب الكفاية ـ كما في الكتاب ـ وظاهره انّه تصدّى إلى علاج روح المشكلة على مستوى الملاك الذي هو روح الحكم ، وامّا كيفية الخطاب فلم يتعرّض له. والمظنون أنّه يرى تعلّق خطاب واحد بالقصر المقيّد بعدم سبق التمام عليه جهلاً بنحو قيد الواجب لا الوجوب ، وكذلك الجهر والاخفات وهو واحد في حق العالم والجاهل ، غاية الأمر العالم لا يمكنه تعجيز نفسه بخلاف الجاهل ، وأمّا صحة المأتي به من قبل الجاهل فلا يتوقف على وجود أمر وخطاب به بل يكفي في تصحيحه توفره على مقدار من الملاك لزومي وهو يكفي للعبادية ، والمفروض تحقق قصد القربة منه ولو لاعتقاده وجوب ذلك عليه ابتداءً. ولا دلالة في أدلّة الاجتزاء على أكثر من ذلك فلا نحتاج إلى تصوير أمر آخر أصلاً.

ودعوى : انّ عدم سبق التمام لو اخذ قيداً في الواجب لزم ترشح الوجوب الضمني عليه ونتيجته حرمة فعل التمام ومبغوضيته فلا يمكن أن يكون محبوباً ولا مأموراً به.

١٤٦

مدفوعة : بما ذكره هذا المحقق من انّ ذلك التقييد من جهة التضاد بين النصفين من الملاك اللزوميين إذا حقّق نصفه الأوّل في الجامع ضمن حصة التمام ، وليس من جهة المقدمية فلا محذور. وهذا الجواب نحتاجه حتى على فرضية الأمر بالجامع والحصة أو فرضية الترتب كما سيأتي.

الطريق الثاني : ما ذكره الميرزا قدس‌سره من وجود أمر ارتباطي بالجامع بين الحصتين القصر والتمام أو الجهر والاخفات مع أمر استقلالي بنحو الواجب في واجب بالخصوصية إلاّ انّه مع ارتفاع الجهل يتحقق ملاك آخر في الخصوصية أيضاً ، أو قل تكون الخصوصية دخيلة أيضاً في تحصيل الملاك الارتباطي للمركب الجامع فينقلب وجوبه إلى وجوب ضمني مؤكّد بناءً على قاعدته الكلية من اندكاك كل حكم غير ذو مزية في الحكم ذي المزية. والنتيجة عدم امكان التدارك على الجاهل لتحقق الامتثال وزوال موضوع الواجب الاستقلالي للخصوصية فيكون عاصياً بلحاظه وممتثلاً بلحاظ الأمر الارتباطي بخلاف العالم فإنّه لا يمكنه أن يمتثل الأمرين إلاّمعاً.

واعترض على ذلك كما في الكتاب وأجبنا عليها كما في الهامش وهي أجوبة صحيحة.

الطريق الثالث : الأمر الترتبي بالصلاة التمام إذا ترك القصر وخالفه وكذلك في الجهة والاخفات. وهذا ما ذكره كاشف الغطاء ، وليس المقصود هنا الأمر الترتبي بملاك التضاد ، ولهذا لا يرد شيء من اشكالات الميرزا في عدم امكان الأمر الترتبي في الأضداد الدائمية أو التي لا ثالث لها ، لأنّه لا تضاد بين المركبين أصلاً وليست دعوى كاشف الغطاء ايقاع الترتب في الأوامر الضمنية ليتوهم ذلك بل لا يعقل الترتب والتزاحم في الأوامر الضمنية كما قررناه في محلّه.

١٤٧

كما انّ القائل بامتناع الترتب بين الأضداد أيضاً لا ينبغي أن يستشكل في المقام لعدم التضاد هنا وإنّما يسمّيه بالأمر الترتبي بالتمام لكونه مترتباً على ترك القصر لا أكثر فليس هذا هو الترتب الاصطلاحي.

