أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

وأمّا في الاصول المحرزة فلأنّ التعبد باليقين أو الاحراز لما هو موضوع الأثر المباشر دون الآثار الطولية حتى إذا كانت شرعية أي اليقين التعبدي بالمستصحب يوجب الجري العملي على طبقه ، وأمّا الحكم المترتب على حكمه فهو أثر اليقين بذلك الحكم ، ولا يقين به لا وجداناً ولا تعبداً.

وقد اجيب على الاشكال تارة : بأنّ أثر الأثر أثر إذا لم يكن بواسطة عقلية ـ كما عن الميرزا ـ فيشمله إطلاق التنزيل أو الجري العملي ، واخرى : بأنّ التنزيل منصرف إلى الآثار الشرعية ولا تشمل الأثر العقلي.

والصحيح أن يقال : انّ هذا الاشكال ناجم عن تصوّر لزوم إحراز الحكم بمعنى المجعول الفعلي الخارجي لترتب تنجيزه أو تقديره ، وهذا لو كان لازماً لاستشكل الأمر في الأثر المباشر أيضاً ؛ لأنّ إحراز الموضوع المستصحب مثلاً باليقين التعبدي لا يستلزم التعبد باليقين بأثره ، أي المجعول الفعلي كما هو واضح. إلاّ أنّ أصل هذا المبنى غير صحيح ، فإنّه قد تقدم أنّ الحكم بمعنى المجعول الفعلي أمر وهمي وتصوري وليس أمراً واقعياً ، وأنّ ما يكون منجزاً ومعذراً إنّما هو احراز أو ثبوت صغرى الجعل وكبراه ، وعلى هذا الأساس يكون احراز أو ثبوت الواقع المشكوك احرازاً لصغرى الجعل المباشر المعلوم كبراه وجداناً ، وهو مع الجعل المباشر احراز لصغرى الجعل غير المباشر المعلوم كبراه وجداناً إذا لم تكن بينهما واسطة عقلية ، بخلاف ما إذا كانت واسطة في البين حيث لابد من احرازها ولا محرز لها لا وجداناً ولا تعبداً أو تنزيلاً.

وهكذا يثبت ترتب الأثر التنجيزي أو التعذيري لمؤدّى الاصول المحرزة والتنزيلية وما لها من الآثار الشرعية ، عرضية كانت أو طولية ، دون الأثر الشرعي المترتب بواسطة عقلية ، فإنّ هذا هو مقتضى التعبد باحراز الواقع

٢٤١

المشكوك ظاهراً أو التعبد بثبوته أو تنزيله منزلة الواقع ظاهراً ، ولا يختلف في ذلك لسان الجعل الظاهري وما هو المجعول فيه ، وإنّما اللازم نظر دليل الجعل الظاهري إلى الواقع لترتيب أثره التنجيزي والتعذيري ، وهو محفوظ في القسمين الأولين من الاصول العملية. وأمّا الاشكالات في الهامش وكذلك النقض بجريان استصحاب المجعول الفعلي الذي هو مورد صحيح زرارة أيضاً فلا ينافي ما ذكرناه ؛ لأنّه من استصحاب الجعل بمنظار الحمل الأولي ، كما ذكرناه في تنبيهات دفع شبهة التعارض ، فهذا توسعة في تطبيق دليل الاستصحاب وليس تضييقاً ولا دليلاً على لزوم احراز المجعول الفعلي.

ص ١٨٩ قوله : ( ١ ـ انّ استصحاب الحياة بناءً على الفرضية الاولى ... ).

هذا المقدار لا يكفي لدفع الاشكال ، إذ يكفي في الحكومة والتقدم أن يكون استصحاب الحياة مثبتاً لنبات اللحية أيضاً دون العكس فلا تصل النوبة إلى التعارض بلحاظ الدلالة الالتزامية الاخرى.

والصحيح في الجواب أحد جوابين :

أحدهما : انّ الاستصحاب إذا كان مثبتاً لكل اللوازم فاستصحاب عدم نبات اللحية يمكنه أن يثبت عدم الحياة لنفي الأثر المترتب على نبات اللحية ابتداءً لا بتوسط نفي نبات اللحية ليكون تحصيلاً للحاصل ، فالاشكال يندفع.

الثاني : ما هو الحل الأساسي انّه بناءً على الامارية يكفي في اثبات اللوازم ترتب أي أثر ولو نفي المعارض ، فاستصحاب عدم نبات اللحية ينفي الحياة لنفي جريان استصحاب بقاء الحياة كما في الامارتين المتعارضتين ، فلا نحتاج إلى اثبات أثر على ذلك ، وهذا واضح.

٢٤٢

ص ١٩٩ قوله : ( نعم قد يدعى استفادة ذلك ... ).

هذا مطلب الميرزا قدس‌سره وقد اعترض عليه السيد الخوئي قدس‌سره باختصاصه بشهر شوال وخصوص يومه الأوّل لا سائر أيّامه ، إلاّ إذا قيل بعدم القول بالفصل.

وهذا الاشكال قابل للدفع باستظهار الغاء الخصوصية ولو لارتكازية وحدة الشهور والأهلّة ، وأنّ هذا حكم مطلق الشهور القمرية.

