أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

وإن كان القيد اللبي مطلق احتمال الأهمية لزم عدم إطلاق الخطاب في مورد احتمال الأهمية في الطرفين لتحقق القيد فيهما معاً لا لكونه شبهة مصداقية من دون فرق بين كون احتمال الأهمية في أحدهما أقوى من الآخر أو مساوياً.

وإن كان القيد واقع المساواة أو الأهمية إلاّ أنّه مع فرض وجود مزية وامتياز في أحدهما يوجب ارتفاع اللغوية لا بأس بالاطلاق حتى إذا كان الآخر مساوياً أو أهم واقعاً ـ وهذا هو ظاهر مجموع كلمات السيد الشهيد وحاق مرامه في المقام ـ وعندئذٍ يكون موارد احتمال الأهمية في كل منهما على حدّ واحد من الشبهة المصداقية لاطلاق كل منهما ، وفي مورد عدم احتمال أهمية أحدهما أو كون احتمالها أقل من احتمالها في الآخر يكون الإطلاق تاماً فيما فيه المزية ، فيثبت الترجيح به.

فالجواب : انّ هذا مما لا يتحمله إطلاق الخطابات الواقعية لأنّ الخطابات الواقعية غير ناظرة إلى مرحلة الشك في الأهمية والذي هو ملاك للتزاحم الحفظي وروح الحكم الظاهري لا الواقعي ليقال بأنّ المولى يطلق خطابه في مورد قوّة احتمال الأهمية أو أصل احتمالها في أحد الطرفين دون الآخر ليحفظ محتمل الأقوائية والأهمية أو يحفظ الاحتمال الأقوى.

وإن شئت قلت : انّ برهان التقييد وملاكه لزوم لغوية الخطاب في حال الاشتغال بضدٍّ واجب مساوي من حيث عدم وجود ملاك واقعي فيه وهذا باقٍ حتى في مورد وجود مزية ظاهرية وبلحاظ قوّة احتمال الأهمية أو أصله فتكون الشبهة مصداقية ولا يندفع ذلك إلاّبحمل إطلاق الخطابات على ملاحظة مرحلة الحفظ والحكم الظاهري وعدم اللغوية بلحاظه وهو مع كونه خلاف ظاهر أدلّة

٤٠١

الأحكام الواقعية يلزم عدم إطلاق الخطابين معاً في مورد احتمال الأهمية بدرجة واحدة فيهما لا كونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، فالجمع بين المطلبين كما هو لازم كلمات السيد الشهيد جمع بين لحاظين ونظرين متهافتين في معنى اللغوية المأخوذة قيداً لبياً في الخطابات.

هذا ، مضافاً إلى ما تقدم من انّ حدود أهمية الملاك كأصله يفهم من إطلاق الخطابات ولا يكون قيداً مأخوذاً فيه لباً فلا يكون المقيّد اللبي مخرجاً إلاّصورة العلم بأهمية الضد أو مساواته حيث يعلم بلغوية إطلاق الخطاب عندئذٍ لحال الاشتغال بالضد المعلوم مساواته أو أهميته تفصيلاً أو اجمالاً ، فيكون الترجيح باحتمال الأهمية في أحدهما دون الآخر تاماً ، لأنّه من العلم الإجمالي بأهمية أو مساواته وهو كالترجيح بالعلم بالأهمية أو المساواة تفصيلاً مستلزم لسقوط إطلاق الآخر ولغويته ، فلا يكون تعارض بين اطلاقيهما ، بخلاف صورة احتمال الأهمية في كل منهما ولو كان في أحدهما أضعف منه في الآخر. وهذا أيضاً لابد من تقييده ـ كما تقدم ـ بما إذا احرز كون القدرة في الأهم عقلية لا شرعية ، وإلاّ كان مقتضى إطلاق المهم نفي ذلك فيقع التعارض بين الاطلاقين أيضاً.

وبهذا يثبت وجه عدم تمامية الترجيح بقوة احتمال الأهمية.

هذا قصارى ما يمكن أن يذكر في قبال الترجيح المذكور.

إلاّ أنّ التحقيق امكان دفع كل هذه الاشكالات والتي ترجع إلى اشكالين ، وتوضيح ذلك :

انّ قيد القدرة مرجعه إلى قيد عدم اللغوية العرفية الناشئة من ظهور الخطاب في التحريك والداعوية كما ذكر الميرزا قدس‌سره ، لا القبح أو الاستحالة العقلية.

٤٠٢

وهذه اللغوية لا فرق فيها بين جعل خطاب واحد على الفعل غير المقدور ، أي اطلاقه لحالات العجز التكويني أو الجمع بين الضدين وبين جعل خطابين بكل من الضدين مطلقين ، فإنّهما أيضاً عرفاً فيهما نفس المحذور الاثباتي الذي يكون بمثابة المقيدات المتصلة اللبية ، نظير ما نقوله في الترخيص في المخالفة القطعية في الطرفين ، والذي يكون المحذور في المجموع لا في كل منهما بخصوصه.

