أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

فقطع جزماً ـ إلاّ أنّ ترك الركوع بعد ترك السورة لا تجري البراءة عنه لأنّه يعلم بتحقق المخالفة القطعية وحصول القطع امّا بتركه أو بترك السورة قبله فلا معنى لاجراء البراءة عنه وهو معنى الانحلال الحكمي.

وبعبارة اخرى : انّ ترك الركوع المقيد بفعل السورة قطع للصلاة تفصيلاً فيكون مخالفته قطعية تفصيلية ، وتركه المقيد بترك السورة مخالفة قطعية اجمالية ؛ لأنّه يعلم بحرمته أو حرمة قيده ، فلا تجري البراءة عن حرمة قطع الصلاة بترك الركوع على كل تقدير ، وهذا يعني جريان البراءة عن وجوب السورة بلا معارض ، وهو يتم على الاقتضاء لا العلية.

وهذا الجواب تام ، وهو الجواب على إبراز علم إجمالي آخر بحرمة ترك السورة لكونه قطعاً أو حرمة ترك الركوع على تقدير ترك السورة لكونه قطعاً ، فإنّ هذا التقدير إن كان قيداً في الحرام الثابت حرمته من حين الدخول في الصلاة فهذه الحصة لا تجري عنها البراءة لكونها مخالفة قطعية اجمالية وإن كان قيداً في الحرمة بأن فرض تحقق الحرمة في طول ترك السورة فهي غير معلومة من أوّل الأمر.

وإنّما لم يكن هذا الانحلال حقيقياً مع اننا قبلنا الانحلال الحقيقي بالنسبة لما يدخل في العهدة والذي قبوله يوجب جريان البراءة عن الأكثر حتى على مسلك العلية ، أمّا بناءً على وجوب الاتمام فباعتبار ما ذكر في المتن من انّ الاتمام من ناحية الركوع بعد ترك السورة لا يحتمل وجوبه الضمني بل الاستقلالي لأنّه قد ترك السورة قبله.

وإن شئت قلت : انّ الواجب هو الاتمام باتيان السورة وما بعدها أو اتيان

١٢١

ما بعدها على تقدير ترك السورة ، وهذا علم اجمالي بالوجوب بين متباينين لا أقل ولا أكثر.

والأمر أوضح بناءً على حرمة القطع فإنّ هذا العلم الإجمالي بالاتمام أساساً بين متباينين لا أقل وأكثر ، لأنّ الحرام ليس مجموع التركين ترك السورة والركوع إذ القطع يتحقق بترك الجزء السابق ، فلا يكون ترك اللاحق قطعاً فالحرام امّا ترك السورة أو ترك الركوع على تقدير ترك السورة ، وهما متباينان ، إلاّ أنّ هذه الحصة فيها مخالفة قطعية فلا تجري البراءة عنها.

ص ٣٦٤ قوله : ( أقول ... ).

ومنه يظهر عدم ورود النقض على الشيخ قدس‌سره بما إذا كان المشكوك جزئيته أو مانعيته قربياً ، فإنّه بالدقة أيضاً لا يمكن المخالفة القطعية الاجمالية لأنّه لو جاء به على وجه غير قربي كان من المخالفة القطعية التفصيلية للاجزاء الاخرى روحاً ـ كما في القصر والتمام ـ فلا يكون مجرىً للأصل.

ص ٣٦٥ الهامش.

ما ورد فيه غير صحيح ، فإنّه يمكن تصوير الشبهة الموضوعية مع عدم كون منشأ الشك الشك في متعلق المتعلق ولا قيود الوجوب كما إذا وجبت القراءة مشروطاً بعدم الجهر وشك المكلف في انّ قراءته بهذا المقدار من رفع الصوت هل تبلغ مرتبة الجهر أم لا ، وهو من الدوران بين الأقل والأكثر بنحو الشبهة الموضوعية ؛ لأنّ مانعية الأكثر من ذلك من رفع الصوت معلومة ، ويشك في مانعية هذا المقدار من رفع الصوت ؛ للشك في كونه جهراً مصداقاً أو لا بناءً على وجود مراتب للجهر قابلة للتشكيك المصداقي في الخارج.

١٢٢

ص ٣٧٢ الهامش.

جوابه : انّ العلم الإجمالي في موارد نسيان الجزء وإن كان حاصلاً للمكلف قبل النسيان إلاّ انّه لا تجري في حقه البراءة عن الأكثر تعييناً ؛ لأنّه ما دام متذكراً يجب عليه الأكثر بحسب الفرض فلا تجري البراءة عن التعيين لعدم ترتب أثر عليه في حقه ما دام متذكراً وإنّما يحتاج إلى البراءة بعد تحقق النسيان فيكون مجرى الأصل المؤمن بعد التذكر لا محالة وهو زمان وظرف مضي أحد طرفي العلم الإجمالي بالامتثال وخروجه عن محل الابتلاء ، فاشكال السيد الشهيد قدس‌سره وارد على السيد الخوئي قدس‌سره ، أي انّ هذا من الشبهة البدوية لا المقرونة بالعلم الإجمالي.