إلاّ أنّ الاشكال الأولى ايراده أنّ مفاد تلك الروايات ليس التعبد بتحقق العيد أو اليوم الأوّل بل ولا التعبد بترتيب الآثار الشرعية ، وإنّما ظاهرها بيان قاعدة تكوينية في كيفية تحقق الموضوع للأحكام الشرعية ، وهو الشهر القمري وأنّه يتحقق برؤية الهلال ـ أي خروجه وبلوغه مبلغاً قابلاً للرؤية ـ أو مضي ثلاثين يوماً من الشهر السابق حيث لا يكون الشهر القمري أكثر من ذلك ، وهذا مطلب واقعي تكويني ، فلا يمكن أن يستفاد من هذه الروايات ما ذكره السيد الشهيد قدس‌سره من كون الموضوع لترتب الأحكام يكون بنحو التركيب كما في سائر الموضوعات المقيّدة.

نعم ، لو كانت الرواية واردة في مورد الشك في دخول شهر شوال أمكن استفادة ذلك منه بأن تكون الرواية ناظرة إلى الحكم الظاهري ، ولكنه خلاف ظهورها في بيان الشهر الواقعي وأنّه يتحقق برؤية الهلال أو مضي ثلاثين.

وعندئذٍ لا يمكن اثبات حكم العيد في يوم ٣١ في موارد احتمال كون يوم ٣٠ من شوال بهذه الروايات ، أي لا يمكن اثبات حرمة الصوم فيه بالتعبّد الشرعي. نعم ، العلم الإجمالي التدريجي بأنّ أحد اليومين الثلاثين أو الواحد والثلاثين يحرم فيه الصوم يكون منجزاً في نفسه وموجباً للاحتياط في يوم الواحد والثلاثين ، بعد أن اقتضى الاستصحاب صوم يوم الثلاثين.

٢٤٣

لا يقال : بل يقع التعارض حينئذٍ بين الاستصحاب الموضوعي أو الحكمي لوجوب الصوم يوم الثلاثين أيضاً ، مع أصل البراءة عن حرمة صوم اليوم الواحد والثلاثين فيتساقطان للزوم المخالفة القطعية للحرمة المعلومة بالاجمال بينهما ، فلا يجري الاستصحاب لاثبات رمضانية يوم الشك ووجوب صومه أيضاً.

فإنّه يقال : أوّلاً : روايات صم للرؤية وافطر للرؤية الدالّة على عدم جواز الافطار يوم الشك في آخر الشهر تثبت الجواز ، بل وجوب الصوم ظاهراً في اليوم الثلاثين فيبقى احتمال الحرمة في اليوم الواحد والثلاثين على منجزيته بعد عدم شمول أدلّة الاصول الترخيصية له بالتعارض الداخلي في اطلاقاتها لليومين.

وثانياً : يمكن أن يقال أنّ استصحاب بقاء رمضان في يوم الشك له أثران :

أحدهما : جواز افطاره وعدم حرمة صومه ، والآخر : وجوب صيامه ، وهو بلحاظ الأثر الأوّل يتعارض مع الاستصحاب أو أصل البراءة النافي لحرمة الصوم في اليوم الواحد والثلاثين ، حيث يلزم منهما الترخيص في المخالفة القطعية للحرام ، وأمّا بلحاظ أثره الثاني وهو وجوب صومه فليس ترخيصاً بل اثبات الزام آخر.

إلاّ أنّ الانصاف أنّ الالزام بالفعل في أحد طرفي الحرام المعلوم بالاجمال مع الترخيص بفعل الطرف الآخر أيضاً ممتنع ظاهراً للتناقض أو الإذن في المعصية فيقع التعارض لا محالة بين إطلاق دليل الأصل في كل منهما مع الآخر ، فلولا الروايات الخاصة لما أمكن الحكم بحرمة صوم يوم الواحد والثلاثين عند الشك في دخول الشهر يوم الثلاثين.

٢٤٤

ص ٢٠١ قوله : ( وقد يدفع هذا الاشكال ... ).

حاصل الاعتراض الثاني أنّ إطلاق دليل منجسية الملاقاة للنجاسة لا وجه لتقييده بالملاقاة الاولى بل تشمل الثانية أيضاً فتكون موضوعاً للتنجيس مع احراز الرطوبة فيها ، إذ لو كان الوجه في التقييد لزوم تعدد الأمر بالغسل حينئذٍ مع وضوح عدمه إذا كانت النجاسة واحدة من حيث كيفية الغسل ـ لا مثل الدم والبول ـ.

فجوابه : انّ الأصل عدم التداخل في باب الأحكام التكليفية لا الوضعية الارشادية والأوامر بالغسل ارشاد إلى مطهرية الغسل ، وهذا الأمر الارشادي يمكن أن يشمل الملاقاة الثانية بلا لزوم تعدد الغسل ، وإن كان وجه التقييد لغوية لزوم تعدد النجاسة المجعولة بتعدد الملاقاة وهو لغو بعد أن كان نجساً بالاولى ومطهره الغسل الواحد فلا ثمرة تترتب على جعل نجاسة اخرى. فالجواب ترتب الثمرة على جعلها بلحاظ مرحلة الوصول التعبدي بالاستصحاب كما في المقام حيث لم تصل الاولى.

وقد أجاب عن ذلك السيد الشهيد بجوابين :

أحدهما : عدم كفاية هذا المقدار لدفع اللغوية عرفاً ، وكأنّه يريد انّه لابد وأن يكون جعل النجاسة للملاقاة الثانية والذي هو جعل واقعي فيه أثر وثمرة في نفسه وبما هو حكم واقعي مع قطع النظر عمّا سيجعل من أحكام اخرى ظاهرية.