وعندئذٍ لابد من فرض تحديد هذا المقيّد اللبي عرفاً في موارد وجود خطابين بكل من الضدين فيقال بأنّ العرف لا اشكال في انّه يرى اجمال اطلاقي الخطابين فيما إذا كان كل منهما على حدّ واحد من حيث كون القدرة فيهما عقلية ومن حيث درجة احتمال الأهمية في كل منهما من جهة انّ نسبة ذلك المقيد اللبي اليهما على حد واحد نظير موارد الترخيص في المخالفة في طرفي العلم الإجمالي ، وهذا قد نعبر عنه بالتمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمقيد اللبي المتصل لأنّ ذلك القيد إنّما هو اللغوية وهي متحققة في أحد الاطلاقين لا على التعيين كما انّه لا اشكال في انّ العرف يرى لغوية إطلاق الخطاب لحال الاشتغال بضد ثابت وجوبه وملاكه غير مشروط بالقدرة الشرعية ومعلوم المساواة أو الأهمية تفصيلاً أو اجمالاً ـ أي عدم مرجوحيته على كل حال ـ.

وبهذا يثبت الترجيح بمعلوم الأهمية ومحتملها في أحد الطرفين دون الآخر مع فرض احراز كون القدرة فيه عقلية.

يبقى مطلبان :

أحدهما ـ الترجيح بقوة احتمال الأهمية.

٤٠٣

والآخر ـ نفي التعارض بين إطلاق المهم وإطلاق الأهم الذي لا يحرز من الخارج انّ القدرة فيه عقلية.

وكلاهما يثبتان بمصادرة اضافية عرفية.

أمّا الأوّل : فبدعوى : انّ العرف لا يتعامل مع قيد اللغوية كما يتعامل مع القيود الاخرى الواقعية ، أي يكتفي في رفع اليد عن اللغوية وبالتالي حفظ الإطلاق وجود أدنى مزية ولو عبر عنها بالظاهرية بحسب مصطلحات الاصول ، ومنها ما أشار إليه السيد الشهيد قدس‌سره من حفظ ما يحتمل أهميته بدرجة أكبر ، فيكون المقيد اللبي هو الاشتغال بواجب فيه احتمال أهمية مساوٍ أو أكثر من احتمال أهمية ذلك الواجب لا ما إذا كان احتمال أهميته بدرجة أقل فضلاً عما إذا لم يكن فيه احتمال الأهمية.

وإن شئت قلت : انّ مقتضى الإطلاق هو فعلية الحكم والوجوب لكل من الضدين مطلقاً لولا ذلك المقيّد اللبي المبني على ظهور الخطابات في الباعثية والمحركية والتي لا تعقل إلى الضدين معاً فيكون لغواً لا محالة ، وحيث انّ اللغوية تكون في مجموع الأمرين المطلقين لا كل واحد منهما بخصوصه فيعينها العرف في ما ليس له مزية في قبال ما فيه مزية ويكفي فيها قوة احتمال الأهمية ، وهذه المزية وإن كانت في درجة الكشف والاحتمال عن الأهمية إلاّ انّه لا يجعل الحكم الثابت به ظاهرياً بل واقعي لأنّ الملاك فعلي واقعاً وليس من أجل الحفاظ على الملاك في مورد آخر كما في الحكم الظاهري نظير ما إذا قيل ابتداءً باطلاق الخطابات لحالة العجز ووجوب كلا الضدين وما يكون خلاف ظاهر الخطابات الواقعية أن يكون الخطاب ظاهرياً أي ليس وراءه ملاك نفسي لا مثل المقام ، وهذه نكتة ذوقية عرفية قابلة للقبول.

٤٠٤

وأمّا الثاني : فبالفرق بين دلالة الخطاب على فعلية الملاك وكون القدرة فيه عقلية لا شرعية وبين دلالته على عدم المقيد اللبي وهو اللغوية وانّ الضد المزاحم ليس فيه ملاك على تقدير الاشتغال بالآخر ، فإنّ الأوّل مدلول نفس الخطاب بحيث يكون رفع اليد عنه تقييداً وتخطئة للاطلاق لا رفعاً لموضوعه بخلاف العكس.

وهذا هو معنى ما ذكرناه في تقريب ما تقدم من انّ إطلاق الخطاب معلوم الأهمية لاثبات كون القدرة فيه عقلية لا شرعية ، أي انّ ملاكه فعلي حين الاشتغال بالآخر يحكم على إطلاق خطاب المهم لأنّه يحرز تحقق المقيد اللبي فيه أي يكون رافعاً لموضوع اطلاقه فيستحيل أن يكون إطلاق المهم معارضاً معه ، والموضوع وإن لم يكن هو الواقع ـ أي واقع عدم الاشتغال بالضد الواجب الأهم ـ بل الواصل والمعلوم إلاّ أنّ الوصول أيضاً يتحقق بنفس إطلاق الأهم ، فالورود لاطلاق الأهم على المهم تام من هذه الناحية فلا إشكال.

وبهذا يتبيّن صحّة ما ذهب إليه السيد الشهيد قدس‌سره من نظرية الورود بين إطلاق خطاب الأهم والمهم فتدبر فإنّه حقيق به.

ص ٩٧ قوله : ( ١ ـ التمسك باطلاق الخطاب ... ).

