أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

التكليفية ولا ترتب بينهما في الملاقى والملاقي إلاّعلى مبنى انّ ما مع المتقدم متقدم على المتأخر عن أحدهما وقد تقدم بطلانه في محله.

إلاّ انّ الموجود في تقريرات النائيني قدس‌سره ، وكذلك في تقريرات السيد الخوئي قدس‌سره ـ الدراسات ـ أنّ المقصود في موارد عدم سبق المعلوم بالعلم الإجمالي الأوّل زماناً إنّما هو الانحلال الحكمي لا الحقيقي ، من جهة انّ الأصل الجاري في الملاقي ـ بالكسر ـ لا يكون في رتبة الأصل الجاري الملاقى ـ بالفتح ـ بل يكون متأخراً عنه رتبةً ، فلا يدخل في المعارضة مع الأصل الجاري في الطرف المشترك لكونه طولياً وفي موضوع آخر مستقل غير موضوع الأصل المتقدّم عليه في الرتبة.

وفي مثله يقبل الميرزا قدس‌سره سلامة الأصل الطولي عن المعارضة فيكون من الانحلال الحكمي ـ راجع أجود التقريرات تجد التصريح بذلك ـ فكأنّه بهذا أراد الميرزا دفع اشكال عدم الانحلال الحقيقي فيما إذا كان زمان المعلومين متحداً فتشكّل علم اجمالي بنجاسة الملاقي والملاقى أو الطرف في زمان واحد حيث استند إلى الانحلال الحكمي بالبيان المذكور ، فلا يرد عليه ما في الكتاب وإنّما يرد عليه ما تقدم في دفع المبنى الثاني المتقدم.

وهكذا يتضح عدم صحة أصل هذا المبنى وانّ العلم الإجمالي الثاني منجّز كالأوّل سواء تأخر علماً أو معلوماً أو تقدّم لأنّه غير منحلّ بالعلم الأوّل لا حقيقة ولا حكماً.

ثمّ إنّ السيد الخوئي قدس‌سره استثنى ما إذا كان يجري في الطرف المشترك أصل مؤمّن سليم عن المعارضة والسقوط بالعلم الإجمالي الأوّل في تمام الصور التي

١٠١

حكم فيها بالانحلال لسبق زمان نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ على زمان الملاقاة ؛ لأنّه يتشكل علم اجمالي بالتكليف امّا في الملاقي ـ بالكسر ـ أو في الطرف المشترك فيتعارض فيه الأصلان.

وهذا المطلب وإن كان صحيحاً إلاّ انّه بنفسه يكشف عن بطلان أصل المبنى الذي اعتمده من الانحلال الحقيقي فإنّه يكشف عن عدم الانحلال الحقيقي لأنّ هذا العلم الإجمالي الذي ذكره وأكّد على تنجيزه ليس علماً اجمالياً جديداً بل هو نفس ما ذكر انحلاله وانّه ليس علماً بحدوث تكليف على كل تقدير وانّه شك بدوي في حدوث تكليف جديد ، وهل يعقل أن يكون جريان أصل مؤمّن بلا معارض في الطرف المشترك موجباً لتحقق علم اجمالي جديد؟

فيكون هذا خير منبّه على أنّ المنجّز ليس هو العلم بحدوث التكليف بل بذات التكليف المولوي وهو محفوظ سواء جرى في أحد الطرفين أصل مؤمن مختصّ غير معارض أم لم يجر ، فلابد من التشبّث بالانحلال الحكمي لمن يريد اجراء الأصل المؤمن في الملاقي ـ بالكسر ـ لا دعوى الانحلال الحقيقي ، اللهم إلاّ إذا فسّرنا الأمر الأوّل من مقدمات الميرزا قدس‌سره بالتفسير الأوّل أي خلطنا بين العلم بالتكليف المولوي والتنجز العقلي ، حيث لا تنجز للطرف المشترك عندئذٍ إذا كان مجرىً لأصل مؤمن مختص غير ساقط بالمعارضة.

إلاّ انّ هذا التفسير قد عرفت انّه غير ظاهر من كلمات السيد الخوئي قدس‌سره ، لا في أجود التقريرات ولا في الدراسات كما انّه واضح البطلان كما تقدم.

فالحاصل : الجمع بين هذا الاستثناء وبين مبنى الانحلال الحقيقي بالتفسير المذكور في كلمات السيد الخوئي قدس‌سره من انّه لابد أن يكون العلم الإجمالي علماً

١٠٢

بحدوث تكليف على كل تقدير يستبطن التناقض ، وهذا من جملة التشويشات أيضاً في هذه المسألة.

وأمّا ما ذكره قدس‌سره في صورة وحدة زمان المعلومين للعلمين الاجماليين من تنجزهما ووجوب الاجتناب عن الملاقي والملاقى معاً وإن كان زمان العلم بالملاقاة متأخراً عن العلم الإجمالي فهو مبني على أنّ العلم الإجمالي الأوّل وإن كان موجوداً حدوثاً ومنجّزاً إلاّ انّه بقاءً ينقلب إلى العلم بوجود نجاستين في الملاقي والملاقى أو نجاسة في الطرف المشترك فينجّز كليهما لا محالة.

