أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

١
٢

٣
٤

تعليقات على

الجزء الخامس والسادس والسابع

«مباحث الدليل اللفظي»

أصالة الاحتياط

الاستصحاب

تعارض الأدلّة

٥
٦

تعليقات على ما تبقّى من الجزء الخامس

أصالة الاحتياط

منجزية العلم الإجمالي

الأقل والأكثر

قاعدة الميسور

شرائط الاُصول المؤمنة

٧
٨

منجزية العلم الإجمالي

ص ١٧٠ قوله : ( منجزية العلم الإجمالي ... ).

قال في الدراسات ما حاصله : المنجز دائماً هو احتمال العقاب ( الضرر الاخروي ) لحكم الفعل بلزوم دفعه وقبح الاقدام عليه ما لم يحرز عدم العقاب واحتمال التكليف يستلزم احتمال العقاب ما لم يجر أصل مؤمن عقلي ـ كقبح العقاب بلا بيان ـ أو شرعي فيكون احتماله منجزاً لكونه مستلزماً لاحتمال العقاب ، بل هذا هو المنجز في موارد العلم التفصيلي أو قيام الحجة على التكليف الالزامي ؛ لأنّ ذلك لا يستلزم القطع بالعقاب ؛ إذ لعلّ الله يتفضل ويعفو ، فدائماً المنجز العقلي إنّما هو دفع الضرر والعقاب الاخروي المحتمل في تمام الموارد.

وعلى هذا يدور تنجيز العلم الإجمالي مدار مدى جريان الاصول المؤمنة عن العقاب ـ عقلاً أو شرعاً ـ في أطرافه ، فإن قلنا بعدم جريانه في شيء من أطرافه كان احتمال التكليف بنفسه منجزاً ، بلا حاجة إلى البحث عن حال العلم الإجمالي ، وإن قلنا بجريانه في تمام الأطراف سقط العلم الإجمالي عن المنجزية مطلقاً وإن قلنا بجريانه في بعض الأطراف دون الكل سقط وجوب

٩

الموافقة القطعية وبقي التنجيز بمقدار حرمة المخالفة القطعية فلابد من البحث عن جريان الاصول في أطراف العلم الإجمالي وعدمه ولا حاجة بل لا أثر للبحث عن منجزية العلم الإجمالي في نفسه وحدوده.

وهذا المطلب الذي ذكره السيد الخوئي قدس‌سره كمقدمة للبحث غريب جداً صدوره من مثله. فإنّه يرد عليه :

أوّلاً ـ انّه خلط بين التنجز العقلي وحب الذات والجبلة الطبيعية للإنسان في الفرار عن الضرر ، فإنّ احتمال العقاب في طول ثبوت تنجز التكليف بالقطع أو بالحجة أو بالاحتمال المنجز عقلاً والمراد بالتنجز هو ما تقدم من حكم العقل بحق الطاعة للمولى وقبح الارتكاب بمعنى استحقاق العقوبة على مخالفته سواء عوقب أم لا بل حتى لو قطع بأنّ المولى سوف يعفو أو لا يتمكن من معاقبته مع ذلك كان التنجز العقلي ثابتاً وكان الارتكاب قبيحاً وفاعله مستحقاً للعقاب.

نعم ، احتمال العقاب يوجب فرار الإنسان بحسب طبعه وجبلته وحبّ ذاته عن العقاب والضرر ، إلاّ أنّ هذا غير التنجز وحكم العقل بقبح الفعل واستحقاق العقوبة ولنسمّيه بالتنجز الطبيعي الجبلّي وهو في طول التنجز العقلي.

وثانياً ـ النقض بقبح التجرّي واستحقاق العقاب فيه فإنّ هذا يعني انّ التنجيز واستحقاق العقوبة ليس موضوعه مخالفة التكليف واقعاً ليكون احتمال التكليف مستلزماً لاحتمال العقاب ، وإنّما التنجّز مربوط بدرجة الانكشاف والوصول وليس احتمال التكليف مساوقاً لاحتمال العقاب ما لم يثبت في المرحلة السابقة