قد يناقش في هذا الإطلاق :

تارةً : بأنّ الخطابات ليست في مقام البيان إلاّمن ناحية أصل الوجوب لا درجة أهميتها بالقياس إلى الواجبات الاخرى.

واخرى : بأنّه من التمسك بالعام بالشبهة المصداقية للمقيد اللبي الذي هو عدم الاشتغال بالضد الواجب المساوي أو الأهم ، وبهذا أخرجنا باب التزاحم عن

٤٠٥

التعارض ، وإلاّ لدخل فيه ووقع التعارض بين اطلاقي الخطابين المتزاحمين في موارد احتمال أهمية كلّ منهما.

والتحقيق عدم تمامية كلا الاشكالين.

أمّا الأوّل : فلأنّ الإطلاق المذكور لا يتوقف على أن يكون الخطاب متعرضاً للمقايسة والمقارنة بين الواجبات بل يكفي فيه أن يكون في مقام بيان إطلاق الوجوب للمشتغل بالضد المنافي معه ، سواءً كان واجباً أم لا ، ولازمه عندئذٍ انّ هذا أهم لو كان الضد واجباً وهذا الإطلاق لا اشكال فيه لأنّه مقتضى الإطلاق الأحوالي لمدلول الهيئة والايجاب ، ومن هنا لا يرفع اليد عن الوجوب ولا تجري البراءة عنه إذا شك في أصل الوجوب عند الاشتغال بالضد.

اللهم إلاّ أن يقال : بأنّ هذا الإطلاق ليس من جهة الأهمية والمقايسة مع الواجبات الاخرى بل من جهة اخرى وهي عدم وجود مانع عقلي ولا شرعي.

وأمّا الثاني : فبالنقض أوّلاً ـ بموارد الشك في وجوب الضد فإنّه سوف يأتي عن السيد الشهيد في الأبحاث القادمة وهو مسلم فقهياً أيضاً انّه يصح التمسك باطلاق وجوب أحد المتزاحمين إذا كان الآخر غير منجز ولو كان هو الأهم بل ولو قلنا باستحالة الترتب ، مع انّه أيضاً شبهة مصداقية للمقيّد اللبي المذكور.

وثانياً ـ بالحلّ ، وحاصله : أنّ المقيّد اللبي ليس هو واقع الاشتغال بالواجب المساوي أو الأهم بل الواصل وجوبه ومساواته أو أهميته كذلك ولو بمثل الإطلاق في دليله ، وهذا لازمه انّه مع تمامية مقتضي الإطلاق في كلا الخطابين في نفسه يصبحان مجملين لا محالة لأنّ المقيّد اللبي المذكور وهو استهجان أو لغوية أن يجعل المولى الحكم والالزام نحو غير المقدور وهو كلا الضدين نسبته

٤٠٦

اليهما على حد واحد فيقع التعارض والاجمال بين اطلاقي الدليلين من هذه الناحية ، ولكن لو فرض عدم تمامية مقتضي الإطلاق في أحدهما وبالتالي عدم وصوله أمكن التمسك باطلاق الآخر لو كان مقتضيه تاماً ، وهذا تماماً نظير ما نقوله في باب التمسك باطلاق أدلّة الاصول العملية الترخيصية في أطراف العلم الإجمالي حيث انّه لو كان مقتضيه تاماً في الطرفين وقع التعارض بينهما ، وإلاّ بأن لم يتم مقتضي الأصل الترخيصي في أحد الطرفين صحّ التمسك باطلاقه في الطرف الآخر.

ومنه يعرف الجواب على النقض بدخول باب التزاحم في باب التعارض إذا فرض احتمال الأهمية في كل منهما وكان دليليهما لفظيين معاً. إذ لو اريد بالتعارض ما يعمّ التعارض في أدلّة الاصول الترخيصية في طرفي العلم الإجمالي أي مجرد التنافي في الحجّية فهذا نسلم به في المقام ، إلاّ انّه ليس من التعارض الاصطلاحي الذي مرجعه إلى التكاذب بين الدليلين ، ولهذا لا يطبق عليهما قواعد الترجيح للدلالة الأقوى أو السند كذلك بل هذا المعنى ينسجم مع اجمال الدلالة وكون التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

وإن اريد لزوم التعارض بين إطلاق كل منهما حيث انّه باثبات الوجوب التعييني في كل طرف يدل بالملازمة على عدم الوجوب المطلق التعييني للآخر فيقع بينهما تكاذب بالعرض.

فهذا فرع أن يكون عنوان القيد واقعياً كما إذا كان القيد عدم الاشتغال بالضد الواجب المساوي أو الأهم واقعاً لا ما إذا كان القيد هو اللغوية المتقوّمة بوصول أو تمامية مقتضي الوصول في كل من الواجبين المتزاحمين ، وهذه النكتة حيث

٤٠٧

انّ نسبتها إلى الاطلاقين على حدّ واحد فيؤدي إلى اجمالهما عرفاً وكون الشك في تحقق القيد اللبي لكل منهما الذي هو معنى التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمقيد ، فتدبر جيداً فإنّه حقيق به.

ص ١٠٣ قوله : ( الاولى ... ).