ص ٣٧٤ الهامش :

ما ورد فيه غير تام لأنّ الزيادة المبطلة لا توجب حرمتها تكليفاً ، وإنّما الحرام عنوان قطع الصلاة اللازم معها وهذا واضح. فالكلمة الاولى غير تامة. والثانية نفس ما في المتن وليس شيئاً آخر. والثالثة أيضاً غير تامة لأنّه لو كان النظر إلى فرض الزيادة على تقدير عدم الجزئية فالعلم الإجمالي بين المتباينين أعني الجزئية والمانعية منجز في حقه على كل حال وموجب للاعادة ، وهذا واضح.

ص ٣٧٦ الهامش رقم (٢)

جوابه : انّ الأمر بالجزء حيث انّه ليس أمراً وتكليفاً استقلالياً بل ضمني وارتباطي فنفس ما يدل على الارتباطية وانّ الأمر المذكور متفرّع على الأمر بأصل الفريضة ـ سواء كان بصيغة الشرط صريحاً أم بغيره ـ يدل على الملازمة المذكورة فلا يتوقف الاستفادة التي أفادها الشهيد قدس‌سره على أن تكون أدوات

١٢٣

الشرط دالّة على الملازمة وان تكون الجملة الشرطية مدلولها التصديقي بأزاء الشرطية والذي هو مدلول اخباري.

وإن شئت قلت : في موارد الأمر بالاجزاء والشروط للواجبات المركبة يوجد مدلولان أحدهما الأمر بالجزء أو الشرط والآخر التلازم بينه وبين الأمر بأصل المركب.

ص ٣٧٨ قوله : ( وبتعبير آخر ... ).

إذا فرضنا انّ حديث الرفع يشمل الحكم الوضعي أيضاً كالتكليفي كانت الجزئية مرفوعة به ولازمه امكان التمسك بأدلّة الأمر بسائر الأجزاء والشرائط لأنّ المانع عن اطلاقها إطلاق الجزئية للجزء المنسي لا الأمر به ، فإذا كان هذا الإطلاق مرفوعاً بحديث الرفع كان الإطلاق الأوّل محكماً لا محالة.

والصحيح في الجواب : انّ الجزئية لا ترتفع بالحديث لعدم كونه حكماً مجعولاً شرعاً ولا موضوعاً للثقل والتنجيز عقلاً وإنّما المجعول هو الأمر بالجزء ورفعه لا يلازم الأمر بالأقل كما هو واضح ، فيبقى المفاد الوضعي الثاني لدليل الجزء المنسي على حجيته وتقييده لاطلاق الأمر بسائر الأجزاء والشرائط.

ص ٣٧٩ الهامش.

جوابه : انّ علمنا الإجمالي من أوّل الأمر علم اجمالي بوجوب الأقل في الوقت أو وجوب الأكثر قضاءً خارج الوقت على تقدير فعل الأقل في الوقت لا على تقدير تركه ، وهذا العلم الإجمالي لا يمكن مخالفته القطعية ؛ لأنّ طرفيه لا يمكن تركهما معاً فإذا كان ذاك كافياً في عدم التعارض بين الاصول تمّ في المقام أيضاً.

١٢٤

ص ٣٨٠ قوله : ( التقريب الثاني ... ).

ويمكن أن يجاب على هذا التقريب بجواب آخر حاصله : انّ الحيثية التعليلية المسوّغة لجريان الاستصحاب إنّما يراد بها قيود الموضوع للحكم إذا كانت تعليلية لا قيود متعلق الحكم ـ كما في المقام ـ إذ لا شك انّ تبدل أي قيد من قيود المتعلق يوجب تبدل الحكم وتعدده. وإن شئت قلت : انّ قيود المتعلق بلحاظ بقاء ذلك الحكم تقييدية دائماً.

وبعبارة اخرى : هذا نظير ما إذا علمنا بأنّ شخص النجاسة الحاصلة بالتغير مرتفعة لدخل التغير فيها حدوثاً وبقاءً ودورانها مداره ولكن احتملنا نجاسة اخرى تحدث بمحض زوال النجاسة الاولى ، فإنّه لا يجري هنا استصحاب النجاسة إلاّبنحو الكلي من القسم الثالث ، فالحاصل لابد من شرط احتمال بقاء شخص ذلك الحكم حتى في موارد الحيثية التعليلية ، وهذا مفقود في المقام ، وهذا واضح.

ص ٣٨٢ قوله : ( واستصحاب بقاء شخص ذلك الحب ... ).

بل لا يجري استصحاب الشخص إذ يكون من الفرد المردد واستصحاب الجامع ستعرف عدم جريانه في الأحكام وكونه من القسم الثالث فإنّ تبدل المتعلّق يوجب تبدل شخص الارادة فلا فرق من هذه الناحية بين الارادة والحكم.