١٠

تنجز هذا الاحتمال وعدمه عند العقل فلابد من البحث عن انّ العلم الإجمالي وما فيه من درجة الانكشاف المقرون بالشك والتردّد هل يكون منجزاً عقلاً كالعلم التفصيلي ، أو يكون كالشك البدوي أو يكون بلحاظ الجامع وحرمة المخالفة كالعلم التفصيلي وبلحاظ الخصوصية كالشك البدوي؟

ومنه يعرف انّ البحث عن جريان الاصول المؤمنة في الأطراف وعدمه لابد وأن يراد به الاصول الشرعية دون قاعدة قبح العقاب بلا بيان فإنّ جريانها وعدم جريانها في أطراف العلم الإجمالي راجع إلى نفس البحث عن مدى منجزية العلم الإجمالي وليس بحثاً آخر فتدبر جيداً.

ص ١٧٣ الهامش ...

بالنسبة للمقام يوجد تعليق متين ذكرناه في بحوث القطع مع تنقيح أضفناه عليه أخيراً فليراجع.

ص ١٧٦ قوله : ( الوجه الأوّل ... ).

ينبغي أن يجاب على كلام الخراساني بأنّ الفعلية إن اريد بها الفعلية في مقام التحفظ الظاهري أيضاً ، فهذا مضافاً إلى انّه ليس من مراحل الحكم ـ كما قال الميرزا وغيره ـ منفي بدليل الاصول العملية سواء في الشبهة البدوية أو المقرونة بالعلم الوجداني فيفهم بالملازمة انّ الفعلي من جميع الجهات لا يكون إلاّبالعلم التفصيلي ، وإن اريد بها الفعلية الذاتية أي الفعلية بتحقق الموضوع ـ كما هو مصلطح الميرزا ـ فهو لا يناقض الحكم الظاهري كما في الشبهات البدوية.

١١

ص ١٧٧ قوله : ( الوجه الثاني ـ ما ذكره المحقق النائيني قدس‌سره ... ).

يمكن أن يورد على هذا الوجه بايرادين :

أحدهما : الايراد الثبوتي الذي أورده السيد الاستاذ الشهيد قدس‌سره.

والثاني : ايراد اثباتي ، حاصله : أننا لو سلمنا أنّ الترخيص الشرعي في المخالفة القطعية ترخيص في المعصية وهو قبيح وممتنع عقلاً فهذا إنّما يلزم فيما إذا اريد استفادة جواز المخالفة القطعية من دليل الأصل الشرعي الترخيصي حيث يقال بأنّه ممتنع وجريانه في طرف دون طرف ترجيح بلا مرجح فيتساقط في الطرفين.

إلاّ انّه لا وجه له ، فإنّ دليل الأصل لا يدل إلاّعلى الترخيص في المخالفة الاحتمالية ورفع التكليف المشكوك والذي لا يعلم لا أكثر وهذا جريانه في الطرفين معاً لا محذور فيه لأنّه إنّما يثبت عدم العقوبة والمسؤولية في ارتكاب كل طرف من حيث هو مشكوك ، وامّا إذا لزم من الجمع بين الطرفين في الفعل أو الترك مخالفة قطعية فدليل الأصل في شيء من الطرفين لا يدل على جوازه وعدم العقوبة فيه لأنّه عنوان آخر ملازم ولا يسري الحكم من أحد المتلازمين إلى الآخر.

وإن شئت قلت : انّ دليل الحلية الظاهرية والترخيص لا ينفي الحرمة أو العقوبة عن العناوين الاخرى التي قد يلزم من جريان الأصل في طرفين وتكون الحرمة أو العقوبة على ذاك العنوان اللازم معلوماً وغير مشمول لدليل الترخيص ، فلا وجه للتعارض بل يجري الأصل الشرعي الترخيصي في الطرفين ويؤمن عن المخالفة الاحتمالية في كل من الطرفين من حيث هي مخالفة احتمالية ، لا من

١٢

جميع الجهات ، فيكون الأصل الشرعي الترخيص على وزان ما تقدم من جريان الأصل العقلي أي البراءة العقلية في الطرفين عن الخصوصية رغم العقاب على مخالفة الجامع المعلوم إذا ارتكب كلا الطرفين.

ونتيجته : أوّلاً ـ عدم المعارضة لأنّه لا يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية بل تبقى المخالفة القطعية ـ لو تحقّقت بالجمع بين المخالفتين الاحتماليتين في الطرفين ـ على حرمته.