يرد عليه : أوّلاً ـ انّ هذا ليس ترجيحاً بالأسبقية بل مرجعه إلى انّ الواجب الأسبق القدرة فيه عقلية بالنسبة للواجب الآخر لأنّ الرافع له الاشتغال والتلبس بالفعل أو في زمان متقدم بواجب آخر لا متأخر.

وثانياً ـ انّ هذا المعنى من القدرة الشرعية حيث انها ليست عرفية وإنّما العرفي عدم دخل القدرة في الملاك فلا معنى لافتراض انّ العرف يستظهر هذا المعنى من الاشتغال بواجب آخر ، إذ الاشتغال بمقدمات الواجب الآخر وحفظ القدرة له أيضاً اشتغال به ، اللهم إلاّ إذا فرض أخذ ما يدل لفظاً على لزوم فعلية الاشتغال بنفس الواجب وهذا كلّه فرض يمكن افتراض خلافه.

ص ١٠٧ قوله : ( وهكذا يتضح ... ).

حيث ظهر أنّ كون القدرة شرعية وكون المكلف ليس له إلاّقدرة واحدة لا يستلزم أن يكون هناك ملاك واحد إلاّفي صورة الامتثال لا صورة تركهما معاً ، فلا وجه لاستكشاف وحدة الأمر والتخيير الشرعي ـ بالمصطلح المقصود هنا ـ كما ظهر أنّ في موارد تعدد الملاك عند تركهما معاً إذا كانت القدرة عقلية لا تعدد للعقوبة ، ولو فرض صياغة الوجوب على نحو التخيير الشرعي.

ثمّ انّه كان ينبغي البحث هنا عن انّه هل يثبت تعدد العقوبة والعصيان فيما إذا شك ولم يحرز كون القدرة شرعية في الواجبين أو عقلية بعد أن كان

٤٠٨

مقتضى الدليل اثباتاً التخيير العقلي وثبوت وجوبين مشروطين وكان ذلك معقولاً ثبوتاً سواء كانت القدرة عقلية أو شرعية ، فإنّه عندئذٍ سوف يشك المكلف انّه لو تركهما معاً هل فوّت على المولى ملاكين لزوميين أو ملاكاً واحداً والآخر فائت عليه قهراً ، وعلى كلّ حال فيمكنه أن يجري البراءة عن تفويت أكثر من ملاك فعلي واحد.

هذا ولكن الصحيح تعدد العصيان والعقوبة ما لم يحرز كون القدرة عقلية أو شرعية بنحو يكون أحد الملاكين فعلياً لا أكثر ، لأنّ البراءة تجري عن الوجوب لا عن التفويت والوجوب متعدد بحسب الفرض ومحتمل كونه عن ملاكين فعليين يفوّتان معاً بترك المكلّف لهما معاً فإنّ احتمال أن يكون أحد الملاكين فائتاً على كل حال لا يكون مؤمناً عنه ؛ لأنّه من الشك في القدرة على عدم التفويت والامتثال وهو منجز عقلاً فيكون المكلف في فرض تركهما امّا مفوتاً لملاكين أو مفوتاً لملاك ومتجرّياً بالنسبة لتفويت الملاك الآخر.

ص ١٠٩ قوله : ( التنبيه الأوّل : ... ).

حاصل كلامه قدس‌سره يمكن أن يبيّن بما يلي :

انّ عدم التعارض في موارد وجود ثالث للضدين الدائميين امّا أن يكون على أساس كون التمسك باطلاق كل واجب لحال الاشتغال بالآخر تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية لمقيده اللبي أو على أساس انّ الخطابات ليست في مقام البيان من ناحية المقايسة مع سائر الواجبات وأهمية ملاكاتها عن غيرها ، وكلاهما لا يتمّان في المقام.

أمّا الثاني : فلأنّ كون التضاد دائمياً يجعل الأمر بأحدهما في مقام البيان من

٤٠٩

تلك الناحية لأنّه إذا كان ملاك الضد أهم أو مساوٍ لم يكن أمر به إلاّمشروطاً بترك الآخر لابتلاء المكلف بهذا التزاحم دائماً.

وأمّا الأوّل : فلأنّ هذا التزاحم الدائمي بنفسه يصلح على أن يكون قرينة على انّ المولى بنفسه بصدد احراز قيد الأهمية فيما أمر به بنحو القضية الخارجية ولا يستلزم مخالفة الظهور في جعل الخطابات على نهج القضايا الحقيقية.

والانصاف إمكان المنع عن كلتا النكتتين ، إذ دائمية التضاد لا تستلزم دائمية وجود مانع شرعي في الضد ، إذ قد لا يكون واصلاً إلى المكلّف أصل وجوبه ، فلو قبلنا أصل دعوى عدم إطلاق الخطابات الأولية لحال الابتلاء بالمزاحم الشرعي تمّ هنا أيضاً ، وإن كانت تماميته في التضاد غير الدائمي أوضح.