الثاني : انّه لا إطلاق أساساً في أدلّة تنجيس المتنجس للملاقاة الثانية ، وكأنّه يريد انّ ظاهرها انّ صرف وجود الملاقاة منجسة ، وصرف الوجود ينطبق لا محالة على الوجود الأوّل ، وليس في مورد السؤال في تلك الروايات ما يسأل فيه عن الملاقاة الثانية.

٢٤٥

وكلا المطلبين قابل للدفع :

أمّا الثاني : فلأنّه لو سلّمنا عدم وجود ما يكون ظاهراً في الإطلاق من هذه الناحية كفانا الفهم العرفي الذي لا يرى فرقاً بين الملاقاة الاولى والثانية مع النجاسة من حيث التأثير والسراية فإنّ النجاسة وسرايتها أمر عرفي وليس تعبدياً صرفاً.

نعم ، في مثل بدن الحيوان الذي يطهر بزوال العين على القول بنجاسته لا بأس بدعوى عدم الإطلاق وعدم الملازمة العرفية لخفة مثل هذه النجاسة.

وامّا الأوّل : فيمكن دفعه أوّلاً ـ بأنّه لا فرق من حيث مؤنة الجعل بين جعل النجاسة على طبيعي الملاقاة بنحو صرف الوجود أو مطلق الوجود ، وحيث انّ العرف لا يرى فرقاً بين الملاقاة الاولى والثانية في السراية والتأثير فلا يبعد استظهار ارادة الطبيعي بنحو مطلق الوجود أي انّ كل ملاقاة منجسة غاية الأمر المطهر غسل واحد لا متعدد.

وثانياً ـ فرض الموضوع هو الملاقاة مع النجس بنحو صرف الوجود في باب الحكم الوضعي مثل النجاسة لا يستلزم تقييد الطبيعة بالوجود الأوّل للملاقاة ، بل لطبيعي الملاقاة بنحو صرف الوجود المنطبق على الوجودين بعد تحققهما معاً ، فكما انّه إذا وجد فردان من الملاقاة للنجس في زمن واحد يكون الموضوع هو صرف الوجود للملاقاة ، التي ينتسب اليها معاً ، لا إلى أحدهما دون الآخر ، كذلك في الفردين الطوليين في الزمان بعد تحقق الثاني منهما بقاءً ، تكون النجاسة المجعولة منتسبة إلى صرف وجود الطبيعة للملاقاة المتحققة بقاءً بهما معاً ، لا بأحدهما دون الآخر ، وهذا يعني انّ الاستصحاب المنقح للملاقاة يكون محرزاً لصرف الوجود لا محالة ، سواءً كانت اولى أو ثانية ، فتدبر جيداً.

٢٤٦

ص ٢٠٣ قوله : ( ويمكن أن يمثل لذلك بترتب المجعول ... ).

هذا الكلام إنّما يصحّ بناءً على جعل الحكم المماثل لا مطلقاً فإنّه على القول بجعل الحكم المماثل يدل رواية زرارة على جعل حكم ظاهري مماثل للحكم الكلي المشكوك ، ويكون موضوعه نفس موضوع الحكم الواقعي المشكوك وهو الماء المتغير بعد زوال تغيره مثلاً.

وأمّا بناءً على مسلك جعل الطريقية أو المنجزية والحجّية فلا يصح هذا البيان ؛ إذ لا يوجد جعل كلي للنجاسة على الماء المتغير الزائل تغيره ثابت بدليل اجتهادي لكي يثبت فعلية مجعوله عند وجود الماء المذكور خارجاً ؛ لأنّه لو كان الجعل الواقعي للنجاسة ثابتاً ومحرزاً فموضوعه ذلك ، ولكنه غير ثابت بالدليل الاجتهادي ، بل بالاستصحاب والأصل ، وإن كان جعل الاستصحاب نفسه فموضوعه اليقين والشك ومنجزية أو علمية الشك في الحكم الكلي وفعليته بفعلية الشك في الشبهة الحكمية الكلية ، وليس في الماء المتغير في الخارج ، وليس الشك في الحكم الجزئي عند تحقق الموضوع في الخارج موضوعاً له ولا مصداقاً لذلك الشك ، فإنّه بناءً على التفكيك بين الجعل والمجعول لا يكون الشك في المجعول الفعلي مصداقاً من مصاديق الشك في الجعل الكلي ، والمفروض انّ المنجز على هذا المسلك هو المجعول الجزئي وهذا ما لا يمكن اثباته كما هو واضح.

نعم ، لو كان دليل الاستصحاب وارداً في الشبهة الحكمية أمكن دعوى الملازمة العرفية ولو بدلالة الاقتضاء على ثبوت مجعول جزئي كذلك ، إلاّ انّ هذه الدلالة لا تثبت بالاطلاق في خطاب لا تنقض ، وهذا من نتائج ذلك المبنى. نعم ، في مثال الماء المتغير بعد زوال تغيّره يمكن لأصحاب هذا المسلك

٢٤٧

اجراء استصحاب بقاء النجاسة الجزئية أي المجعول ، لأنّ له حالة سابقة.

إلاّ أنّ هذا لا يتم في مثال الشك في بقاء وجوب الجمعة مثلاً في عصر الغيبة أي موارد الشك في النسخ الذي مرجعه إلى الشك في التقييد الأزماني للحكم ، إذ المجعول الجزئي فيه مسبوق بالعدم ـ قبل الزوال ـ فلا يمكن اثبات الوجوب الفعلي للجمعة عند الزوال باستصحاب بقاء الجعل.