وثانياً ـ عدم وجوب الموافقة القطعية في المقام الثالث القادم لأنّ جريان الأصل في الطرفين يؤمّن عن المخالفة الاحتمالية في كل منهما لو تحقق وحده ، ويكون حاله حال جريان الأصل التخييري عن الطرفين.

وهذا الايراد يمكن الاجابة عليه : بأنّ لسان أدلّة الاصول الشرعية المرخّصة لو كان كالأصل العقلي أي لسان رفع التنجيز أو العقوبة صحّ فيه هذا البيان.

إلاّ أنّ لسانها لسان نفي الالزام الواقعي المحتمل ظاهراً أو جعل الحلية كحكم شرعي على نفس الموضوع الواقعي ظاهراً في فرض الشك والجهل به وهذا اللسان لسان نفي الحكم الواقعي في مرحلة الظاهر والحكم الواقعي ليس موضوعه الجامع وإن كان العلم والتنجّز للجامع فيكون رفعه في كل من الطرفين معاً رفعاً مطلقاً لا حيثيّاً وترخيصاً في مخالفته على كل تقدير ، لا مشروطاً بعدم ارتكاب الطرف الآخر ، وهو ترخيص في المخالفة القطعية ، فإذا كانت قبيحة وممتنعة حصل التصادم مع حكم العقل ، والتعارض في دليل الأصل بالنسبة للطرفين.

وإن شئت قلت : انّ جريان الأصل الشرعي في الطرفين معاً معناه أنّ الالزام

١٣

الواقعي لو كان في كل منهما فلا عقاب على مخالفته ، والمفروض القطع بعدم مخالفته في مورد آخر فتتشكل دلالة التزامية لدليل الأصل على عدم المحذور في المخالفة القطعية الاجمالية أيضاً وهو ممتنع بحسب الفرض ، وهذا بخلاف الأصل العقلي الناظر إلى نفي المنجزية وموضوعها الشك والعلم اللذان يجتمعان في الطرفين والجامع ، أي يكون للمكلف شكّان وعلم بالجامع ، فيكون لكل من الشكين حكمه العقلي ، وهو البراءة العقلية ـ على القول بها ـ وللعالم بالجامع حكمه العقلي أيضاً وهو التنجيز بمقداره لا أكثر ، بلا تنافٍ بين الأحكام الثلاثة.

ص ١٨١ قوله : ( التقريب الأوّل ... ).

مرجع هذا التقريب إلى ارتكاز التناقض عقلائياً بين الحكم الواقعي وبين الترخيص الظاهري في الطرفين لا لأنّ الحكم الظاهري يناقض الحكم الواقعي ، فإنّه خلف إمكان الجمع بينهما ، بل لأنّ حفظ الالزامات والاهتمام بها في موارد العلم بها إجمالاً هو أخفّ مراتب الحفظ والتحريك نحو الأغراض الالزامية ، بحيث لو لم يهتم المولى بحفظه في موارد العلم الإجمالي حتى بهذا المقدار فكأنّ الحكم الواقعي مخصوص بموارد العلم التفصيلي به ، والذي هو التصويب ؛ لأنّ المولى قيّد محركيته بذلك ، وقوام الحكم بالتحريك المولوي لا بالملاك ولا الحب والبغض فإنّهما محفوظان في موارد العجز أيضاً ، وليس ذلك حكماً كما هو مقرّر في محلّه.

وإن شئت قلت : بالدقة وإن كانت المحركية الشأنية للغرض الالزامي مع قطع النظر عن التزاحم الحفظي مع ملاك الترخيص ثابتاً في المقام أيضاً بحيث لولا التزاحم المذكور كان يجب على المكلّف الاحتياط ، فلا تصويب بالدقة العقلية ،

١٤

إلاّ أنّ العرف يراه تصويباً ولو من جهة أنّ هذا المقدار من المحركية يراها أدنى مراتب اقتضاءات الالزامات والتحريكات المولوية الواقعية.