وأمّا الظهور في تصدي المولى لاحراز قيد الأهمية فقد عرفت انّه مقتضى إطلاق كل خطاب الأحوالي حتى في التضاد الاتفاقي ، غاية الأمر حيث انّ المقيّد اللبي هو اللغوية وعدم وجود واجب آخر محتمل المساواة والأهمية بلا مزية حتى من حيث درجة الوصول وحيث انّ نسبة هذا إلى كلا الواجبين على حدّ واحد فيجمل الإطلاقان معاً لا محالة لا أنّه يقع التكاذب والتعارض بينهما.

ولعلّ الشاهد على هذا وجدانية عدم ترجيح أحد الخطابين المتزاحمين على الآخر في التزاحم الدائمي بالمرجحات الدلالية ، بل يتعامل معهما تعامل المتزاحمين اتفاقاً من حيث الترجيح بالأهمية ولا يستكشف الأهمية بكون دليله بالعموم مثلاً أو أقوى وأظهر من الآخر أو كونه موافقاً للكتاب أو غير ذلك.

٤١٠

١١٣ قوله : ( التحقيق ... ).

المقصود انّ الميرزا قدس‌سره تارة : يريد المنع عن الترتب وبالتالي صحّة الوضوء عن طريق احراز دخل القدرة في الملاك من أخذها في لسان آية الوضوء على أساس ما تقدم من الظهور في التأسيسية أو المولوية.

واخرى : يريد المنع عن الصحّة لمجيىء قيد القدرة في لسان الدليل ولو لم نستظهر منه دخلها في الملاك فإنّه يكفي مجيئه في لسان الخطاب لعدم امكان احراز إطلاق الملاك لموارد عدم القدرة لا باطلاق المادة ولا بالدلالة الالتزامية ومع عدم إمكان إحراز إطلاق الملاك لا يمكن اثبات الأمر الترتبي والصحة ، فهذان منهجان.

أمّا الأوّل فيرد عليه : بطلان المبنى كما ذكر في الكتاب ، وبطلان البناء لما ذكر فيه أيضاً من الاشكالين زائداً عليه انّ القدرة المأخوذة في الآية ليست بمعنى عدم الأمر بالخلاف بل بمعنى القدرة العرفية على العمل المحفوظة حتى مع وجود أمر شرعي بالخلاف.

وأمّا الثاني فيرد عليه : ما في الكتاب من تمامية إطلاق المادة لمحمولها الثاني ما لم يرد القيد في مادة الأمر ولم يرد هنا. ومن تمامية الدلالة الالتزامية لكون التفصيل بلحاظ مرحلة الامتثال لا الايجاب أي انّ آية الوضوء بصدد بيان انّ من لم يتمكن من استعمال الماء فعمله ووظيفته التيمم لا الوضوء ؛ ففرق بين أن يقيد الأمر بالوضوء بالقدرة وبين أن يقول غير المتمكن من الوضوء واستعمال الماء عمله التيمم ، فإنّه ليس تقييداً لايجاب الوضوء إلاّبالقيد اللبي العام والمفروض كونه منفصلاً.

٤١١

ومن هنا ينسجم هذا التفصيل في الوظيفة والامتثال مع كون الأمر واحداً بالجامع بين الوضوء مع وجدان الماء والتيمم مع فقدانه مع بقاء الأمر على اطلاقه حتى لحال العجز إلاّمن حيث القيد اللبي والذي لا يثلم الدلالة الالتزامية بحسب الفرض.

كما يرد : أنّ القدرة لو فرض أخذها بنحو تنثلم الدلالتان على إطلاق الملاك فهذا إنّما يمنع عن الأمر الترتبي إذا كان بمعنى عدم الأمر بالخلاف لا بمعنى عدم العجز التكويني أو عدم الاشتغال بالضد لأنّهما محققان على تقدير ترك الواجب الآخر فيتم إطلاق الأمر بالوضوء لا محالة خطاباً وملاكاً. واستفادة ارادة عدم الأمر بالخلاف من مجرد عطف المرض على السفر واضح البطلان.

ثمّ انّ الاشكال على الفرضين باطلاق الأمر الاستحبابي قابل للمنع إذ لا إطلاق في رواية « الوضوء على الوضوء نور على نور » من ناحية مورد تشريع الوضوء ، فيحمل على ما هو المشرع في الآية فلو فرض كون القدرة فيها شرعية كان كذلك بلحاظ الوضوء المستحب أيضاً.

ص ١٢٠ قوله : ( الأوّل ـ انّ حفظ القدرة أمر وجودي ... ).

لو كان وجوبه بدليل شرعي لفظي أمكنت هذه الدعوى ، وامّا حيث انّ وجوبه من باب الحكم التبعي التخييري أو النفسي الطريقي بلحاظ منجزية الأمر بالأهم فالعقل يحكم بالمنع عن فعل كل ما يكون مفوتاً للقدرة ، وهو منطبق على نفس فعل الأهم أو ما يكون مضاداً معه فيكون حراماً بحرمة غيرية أو طريقية فيلزم محذور الاجتماع ؛ والظاهر انّ حفظ القدرة لا يراد منه أمر وجودي ، وإلاّ كان كالضد الآخر من حيث لزوم حفظ القدرة له.

٤١٢

فالترتب غير معقول بناءً على هذا التقدير.