ص ٢٠٥ قوله : ( وأيّاً كان فقد اعترض السيد الاستاذ ... ).

الموجود في مصباح الاصول اشكال آخر وهو انّ الحكم مرتب على الفرد من خلال المفهوم الكلي ، فليس موضوع الحكم هو العنوان الكلي والمستصحب هو العنوان الجزئي والفرد ولكنهما متحدان خارجاً فلا واسطة خارجية ـ كما يقول صاحب الكفاية ـ بل موضوع الحكم هو الفرد من خلال الكلي ، فالموضوع للحكم المراد اثباته مع المستصحب متحدان خارجاً وعنواناً ، وهذا جواب آخر غير ما مذكور في الكتاب فإنّه أقرب إلى جواب المحقق الخراساني قدس‌سره ، ولعلّ المقصود هذا وإن كان التعبير غير واضح.

وعندئذٍ ينبغي أن يقال بأنّ الفرد له معنيان :

أحدهما : المفهوم الجزئي المباين مفهوماً مع الكلي.

الثاني : الحصة الخاصة من الكلي.

أمّا المعنى الأوّل فهذا لا يكون موضوعاً للحكم الكلي جزماً ، لأنّ الحكم الواقعي بحسب الفرض قد رتب على العنوان الكلي كالانسان أو الرجل لا زيد وعمرو ، وعندئذٍ فتارة يكون المفهوم الجزئي مشتملاً على العنوان الكلي أيضاً مع اضافة خصوصية من قبيل عنوان الإنسان الطويل ابن عمر المولود في الساعة

٢٤٨

الفلانية ، واخرى يفرض عدم اشتماله عليه كعنوان المولود في الساعة الفلانية الملازم مع كونه انساناً.

فعلى الثاني يكون الاستصحاب الجاري غير صالح لاثبات أثر الكلي إلاّعلى القول بالأصل المثبت.

وعلى الأوّل يكون الاستصحاب جارياً في نفس العنوان والمفهوم الكلي المتضمن في المفهوم الجزئي لتمامية أركان الاستصحاب فيه ، ولا يجري الاستصحاب في المفهوم الجزئي.

وأمّا المعنى الثاني للفرد فهو الذي يمكن أن يكون موضوعاً للحكم الكلي إذا كان ملحوظاً بنحو مطلق الوجود والانحلال إلى كل فرد فرد ؛ إذ معنى الانحلال اشتمال كل فرد بمعنى حصة من وجود ذلك الكلي في الخارج على حكم مستقل ، فيتم فيه ما ذكره السيد الخوئي قدس‌سره من انّ المستصحب الجزئي بهذا المعنى هو موضوع الحكم لا الكلي.

إلاّ أنّه من الواضح انّ ترتيب الحكم على الكلي لا يلازم هذا المعنى دائماً ، كما انّ أخذ مفهوم الكلي ولحاظه فانياً في الخارج لا يستلزم ذلك ؛ إذ يمكن لحاظه فانياً في الخارج بنحو صرف الوجود لا مطلق الوجود ، كما إذا قال : ( إذا وجد انسان في المسجد بنحو صرف الوجود ـ أي أيّاً كان ـ وجبت الصدقة بدرهم ) ، فهنا يكون موضوع الحكم وجود طبيعي الإنسان في الخارج ، من دون دخالة الحصص الخاصة منه في الحكم أصلاً ، فيكون موضوع الحكم الطبيعي والجامع لا الفرد ، فإذا كان نظر صاحب الكفاية إلى هذه الحالة لم يتم فيه جواب السيد الخوئي ، كما لا يتم جوابه إذا كان المقصود من الجزئي المعنى الأوّل المتقدم.

كما لا يتم فيه جوابه أيضاً ، لأنّ الجامع بنحو صرف الوجود غير الفرد ، فكما

٢٤٩

انّ استصحاب عدم الفرد الطويل ـ بمعنى الحصة ـ لا ينفي الجامع بنحو صرف الوجود إلاّبنحو الأصل المثبت كذلك لا يكون اثبات الجامع المذكور باستصحاب الفرد إلاّمن الأصل المثبت ؛ والوجه عدم الاتحاد بينهما في الخارج.

نعم ، بينهما ملازمة في الصدق حيث انّه كلما صدق الفرد صدق الجامع بنحو صرف الوجود أيضاً ، إلاّ انّه لابد من اجراء الاستصحاب في الجامع الذي هو موضوع الأثر الشرعي ، وحيث يتلازمان في الصدق كان العلم بالفرد والشك في بقائه مساوقاً دائماً مع العلم بالجامع بنحو صرف الوجود والشك في بقائه فيجري الاستصحاب فيه. وهكذا يتضح انّ ما ذكره المحقق الخراساني ليس من استصحاب الفرد أصلاً ، واثبات العنوان الجامع بل من استصحاب الجامع بنحو صرف الوجود أو استصحاب الحصة.

ص ٢٠٨ قوله : ( ومنها ـ ما لو نذر التصدق ما دام ... ).