ولعلّ هذا البيان أولى من دعوى أنّ الملاكات والأغراض الترخيصية في الارتكاز العقلائي لا يمكن أن تبلغ درجة تتقدم على غرض الزامي معلوم ـ كما هو ظاهر الكتاب ـ فإنّه يمكن أن يورد عليه بأنّ العقلاء كيف لا يحتملون وجود أغراض ترخيصية مهمّة لدى الشارع بحيث تتقدّم ولو على بعض الأغراض الالزامية المعلومة بالعلم الإجمالي ، فإنّ هذا فرع اطلاع العرف والعقلاء على أغراض الشارع ومدى أهمّيتها ، ولا وجه له كما هو واضح.

فالحاصل العرف يرى تناقضاً بين جريان الاصول الترخيصية بمختلف ألسنتها وأنواعها في تمام أطراف العلم الإجمالي مع فعلية الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال وعدم ارتفاعه.

وقد عبّر جملة من الأعلام أنّ محذور الترخيص في المخالفة القطعية لزوم التناقض ، كالمحقّق العراقي قدس‌سره والميرزا النائيني قدس‌سره في أحد تقريريه. إلاّ أنّ ظاهرهما ارادة التناقض عقلاً ، ونحن ندّعي أنّه تناقض بحسب عرف العقلاء في باب التشريعات المولوية الالزامية.

ص ١٨١ قوله : ( التقريب الثاني ... ).

قد يذكر في وجه هذا التقريب بأنّ ظاهر أدلّة الاصول الترخيصية الرفع والترخيص الحيثي ، نظير ما يقال في أدلّة المباحات الأولية من انّه إذا دلّ دليل على حلّية الجبن وانّه جائز أكله فهو لا ينفي حرمته إذا كان مغصوباً أو مضرّاً بالصحة ؛ ولهذا لا يكون معارضاً مع أدلّة حرمة الغصب أو الفعل المضرّ ؛ إذ

١٥

الحلّية والجواز الحيثي ـ أي من حيث انّه جبن ـ لا ينافي الحرمة لجهة اخرى ، بل يجتمع معها كما هو واضح ، فكذلك في المقام قوله : « رفع ما لا يعلمون » لا ينافي وجود محذور في الارتكاب صدفة من حيث كونه معلوماً بالإجمال ؛ لأنّه يثبت جوازاً حيثيّاً ، أي من حيث الشك واحتمال الالزام لا مانع وهو لا ينافي وجود المانع والحرمة في ارتكاب الطرفين من حيث كونه ارتكاباً للمعلوم حرمته.

إلاّ أنّ هذا البيان غير تام ، وذلك :

أوّلاً ـ للزوم نقض وترتيب نتيجة عليه لا يمكن الالتزام به ، وهو أن تكون البراءة الشرعية بل الاصول الترخيصية جارية في تمام أطراف العلم الإجمالي كالبراءة العقلية من دون تعارض ، ولكن من دون إمكان ارتكاب تمام الأطراف ، بل ارتكاب بعضها ؛ لأنّ الحلّية والرفع الحيثي ثبوته في كلا طرفي العلم الإجمالي معاً ممكن ، كثبوت الحلّية الحيثي في الجبن مع حرمته بعنوان الغصب ، غاية الأمر المكلف لا يجوز له ارتكاب كلا الطرفين معاً ؛ لكي لا يقع في مخالفة عنوان آخر هو محرّم عليه ، وهو ارتكاب الحرمة المعلومة ، وهذا لعمري واضح.

وثانياً ـ انّ الاستظهار المذكور لئن تمّ في أدلّة المباحات الأولية فهو غير تام في أدلّة الأحكام الظاهرية حتى الترخيصية منها ، مثل « رفع ما لا يعلمون » ؛ لأنّ ظاهرها رفع تنجيز التكليف الواقعي المشكوك حتى لو كان هو المعلوم بالإجمال ؛ لأنّ ذلك احتمال وليس علماً فهو يؤمّن من ناحية التكليف المحتمل في كل طرف مطلقاً ، لا بنحو مشروط أو حيثي ، ومن هنا يقع التناقض بينه وبين التكليف المعلوم بالإجمال ـ بناءً على التقريب الأوّل ـ ويكون خلاف ظاهر أدلّة

١٦

الترخيص ؛ لأنّها بصدد ترجيح ملاكات الترخيص المتزاحمة مع ملاك الزامي مشكوك لا معلوم ـ كما في الكتاب في التقريب الثاني ـ فراجع وتأمل.