ويمكن الإشكال عليه : بأنّ عدم حفظ القدرة على الأهم لا يكون مساوقاً دائماً مع استحالة الاتيان بالمهم ، إذ قد يكون شيء ضداً للأهم دون المهم.

ص ١٢٣ قوله : ( نعم إذا كان ترك الاشتغال بالأهم من شرائط الاتصاف ... ).

قد يقال : باستحالة ذلك في باب الحرمة إمّا لما تقدم في بحث الواجب المشروط من رجوع قيود الحكم بحسب عالم روح الحكم لا الجعل والاعتبار أي عالم الحب والكراهة إلى المتعلق وإلاّ لاستحال فعلية الحب والبغض فلا محالة ترجع الحرمة المشروطة إلى بغض المقيّد والمجموع فيكون البغض فعلياً والمبغوض الحصة المقيدة بترك الواجب ولا مجال لاجراء الإطلاق في الهيئة بلحاظ عالم الجعل مع كون شرط الاتصاف غير معقول بحسب عالم روح الحكم.

وامّا ببيان انّ دخل ترك الواجب الأهم في الاتصاف معناه مانعية فعله عن الاتصاف ومن الواضح انّ فعل الأهم يستحيل أن يجتمع مع الحصة غير المقرونة للواجب الأهم فكيف يمكن أن يكون مانعاً عن اتصافه بالمفسدة.

ويمكن الجواب : أمّا على الأوّل فبأنّه تارة : عندما يلاحظ المولى الحصة الموصلة من الغصب إلى الانقاذ والحصة غير الموصلة منه فيرى الأوّل غير مبغوض والثاني مبغوضاً فهذا معناه انّ ترك الانقاذ ليس من شرائط الاتصاف ؛ واخرى : يلاحظ انّ فعل المكلف لذلك الواجب يوجب ارتفاع موضوع الضرر والمفسدة من المقدمة بحيث لو فرض محالاً امكان الجمع بين الحصة غير الموصلة منها مع الواجب لما كان مبغوضاً أيضاً فهنا لا محالة يكون ترك الواجب

٤١٣

من شرائط الاتصاف.

نعم ، قد لا تكون فائدة في هذا التقييد بلحاظ حرمة الحصة غير الموصلة ، وإنّما فائدته بلحاظ الحصة الموصلة ، حيث قد يقال إذا استظهر من الاشتراط انّ ترك الواجب من شرائط الاتصاف استظهر عدم تحقق ملاك الحرمة في الحصة الموصلة أيضاً بخلاف ما إذا لم يكن اشتراط.

ويجاب عن الثاني ـ بأنّ ترك الواجب قد يكون شرطاً للاتصاف بالمفسدة فلا يتوقف على كون الواجب مانعاً ، وهذا واضح.

ص ١٤٠ قوله : ( اولهما ... ).

ولا يمكن أن يناقش فيه : بأنّ هذا وحده لا يكفي لاستظهار كون القدرة شرعية لا عقلية ، أي انّ الملاك لوجوب الوفاء مرتفع مع العجز لأنّ ذلك بنكتة اثباتية مخصوصة بما إذا وردت القدرة في لسان دليل وجوب الوفاء وإن كان المنذور هو الحصة المقدورة.

لأنّه يجاب : بأنّ المقصود انّ المنذور إذا كان خصوص الحصة المقدورة عقلاً وشرعاً فلا موضوع للنذر مع عدم القدرة ، ومعه فلا ملاك لوجوب الوفاء لعدم تعقل الوفاء ولو فرض ملاك للعمل فذاك غير مربوط بوجوب الوفاء ، وهذا واضح.

ص ١٤١ قوله : ( الثاني ... ).

هذا الوجه ينبغي جعله مبنىً لتفصيل السيد في العروة ، حيث فصّل بين تقدّم الاستطاعة على النذر وبالعكس ففي الأوّل يحكم بتقدم الحج وفي الثاني بتقدم

٤١٤

النذر ؛ لأنّ القدرة فيهما معاً شرعية يرتفع اللاحق منهما بسبق وجوب الآخر عليه.

نعم ، إذا قيل بأنّ وجوب الوفاء بالنذر لا يصبح فعلياً إلاّحين تحقق زمان الأداء كان هذا وجهاً لتقدم الحج مطلقاً ولو لثبوت فعلية وجوب الخروج إليه من زمان خروج الرفقة عند تحقق الاستطاعة على كل حال.

والجواب عندئذٍ : انّ القدرة إذا فرضت عقلية فيها فهذا يوجب عدم الترجيح بسبق أحدهما على الآخر كما تقدم ، وإذا فرض انها شرعية فيهما بالمعنى الثاني وهو عدم الاشتغال بواجب آخر فهذا أيضاً لا يوجب الترجيح بالأسبقية عقلاً ولا عرفاً ، إلاّ إذا فرض تقدم الواجب لا الوجوب كما لا يخفى وجهه ، وفي المقام الواجبان متزامنان بلحاظ الواجب النفسي.

نعم ، الخروج واجب متقدم ، إلاّ انّه :

أوّلاً : ليس واجباً شرعياً بل عقلي ، والخطابات الواردة فيه محمولة على ذلك.