وإن شئت قلت : بعد العلم بالملاقاة يتشكل علمان اجماليان لا سبق لمعلوم أحدهما على الآخر فلا موجب للانحلال لا الحقيقي ولا الحكمي ، فليس المقصود انحلال العلم الإجمالي الأوّل فلا يرد ما ذكره السيد الشهيد الصدر قدس‌سره على هذا البيان في شرح العروة ص ٢٤٨ ، وكأنّ نظر السيد الشهيد قدس‌سره إلى التقريب الميرزائي للانحلال الحقيقي ، فإنّه بناءً عليه يصح أن يقال : انّ ذات العلم الأوّل موجود ومحفوظ بعد العلم بالملاقاة أيضاً ، فالطرف المشترك معلوم التنجز بالعلم الأوّل فلا يتشكل علم اجمالي ثانٍ ؛ وأمّا على التفسير الذي استظهرناه من كلمات السيد الخوئي قدس‌سره ، فلا يرد هذا الكلام كما ذكرنا.

استدراكان :

الأوّل : قد يستظهر من كلام السيد الإمام تقريب آخر للانحلال حاصله : انّ الانكشاف والعلم لا يتعدد نحو معلوم واحد ، وهذا معنى قوله المتنجز لا ينجز والمنكشف لا ينكشف مرتين ، فالعلم الإجمالي الثاني حيث انّ معلومه على أحد التقديرين نفس معلوم العلم الإجمالي الأوّل ، فهذا لا يكون علماً وانكشافاً

١٠٣

آخر غير نفس العلم الأوّل ، إلاّ إذا كان في مورد الافتراق أي الملاقي ـ بالكسر ـ وهو مشكوك فيكون من الشك البدوي.

وفيه : انّ الميزان في تعدّد العلم إنّما هو تعدد المعلوم بالذات والصورة الذهنية المتعلق بها العلم لا المعلوم بالعرض إلاّ إذا علم وحدة المعلومين في الخارج ، وفي المقام كما يعلم المكلف بأنّ احدى الصورتين من الملاقى ـ بالفتح ـ والطرف يكون نجساً كذلك يعلم انّ احدى الصورتين من الملاقي ـ بالكسر ـ والطرف يكون نجساً على حد واحد. نعم لا يعلم المكلف بتعدد المعلوم بالعرض ، أي النجس في الخارج لاحتمال انطباقهما على الطرف المشترك ؛ إلاّ أنّ هذا لا يعني وحدة العلمين ما لم يعلم بوحدة المعلومين خارجاً لتعدد الصورة الذهنية المردّدة أو الاجمالية ، فإنّ عنوان أحد الطرفين الأولين غير عنوان أحد الطرفين الآخرين ، وهذا واضح.

الثاني : انّ هناك برهاناً على عدم انحلال العلم الإجمالي الثاني انحلالاً حقيقياً وهو أنّ المكلف بالعلم الأوّل لا يعلم اجمالاً إلاّبنجاسة واحدة بين الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف بينما بعد حصول الملاقاة والعلم بها يعلم اجمالاً بنجاسة في الطرف أو نجاستين في الملاقى والملاقي في الطرف الآخر تماماً كما إذا أعلمه الصادق أنّ النجاسة امّا في الاناء الكبير أو في كلا الانائين الصغيرين فإنّه أكثر من العلم بنجاسة الاناء الكبير أو الاناء الصغير مع الشك في نجاسة اناء ثالث. وهذا لعمري واضح جداً لا أدري كيف خفي على الأعلام.

والظاهر من عبائر فوائد الاصول قبوله لتحقق العلم الإجمالي الثاني ، بل والثالث الذي هو جمع بين العلمين الأوّل والثاني وهو العلم بنجاسة الملاقى والملاقي أو الطرف المشترك ؛ لأنّه صرّح بأنّ وجدانية حصول العلمين

١٠٤

المذكورين بعد الملاقاة لا يتكرر إلاّ انّه ادّعى انحلالهما ، امّا الأوّل فلأنّ أحد طرفيه منجز بمنجز عقلي وهو كالمنجز الشرعي يوجب الانحلال ، ومن الواضح انّ هذا انحلال حكمي لا حقيقي. وأمّا الثاني فلأنّ الأصل المؤمّن في الملاقي يجري في طول الأصل المؤمّن في الملاقى فيكون من الأصل الطولي في موضوع آخر وهو لا يدخل في المعارضة مع الأصل في الطرف المشترك ، وهذا أيضاً انحلال حكمي لا حقيقي فراجع وتأمل.

ويمكن علاوة على هذا البرهان النقض على الأعلام بأنّه لا اشكال في وجوب الاجتناب عن الأواني الثلاثة في المثال المتقدم عند الجميع ، مع انّه لا فرق في ذلك بين أن تكون النجاسة على تقدير كونها في الانائين الصغيرين قد حصل فيهما في زمان واحد أو في زمانين ، كما إذا أخبر الصادق بأنّه امّا الاناء الكبير نجس أو الانائين الصغيرين ، ولكن نجاسة أحدهما كان قبل الآخر بساعة مثلاً ، فإنّه هل يتوهم أحد أنّه بذلك يخرج الاناء الصغير المتأخر نجاسته عن الطرفية للعلم الإجمالي باعتبار السبق الزماني للنجاسة الاخرى المعلومة المردّدة بين الاناء الكبير والاناء الصغير الآخر فينقلب إلى الشك البدوي؟ وأي فرق بين هذا المثال وبين ما نحن فيه ، فإنّ الملاقاة ليست إلاّسبباً من أسباب نجاسة الملاقي وهل يعقل الفرق بين هذا السبب وبين سبب آخر للنجاسة وهو وقوع قطرتين متتاليتين في عمود الزمان في الانائين الصغيرين؟

فالحاصل : لا ينبغي الاشكال في تشكل علم اجمالي منجز للأواني الثلاثة فيما إذا كان اناءان في طرف وإناء في طرف آخر للعلم الإجمالي حتى إذا كانت النجاسة في الانائين طوليتين من حيث زمان المعلوم أو زمان العلم لعدم الانحلال فكذلك في المقام.