والاعتراضات المذكورة في الكتاب اجيب عليها إلاّ الاعتراض الأخير الذي للسيد الاستاذ الشهيد قدس‌سره ـ وقد جعله روح مقصود الميرزا قدس‌سره وهو بعيد ـ وهذا الاعتراض أيضاً كاعتراض الاصفهاني اشكال في الصياغة ، فإنّ المولى إذا وجد قسماً من ملاكه اللزومي يتحقق من الجاهل بالقصر أي المعتقد وجوب التمام بالاتيان بالتمام فلا وجه لتقييد خطابه الأولي بوجوب التمام في حقه بل يجعله مطلقاً شاملاً للمسافر الجاهل بهذا المعنى ولكنه يقيده بشرط عدم الاتيان بالقصر قبله بخلاف غير المسافر فيكون ما يتخيله المسافر الجاهل مطابقاً للواقع في حقه في فرض عدم الاتيان بالقصر قبله بخلاف غير المسافر.

نعم ، هو يتصور انّ أمره المطلق كالحاضر إلاّ أنّ هذا خطأ في إطلاق الأمر لا في أصله ، وهو لا يقدح في صحة جعل الأمر المشروط أي لا يكون هذا أمراً آخر على خصوص العالم بوجوب التمام ، بل هو نفس الأمر الأوّل على كل مكلف غير المسافر العالم بوجوب القصر ـ الأعم من الشاك ـ ولكنه في المسافر العالم بهذا الخطاب مقيد بما إذا لم يأت بالقصر في السفر بخلاف الحاضر فهذا خطاب عام يشمل الحاضر والمسافر المعتقد لوجوب التمام ويمكن أن يصل إليه وقد وصل إليه باعتقاده وجوب التمام عليه في السفر كالحاضر وحركه نحو المطلوب للمولى ، وإنّما يلزم المحذور إذا جعل أمر آخر على خصوص موضوع المسافر المعتقد بوجوب التمام عليه ، بل لا محذور حتى لو فرض جعل خطاب خاص بالمسافر ؛ لأنّه مجعول على من قامت عنده الحجة على وجوب التمام ،

١٤٨

وهذا ليس لغواً بل يوجب العلم التفصيلي بوجوب التمام على من قامت عنده الحجة المحتمل عدم مطابقتها للواقع والعلم بعدم الاعادة حتى لو فرض خطأ اعتقاده بوجوب التمام ، وهذا المقدار كاف لتصحيح الجعل مع فرض إطلاق الملاك كما شرحناه في تعليقنا على هذا الإشكال في الجهة التاسعة من بحث الترتّب فراجع.

الطريق الرابع : ما في الكتاب بعنوان الترتب المسامحي وهو الأمر بالجامع وبالحصة وهي القصر غير المسبوق بالتمام بنحو قيد الواجب ، وليس فيه زائد عما في الكتاب ؛ وما سيأتي.

ثمّ إنّ في الدراسات اشكالاً آخر وهو لزوم تعدد الأمر في حق الجاهل وتعدد العقاب ، وقد ظهر جوابه ، فإنّ الأمر وإن تعدد على المسافر الجاهل إلاّ انّه حيث يكون لحفظ ما يتبقّى من نفس الغرض اللزومي عند المولى فليس فيه عقوبة زائدة على عقوبة المسافر العالم التارك لتمام غرض القصر. نعم ، تعدد الوجوب والأمر الاستقلالي حاصل إلاّ انّه قد لا يستفاد من أدلّة المركبات الارتباطية ما يخالف ذلك.