١٢٥

قاعدة الميسور

ص ٣٨٣ قوله : ( امّا الحديث الأوّل ... ).

يمكن (١) أن يناقش في الاستدلال بهذا الحديث بوجهين آخرين غير ما ذكر :

الأوّل : انّ سياق مثل هذه التعبيرات تناسب الارشاد إلى نكتة عقلائية أو عقلية واضحة هي انّ الامور الخيرة الصالحة والتي يكون لها مراتب عالية إذا كانت بعض تلك المراتب غير ميسورة فهذا لا يوجب سقوط المراتب الميسورة منها ، فوجود هذه النكتة المركوزة عند العقلاء وحده كافٍ لصرف مثل هذه الألسنة اليها فتكون ارشادية ولا أقل من الاجمال.

الثاني : انّ ظاهر الخطابات الشرعية ومنها هذا الخطاب انها قضايا حقيقية لا خارجية وعندئذٍ إذا فرض ارشادية الخطاب المذكور إلى النكتة العقلائية المذكورة فهي قضية حقيقية. وأمّا إذا كان مولوياً ولبيان الأمر بالباقي فهذا لا يمكن أن يكون بنحو القضية الحقيقية ؛ لوضوح انّه يمكن فرض ملاك في مركبٍ لا يتحقق شيء منه بالأقل أصلاً ، فلا يمكن أن يكون مثل هذا الخطاب إلاّ خارجياً أي ناظراً إلى المركبات التي قد أمر أو يأمر المولى بها فعلاً. وهذا خلاف ظاهر الخطابات الشرعية.

__________________

(١) هذا البحث في تقريرات السيد الخوئي ( الدراسات ) أوضح وأحسن ، فراجع.

١٢٦

ثمّ انّ الأولى أن يبحث عن الحديثين : « الميسور لا يسقط أو لا يترك بالمعسور » و « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » معاً ؛ لأنّ نكات الدلالة فيه واحدة ، فنقول :

المراد بالميسور والمعسور هو المقدور والمتعذر ولو عرفاً ، وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه معناه انّ ما لا يدرك مجموعه لا يترك جميعه ، وهذا معنى ارادة العموم المجموعي من صدره والاستغراقي من ذيله. ففقرات الحديثين من هذه الناحية واضحة.

وإنّما البحث في فقرتي « لا يسقط ولا يترك » من حيث كونهما نهياً أو نفياً في مقام النهي أو نفياً اخبارياً دالاًّ بالملازمة على الأمر بالباقي.

وأمّا احتمال كونهما على وزان « لا ربا ... ولا صلاة لمن جاره ... » فهو غير محتمل ؛ لأنّ ذلك يناسب نفي موضوع أو متعلق الحكم ، والسقوط ليس موضوعاً ولا متعلقاً للحكم ، بل هو ملازمه أو انتزاع عقلي ، حيث انّ الأمر إذا كان متعلقاً بالباقي فلا سقوط واقعاً ، وإلاّ فالباقي ساقط عن عهدة المكلف.

نعم ، لو اريد عدم سقوط نفس الأمر الأوّل فهو غير ممكن حقيقة ، فيمكن أن يكون ادعائياً استطراقاً وكناية عن تعلّق أمر آخر به وأصل مطلوبيّته ، إلاّ أنّ الظاهر هو السقوط عن العهدة أو أصل المطلوبية لا الأمر الضمني الأوّل.

ولهذا يكون نفي السقوط أو نفي الترك ينظر فيه إلى عالم التشريع لا التكوين ؛ لأنّ الساقط هو الحكم والوجوب الذي هو تشريع وكذلك المراد عدم الترك في

١٢٧

الشريعة وإلاّ فخارجاً يمكن الترك ، ولعلّ هذا مقصود السيد الشهيد من النفي التشريعي والتشبيه بلا ربا ، إلاّ انّ هذا حينئذ يوجب حذف الاحتمال الثالث في كلام السيد الشهيد لأنّه عينه إذ لا يحتمل النفي التكويني. نعم ( لا يسقط ) تكوينه عين تشريعه فلعل ذكره من أجل ذلك فيفترق ( لا يترك ) عن ( لا يسقط ).

فالاحتمالات هي الثلاثة التي ذكرناها.

ولا يخفى أنّ احتمال النهي لا يتأتى في فقرة ( لا يسقط ) لأنّ السقوط ليس فعلاً للمكلف حتى يعقل تعلّق النهي به. نعم ، إذا قرأ ( لا يسقط ) مبنياً للمفعول أمكن أن يكون نهياً حينئذٍ إلاّ انّه غير مناسب مع سياق الحديث فإنّ ظاهره المبني للفاعل.