ثمّ انّه قد يقال : إذا لم يكن مفاد الاصول العملية الشرعية المرخّصة إلاّ التأمين من ناحية التكليف المحتمل لا المعلوم ـ سواء لنكتة اثباتية لفظية أو ثبوتية عقلائية أو عقلية ـ فلا أثر لجريانها حتى في بعض أطراف العلم الإجمالي كما إذا كان طرفه الآخر مجرى لأصالة الاشتغال أو أي أصل آخر منجز ـ لأنّه لا يؤمن إلاّ من ناحية التكليف المحتمل والمشكوك في ذلك الطرف ، وهذا لا ينافي تنجيز العلم الإجمالي واقتضائه للفراغ اليقيني عن معلومه الإجمالي في أي طرف كان ؛ لأنّ دليل الأصل الترخيصي لا نظر فيه إلى رفع منجزية العلم أو التكليف المعلوم ولا يؤمن عن التكليف المعلوم ولو كان محتملاً وإنّما يؤمن عن التكليف المشكوك وغير المعلوم أصلاً في كل طرف.

قلت : انّ دليل الأصل لا يؤمن عن المخالفة القطعية ولا يرفع التكليف المعلوم ولو من خلال اطلاقين وإنّما يؤمن ويرفع التكليف المحتمل حتى إذا كان مقروناً بالعلم الإجمالي ؛ لأنّه يجتمع مع الشك ، فالطرف الواحد لا مانع من شمول دليل الأصل له والتأمين عن التكليف المحتمل فيه مطلقاً وعلى كل تقدير أي حتى إذا كان هو المعلوم بالاجمال واقعاً.

وإن شئت قلت : انّ التكليف المعلوم بالاجمال إن كان في الطرف الذي يجري فيه الأصل المنجز فقد امتثل وإن كان في الطرف الآخر فالأصل المؤمن يرفعه ظاهراً ويؤمن من ناحيته ، والعقل يكتفي في الفراغ اليقيني عن التكليف المعلوم المردد في أحد الطرفين بهذا المقدار أي انّه إذا كان في ذاك الطرف فقد امتثله وإذا

١٧

كان في هذا الطرف فالشارع قد أمّن عنه.

وظني انّ روح مطلب المحقق العراقي في البحث القادم ـ علية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية ـ ترجع إلى هذا التصور أي انّ العلم بالتكليف مهما تحقق وجب بحكم العقل الفراغ عن امتثاله وتحصيل اليقين بامتثاله امّا وجداناً أو تعبداً ، ودليل الأصل الجاري في أطراف العلم الإجمالي حيث انّه لا يكون ناظراً إلى احراز الامتثال للتكليف المعلوم بالاجمال فلا يحقق ما يجب احرازه عقلاً وحيث انّ حكم العقل بوجوب تحصيل الاحراز واليقين بالفراغ تنجيزي فلا يمكن رفعه حتى باجراء الأصل في أحد الطرفين.

وهذا يعني أنّ المحقق العراقي يقبل تعليقية الحكم العقلي بالتنجز ؛ ولهذا يكتفي بالاحراز التعبدي ولكنه يرى انّ البراءة عن أحد الطرفين لا يؤمن عما تنجز بالعلم الإجمالي وهو لزوم تحصيل اليقين بالفراغ وامتثال الالزام المعلوم ولو تعبداً.

وهذا جوابه :

أوّلاً ـ ما في الكتاب من أنّ التعبد بالامتثال بلسان ( بلى قد ركعت ) ، أو سائر الاصول التنزيلية مربوط بمرحلة صياغة الحكم الظاهري ولسانه ، وإلاّ فروح الحكم الظاهري وهو الإذن والترخيص في عدم الاحتياط بأي لسان يرفع حكم العقل بالتنجيز ؛ ولهذا لا يشك أحد من جريان قاعدة الفراغ أيضاً حتى إذا كانت أدلّتها بلسان لا تعتني أو أنت في سعة أو رفع عنك الاحتياط والاعادة ونحو ذلك من الألسنة.