١٠٥

وبهذا البيان يظهر أيضاً بطلان توهم الانحلال فيما إذا علم نجاسة أحد انائين اجمالاً ثمّ علم بوقوع قطرة نجس في أحدهما أو اناء ثالث فإنّ هذا العلم الإجمالي أيضاً يكون منجزاً وموجباً لوجوب الاجتناب عن الاناء الثالث أيضاً لتشكل العلم الإجمالي الثاني بل والثالث بالنسبة إليه.

والمسألة واضحة ، والأعلام كأنّهم تحت وطأة الفتوى الفقهية المشهورة حاولوا التشبّث بمثل هذه البيانات ، والله الهادي للصواب.

المبنى الرابع : هو الانحلال الحكمي بالطريقة التي يبني عليها المحقق العراقي قدس‌سره من أنّ العلم الإجمالي المتأخر رتبة المتولّد عن العلم الإجمالي المسبّب له لا يكون منجزاً ؛ لأنّ أحد طرفيه منجّز في الرتبة السابقة لا في الزمان السابق ليقال بأنّ الميزان بالوجود البقائي للعلم الأوّل وهو في عرض حدوث العلم الثاني. فإذا كان كذلك فلا يصلح العلم الثاني المتولد عن الأوّل لتنجيز كلا طرفيه في مرتبة وجوده لأنّ المتنجز لا يتنجّز. وجوابه ما في الكتاب فراجع.

ص ٣١٥ قوله : ( الأوّل ـ حاول بعضهم ... ).

ذكر هذا الفرع المحقق الخراساني وأجاب عليه السيد الخوئي قدس‌سره في الدراسات ( وهو موجود في تعليقات العراقي على الفوائد أيضاً ) بأنّ خروج الملاقى عن محل الابتلاء لا ينافي جريان الأصل فيه إذا كان له أثر فعلي ، ومنه طهارة ملاقيه أو طهارة ما غسل به إذا كان ماءً فيتعارض أصالة الطهارة في الملاقى مع الأصل المؤمّن في الطرف ويتساقطان ويبقى أصالة الطهارة في الملاقى بلا معارض على التفصيل المتقدم منه. خلافاً للميرزا قدس‌سره حيث وافق الكفاية في وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذا الفرع.

١٠٦

وهذا غريب من السيد الخوئي قدس‌سره على مبناه قدس‌سره ؛ لأنّه لم يقبل مبنى سلامة الأصل الطولي بل بالعكس الميرزا الذي قبل هذا المبنى كان ينبغي له المصير إلى ذلك ، وهذا من الغرائب ، فالسيد الخوئي الذي كان يجري الأصل المؤمّن في الملاقي على أساس مبنى انحلال العلم الإجمالي الذي معلومه متأخر بالعلم الإجمالي الأسبق معلومه زماناً لعدم كونه علماً بتكليف جديد ، حينئذٍ كان ينبغي أن يحكم بوجوب الاجتناب عن الملاقي في المقام ؛ لأنّ هذا المبنى من الواضح عدم جريانه هنا ؛ لأنّه فرع أن يكون العلم الإجمالي الأسبق علماً بفعلية التكليف وحدوثه ، وفي المقام لا يكون العلم الإجمالي الأسبق كذلك لخروج أحد طرفيه عن محل الابتلاء حين تشكل العلم ، فلا يكون علماً بحدوث تكليف فعلي على المكلّف حين حصول العلم له ، بل شك بدوي في فعلية التكليف في الطرف الباقي ، ومثل هذا العلم لا يمكنه أن يوجب انحلال العلم الإجمالي الثاني إلى شك بدوي في حدوث تكليف جديد ، بل يكون علماً بحدوث تكليف فعلي إمّا في الملاقي ـ بالكسر ـ أو في الطرف المشترك الباقي كما هو واضح ، فيكون منجزاً لا محالة وموجباً لتساقط الأصل في الملاقي مع الأصل في الطرف المشترك.

لا يقال : إنّما يصحّ هذا إذا كانت النجاسة المعلومة اجمالاً في الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف المشترك ، حاصلة بعد خروج الملاقى ـ بالفتح ـ عن محلّ الابتلاء أو عن المقدورية وحصول الملاقاة معه وهو خارج ثمّ دخول الملاقي ـ بالكسر ـ في محلّ ابتلاء المكلف أو نجاسة الطرف المشترك فقد حصل العلم بفعلية التكليف إجمالاً لا محالة ، ومعلومه أسبق زماناً من العلم الإجمالي الثاني فيوجب انحلاله وصيرورته شكاً بدويّاً لا علماً بحدوث تكليف جديد.

١٠٧

فلعلّ السيد الخوئي قدس‌سره ينظر إلى هذه الفرضية.