والمهم ما في ذيل الوجهين المذكورين في الدراسات لتصوير فتوى المشهور ـ بعد الاشكال من قبله عليهما بكونهما خلاف ظاهر الروايات ـ من تقريب ظاهر في انّه لا يمكن الالتزام بما نسب إلى المشهور من الجمع بين الحكم بصحة العمل واستحقاق العقاب على المخالفة مع التقصير ، وكأنّه بيان ثبوتي حاصله : انّ الجاهل بوجوب القصر أو الاخفات لو صلّى قصراً أو اخفاتاً وحصلت منه قصد القربة حال العمل فلا يخلو الحال من أن يحكم بصحة صلاته أو يحكم بفساد ما أتى به ووجوب الاعادة عليه بعد ارتفاع جهله رغم انّه جاء بالقصر والاخفات ،

١٤٩

فعلى الأوّل لا مناص من الالتزام بكون الحكم الواقعي هو التخيير بين القصر والتمام أو الجهر والاخفات ، فلا موجب للعقاب عند الاتيان بأحد طرفي التخيير وإن لم يكن المكلف ملتفتاً إلى التخيير حال العمل.

وعلى الثاني لا مناص من الالتزام بكون الصلاة تماماً أو جهراً هو الواجب على التعيين في ظرف الجهل ومعه كيف يمكن الالتزام بعدم استحقاق العقاب على ترك القصر أو الاخفات ، ودعوى الإجماع عليه مجازفة محضة مضافاً إلى انّه ليس من الأحكام الشرعية ليستدل عليه بالاجماع.

والصحيح هو الوجه الأوّل ، وانّ المكلف مخيّر بين القصر والاتمام في حال الجهل واقعاً فيحكم بصحة التمام لورود النصّ به وبصحة القصر إذا تأتى منه قصد القربة بمقتضى اطلاقات الأدلّة الدالّة على وجوب القصر في السفر غاية الأمر يرفع اليد عن ظهورها في الوجوب التعييني بما دلّ على صحّة الاتمام فيبقى أصل الوجوب بلا معارض (١).

وهذا الكلام غريب منه : فإنّه يمكن اختيار الشق الأوّل والقول بصحة القصر من المسافر الجاهل بوجوبه إذا تأتى منه قصد القربة ومع ذلك لا وجوب تخييري بل الوجوب تعييني للقصر المقيد بعدم سبق التمام عليه في حال الجهل ويكون تفويته معصية ومع ذلك يكون التمام أيضاً مجزياً امّا لكفاية الملاك أو للأمر الترتبي أو الأمر بالجامع كما تقدم.

كما يمكن اختيار الشق الثاني والقول بعدم صحة القصر إذا استظهر من دليل اجزاء التمام ذلك فيدل عندئذٍ على اشتراط العلم بخصوصية القصر على المسافر

__________________

(١) دراسات في علم الاصول ٣ : ٤٨٧ ـ ٤٨٨

١٥٠

بنحو قيد الواجب لا الوجوب ، فيستحقّ المقصر عن التعليم العقاب على تركه.

كما انّ ما ذكره من الجمع غير وجيه ، إذ لا وجه لرفع اليد عن تعيينية وجوب القصر على المسافر كما هو ظاهر دليله والنصّ الدالّ على الاجتزاء بالتمام من المسافر الجاهل لا يقتضي ذلك ما لم تكن فيه عناية اضافية كما أشرنا في أوّل المسألة.

ص ٤٢١ قوله : ( الاعتراض الثالث ... ).

ما هو الاعتراض الثالث في أجود التقريرات والدرسات هو انّه على فرض عدم الارتباطية يلزم تعدد الواجب ، وأنّ القصر كالواجب في الواجب ، ولازمه تعدد العقاب ، وهما خلاف ظاهر الأدلّة ( وسيأتي قبول السيد الشهيد قدس‌سره الاشكال على تقدير تعدد الواجب بنحو الواجب في الواجب ) ، وحينئذٍ لابد في الاجابة امّا أن يقال بما في الكتاب من ايجاب الجامع والحصة ، أو أن يقال انّه ليس في البين على فرضية الخراساني الزام بذلك ، بل يمكنه أن يجعل الواجب واحداً وهو القصر تعييناً ولكنه مقيد بنحو قيد الواجب بعدم سبق التمام عن علم.

وقد يقال : انّه عندئذٍ يكون فعل التمام منهياً عنه لكون عدمه واجباً فتبطل من هذه الناحية ، ولعلّه لهذا لم يذكره السيد الشهيد.