١٨

وثانياً ـ انّ لسان احراز الامتثال مجرد تعبير عن الاحتياط في موارد الشك في تحقق الامتثال خارجاً وعدمه حيث يكون الشك في الامتثال فيقال لابد من الاحتياط بحكم العقل والذي لا يكون إلاّباحراز الامتثال مثلاً ، وامّا في موارد تردد التكليف بين متعلقين كما في العلم الإجمالي فالشك فيه ليس في تحقق الامتثال وعدمه بل في متعلق التكليف وما يكون لازماً امتثاله عقلاً وانّه الظهر مثلاً أو الجمعة ويكون الاحتياط اللازم فيه عقلاً كلا الامتثالين.

ومن الواضح انّه في مثل هذا يكتفي العقل في مقام الخروج عن عهدة الحكم المردّد بين حكمين بالاتيان بأحدهما ، والتأمين الشرعي عن الآخر ولا يحكم العقل بلزوم احراز عنوان الامتثال لما هو المتعلق الواقعي للتكليف المعلوم بالاجمال ، والذي هو عنوان انتزاعي عقلي ، وإنّما يحكم بلزوم الخروج عن عهدة واقع كل من التكليفين المحتملين الذين يعلم بأنّ أحدهما ثابت ، وهذا يقوم به الأصل النافي في أحد الطرفين ، ففرق بين الاحتياط في المقام وبين الاحتياط في موارد الشك في الامتثال فتدبر جيداً.

وثالثاً ـ انّ ما ذكره المحقق العراقي لا يوجب علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية وعدم جريان الأصل الواحد في طرف العلم الإجمالي مطلقاً ، بل في خصوص ما إذا كان لسان الأصل المؤمن الواحد لسان نفي التكليف ، وامّا إذا كان لسانه احراز الامتثال فلا بأس بجريانه ؛ لتحقق احراز الامتثال التعبدي عندئذٍ ، كما إذا علم اجمالاً بتركه للسجدة الواحدة في الركعة الاولى أو في هذه الركعة ، وهو بعد لم يتجاوز محل السجود الثاني فيها ، أو إذا علم اجمالاً امّا يكون محدثاً أو يكون قد تنجّس بدنه أو ثوبه مثلاً ، فإنّ أصالة الطهارة تجري وتحرز الامتثال ، والطرف الآخر وهو الشك في الوضوء مجرى لقاعدة

١٩

الاشتغال في نفسه.

فالحاصل في موارد العلم الإجمالي بعدم امتثال أحد التكليفين الفعليين لو كان أحدهما مجرى للاشتغال والآخر مجرى لأصل مؤمّن محرز للامتثال ، كقاعدة الفراغ أو استصحاب الطهارة أو قاعدتها ، كان العلم الإجمالي غير منجز لوجوب الموافقة القطعية ؛ لتحقق احراز الامتثال بجريان الأصل المؤمن في ذلك الطرف لا محالة ، وهذا نقض على المحقق العراقي قدس‌سره.

ص ١٨٩ : قوله : ( الثاني ... ).

ملخص الجواب وروحه : انّ البراءة المشروطة بعدم ارتكاب الطرف الآخر كما لا تعارض البراءة المشروطة في ذاك الطرف ، لا تعارض البراءة المطلقة فيه ؛ لامكان جعلهما معاً ولا يلزم مخالفة قطعية ؛ إذ بارتكابهما معاً ترتفع البراءة المشروطة ، وهذا بخلاف التقييدات الاخرى ، كالتقييد بأن يكون الفرد الأوّل أو يكون الفرد الثاني ، فإنّه وإن كان المشروطان لا تعارض بينهما لعدم إمكان ارتكاب الفردين معاً مثلاً ، إلاّ أنّ البراءة المشروطة في كل منهما بكونه الفرد الأوّل معارض مع البراءة المطلقة في الآخر ، وهذا يعني انّ الإطلاق الأحوالي في الطرف الآخر يعارض الإطلاق الأحوالي والأفرادي في هذا الطرف فيسقط الإطلاق الأفرادي أيضاً.

وهذا بخلاف التقييد الذي أبرزه العراقي قدس‌سره فإنّ الإطلاق الأحوالي في كل منهما إنّما يعارض الإطلاق الأحوالي في الآخر لا الأفرادي بحيث يكفي رفع اليد عن أحد الاطلاقين الأحوالين في الطرفين لدفع المنافاة ، وإنّما نرفع اليد عنهما معاً لعدم الترجيح.

٢٠