وكذلك لا يناسب هذه الفقرة احتمال النفي في مقام النهي نظير بعيد بمعنى ( أعد أو ليعد ) فإنّ هذا أيضاً يناسب ما يكون فعلاً للمكلف لا ما يكون أمراً تكوينياً مربوطاً بالشرع فالمتعين في جملة ( لا يسقط ) بناءً على كونه مبنياً للفاعل الاحتمال الثالث وهو الإخبار عن عدم سقوطه عن المطلوبية والأمر أو عن عهدة المكلف بسبب سقوط المعسور.

وأمّا جملة ( لا يترك ) فيحتمل فيها الاحتمالات الثلاثة كلها كما هو واضح.

والاستدلال بها في المقام يتم على جميعها لأنّ عنوان الميسور أو عنوان ( كله ) يشمل باطلاقه جميع موارد وجوب مجموعة اعمال سواء بنحو الارتباط والمجموعية أو بنحو الانحلال والاستغراقية ضمن وجوبات استقلالية ، فتدلّ على وجوب الباقي حتى بعد تعذر البعض وهو المطلوب.

١٢٨

ومناقشة الخراساني بلزوم الباقي حتى في المستحبات وهو واضح البطلان ، فلابد من حمله على مجرد الرجحان ، إنّما يأتي بناءً على استظهار النهي حقيقة ، كما انّه يرد عليه ما في الكتاب.

وناقش السيد الخوئي بناءً على الانشائية ـ بأحد الاحتمالين الأولين ـ أنّ شموله للواجبات الارتباطية والاستقلالية معاً غير ممكن لأنّه يلزم الجمع بين المولوية والارشادية وهو كالاستعمال في معنيين وتعيين أحدهما بأصالة المولوية في كلام المولى أيضاً لا يمكن ؛ لأنّها لا تعين المعنى والمدلول ، فيجمل الحديث.

وبناءً على ارادة النفي والأخبار المحض يكون الظاهر عندئذٍ ارادة خصوص الواجبات الاستقلالية لأنّ نفي سقوط ما لا يتعذر منها بالمتعذر حقيقي بخلاف الواجبات الارتباطية والتي يكون سقوط حكم الميسور بالمعسور قطعياً إذا كان واجباً فهو وجوب آخر عنائي.

وكلا الاشكالين قد أجاب عليهما السيد الشهيد قدس‌سره في الكتاب.

ويمكن أن نضيف بأنّ حمل الحديثين على ارادة الواجبات الاستقلالية خلاف الظاهر من ناحية انّه سوف يكون أمراً بيّناً بديهياً لا شك فيه عند أحد ليراد نفيه بمثل هذه الصياغات ، فكأنّه من توضيح الواضحات التي لا يناسب الشارع ولا العقلاء ، كما انّ ظاهر الميسور أو ما لا يدرك كله انّ النظر إلى المطلوب والغرض الواحد ، وهو مناسب مع المركب الارتباطي المطلوب الواحد لا الواجبات الاستقلالية ، فإنّها مطلوبات وموضوعات عديدة.

١٢٩

فينحصر عندئذٍ الجواب على الاستدلال بهذين الحديثين بدعوى ظهور مثل هذه الألسنة في الارشاد إلى نكتة عقلائية مخصوصة بالامور التي لها مراتب أو لها فوائد مختلفة ومتعددة فيتعذر بعضها دون البعض الآخر ، فلا ينبغي ترك ما لا يتعذر ، فمن لا يتمكن من اطعام الفقير بأحسن المطعومات فليطعمه بما يتيسّر له ، ومن لا يتمكن من الانفاق بكل ماله الذي هو مرتبة عالية من الانفاق فلينفق ما يتيسّر له وهكذا ، وهذه نكتة عرفية وعقلائية في الخيرات والمبرّات والأفعال الحسنة وليست قاعدة تأسيسية شرعية لا يجاب الباقي في المركبات الارتباطية الشرعية.

ص ٣٨٦ قوله : ( وأمّا الحديث الثاني : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » ... ).

ارادة التبعيض بنحو الجزء والكل من الحديث لا يناسب مورد الحديث وهو الاتيان بالحج مكرراً ، وارادة البيانية مع فرض كون الأمر بنحو مطلق الوجود بأن يكون المقصود وجوب الاتيان بتمام أفراد الواجبات الانحلالية المقدورة ( وتكون ما موصولة في الحالتين ) أيضاً خلاف مورد الآية وهو وجوب الحج الذي هو بنحو صرف الوجود كما انّه على خلاف ما قصده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفاه من وجوب تكرار الحج في كل عام.