فإنّه يقال : هذا لازمه عدم وجوب الاجتناب عن الطرف المشترك الباقي حينئذٍ ، وبالتالي الترخيص في المخالفة القطعية ؛ لأنّ العلم الإجمالي الثاني ليس علماً بحدوث تكليف جديد بل شك في التكليف ـ بناءً على الانحلال ـ والعلم الإجمالي الأوّل وإن كان علماً بحدوث التكليف سابقاً في هذه الفرضية ، إلاّ أنّه ليس منجزاً للطرف الباقي منه ؛ لأنّه من حين حصوله يكون أحد طرفيه خارجاً عن محل الابتلاء فلا يكون منجزاً ؛ ولهذا لا اشكال في جريان الأصل المؤمّن عن الطرف الباقي لولا الملاقي في هذه الفرضية ، وهذا يعني انّه لا منجّز للطرف الباقي لا العلم الإجمالي الأوّل ، لما ذكرناه ولا العلم الإجمالي الثاني لانحلاله وعدم كونه علماً بحدوث تكليف جديد ، فيجوز ارتكابه مع الملاقي ، وهو ترخيص في المخالفة القطعية ، وهو واضح الفساد.

وهذا من اللوازم الباطلة للمبنى المتقدم منه ومن الميرزا ، في كون الميزان بالمنكشف لا الكاشف حيث انّه لو لم يجب الاجتناب عن الطرف المشترك أيضاً لزمت المخالفة القطعية ، وإن وجب فهذا لازمه أن يقال بتنجيز الطرف المشترك بعلم إجمالي حين حدوثه وحصوله يكون أحد طرفيه خارجاً عن محل الابتلاء أو المقدورية العقلية أو تلف قبل حصول العلم ، أو علم تفصيلاً بحصول نجاسة اخرى فيه بعد الملاقاة ، مع انّه من الواضح عدم مصير أحد إلى ذلك لعدم كونه علماً بتكليف فعلي في حقه لا قبله ـ لعدم العلم ـ ولا بعد حصول العلم لخروج أحد الطرفين وعدم جريان الأصل فيه.

وهكذا يتضح انّ الانحلال بالسبق المعلومي على فرض قبوله لابد من فرضه في علمين اجمالين منجزين في نفسيهما ، لا المقام والموارد الاخرى المشابهة

١٠٨

له والتي أشرنا اليها ، فإنّه لا اشكال في تشكل العلم الإجمالي بالتكليف الفعلي بين الطرف المشترك أو الملاقي ، وهو ينجز كلا طرفيه ، ومن هنا كان المتعين على مثل السيد الخوئي أن يقبل ما ذكره الميرزا من وجوب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ قبل دخول الملاقى ـ بالفتح ـ في محل الابتلاء ، وكان المتعين على مثل الميرزا الذي يقبل سلامة الأصل الطولي أن يقول بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي مطلقاً ، كما جاء ذلك في حاشية المحقق العراقي قدس‌سره على الفوائد فراجع.

وبناءً على ما ذكرنا مثل الميرزا والسيد الخوئي قدس سرهما اللذان يقبلان انحلال العلم الإجمالي الثاني بالعلم الأوّل الذي يكون معلومه أسبق زماناً فقط ـ كالسيد الخوئي ـ أو الأعم منه ومن الأسبق رتبة ـ كالميرزا ـ لابد وأن يحكما في هذا الفرع بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقى إذا دخل في محل الابتلاء بعد ذلك ؛ لأنّه لا يوجب العلم بحدوث تكليف جديد غير ما كان قبل الدخول في محلّ الابتلاء ؛ إذ لعله في الطرف المشترك فيكون نفس التكليف المعلوم اجمالاً قبل الدخول في محل الابتلاء ـ هذا بتقريب السيد الخوئي قدس‌سره ـ أو لكون الطرف المشترك معلوم الوجوب عقلاً تفصيلاً ـ بتقريب الميرزا قدس‌سره ـ والتقدم الرتبي لمعلوم العلم بنجاسة الملاقى أو الطرف بعد دخوله في محل الابتلاء لا ينفع شيئاً لأنّه فرع تحقق العلم الإجمالي وعدم انحلاله الحقيقي ـ كما هو مدّعى هذا المبنى ـ حتى يكون سبق معلومه رتبةً موجباً لانحلال العلم الآخر ، فإذا كان العلم الآخر معلومه وهو الحرمة فعلياً قبل فعلية حرمة الملاقى ـ بالفتح ـ بدخوله في محلّ الابتلاء ، أو بتعبير الميرزا قدس‌سره طرفه المشترك يجب اجتنابه تفصيلاً قبل دخول الملاقى ـ بالفتح ـ في محل الابتلاء فلا يتشكل علم إجمالي بحرمة جديدة بين الملاقى ـ بالفتح ـ بعد دخوله في محلّ الابتلاء وبين الطرف

١٠٩

المشترك ، بل شك بدوي لسبق زمان التكليف المعلوم بالعلم الإجمالي الدائر بين الملاقي ـ بالكسر ـ والطرف المشترك.

ومنه يظهر الاشكال على الكتاب فإنّه لا يجب الاجتناب عن الملاقى ـ بالفتح ـ بعد دخوله في محل الابتلاء على مبنى الميرزا قدس‌سره والسيد الخوئي ، كما انّه يجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ حتى بعد دخول الملاقى في محل الابتلاء.

وما ذكر في ص ٣١٦ من عدم السبق الرتبي لمعلوم العلم الآخر عليه وعدم فائدة السبق الزماني لأنّه ليس التقدم والتأخر في الطرف المشترك ومن عدم وجوب الاجتناب عندئذٍ عن الملاقي لانحلال علمه بالعلم الأسبق معلومه منه رتبة بين الملاقى ـ بالفتح ـ والطرف غير وجيه.