والجواب : انّه إذا كان على أساس التضاد فلا مبغوضية فيه. وإن شئت أخذت عنواناً وجودياً يلازم عدم التمام من قبيل كونه الفرد الأوّل مثلاً فهذا من الاشكال في الصياغة ؛ بل هذا لازم على تقدير الأمر بالجامع والحصة أيضاً إذ الحصة

١٥١

ليست هي القصر مطلقاً وإلاّ وجبت الاعادة على الجاهل أيضاً ، بل الحصة هو القصر المقيد بعدم سبق التمام جهلاً ، وهذا واضح.

فالصحيح انّ فرضية المحقق الخراساني هو وحدة الوجوب للقصر المقيد بالقيد المذكور من باب التمانع والتضاد ، ويكون صحة التمام لوفائه بمقدار من الملاك الملزم ، وتأتي قصد القربة بالاتيان به ، خصوصاً من المعتقد بوجوب التمام.

ص ٤٢٦ قوله : ( ثانياً : ... ما ذكره المحقق العراقي نفسه ... ).

إلاّ انّ هذا يوجب أن يكون العالم بوجوب الجامع أي القصر تخييراً لا تعييناً أيضاً يصح منه التمام وهذا أكثر من الفتوى الفقهية باحراز التمام عن الجاهل فإنّها مخصوصة بالجاهل بمعنى المعتقد وجوب التمام عليه تعييناً.

ص ٤٢٧ الهامش ... وثانياً : ...

حاصل الجواب : انّه لا يشترط في المحركية الاستقلالية عدم وجود محرك آخر ، فالحصة الخاصة وهو القصر بالنسبة للجامع فيها يوجد محركان : أحدهما الأمر بالقصر ، والآخر الأمر بالجامع بين القصر والتمام المقيد بالجهل ، فالأمر التخييري محرك بالنسبة للمسافر العالم بالقصر كما انّه محرك بالنسبة للمسافر الجاهل بالقصر العالم بوجوب التمام عليه لأنّ الجهل هنا قيد للواجب لا للوجوب فلا يقدح في وصول أصل الأمر المذكور والانبعاث منه غاية الأمر يتصور المكلف المسافر أنّ متعلقه خصوص التمام كمن يعتقد انّ الصلاة الفريضة مقيدة بالمسجد فالجهل بمتعلقه لا بموضوعه.

١٥٢

وهذا بخلاف الاشكال الذي سوف يأتي على فرضية الترتب الحقيقي ، فإنّ الجهل بوجوب القصر قيد في موضوع التكليف بالتمام فيه.

والجواب : انّ هذا الأمر بالجامع للأعم من المسافر الجاهل والعالم بوجوب القصر لا يمكن أن يصل إلى المكلّف محركاً ؛ لأنّه لو علم به أو احتمله خرج عن امكان المحركيّة نحو الجامع بناءً على انّ التمام إنّما يصحّ من العالم بوجوب التمام تعييناً فالاشكال على هذا التقدير مسجّل بخلاف الأمر الترتبي ، فالترتب المسامحي أردأ من الترتب الحقيقي الذي ذكره كاشف الغطاء.

ص ٤٢٩ قوله : ( والتحقيق أن يقال ... ).

امّا دعوى لزوم الالغاء فيدفعها كفاية موارد العلم التفصيلي أو الإجمالي بالابتلاء ببعض ما لم يتعلمه من المسائل ، وهي كثيرة بمجموعها.

نعم ، هناك جواب آخر لعله المقصود وهو انّ ظاهر أدلّة وجوب التعلّم الدلالة على فعلية الملاكات وعدم العذر في تفويتها المستند إلى ترك التعلّم وعدم جريان أي أصل ترخيصي في موردها حتى الأصل الموضوعي المذكور ، وهذا كلام صحيح.

والصحيح في الجواب : أوّلاً ـ ما في الكتاب من انّ الموضوع لوجوب التعلّم احتمال الابتلاء ، وهذا لا يرتفع حتى بناء على القول بقيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي ، لأنّه فرع ترتب أثر في المرتبة السابقة على المؤدى وبلحاظ القطع الطريقي.