ومنه يظهر انّ ما ذكره المحقق الاصفهاني من امكان الجمع في التبعيض بين الكل والجزء والكلي والفرد بتفسير التبعيض بالاقتطاع وهو كما يصدق في اقتطاع الجزء من الكل والمركب يصدق في اقتطاع الفرد من الطبيعة فيقال لا أملك من البستان إلاّواحداً ـ غير مجدٍ حتى إذا تمّ لغوياً ؛ لأنّه لا يناسب

١٣٠

المورد وخلاف غرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على أنّ اقتطاع الجزء من المركب صورته الذهنية تختلف عن اقتطاع الفرد من الكلي فهما نسبتان من الاقتطاع لا نسبة واحدة كما لا يخفى على من له ذوق فالمتعين أن تكون من زائدة أو بمعنى الباء وما مصدرية زمانية.

والمعنى إذا أمرتكم بشيء فأتوه زمان استطاعتكم ـ ولو بمعنى عدم المشقة ـ عليه فيكون دليلاً على اشتراط القدرة والاستطاعة بهذا المعنى في التكاليف جميعها وهو أجنبي عن قاعدة الميسور.

إلاّ أنّ هذا عندئذٍ لا ربط له بسؤال السائل عن لزوم تكرار المأمور به والطبيعة إذا امِرَ بها كما انّه واضح بديهي عقلاً حيث انّه يقبح التكليف مع العجز عقلائياً وغير محتمل عند أحد فأي فائدة لبيانها.

والذي يخطر بالبال عجالةً في مقام الجواب على هذا الاشكال أنّ المقصود من الحديث الحث على تكرار ما أمر به من الأعمال الصالحة ، ولو كانت بنحو صرف الوجود ؛ لأنّ فيها الخير والثواب ، فالملاك والخير فيها بنحو مطلق الوجود ، وإنّما للتسهيل كان المقدار الواجب منه بنحو صرف الوجود.

إلاّ أنّ هذا الأمر ليس بنحو الوجوب بل بنحو الاستحباب بقرينة ما ذكر في الصدر في المورد من عدم الوجوب فيكون هذا الصدر والسياق بنفسه قرينة على ارادة الحث والترغيب على رجحان الاتيان مكرراً بما يأمر به من العبادات والمطلوبات الشرعية ما لم يلزم مشقة لكون ملاكها في مطلق الأفراد وإن كان المقدار الواجب بمقدار صرف الوجود.

١٣١

خاتمة

في شرائط الاصول المؤمنة

ص ٣٩٦ قوله : ( الوجه الأوّل ... ).

هذا الوجه مضافاً إلى عدم تماميته في مثل أصالة الطهارة وكل من الاصول الشرعية الترخيصية التأسيسية مبني على أن تكون أدلّة البراءة كلها ارشاداً إلى امضاء البراءة العقلائية التي تكون بملاك قبح العقاب بلا بيان ، وهذا نتيجته محكومية دليل البراءة لدليل الاخباري ، أي لأي دليل يثبت ايجاب الاحتياط شرعاً وهو لا يلتزم به ، وخلاف ظاهر بعض أدلّة البراءة على الأقل كحديث الرفع مثلاً.

ص ٣٩٧ قوله : ( الوجه الثاني ... ).

هذا الوجه أيضاً قابل للمناقشة بأنّ الآيات المذكورة ليست في مقام البيان من ناحية عقد المستثنى بل من ناحية عقد المستثنى منه وبيان حده كما ذكرنا في هامش الكتاب.

وإن شئت قلت : انّ المستثنى ارشاد إلى الحكم العقلي بالتنجيز مع العلم والبيان وهو يرتفع موضوعاً باطلاق دليل البراءة فلا تعارض بينهما.

١٣٢

ص ٤٠١ قوله : ( الجواب الأوّل : ... بل ندعي انحلاله ... ).

انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الصغير بالتكاليف الواقعية ضمن أخبار الثقات انحلال حقيقي فوجوده المتأخر أيضاً يكفي لجريان البراءة بعد الفحص ، وأمّا العلم بوجود اخبار معتبرة بمقدار المعلوم بالاجمال الكبير فهذا لا ينفع إذا كان بعد الفحص ؛ لأنّ المنجز المتأخر لا يحل العلم الإجمالي السابق حتى حكماً لتشكل علم اجمالي من أوّل الأمر دائر بين القصير والطويل كما تقدم في محله ، وإنّما ينفع إذا كان مقارناً ؛ لأن ما يكون خارج تلك الدائرة من الحجة المعلومة يمكن اجراء الأصل فيه من الآن على اجماله ؛ لعدم المعارض له ، وهذا الأصل الإجمالي يتشخص مورده بعد الفحص وظهور خروج الشبهة عن دائرة أخبار الثقات ، وهذا غير الجواب الثالث القادم.

ص ٤٠١ قوله : ( الجواب الثالث ... ).

هذا الجواب غير تام ما لم نرجع إلى الجواب الأوّل وهو خروج الشبهة بعد الفحص عن الطرفية لعلم اجمالي منجز من أوّل الأمر.