نعم إنّما يتجه على مبنى العراقي قدس‌سره الذي يرى الميزان بالتقدم الرتبي فحسب لا الزماني وللعلم لا للمعلوم ( مع قطع النظر عن اشكال العلم الإجمالي التدريجي بين الطرف قبل دخول الملاقى ـ بالفتح ـ والملاقي ـ بالكسر ـ بعد دخول الملاقى ـ بالفتح ـ في محل الابتلاء ) حيث يكون العلم الإجمالي الأوّل بقاءً ـ الذي هو الميزان في المنجزية في كل زمان ـ متقدماً رتبة عن العلم الإجمالي الثاني ـ أي بين الملاقي والطرف المشترك ـ فيكون تنجز الطرف المشترك به ومعه لا يمكن للعلم الإجمالي الثاني أن ينجزه في هذا الزمان لأنّ المتنجز في رتبة سابقة لا يمكن أن يتنجز ، ومعه فلا يتنجّز الملاقي ـ بالكسر ـ أيضاً.

وأمّا على مبنى العلمين فالصحيح انحلال العلم بحرمة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف بالعلم بحرمة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف بعد دخول الملاقى ـ بالفتح ـ في محل الابتلاء ، لكون معلومه بما هو تكليف فعلي ومنجّز أسبق زماناً ، عن

١١٠

معلوم العلم الأوّل بما هو كذلك ، فهو متعيّن للانحلال. وما ذكر من عدم كون التقدم والتأخر في الطرف المشترك اشكال على أصل المبنى ، فلا معنى لايراده في المقام بعد فرض قبول المبنى والبحث على أساسه.

وبهذا ظهر انّه على مبنى السيد الخوئي قدس‌سره أيضاً تكون الأقسام ثلاثة أي قد يجب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى وقد ينعكس وقد يجب الاجتناب عنهما معاً ، كما ذكر صاحب الكفاية قدس‌سره.

والمتحصل : انّه على المختار يجب الاجتناب عن الملاقي والملاقى في هذا الفرع مطلقاً كما في غيره.

وعلى مسلك سلامة الأصل الطولي لا يجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ مطلقاً ويجب عن الطرف المشترك ، وكذلك عن الملاقى ـ بالفتح ـ إذا دخل في محل الابتلاء كما هو المشهور.

وعلى القول بانحلال العلم المتأخر زماناً بالمتقدم حقيقة أو حكماً لعدم رجوع الأصل الجاري في الطرف المشترك الساقط في الزمان السابق من جديد ليعارض الأصل في الطرف المختص بالعلم الإجمالي المتأخر زماناً ، يتم ما ذكره الخراساني من وجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى حتى إذا دخل في محل الابتلاء.

ومن يجمع بين هذين المسلكين يجب عليه الاجتناب عن الملاقى ـ بالفتح ـ أيضاً بعد دخوله في محل الابتلاء ، كما هو مذكور في الكتاب.

وعلى القول بمسلك العراقي من انّ المتنجز في الرتبة السابقة لا يمكن أن يتنجز بالمنجّز المتأخر رتبة ـ وامّا الزمان فلا أثر له لأنّ المنجّز للوجود البقائي

١١١

في كل زمان وهو في عرض المتأخر زماناً ـ فالنتيجة وجوب الاجتناب عن الملاقي قبل دخول الملاقى في محل الابتلاء ، وأمّا الملاقى فيجب الاجتناب عنه بعد دخوله في محل الابتلاء ، وأمّا الملاقي حينئذٍ فمع قطع النظر عن العلم الإجمالي التدريجي المتضمّن في العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي أو الطرف من أوّل الأمر ينبغي الحكم بالانحلال ولكن بلحاظه يجب الاجتناب عنه أيضاً لأنّه وإن كان معلولاً للعلم الإجمالي بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف المشترك إلاّ أنّ هذا الأخير لا ينجز طرفيه إلاّبعد دخول الملاقى ـ بالفتح ـ في محل الابتلاء فيمنع عن منجزية العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي أو الطرف المشترك في هذا الزمان لا العلم الإجمالي التدريجي الذي أحد طرفيه وهو الطرف المشترك سابق على هذا الزمان فهذان الطرفان المعلوم حرمة أحدهما من أوّل الأمر لا تنجّز لشيء من طرفيه بمنجّز أسبق رتبة ليقال ( بأنّ المتنجز لا يتنجز فلا يمكن للعلم المتأخر أن ينجز الطرف الآخر أيضاً ) بل كلا طرفيه يتنجزان بالعلم الإجمالي المذكور.

وما في تقريرات السيد الحائري من الاشكال بأنّ العلم الإجمالي التدريجي لابد وأن يكون صالحاً للتنجيز مع قطع النظر عن سبق أحد طرفيه زماناً بحيث لو كان فعلياً لكان صالحاً للتنجز بهذا العلم الإجمالي ، وفي المقام لو كان فعلياً لم يكن صالحاً لكون طرفه السابق منجزاً حينئذٍ بعلم أسبق رتبة.

جوابه : انّه لا موجب لهذه المصادرة الاضافية منه وإنّما اللازم بقاء نفس العلم الإجمالي التدريجي الحاصل من أوّل الأمر وعدم حصول تبدّل بالنسبة لمعلومه الإجمالي المردد بين الطرفين في الزمانين لا أكثر من ذلك ، وهذا حاصل في المقام.