الصحيح انّ موضوع الحكم الشرعي مركب من جزئين تحقق الانشاء من عقد أو نذر أو وقف ، وتحقق الموضوع المعلّق عليه المنشأ بنحو التركيب ، والأوّل محرز بالوجدان ، والثاني بالتعبد ، فليس الموضوع ذات الشيء المنذور ، وكون الحيثية تعليلية لا يعني عدم دخله في الموضوع وترتب الحكم وعدم لزوم احرازه ؛ اللهم إلاّ أن يراد بالحيثية التعليلية هذا المعنى. كما انّ ما ذكره من استصحاب النذر كتعهد والتزام أيضاً لا معنى له إذ انتفاء الشرط المعلّق عليه المنذور لا يوجب انتفاء التعهد النذري والالتزام الايقاعي ، فإنّ زوال الالتزام بزواله وحله كما في فسخ العقد لا بانتفاء المعلّق عليه العقد المنذور ، فهذا البيان بكلا شقيه غير تام.

٢٥٠

تطبيقات للاستصحاب

ص ٢١٨ قوله : ( الاولى : ... ).

نتيجة ذلك أن يجري الاستصحاب في موارد الشك التقديري واليقين التقديري أي مع عدم اليقين بل مجرد الثبوت السابق واقعاً ولو انكشف بعد العمل ، وهذه النتيجة مستبعدة جداً فقهياً بل لا يلتزم به. ولعلّ الوجه فيه انّ روايات الاستصحاب ناظرة إلى جعل الوظيفة العملية للمكلّف بحيث يستفيد منها ويستند اليها في مقام العمل ومثل هذا السياق واللسان لا إطلاق له لغير الملتفت.

نعم ، لا بأس بشموله لمن شك قبل العمل وتوجهت إليه وظيفته العملية الشرعية ثمّ غفل عنها حين العمل.

وإن شئت قلت : فرق بين تحقق الشك قبل العمل ثمّ الغفلة عنه ، وبين عدم تحققه ، فإنّه في الأوّل تكون الوظيفة العملية فعلية وقابلة في نفسها للاستفادة قبل العمل وعروض الغفلة والنسيان كعروضهما بلحاظ الأحكام الواقعية لا يوجب ارتفاعها ، بخلاف ما إذا لم يتحقق الشك من البداية وكان غافلاً ثمّ بعد العمل حصل له الشك الفعلي ، فإنّ الوظيفة العملية إنّما يتحقق موضوعها بعد العمل لا قبله ، فلا ينعقد إطلاق افرادي هنا ؛ لشمول هذا الشك التقديري أصلاً ، ولا يقاس بالأحكام الواقعية الفعلية مطلقاً ، والله العالم.

٢٥١

ص ٢١٤ الهامش :

يمكن الإجابة عليه : بأنّ الشك التقديري مع الشك الفعلي بعد الفراغ المتعلّق بزمان العمل شك واحد يشكّل اطلاقاً أفرادياً واحداً لدليل الاستصحاب ، ولا يكون شمول الدليل له لغواً ، ودليل القاعدة معارض منفصل عن دليل الاستصحاب لا متصل ، وهذا يعني أنّ شمول دليل الاستصحاب للشك التقديري بلحاظ حين العمل اطلاقه تام في نفسه ، وليس بملاك عدم اللغوية ، غاية الأمر دليل القاعدة المنفصل عن دليل الاستصحاب يريد أن يقيّد هذا الإطلاق الأفرادي بحال الغفلة ، وهذا باعتباره غير معقول فلا محالة يكون الإطلاق لدليل الاستصحاب بلحاظ حال العمل أيضاً معارضاً مع دليل القاعدة وليس إطلاق الاستصحاب لحال ما بعد الفراغ فقط يكون معارضاً معه ، بل كلا الاطلاقين يكونان معارضين مع دليل القاعدة ، غاية الأمر يكون حاكماً على أحدهما دون الآخر ، كما في المتن. وهذا نظير ما نقوله من أنّ إطلاق الأحكام الواقعية لحالة النسيان والغفلة أو القطع بالخلاف ليس لغواً ، وإن كان تقييد الحكم بحال النسيان والغفلة أو القطع بالخلاف لغو ، ففرق بين الإطلاق بدلالة الاقتضاء وبين المقام ، فتدبّر.

وهذا الجواب نقطة الضعف فيه أنّ القيد الحاصل بدليل القاعدة لاطلاق دليل الاستصحاب في المقام ليس هو قيد الغفلة ليقال باستحالة تقييد الحكم الظاهري بحال الغفلة ، وإنّما القيد عدم كون الشك حادثاً بعد الفراغ ، فلو تبدل الشك التقديري إلى الفعلي في أثناء العمل أيضاً كان الاستصحاب تاماً وجارياً ، ومثل هذا الجعل الاستصحابي ليس لغواً. نعم ، في صورة تبدله إلى الفعلية بعد الفراغ يلزم أن يكون الحكم الاستصحابي في الشك التقديري مساوقاً مع التقييد بحال الغفلة ، إلاّ أنّ المجعول ليس مقيداً بذلك.

٢٥٢

ص ٢١٥ قوله : ( نعم لو بنى على عدم جريان الاستصحاب في موارد التوارد ... ).

هذا الكلام غير تام ، بل حتى إذا قيل بعدم جريان الاستصحاب في موارد توارد الحالتين لا يكون استصحاب الطهارة الجاري قبل العمل بل وحين العمل أيضاً مجدياً للتأمين بلحاظ ما بعد العمل.

وذلك أوّلاً ـ لعدم اللغوية هنا لتحقق فعليّة الشك قبل العمل وهو كافٍ في دفع اللغوية ، إذ لم يختص الاستصحاب بحال الغفلة.