والوجه فيه : أمّا على فرض كون موضوع الأصل الترخيصي الحكمي ـ كالبراءة ـ مقيداً بعدم وجود امارة الزامية واقعاً فلأنّ الشبهة حتى بعد الفحص وعدم وجدان امارة الزامية فيها مع ذلك يحتمل وجود ذلك واقعاً ولكنه لم يصل الينا فنحتاج إلى الاستصحاب الموضوعي ، والمفروض سقوطه بالمعارضة من أوّل الأمر لطرفيته للعلم الإجمالي غير المنحل بحسب الفرض.

وأمّا على فرض كون القيد عدم الامارة في معرض الوصول فأيضاً كذلك لأنّ البراءة وإن احرز موضوعها بعد الفحص وعدم وجدان امارة في معرض الوصول

١٣٣

إلاّ انّه أيضاً طرف للعلم الإجمالي الكبير غير المنحل.

وكونه يجري في ذاك الطرف بعد الفحص لا قبله لا ينجيه عن التعارض والتساقط بل من أوّل الأمر الاستصحاب الموضوعي في سائر الأطراف يعارض الاستصحاب الموضوعي في هذه الشبهة قبل الفحص والأصل الحكمي الجاري فيه بعد الفحص وفرض عدم امارة في معرض الوصول فيه. بل هذا العلم الإجمالي باقٍ حقيقة بعد الفحص في كل شبهة وقبل تحصيل العلم التفصيلي أو الإجمالي الصغير بالتكاليف الالزامية أو الحجج بمقدار معلوم العلم الإجمالي الكبير فيكون الأصل الحكمي في تلك الشبهة معارضاً مع الاستصحابات الموضوعية في سائر الشبهات بذلك ما لم نبرز نكتة الانحلال من أوّل الأمر المتقدمة في الجواب الأوّل. وما جاء في الكتاب من جعل منشأ التعارض بين الاصول والاستصحابات الموضوعية العلم بوجود الحجج والامارات المعتبرة لا العلم الإجمالي الكبير بالالزامات الواقعية لا يمنع منجزية العلم الإجمالي الكبير ما لم نعتمد في انحلاله بالوجه المتقدم.

ص ٤٠٢ قوله : ( فالصحيح ... ).

بل على المبنى الآخر الذي لا يرى الانحلال بقيام المنجز المتأخر أيضاً يصحّ كلام الكفاية لتحقق الانحلال الحقيقي بوجدان مقدار من المعلوم بالاجمال الواقعي ، أو الأخبار الصحاح بمقدار العلم الإجمالي الكبير الأوّل بالالزامات الواقعية أو الحجج الشرعية ، وإن كان متأخّراً زماناً ، لزوال العلم بالانحلال الحقيقي وهذا واضح.

فاشكال الكفاية مسجّل على كلا المبنين إلاّ إذا أنكرنا الانحلال الحقيقي للعلم الكبير ، ولعلّه مقصود السيد الشهيد لأنّه أنكره.

١٣٤

ص ٤٠٢ قوله : ( وهذا الاعتراض يمكن أن يجاب عليه ... ).

هذا الجواب لا يتم إذا كان الأصل غير المسانح له إطلاق للشك الطولي في الحجة واللاحجة كما إذا قيل بجريان أصالة الطهارة عند الشك في جعل الطهارة الظاهرية.

ص ٤٠٣ قوله : ( الوجه السابع ... ).

النكتة المذكورة يمكن الاستفادة منها بأحد تقريبات ثلاثة :

١ ـ انّ هناك ملازمة عرفية بين جعل الحكم والملاك الالزامي الواقعي وبين الاهتمام به بمقدار الشبهة قبل الفحص ، وهذه الملازمة وإن كانت عرفية لا عقلية إلاّ انها تمنع عن إطلاق أدلّة البراءة للشبهة قبل الفحص بعد فرض انها لا تريد نفي الأحكام والملاكات الالزامية الواقعية بل تفترض الشك فيها بل ذاك موجب للتصويب الباطل ، إذ لو فرض اطلاقها لموارد الشبهة قبل الفحص فإن كان لرفع الملاك الالزامي واقعاً فهذا خلف ، وإن كان انّ مفادها نفي الاهتمام الايجاب الاحتياط لنفي ايجاب الاحتياط فهو خلاف الملازمة المذكورة.

وإن شئت قلت : انّ جريان البراءة قبل الفحص وتجويز غمض العين بمثابة اشتراط العلم في فعلية الحكم الواقعي الالزامي عرفاً وإن لم يكن كذلك عقلاً.

ودعوى : انّ تمامية عدم الإطلاق مع احتمال جعل البراءة لا ايجاب الاحتياط في الشبهة قبل الفحص فيكون شكاً طولياً مشمولاً لدليل البراءة قد عرفت الجواب عنه.

إلاّ انّ هذا الوجه لا ينفي جريان البراءة العقلية لو قيل بها قبل الفحص ؛

١٣٥

لأنّ أصل الحكم الالزامي مشكوك فلا يحرز جعل ايجاب الاحتياط الواقعي في الشبهة قبل الفحص شرعاً لترتفع البراءة العقلية.