١١٢

نعم ـ كما في الكتاب ـ هذا العلم الإجمالي التدريجي لا يضر بمبنى تأثير العلم المتقدم معلومه رتبة في الانحلال ـ الذي هو الصياغة الميرزائية ـ لأنّ الميرزا لا يبني انحلاله على أساس انّ المتنجز لا يتنجز بل يرى الانحلال ـ وقد يسميه بالحقيقي ـ لنفس تقدم معلوم أحد العلمين على الآخر رتبة حيث يكون سبباً لعدم انعقاد العلم المتأخر معلومه وانحلاله ، وهذا بقاءً حاصل في المقام حتى بالنسبة لهذا العلم الإجمالي التدريجي المتضمّن.

إلاّ أنّ الميرزا قدس‌سره حيث يقبل الانحلال الحقيقي بسبق معلوم أحد العلمين على الآخر زماناً أيضاً ـ فضلاً عن السيد الخوئي الذي يرى تعين ذلك في الانحلال المذكور ـ فلا يتشكل العلم بالتكليف المردّد بين الملاقى بعد دخوله في محل الابتلاء والطرف المشترك لسبق معلوم العلم بالتكليف المردد بين الملاقي والطرف زماناً عليه فيكون دخول الملاقى في محل الابتلاء موجباً للشك في حصول تكليف آخر زائداً على المعلوم بالعلم الأسبق زماناً.

فعلى مبنى العلمين الميرزا والسيد الخوئي من الانحلال الحقيقي في المقام ينبغي الحكم بوجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى حتى بعد دخوله في محل الابتلاء ، أي تتم مقالة المحقق الخراساني من تثليث الأقسام وانّه قد يتعاكس حكم الملاقي والملاقى فتدبر جيداً.

ثمّ انّ السيد الخوئي في الدراسات نقل فرعاً وتطبيقاً آخر لوجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى عن المحقق الخراساني وهو ما إذا تعلّق العلم الإجمالي ابتداءً بنجاسة الملاقي أو شيء آخر ثمّ حدث العلم بالملاقاة والعلم بنجاسة الملاقى أو ذلك الشيء من قبل. وأجاب عليه : بأنّ هذا إنّما يتم إذا كان حدوث العلم الإجمالي كافياً في تنجيز الواقع بقاءً ولو مع انحلاله ، إلاّ انّ الصحيح دورانه

١١٣

مدار حدوث العلم وبقائه ، وفي المقام العلم الأوّل ينحل بالعلم الثاني بقاءً ويصير من الشك في حدوث نجاسة وتكليف في الملاقي.

وهذا صحيح لو قبلنا مبناه في الانحلال وعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي كما ذكرنا فيما سبق وإن كان عدم الانحلال الحقيقي هنا أوضح من فرض تأخر الملاقاة عن العلم الإجمالي.

وكذلك على مبنى الميرزا بناءً على انّ الميزان بالمنكشف وبلحاظه يرى سبق معلوم العلم الإجمالي بين الملاقى والطرف فلا يتشكل علم اجمالي بين الملاقي والطرف بعد هذا الانكشاف ـ إذا كان الميزان بالعلم في كل زمان ـ.

وأمّا على مبنى السيد الامام وصاحب الكفاية أو مبنى الانحلال الحكمي على أساس انّ الأصل الساقط سابقاً زماناً لا يعود فالصحيح ما ذكره صاحب الكفاية قدس‌سره من وجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى في هذا الفرع أيضاً ، وعلى مبنى سلامة الأصل الطولي فقد يقال أيضاً : لا يتم كلام الكفاية ، لأنّ الأصل الجاري في الملاقي بقاءً سوف ينجو عن المعارضة لجريان الأصل السببي الأسبق رتبة منه ومعارضته مع الأصل في الطرف المشترك فيسلم الأصل المسببي بقاءً في الملاقي عن المعارضة فلا يجب الاجتناب عنه.

إلاّ أنّ الصحيح وجود علم اجمالي تدريجي في المقام وهو نجاسة الطرف المشترك قبل العلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو نجاسة الملاقي في عمود الزمان أي حتى بعد العلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ والأصل الجاري في الطرف المشترك في ذلك الزمان ليس طرفاً للمعارضة مع الأصل السببي في الملاقى ـ بالفتح ـ لأنّ هذا الأخير لا يجري لكن يعارض الأصل الآخر إلاّبعد العلم

١١٤

المذكور والذي يكون مجرى الأصل في الطرف المشترك في ذلك الزمان خارجاً عن محل الابتلاء ومنقضياً.

نعم ، هو يعارض الأصل الجاري في الطرف المشترك بعد زمان العلم الذي هو طرف للعلم الإجمالي الحالي لا التدريجي وعليه فيجب الاجتناب عن الملاقي ، وهذا نظير ما إذا تلف الطرف المشترك قبل العلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف المشترك ، فإنّه لا اشكال في وجوب الاجتناب عن الملاقي حتى على هذا المبنى لكونه طرفاً باقياً لعلم اجمالي كان متنجزاً من حين انعقاده.

وهذا المثال يمكن جعله نقضاً على السيد الخوئي قدس‌سره الذي أنكر التقسيم الثلاثي الذي ذكره صاحب الكفاية وأصرّ على انّ التقسيم ثنائي دائماً أي امّا يجب الاجتناب عن الملاقى دون الملاقي أو يجب الاجتناب عنهما معاً امّا فرض وجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى فلا فرض له.