وثانياً ـ لو فرضت اللغوية فلا يمكن دفعها بفرض لازم للتعبد الاستصحابي الظاهري بلحاظ ما بعد الحمل لما قلناه في الحاشية ـ فإنّه تام هنا لا هناك ـ من أنّ أصل الإطلاق إذا كان لغواً فلا ينعقد لا أنّه يثبت له لازم يخرجه عن اللغوية ، والأمر هنا كذلك ؛ لعدم شمول دليل الاستصحاب لحالة التوارد بحسب الفرض في نفسه.

ثمّ انّه تظهر ثمرة القول بجريان الاستصحاب في الشك التقديري فيما إذا ثبت في مورد ترتب الأثر على الحكم أو موضوعه الأعم من وجوده الواقعي أو الظاهري ، ثمّ بعد العمل انكشف عدمه واقعاً ، فإنّه بناء على جريان الاستصحاب يحكم بالصحّة لاحراز الشرط وقت العمل ، كما إذا صلّى مع ثوب كان يتيقن بطهارته ثمّ شك فيها ثمّ غفل فصلّى ، أو صلّى بلا أن يشك ولكن كان موجب الشك موجوداً قبل العمل بحيث لو كان يلتفت لكان يشك ، وبعد العمل علم بوقوع الصلاة مع النجس فإنّه بناءً على شرطية الطهور الأعم من الواقعي والظاهري حين العمل يحكم بصحة صلاته.

٢٥٣

نعم ، لو كانت النجاسة بوجودها الواصل أو المنجز حين العمل مانعاً لا أنّ الطهارة شرط ، كانت الصلاة صحيحة على كلّ حال ، جرى الاستصحاب أم لا ، والأمر واضح.

ص ٢٢٠ قوله : ( وذلك أوّلاً : لما تقدمت الإشارة اليه ... ).

كلا الاشكالين المذكورين إنّما يردان فيما إذا كان المستصحب حكماً تكليفياً الزامياً ، وأمّا إذا كان المستصحب موضوعاً خارجياً أو حكماً وضعياً كالطهارة والنجاسة من الخبث أو الحدث جرى فيه استصحاب الكلي والجامع من القسم الثاني ، وترتب عليه آثاره التكليفية بلا إشكال كما هو محقق في محلّه.

فهذان الاعتراضان لا يلغيان الاستصحاب في تمام الفروض.

والأولى الاشكال عليه ببطلان المبنى ؛ لأنّ كبرى جعل الحكم المماثل غير تامة ، ولو فرض تماميتها فما ذكر من كونه عين الحكم الواقعي في صورة الموافقة وغيره في صورة المخالفة غير تام ، بل غير معقول على ما ذكرناه في بحث حقيقة الحكم الظاهري وطريقيّته.

ثمّ إنّه ينبغي صياغة البحث كالتالي :

الوجوه المذكورة لجريان الاستصحاب في موارد ثبوت الحالة السابقة بامارة أو أصل عديدة :

الوجه الأوّل : استظهار أنّ المراد باليقين مطلق الحجة والمحرز.

وفيه : أنّه خلاف الظاهر.

الوجه الثاني : ما ذكره صاحب الكفاية من كفاية الحدوث واليقين طريق إليه ،

٢٥٤

بل لا نحتاج إلى الحدوث أيضاً ، وإنّما جيىء به لتصوير الشك في البقاء ، وهذا يرجع إلى مطلبين :

أحدهما : كفاية الحدوث في موضوع الاستصحاب ، بحيث كلما ثبت الحدوث واقعاً ترتب عليه التعبد بالبقاء ، وهذا قد استظهرناه من رواية ابن سنان ، لا ما ذكره في الكفاية ، فإنّه غير تام كما في الكتاب.

وقد أشكل عليه السيد الخوئي ، بل جعله مما لا يمكن الالتزام به ، وليس مقصود الكفاية ، وقد أجبنا عليه في هامش الكتاب وهو صحيح.

الثاني : ما ذكره في الكفاية من الترقي وعدم الحاجة حتى للحدوث وانّه جيىء به لتصوير الشك في البقاء ، أي لا يحتاج إلى أخذ الحدوث وثبوت الحالة السابقة ، فضلاً عن اليقين بها موضوعاً للتعبد الاستصحابي ، بل المستفاد من دليل الاستصحاب التعبد بالملازمة بين الحدوث والبقاء ، أو الغاء احتمال الانتقاض والعدم بعد الحدوث لا أكثر ، وهذا ينتج منضماً إلى الامارة أو الأصل النافي لاحتمال عدم الحدوث التعبد بالبقاء وهو المطلوب.

ويرد على ما ذكره من توقف تصوير الشك في البقاء على أخذ الحدوث إن اريد من عبارته ذلك بما في الكتاب من انّه لو كان المراد بالشك في البقاء خصوص احتمال البقاء فقط فهذا يتوقف على العلم بالحدوث ، وإن اريد به الأعم منه واحتمال ثالث هو عدم الحدوث فهذا يتوقف على عدم العلم بعدم الحدوث لا ثبوته واقعاً. نعم ، لو كان مقصوده انّه جيىء بالحدوث لتقييد متعلق الاحتمال والشك وانّه الوجود على تقدير الحدوث المسمّى بالبقاء لا مطلق الوجود الشامل للحدوث صحّ ذلك ، والظاهر انّه مقصوده.

٢٥٥

وقد اعترض على أصل المطلب بإشكال اثباتي : هو انّه خلاف ظاهر أدلّة الاستصحاب ، حيث يظهر منها أخذ الحدوث أو اليقين به موضوعاً للاستصحاب.