وثانياً ـ ما ذكر أيضاً من انّ الحكومة بلحاظ القطع الموضوعي إنّما تكون لما ورد من الآثار بحسب لسان الدليل على عنوان القطع الموضوعي.

١٥٣
١٥٤

تعليقات على الجزء السادس

الاستصحاب

حجّية الاستصحاب

الأقوال في الاستصحاب

مقدار ما يثبت بالاستصحاب

تطبيقات للاستصحاب

النسبة بين الامارات والاصول

١٥٥
١٥٦

حجّية الاستصحاب

ص ١٢ السطر الأخير قوله : ( بل بين صحيحة زرارة وبين العام كما هو الحال ... ).

ليس المقصود ما هو ظاهر صدر هذه العبارة من ملاحظة مدلول صحيح زرارة مع مدلول الخطاب العام الدالّ على الحكم الواقعي ، كيف ولا تنافي بينهما بوجه فإنّ الأوّل يدلّ على التعبد ببقاء ما كان عند الشك في بقائه وهذا لا ينافي ثبوت مدلول العام الذي هو الحكم الواقعي لما تقدم من امكان الجمع بين الحكم الواقعي مع الظاهري وإنّما المقصود ما هو ظاهر ذيل العبارة ( كما هو الحال في أدلّة سائر الاصول والامارات بعضها مع البعض ) أي ملاحظة النسبة بين صحيح زرارة ودليل حجّية العام سنداً أو دلالةً ، فإنّهما حكمان ظاهريان متنافيان في مورد تحقق موضوعيهما معاً كما هو واضح.

ص ٢٥ قوله : ( الرواية الاولى ... ).

كان الأنسب تقديم البحث عن فقه الرواية بلحاظ جملة الجزاء فيها والذي جعل في التنبيه الأوّل كما انّ البحث فيه تطويل بلا مناسبة فنقول : جملة ( فإنّه على يقين ... ) بدواً فيه احتمالان :

١٥٧

١ ـ انّه بنفسه الجزاء.

٢ ـ انّ الجزاء محذوف يدل عليه قوله : لا ـ المذكور سابقاً ـ أي لا يجب عليه الوضوء.

والجملة بمثابة التعليل سدَّ مسدَّ الجزاء. وقد استبعد الاحتمال الأوّل رغم انّه مقتضى الظهور الأولي وعدم التقدير بأنّه لا ترتب بين اليقين بالوضوء مع الشرط وهو عدم اليقين بالنوم بل سواء كان هذا اليقين أو لا كان اليقين بالوضوء السابق فعلياً.

واجيب تارة : بأنّ الجملة الاولى تمهيد للجزاء أي بما انّه على يقين من وضوء لا ينقض اليقين بالشك ، وفيه ركة ؛ وذلك لعدم دخول الواو على الجزاء وحاجته إلى عناية التمهيد ولا دال عليه.

واخرى : بأنّ الجملة انشائية أي إن له اليقين التعبدي. وفيه : مضافاً إلى العناية الفائقة في حملها على الانشائية ، لا ينسجم مع اليقين في الكبرى ؛ لأنّه اليقين الوجداني السابق قطعاً وإلاّ كان ركيكاً ، بل لا يمكن فرض الشك مع اليقين التعبدي.

والصحيح امكان جعل نفس الجملة جزاء ، إمّا بالنحو المذكور في الكتاب من كون الجزاء المترتب مجموع الجملتين ، أي إن لم يستيقن انّه نام كان مصداقاً لهذا القياس ، وهذا المقدار كافٍ في التفريع والترتب المفاد بالفاء والجزاء للشرط إذ لا يراد به الترتب الفلسفي. وإمّا بافتراض الجزاء نفس جملة ( فإنّه على يقين من وضوئه ) بعد فرض انّ اليقين مضاف في هذا السياق إلى ذات المتيقن مع تجريده

١٥٨

عن السابق واللاحق ـ وسيأتي انّ هذا هو مناط صدق النقض بالشك ـ وهذه الاضافة لا تصح عرفاً إذا تيقن النوم والحدث لصدق النقض بيقين آخر عندئذٍ ـ كما في ذيل الجملة ـ فلا وجه لتقدير الجزاء وجعل الجملة علةً له قامت مقامه ، بل بنفسها الجزاء.