وثانياً : ربما يفترض وجوب الخروج للزيارة أيضاً قبل زمان عرفة مقدمة لمن يكون بعيداً عن كربلاء وقريباً من مكة فنسبة المقدمات المفوتة اليهما على حد واحد.

وثالثاً : انّه مستحيل في نفسه ، إذ وجوب المقدمات المفوتة قبل الوقت ولو بالأدلة الشرعية فرع ثبوت وجوب الحج على المكلف في وقته وهو فرع عدم الاشتغال بواجب آخر وهو الوفاء بالنذر فيستحيل أن يكون هذا الواجب

٤١٥

المتوقف وجوبه على عدم الاشتغال بالنذر رافعاً لوجوبه أو مطلقاً من ناحية لأنّه دور وتهافت.

وإن شئت قلت : انّ تلك النكتة العرفية للترجيح بالأسبقية لا تتم هنا طالما الواجبان النفسيان متزامنين ولو فرض وجوب الخروج شرعاً ؛ لأنّه وجوب منوط حتى بحسب الروايات بما إذا كان الحج واجباً في زمانه المتأخر.

وإن فرض انّ القدرة شرعية بالمعنى الثالث فيهما معاً فإن قلنا بامكان الواجب المعلّق تمّ تفصيل السيد في العروة من الترجيح بأسبقهما ايجاباً بحسب المتفاهم عرفاً من أخذ القدرة الشرعية بهذا المعنى في موضوع الحكم. وإن قلنا باستحالته لم يتمّ التفصيل حتى إذا قلنا بوجوب الخروج شرعاً لأنّ دليله كما أشرنا ظاهر في الطولية وانّ وجوب الخروج فرع فعلية وجوب الحج في وقته ، فإذا كان مرفوعاً بمعجز في عرضه في ذلك الزمان فلا موضوع لوجوب الخروج حتى شرعاً ويستحيل مثل هذا الوجوب الطولي أن يرفع وجوب الوفاء بالنذر الرافع لموضوع وجوب الخروج فإنّه دور وتهافت.

ص ١٤٦ قوله : ( وهذا البيان أيضاً غير تام ... ).

أورد عليه السيد الشهيد بايرادين ؛ وقد يناقش في كليهما :

أمّا الايراد الثاني : فيناقش فيه تارة : بما ذكرناه سابقاً ، وحاصله : « انّ النهي عن المقيد المركب من الطبيعة والتقيد يدلّ على انتفاء الملاك في المركب ولازم انتفاء الملاك في المركب انتفاؤه في جزئه أيضاً وهو الطبيعة ، والمفروض الأمر بالطبيعة الكاشف عن وجود ملاك فيها فيقع التعارض بين الأمر والنهي بلحاظ الملاك ».

٤١٦

والجواب : إن اريد من انتفاء الملاك في المركب وجود المفسدة في المركب فهذا لا يقتضي أن يكون المفسد في جزء المركب كما هو واضح ، وإن اريد انتفاء الملاك في نقيض ما هو المطلوب في النهي وهو الترك ، أي انتفاء الملاك والمصلحة في الفعل ، فالنقيض بترك المركب إنّما هو المركب بما هو مركب أي التركيب والاجتماع. ومن الواضح انّه يمكن أن لا يكون في حيثية الاجتماع ملاك رغم وجود الملاك في أحد أجزائه فإنّه ملاك في الجزء لا في الاجتماع.

نعم ، هذا الكلام لا يتمّ إذا كان الأمر شمولياً كما لا يخفى وجهه.

واخرى : بما هو الصحيح من أنّ إطلاق دليل الأمر بالطبيعة يقتضي عدم وجود ملاك في ترك الطبيعة المقيدة المنهي عنها ، فإطلاق أعتق رقبة دال على عدم وجود الملاك في ترك عتق الكافرة بما هو عتق الكافرة لأنّه لو كان فيه ملاك لكان مقتضى القاعدة تخصيص الأمر بالعتق بالرقبة المؤمنة ، فاطلاق الأمر بالطبيعة دليل على عدم الملاك في ترك تلك الحصة.

وأمّا الايراد : فقد يشكل عليه : بأنّ للمحقق العراقي قدس‌سره أن يقول : انّ مقصودي من الملاك هو الملاك المؤثر في ايجاد المحبوبية والمبغوضية ، وهذا في الضدّ الخاص مثل صلّ وأزل ممكن بخلاف الضدّ العام مثل صلّ ولا تصلّ.

والجواب : أنّه لا موجب لأخذ الملاك المؤثر في المحبوبية والمبغوضية في موضوع البحث بل الملاك غير المؤثر أيضاً يكفي لو ثبت بالدلالة الالتزامية لاسقاط الأمر وتحقق الامتثال.