وإشكال ثبوتي : مبني على كيفيّة تقريب هذا المطلب ، فإنّه تارة يقرّب بأنّ المقصود جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء.

وقد أشكل عليه السيد الخوئي بما في الكتاب مع أجوبته ، وأشكل عليه السيد الشهيد قدس‌سره بأنّ الملازمة واقعية وليست مجعولة وجعلها التعبدي لا يحقق ملازمة لكي يثبت التعبد بالبقاء ، كما انّها بنفسها ليست منجزة أو معذرة ، وإنّما المنجز والمعذّر منشأ انتزاعها وهو التعبد بالبقاء ، فيرجع إلى جعل البقاء التعبدي على تقدير الحدوث ، فيكون الحدوث موضوعاً له ، فيرجع إلى المطلب الأوّل.

وهذا اشكال وارد إذا اريد هذا التقريب.

واخرى : يقرّب بأنّ الشارع يلغي احتمال العدم بعد الحدوث ، والحدوث قيد في المحتمل لا الاحتمال ، وهذا هو المذكور في الكتاب مع جوابه واشكالنا القادم.

الوجه الثالث : مسلك مدرسة الميرزا مع أجوبته.

الوجه الرابع : اجراء الاستصحاب في الحكم الظاهري نفسه امّا بالخصوص بناءً على مسلك الحكم المماثل أو التزاحم الحفظي وروح الحكم الظاهري أو في الجامع بينه وبين الحكم الواقعي ، وقد اختار السيد صحته بناءً على مسلك التزاحم الحفظي ، إلاّ أنّ الظاهر صحة الاشكالات في الهامش عليه ، بل من الواضح أنّ ما هو حقيقة الحكم الظاهري وروحه لا ربط له بهذا البحث.

٢٥٦

ودعوى : أنّ الامارة سبب لا موضوع فيحتمل بقاء شخص شدة الاهتمام.

مدفوعة : بأنّ شدة الاهتمام السابق إنّما هو بلحاظ الشك الحدوثي المنفي بالأمارة ، وهو موضوع آخر غير الشك البقائي من ناحية طروّ ناقض آخر ، فهما موضوعان ، وهذا واضح ؛ وإلاّ لصحّ الاستصحاب على المسالك الاخرى أيضاً ، فاستصحاب الحكم الظاهري غير تام على جميع المسالك ، والظاهر أنّ هذا الوجه من السهو في القلم.

ص ٢٢٣ قوله : ( الصيغة الثالثة ... ).

حاصل اشكال السيد الشهيد قدس‌سره عليه : بأنّه على تصورات مدرسة الميرزا قدس‌سره لابد في ارتفاع موضوع قاعدة قبح العقاب من جعل العلمية والطريقية بالحكم صغرىً أو كبرىً ، والغاء الاحتمال ما لم يرجع إليه لا يفيد ، وعليه فلو جعلت العلمية لاحتمال الانتقاض مطلقاً لزم حجّية الاستصحاب حتى مع احتمال الحدوث من دون محرز له ، وهو واضح البطلان وإن قيّد وعلّق ذلك على فرض الحدوث كان الحدوث موضوعاً لجعل العلمية لا محالة ، وان الغي احتمال الانتقاض بلا جعل العلمية وكان لازمه العلمية إذا كان الحدوث محرزاً وجداناً أو تعبداً حيث لا احتمال آخر فهذا لازم الالغاء الوجداني للاحتمال لا التعبدي واعتبار أحد المتلازمين لا يستلزم اعتبار الآخر لكي تكون العلمية مجعولة لهذا الاحتمال في فرض احراز الحدوث بالوجدان أو العلم التعبدي ، وهذا واضح.

وأمّا على مسلكنا في حقيقة الحكم الظاهري فلأنّ الاهتمام بالبقاء إنّما يكون على تقدير الحدوث ، فالمولى يهتم باحتمال بقاء الحكم على تقدير حدوثه فيكون الحدوث موضوعاً لهذا الاهتمام لا محالة.

٢٥٧

وهناك بيان أفضل على غير مبنى الميرزا قدس‌سره أعني مبنى جعل الحجّية بمعنى المنجزية والمعذرية ـ حتى على مسلكنا ـ وحاصله : انّ احتمال البقاء على تقدير الحدوث وإن كان الحدوث فيه قيداً للمحتمل لا الاحتمال فإنّه فعلي على كل تقدير ، إلاّ انّه لا يمكن جعل الحجّية له ؛ لأنّه امّا أن تجعل له الحجّية مطلقاً أو مقيداً بواقع الحدوث أو اليقين به أو احرازه ، والأخير بشقوقه رجوع إلى موضوعية الحدوث ، والأوّل لازمه فعلية التنجيز واطلاقه حتى لموارد احتمال الحدوث من دون احراز وهو خلف المقصود.

فلا يعقل الجمع بين إطلاق الاستصحاب من ناحية الحدوث مع اختصاص جريانه بموارد احراز الحدوث إلاّعلى مسلك الميرزا من جعل العلمية والغاء الاحتمال ، حيث يمكن الغاء هذا الاحتمال الفعلي وجعل العلم بالقضية التعليقية ، وهو لا يفيد في فعلية التنجيز والتعذير ما لم ينضم إليه العلم بالحدوث أيضاً وجداناً أو تعبداً.