وحاصله : ما إذا علم اجمالاً أوّلاً بنجاسة الملاقي أو الطرف المشترك ، ثمّ بعد خروج الطرف عن محل الابتلاء أو تلفه علم بأنّ منشأ النجاسة إنّما هو ملاقاة الملاقي مع الملاقى ونجاسته أو نجاسة ذاك الطرف ، فإنّه هنا لا يجب الاجتناب عن الملاقى لجريان أصل الطهارة فيه بلا معارض بينما الملاقي يجب الاجتناب عنه لأنّه طرف لعلم اجمالي كان منجزاً ، وقد تقدم في محلّه انّ خروج أحد الطرفين بعد العلم الإجمالي لا أثر له في وجوب الاجتناب عن الطرف الباقي.

لا يقال : انّ هذا فرع بقاء العلم الإجمالي السابق وفي المقام ينحل بزعم السيد الخوئي هذا العلم بقاءً فيخرج الملاقي عن الطرفية لعلم اجمالي فعلاً فيجري فيه الأصل فلا يجب الاجتناب عن الملاقي والملاقى معاً ، ولعل السيد الخوئي يلتزم بذلك.

١١٥

فإنّه يقال : من المستبعد التزامه بذلك لكونه علماً اجمالياً تدريجياً وجداناً ولا يوجد علم اجمالي آخر منجز في أحد طرفيه ليتوهم انحلاله به ، وما تصوروه من الانحلال إنّما قالوه في فرض وجود علم اجمالي آخر منجّز للطرف المشترك لا مثل المقام فإنّ انكار وجود هذا العلم الإجمالي التدريجي من أوّل الأمر وبقائه مكابرة واضحة. ولا منجّز للطرف المشترك فيه إلاّنفس هذا العلم لا علم اجمالي آخر فإذا كان منجزاً فهو ينجز كلا طرفيه فيجب الاجتناب عن الملاقي بعد العلم بالملاقاة أيضاً لكونه طرفاً لهذا العلم الإجمالي التدريجي ، وهذا واضح.

ص ٣٢١ قوله : ( وهذا البيان تام ... ).

بل ليس تاماً لأنّ السيد الخوئي إذا التزم ـ كما هو ظاهر الدراسات ـ بأنّ الضمان ـ الحرمة الوضعية ـ فعلية بالنسبة للثمرة قبل تحققها بنفس وضع اليد على الشجرة ، إذن تمّ مطلب الميرزا قدس‌سره حيث يحرز بوضع اليد على الشجرتين ضمان المغصوب المعلوم بالاجمال أصلاً ونماءً قبل تحقق النماء أي يعلم بضمانين في هذا الطرف أو ذاك الطرف اجمالاً وهو كالعلم بتكليفين في أحد الطرفين أو تكليفين في طرف وتكليف واحد في طرف آخر ابتداءً ، وهذا علم منجز لا وجه لتوهم الانحلال فيه. كما أنّ ما ذكره في الحرمة التكليفية من عدم معقولية فعليتها قبل تحقق النماء لا ملاكاً ولا خطاباً غير تام أيضاً ، فإنّ الحرمة تختلف عن الوجوب فإنّه لا محذور في تحريم فعل مضاف إلى موضوع قبل وجود ذلك الموضوع كما إذا حرمت الخمر قبل وجوده وأثره انّه لو علم بأنّه لو أوجده لاضطر إلى شربه حرم عليه ايجاده لفعلية الحرمة ، بل المبغوض مبغوض قبل تحقق موضوعه أيضاً.

١١٦

الأقل والأكثر

ص ٣٣٥ قوله : ( وقد وقع البحث ... ).

الأصح أن يقال : انّ البحث عن انحلال العلم الإجمالي المذكور حقيقة أو حكماً وعدمه إذ بعض الأجوبة والأقوال ترى الانحلال الحكمي لا الحقيقي فالتعبير في الكتاب غير دقيق.

ثمّ انّ الأولى تنظيم البحث على عكس ما في الكتاب أي يفرض انّ مقتضى القاعدة منجزية هذا العلم الإجمالي ما لم يبرز مانع عن انحلاله ثمّ تذكر التقريبات المذكورة للانحلال ثمّ يذكر الاشكالات عليها.

أمّا تقريبات الانحلال فعمدتها ثلاثة :

١ ـ ما عن الشيخ الأنصاري من دعوى الانحلال على أساس العلم التفصيلي بوجوب الأقل امّا نفسياً أو غيرياً. وهذا ظاهره ارادة الانحلال الحقيقي ، وجوابه ما في الكتاب.

٢ ـ ما عن الميرزا في مقام تفسير مراد الشيخ من الانحلال على أساس العلم التفصيلي بوجوب الأقل نفسياً امّا استقلالاً أو ضمناً ، وهو يوجب الانحلال الحقيقي أيضاً ، وقد نوقش فيه تارة : بأنّ العلم الإجمالي دائر بين الوجوبين الاستقلاليين للأقل أو الأكثر ، وهذا لا ينحل إلاّبالعلم التفصيلي بوجوب الأقل استقلالاً.

١١٧

واخرى : بأنّ العلم التفصيلي المذكور علم بوجوب الأقل نفسياً مهملاً من حيث الإطلاق والتقييد وهذا نفس علمنا الإجمالي وهل يعقل انحلال العلم الإجمالي بنفسه.

وبتعبير آخر : طرفي العلم الإجمالي هو الأقل مطلقاً والأقل مقيداً وهما متقابلان متباينان وليس بينهما أقل وأكثر.