نعم ، قد يستفاد من السياق التعليل أو اعطاء الضابطة والنكتة الكلية من هذه الجملة وانها بمثابة علة الجزاء المقدر والمستفاد من الصدر وهو عدم وجوب الوضوء عليه ، فإنّه المناسب للجزائية مع المقام.

ص ٢٧ الهامش.

الصحيح أن يقال : انّ مرجع الوجوه إلى ثلاثة كما يلي :

١ ـ استظهار الجنس من اليقين في الكبرى كما أفاد المحقّق الخراساني. وقد نوقش في الكتاب بأنّه مبني على جريان مقدمات الحكمة وذكر اليقين بالوضوء صالح للقرينة على الخلاف.

٢ ـ اقتضاء التعليل للتعميم. ونوقش في الكتاب بما حاصله انّه من قبيل لا تأكل هذا الرمان لأنّه رمان حامض ، وهو لا يقتضي أكثر من التعميم في حدود الرمان الحامض لا مطلق الحامض لأخذه في التعليل.

وكلا الاشكالين قابلان للدفع بما ذكره المحقّق الخراساني ، تارة :

من انّ الوضوء ليس قيداً لليقين بل للظرف ، واخرى : بأنّه من جهة كون اليقين من الصفات ذات الاضافة فلا يكون ظاهراً في التقييد وقد ذكره الميرزا قدس‌سره.

١٥٩

وبما ذكره السيد الخوئي وغيره من الظهور في النظر إلى استحكام اليقين ـ سواء كانت الجملة تعليلاً أم جزاءً ـ وفي بيان ضابطة عامة ونكتة ارتكازية مقبولة بحسب العقل أو الطبع ولهذا قيل لا ينبغي ، وأبداً وانقضه بيقين آخر الظاهر في ارادة استحكام نفس اليقين فبهذه القرائن ، ولعلّ منها أيضاً تغيير التعبير في الكبرى من الغائب إلى المخاطب يستفاد ارادة الجنس لا خصوص اليقين في باب الوضوء.

٣ ـ استفادة التعميم من قرائن خارجية وهي ورود نفس الجملة في الروايات والصحاح الاخرى ، وكون القاعدة ثابتة عند العقلاء ، وبحسب سيرتهم ولو في الأغراض التكوينية ، وهذا كافٍ للتعميم واستظهار النظر إلى تلك النكتة بعرضها العريض غير المختص بباب الوضوء.

ص ٣٣ قوله : ( أوّلاً ـ ما سيأتي ... ).

لم يأت ذلك فيما بعد. ويمكن أن يوجه هذا المطلب بأنّ اسناد النقض يكون بلحاظ وحدة المتيقن ذاتاً فإنّها تكفي لصدق النقض بين الشك واليقين وإن لم يكن نقض بالدقة ، ويمكن أن نمنع أصل استدلال المحقق قدس‌سره من اننا إذا جردنا اليقين عن متعلقه من الحدوث والبقاء فبهذا اللحاظ لا يقين بالفعل للمكلف لأنّه قد زال يقينه بذات الوضوء إذ فيه انّ التجريد يعني ملاحظة اضافة اليقين والشك إلى الجامع ، وبهذا اللحاظ كما يوجد شك في الجامع بين الحدوث والبقاء يوجد يقين به أيضاً. ولا تناقض بينهما ذاتاً لوضوح اجتماعهما معاً وإنّما التزاحم في مقام الجري العملي الذي يكون في ظرف الحال والبقاء لا محالة وبهذا الاعتبار يصح اسناد النقض فتدبر جيداً.

١٦٠