وهذا روح مطلب السيد الشهيد قدس‌سره مع الاشكال عليه بما في الكتاب من أنّ لوازم العلم الوجداني لا تسري إلى التعبدي.

ويمكن الاجابة على هذا الاشكال الثبوتي : أمّا على مسلك الميرزا بالخصوص فبأنّه يقبل هذا المقدار من التلازم بدليل أنّه يرى كفاية التعبد بالعلم بموضوع الحكم لاثبات فعلية المجعول والذي هو المنجز عند مدرسة الميرزا مع أنّ التعبد بالعلم بالموضوع لازمه العقلي عند انضمامه إلى العلم الوجداني بالجعل العلم بالمجعول الفعلي.

وأمّا بشكل عام وعلى كل المباني ، فيمكن أن يصوّر الجعل الاستصحابي

٢٥٨

بنحو لا يكون الحدوث ولا إحرازه موضوعاً له ، ولكنه مع ذلك لا يجري في موارد عدم احراز الحدوث ؛ وذلك بأن يكون المجعول في دليله حجّية أو منجزية ومعذرية احتمال البقاء على تقدير الحدوث بنحو حيثي أي من ناحية هذا الاحتمال لا أكثر ، ومرجعه في عالم الصياغة الاعتبارية إلى جعل الحجّية مشروطاً بثبوت الحدوث ومنجزيته أو معذريته ، ولكن لا بنحو القضية الفعلية ليرجع إلى موضوعية الحدوث أو احرازه في الاستصحاب ، بل بنحو القضية الشرطية التعليقية والتي صدقها لا يستلزم صدق طرفيها ، نظير ما نقوله في جعل الحجّية لما يحرز أحد أجزاء موضوع الحكم الشرعي ، فإنّه لا اشكال في عدم جريانه إلاّعند احراز الجزء الآخر بالوجدان أو التعبد ، ولكنه ليس موقوفاً ومعلقاً عليه بنحو القضية الفعلية ، وإلاّ كان دوراً ـ كما حققناه في محله حيث يتوقف تنجز كل منهما على الآخر ـ وإنّما الحجّية فيه مشروطة بثبوت الجزء الآخر وحجيته بنحو القضية الشرطية ، فكذلك في المقام يعقل جعل الحجّية أو العلمية أو أي صيغة اخرى من صيغ الجعل الظاهري لاحتمال البقاء على تقدير الحدوث معلّقاً على ثبوت الحدوث وحجيته بنحو القضية الشرطية التعليقية ، فكلما احرز الحدوث وثبت جرى الاستصحاب ، وإلاّ لم يجرِ لعدم تحقق موضوعه ، وهو القضية الشرطية المذكورة ، وما يحرز الحدوث وينجزه يحقق هذه القضية الشرطية وجداناً وحقيقة لا تعبداً ، فيكون أحسن حالاً من أخذ الحدوث قيداً في الاستصحاب. هذا وإن كان تقييداً أيضاً في موضوع الاستصحاب ودليله إلاّ أنّ مرجعه إلى قيد اللغوية العام ، وليس قيداً زائداً عليه.

والحاصل : لا محذور ثبوتي في مقالة الخراساني ، وإنّما المحذور ـ على تقدير وجوده ـ اثباتي صرف.

٢٥٩

ص ٢٢٩ قوله : ( وإن شئت قلت : انّ الامارة ... ).

ظاهر العبارة انّ الاستصحاب الموضوعي المذكور ينقح موضوع الحكم الظاهري المفاد بالدلالة الالتزامية للامارة على الحدوث حيث انّ ما يدل على نجاسة الجسم مثلاً بالملاقاة حدوثاً يدل بالالتزام على بقاء نجاسته إذا لم يحصل مطهر ، وما دلّ على طهارته حدوثاً يدلّ بالالتزام على بقاء طهارته إذا لم تحصل ملاقاة اخرى مع النجس فيستصحب عدم المطهر أو عدم الملاقاة الاخرى لتنقيح موضوع هذا الحكم الظاهري بالنجاسة أو الطهارة ، فهذا استصحاب موضوعي أركانه من اليقين الوجداني بالحدوث والشك في البقاء تامة فيه ، ولازمه امكان جريان استصحاب نفس الحكم الظاهري الثابت في الحدوث إذا لم يجر الاستصحاب الموضوعي كما في الشبهة الحكمية في طرف البقاء.

وهذا هو الذي أفاده السيد الشهيد في الحلقات ( ج ٢ من الحلقة الثالثة ص ٢٤٣ ـ ٢٤٦ ) حيث حكم بجريان الاستصحاب للحكم الظاهري المذكور حتى في الصورتين الثالثة والرابعة اللتين تكون الشبهة فيهما حكمية بلحاظ البقاء ، فحكم بجريان الاستصحاب فيما إذا شك مثلاً في حصول التطهير بغسل الثوب المشكوك التي دلّت الامارة على نجاسته بنحو الشبهة الموضوعية أو الحكمية بغسله بالماء المضاف المشكوك مطهريته بنحو الشبهة الحكمية ، فيستصحب عدم حصول المطهر الواقعي المردد بين الغسل بالماء المطلق أو بمطلق الماء ، فإنّ تلك النجاسة الظاهرية الثابتة بالامارة مغياة بذلك واقعاً فيشك في بقائها وعدمه.

نعم ، هذا غير تام في بعض الشبهات الحكمية كما إذا دلّت الامارة على وجوب الجلوس إلى الزوال في المسجد وشك في بقاء وعدم بقاء وجوب

٢٦٠