وجوابهما : انّ الاستقلالية حدّ للوجوب وليست ذات الوجوب ، كما انّ الإطلاق إذا كان عدم لحاظ القيد فبلحاظ ذات ما هو متعلق الوجوب الأمر دائر بين الأقل والأكثر حقيقة ، ولو كان الإطلاق لحاظ عدم القيد فهذا اللحاظ أو أي لحاظ آخر يخترعه الذهن ليس دخيلاً فيما يتنجز ويدخل في العهدة وإنّما الذي يدخل في العهدة المحكي بهذا اللحاظ وهو ما تعلق به ذات الوجوب النفسي سواء وقف عليه أو انبسط على غيره أيضاً فالانحلال الحقيقي بلحاظ ما يدخل في العهدة ويتنجز تام.

٣ ـ الانحلال الحكمي كما هو مذكور في الكتاب ، وهو تام إذا لم نقبل الانحلال الحقيقي.

وأمّا الاشكالات فهي :

١ ـ ما ذكره في الكفاية من استحالة الانحلال ، وقد ذكره ردّاً على تقريب الشيخ ـ التقريب الأوّل ـ ولكنه يمكن ايراده على الثاني والثالث مع جوابه كما في الكتاب.

٢ ـ ما ذكره النائيني من كون الشك في سقوط الأمر بالأقل وهو يقتضي

١١٨

الاشتغال عقلاً لا البراءة مع جوابه كما في الكتاب.

٣ ـ ما ذكره في الكفاية من الاشتغال عقلاً بلحاظ الغرض ـ وهذا يتم حتى على مسلك الأشعري ـ وهذا يمكن تقريبه بنحوين :

أ ـ ما هو ظاهر الدراسات من قياس المقام بما ذكره الكفاية في التعبدي والتوصلي من انّ الغرض من وراء التكليف يجب امتثاله وتحقيقه عقلاً ليسقط التكليف ، فمع الشك في تحققه يحكم العقل بالاشتغال ، وفي المقام الغرض من الأمر بالأقل قد لا يتحقق إلاّبالاتيان بالأكثر ـ أي إذا كان أمره ضمنياً ـ.

والجواب : ما في الكتاب من انّ الغرض مستقلاً عن الأمر لا يدخل في العهدة بل بمقدار ما يتصدّى المولى بتحصيله بالأمر يدخل في العهدة لا أكثر ، وهو بهذا المقدار يتحقق باتيان الأقل جزماً.

ب ـ ما هو ظاهر الكتاب من أنّ الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين وإن كان بالنسبة إلى الخطاب ومتعلق الأمر منحلاً ودائراً بين الأقل والأكثر ـ بلحاظ ما يدخل في العهدة ـ إلاّ أنّه بلحاظ الملاك والغرض المتولد من الفعل خارجاً دائر بين المتباينين للعلم بوجود غرض وملاك وحداني لا أكثر ، مردّد بين كونه متولداً من الأقل لو كان الأمر به استقلالاً أو الأكثر لو كان هو المأمور به ، فإذا كان الغرض المعلوم لزومه ووجوبه منجزاً عقلاً بالعلم الإجمالي كالتكليف والخطاب كان هذا العلم الإجمالي المنجز دائراً بين متباينين وغير منحل.

والجواب : أوّلاً ـ انحلاله حكماً لأنّ البراءة العقلية عن تعلق غرض المولى

١١٩

بما يتولد بالأكثر لا معارض له في طرف الأقل للعلم بأنّ تركه معصية وتفويت للغرض المعلوم اجمالاً ، والشك في سقوط الغرض المعلوم في الأقل تفصيلاً قد عرفت جوابه في دفع كلام الميرزا.

وثانياً ـ انّ الغرض أيضاً يعقل دورانه بين الأقل والأكثر بأن يكون مردداً بين مرتبتين تتحقق احداهما بالأكثر والاخرى بالأقل أو كون الملاك حسن الفعل نفسه أو ما يتولد منه من عناوين منطبقة عليه كالطاعة ونحوها أو غير ذلك ـ كما في الكتاب ـ فإنّه إذا كان المعلوم اجمالاً تعلق غرض المولى باحدى المرتبتين أو احدى المجموعتين من الحسن أو الطاعة فلو كان المطلوب هو المجموعة أو المرتبة الثانية كانت المرتبة أو المجموعة الاولى ضمن الغرض لا محالة أي غرضاً ضمنياً أيضاً ، وهذا لا ينافي انّه لو جيىء بالأقل وحده وكان الغرض في الأكثر لم يكن امتثالاً أصلاً حتى بلحاظ عالم الأغراض ولزم اعادة أصل العمل لأنّ غرضيّته في ضمن الأكثر.

ودعوى : أنّ الغرض بمعنى الملاك لا يكون إلاّدائراً بين متباينين ، ولا يقاس بالخطاب والجعل لا وجه لها ، فإنّ المرتبة الضعيفة ولو المقيدة بالضمنية والاندكاك في الوجود في المرتبة الشديدة غرض ضمني على كل حال فهو كالوجوب والخطاب الضمني يدخل في العهدة على كل حال ، فلا فرق من هذه الناحية.

ص ٣٤٠ الهامش.

الاشكال الأوّل غير وارد ، لأنّ المكلف يعلم امّا أن يكون ترك السورة قطعاً للصلاة أو ترك الركوع على تقدير ترك السورة قطع ـ وأمّا تركه بعد فعل السورة

١٢٠