٢ ـ أن نضم هذا إلى احراز حكم الزامي ظاهري وهو دليل حجّية خبر الثقة مثلاً فإنّ مفاده المطابقي جعل الالزام الظاهري في مورد خبر الثقة بنحو القضية الحقيقية ومدلوله الالتزامي انّه مع الشك في خبر الثقة الالزامي قبل الفحص عنه يهتم المولى بحكمه الواقعي ويجعل الاحتياط وهذا يكون مقدماً على إطلاق دليل البراءة. وهذه وإن كانت شبهة موضوعية لوجوب الاحتياط بملاك حجّية خبر الثقة إلاّ انها في قوّة الشبهة الحكمية من هذه الناحية ، وهذا الوجه يفيد في المنع عن البراءتين معاً قبل الفحص الشرعية والعقلية كما هو واضح.

٣ ـ أن نضم ذلك إلى العلم الإجمالي ولو بحكم الزامي واحد فيكون كما في الوجه الثاني أي تتشكل دلالة التزامية على جعل ايجاب الاحتياط شرعاً في الشبهة قبل الفحص لهذا الالزام الواقعي المعلوم.

إلاّ انّ هذا الوجه لا يفيد إذا انحل علمنا الإجمالي بتحصيل مقدار المعلوم بالاجمال بالنسبة للشبهات الباقية قبل الفحص.

ويرد على الوجوه الثلاثة : أنّ مثل هذه الملازمة العرفية لو سلّمت فهي قد تقبل في لزوم الفحص بمقدار عدم غمض العين لا أكثر ؛ فإنّ الشارع ربما يكون ملاكاته الترخيصية مما لا تسمح حتى بالزحمة اليسيرة ، وهذا عرفي أيضاً.

وهكذا يظهر انّ المهم إنّما هو الوجه السادس والتاسع من مجموع هذه الوجوه.

١٣٦

ص ٤٠٤ قوله : ( الوجه التاسع ... وهذا الوجه إنّما ينفع ... ).

بل ينفع لمن لم يطلع على هذه الأخبار إذا كان يحتمل وجود ما يقيد اطلاقات البراءة والاصول الترخيصية الشرعية لأنّ حجّية الإطلاق والظهور أيضاً مشروطة بالفحص عن المقيدات والمخصصات على ما سيأتي في محلّه من بحوث التعارض.

ص ٤٠٤ قوله : ( هذا مضافاً إلى امكان ... ).

وكذلك يمكن دعوى انّ أخبار التعلم لا يمكن تخصيصها بصورة العلم الإجمالي لأنّه خلاف ظهورها في انّ المنجزية لعدم العلم لا للعلم بالتكليف اجمالاً فتكون كالأخص من أخبار البراءة.

ص ٤١١ قوله : ( وامّا من حيث الدلالة فالفحص اللازم ... ).

هذا لا ربط له بمسألة الفحص بل بما هو الخبرة والعلم الحجة على المقلد نفسه أو على مقلديه فهو بحث عن الميزان في ذلك وهذا بحث أجنبي عن مسألة الفحص فتدبر جيداً.

ص ٤١٥ قوله : ( الثالث : ... ).

ينبغي ايراد البحث في التنبيهات الأربعة القادمة من خلال تنبيهين كالتالي :

التنبيه الثالث :

في حدود التنجيز قبل الفحص وما يترتب على تركه والبحث فيه من جهات :

الجهة الاولى : في استحقاق العقوبة إذا اقتحم المكلف الشبهة الحكمية

١٣٧

بلا فحص وتعلم ، وقد ذكر الميرزا أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة :

١ ـ ما نسب إلى المدارك من استحقاق العقاب مطلقاً أي ولو لم يصادف الحرام الواقعي.

٢ ـ ما نسب إلى المشهور من استحقاقه بمخالفة الواقع.

٣ ـ ما اختاره هو من استحقاقه بترك التعلم إذا أدّى إلى مخالفة الواقع.

وذكر انّ الأوّل مبني على كون التعلم واجباً نفسياً وهو خلاف ظاهر الأدلّة لأنّه واجب طريقي كالاحتياط ، والثاني خلاف مجهولية الواقع وقبح العقاب عليه ووجوب التعلم لا يرفع جهالته ، فالصحيح الثالث والذي يعني استحقاق العقاب بمخالفة الواقع الواصل ولو بطريقه وهو وجوب الفحص أو الاحتياط.

وبهذا البيان يندفع الاشكال الصوري من انّ ضم ما لا عقاب عليه إلى ما لا عقاب عليه كيف يوجب العقاب.

ويرد على المطلب الأوّل : انّ توجيه كلام المدارك بالوجوب النفسي للتعلم بلا موجب كيف ولازمه استحقاق العقوبة حتى إذا لم يقتحم الشبهة واحتاط تاركاً للتعلم ، مع انّ كلامه ناظر إلى المرتكب والمقتحم للشبهة ، فلا يمكن أن يكون نظره ذلك.