ثمّ انّ هنا اشكالاً آخر على أصل اثبات الملاك بناءً على عدم التبعية وهو

٤١٧

بحسب الحقيقة يرجع إلى اثبات التعارض في الدلالة على أصل الملاك حتى بناءً على عدم التبعية بين الدلالتين ، وحاصله : انّ دليل صلّ له مدلولان التزاميان أحدهما الملاك في الصلاة والآخر قضية شرطية هي انّه إذا كان في ترك الصلاة ملاك فليس بغالب على ملاك الصلاة وإلاّ لم يكن يؤمر بها ، ودليل لا تصلّ يدلّ على انتفاء أحد المدلولين اجمالاً لأنّه على تقدير صدق ( لا تصلّ ) نعلم اجمالاً امّا لا ملاك في الصلاة أو إذا كان فيها ملاك فهو مغلوب لملاك ترك الصلاة فتسري المعارضة للدلالتين الالتزاميتين معاً.

وبهذا أيضاً يمكن ردّ أصل تقريب اثبات الملاك في مورد الاجتماع أو الضدين الخاصين بالدلالة الالتزامية لأنّ مقتضى إطلاق الأمر بناءً على الامتناع في الأوّل واستحالة الترتب في الثاني نفي احدى القضيتين فتسري المعارضة إلى الدلالة الالتزامية على أصل الملاك أيضاً.

وقد أجبنا على هذا البيان في مباحث اجتماع الأمر والنهي في التعليق على هامش الصفحة (٦٣) من الجزء الثالث ، فراجع.

ص ١٥٩ قوله : ( ٢ ـ ما إذا فرض احراز الملاكين ... ).

يمكن أن يلاحظ عليه : بأنّه بعد فرض التعارض بنحو التباين بين الخطابين لا تثبت الدلالة الالتزامية لاطلاق خطاب ( تصدق على كل فقير ) للفقير غير القادر لأنّ حجيتها فرع حجّية أصل الخطاب والمفروض سريان التعارض إليه الموجب لسقوط السند عن الحجّية بحسب الفرض ومعه لا تصل النوبة إلى حجّية الدلالة الالتزامية حتى بناءً على عدم التبعية فإنّ عدم التبعية بلحاظ حجّية الظهور لا سند أصل الدلالة كما هو واضح.

٤١٨

ص ١٦٠ قوله : ( أوّلاً : انّ اخراج باب التزاحم ... ).

هذه الاشكالات ما عدا الأخير منها يمكن دفعها حتى على مسلك الميرزا ومبناه في دلالة الأمر على الوجوب وانّه بحكم العقل وذلك :

أوّلاً ـ انّ ما هو شرط في حكم العقل بالوجوب عدم الترخيص الشرعي وطلب أحد الضدين الملازم مع ترك الآخر ، غاية ما يستلزم عدم حرمة الآخر لا الترخيص الشرعي في تركه ، ومن هنا يصح طلب أحد المتلازمين دون جعل الاباحة والترخيص الشرعي للآخر فينتزع العقل وجوب كلا الضدين فلابد من تقييده بالمقيّد اللبي وهو مبني على إمكان الترتب.

وثانياً ـ لو سلّمنا كفاية الترخيص بالمعنى الأعم في رفع حكم العقل بالوجوب مع ذلك قلنا انّ طلب أحد الضدين إنّما يستلزم الترخيص في ترك الآخر إذا كان مساوياً أو مرجوحاً لا ما إذا كان أهم فإنّ نكتة ذلك المقيّد اللبي محفوظة وتامة حتى على هذا المسلك ، وعندئذٍ يستفاد الوجوب للأهم دون المهم إذا كان أحدهما أهم من الآخر فيثبت الترجيح لا محالة وهو نحو ورود بلحاظ حكم العقل بالوجوب.

نعم ، الايراد الرابع من لوازم هذا المسلك بل ومسلك الإطلاق وإثبات الوجوب بمقدمات الحكمة على ما صرّح بذلك في بحث دلالة الأمر على الوجوب فراجع وتأمل.

٤١٩

القرينية بأنواعها

ص ١٦٨ قوله : ( أقسام الحكومة ... ).

قد تقسّم الحكومة إلى واقعية وظاهرية ، ويراد بالظاهرية احراز موضوع الأحكام الشرعية المترتبة على عنوان بحكم ظاهري تعبدي كما في قاعدة الطهارة التي يتعبد بها لترتيب آثار الطهارة الواقعية ظاهراً ، فهي توسعة ظاهرية لا واقعية ، ويكون في دليلها النظر إلى تلك الأحكام الواقعية ، ولكن لترتيبها ظاهراً لا واقعاً ، إلاّ أنّ بابها ليس باب القرينة على المراد ، بل مجرد لسان تنزيل تعبدي ظاهري لترتيب آثار الواقع ظاهراً أيضاً ، فتسميتها بالحكومة مسامحة ، فهو تنزيل ظاهري.

ص ١٧١ قوله : ( أحكام الحكومة ... ).

هناك أحكام اخرى يناسب اضافتها :

منها ـ ما تقدم من الفرق بينها وبين الورود من حيث عدم حاجة الورود ـ كالتخصّص ـ إلى أية مصادرة اضافية ، بخلاف الحكومة حيث انها بحاجة إلى مصادرة أنّ للمتكلم أن يفسر وينصب قرينية على مراده من خطابه.

والفرق بينها وبين التخصيص والتقييد وسائر موارد الجمع العرفي في عدم الحاجة إلى مصادرة اخرى زائداً على ما ذكر ، بخلاف تلك الجموع العرفية ،

٤٢٠