بل الظاهر والصحيح أنّ القول باستحقاق العقاب مطلقاً حتى إذا لم يصادف الحرام الواقعي من جهة انّ ملاك استحقاق العقوبة في باب المعصية والتجرّي واحد ـ على ما حققناه في محله من قبح التجري واستحقاق العقاب فيه ـ وهو الخروج عن زي العبودية وحق طاعة المولى.

١٣٨

ويرد على المطلب الثاني : ما في الكتاب من الاشكالين على الميرزا. إلاّ أنّ الاشكالين واردان على تعبير الميرزا لا حاقّ مطلبه فإنّه يقصد أنّ العقوبة ـ بناءً على عدم قبح التجرّي وعدم استحقاق العقاب عليه واختصاصه بالمعصية ـ إنّما يكون موضوعه وموجبه مركباً من جزئين مخالفة التكليف والملاك النفسي للمولى مع عدم وجود مؤمّن شرعي أو عقلي أي التكليف النفسي المنجّز ، امّا وصوله بنفسه أو بحكم طريقي شرعي فليس شرطاً ، وهذا واضح. وتعبيرات الميرزا الاخرى تشهد على ارادته ما ذكرناه.

الجهة الثانية : بناءً على انّ العقاب يكون على المعصية لا التجرّي ـ كما هو مبنى الميرزا قدس‌سره ـ يقع البحث في أنّ المخالفة للواقع إذا اقتحم الشبهة قبل الفحص هل توجب استحقاق العقاب حتى إذا لم يكن حجة على الالزام في معرض الوصول إذا كان يفحص بل حتى مع وجود حجة وأمارة على عدم الالزام أو يختصّ العقاب بما إذا كان حجة على الالزام في معرض الوصول يصل إليه إذا كان يفحص عنه أو يثبت العقاب إذا خالف أحدها من الواقع أو الطريق الذي كان يصل إليه إذا فحص؟

اختار الميرزا النائيني قدس‌سره في فوائد الاصول الأوّل ، أي انّ الأقوى استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع سواء وافق عمله الطريق أم لا أو لم يكن طريق مخالف أو موافق وعدم استحقاق العقوبة على مخالفة الطريق إذا لم يخالف الواقع.

أمّا الأخير فلأنّ المفروض انّ الطريق حكم طريقي لمحض الكاشفية وهو لا يوجب تقييد الواقع وصرفه إلى مؤداه كما انّه لا ملاك نفسي فيه لتكون مخالفته معصية ، وهذا واضح.

١٣٩

وأمّا الأوّل فلأنّه قد ارتكب الحرام الواقعي بلا مؤمّن عقلي أو شرعي ولا أثر لموافقته للطريق مع عدم العلم به والاستناد إليه لأنّ الطريق والحكم الظاهري بوجوده الواقعي ليس مؤمناً بل بوصوله واحرازه بل تقدم انّ المشهور تقوّم الحكم الظاهري بالوصول فلا حكم ظاهري فعلي مع عدم الوصول.

وفي أجود التقريرات فصّل بين القول بوجوب الفحص بملاك العلم الإجمالي فالعقاب ثابت على مخالفة الواقع مطلقاً لأنّ العلم الإجمالي قد نجّز الواقع من دون توسيط الطريق ، والقول بوجوب الفحص بملاك اخبار وجوب التعلم فهي تنجز الواقع بتوسيط الامارة والطريق لأنّه دلّ على وجوب الفحص عن الامارة والاحتياط بلحاظها ، ولهذا لو علم بعدم وجود الطريق لو فحص لم يجب عليه الفحص والاحتياط.

وأشكل على ذلك السيد الشهيد قائلاً :

أمّا إذا كان المبنى لوجوب الفحص أخبار التعلم فهي وإن كانت في طول احتمال الطريق إلاّ أنّ منجزيتها تكون للواقع ابتداءً فإنّ الأحكام الظاهرية ، ولو فرضت طولية من حيث الموضوع للحكم المشكوك إلاّ أنّها في تلك المرتبة تنجز الواقع ؛ لأنّها ناشئة دائماً عن التزاحم في الملاكات النفسية وليس للحكم الطريقي ملاك نفسي لكي يكون تنجيز الحكم الظاهري بلحاظه ، وهذا واضح.

ففي فرض الشك واحتمال الطريق يكون وجوب الاحتياط المستفاد من الأخبار منجزاً للواقع فتكون مخالفته معصية فيستحق صاحبها للعقاب.

وأمّا إذا كان المبنى العلم الإجمالي فالمفروض انحلاله بالعلم الإجمالي في دائرة الطرق المعتبرة ، فاحتمال ثبوت الواقع خارجها يكون مؤمناً عنه

١٤٠