تراثنا ـ العددان [ 121 و 122 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 121 و 122 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٥١٠

القاسم بن الفضل الحدّاني وديلم بن غزوان وسكين بن عبد العزيز ، روى عنه محمّد بن موسى الحرشي ولم يجرحه بشيء ، وبمقتضى القاعدة المقرّرة يكون تعديل الحاكم له مقبولا ، لكنّ الذهبي يعقّب قول الحاكم : أرجو أنّه صدوق ، فقال : أظنّ أنّه هو الذي وضع هذا ، وهو تعنّت شديد وقول بالظنّ ، والظنّ أكذب الحديث. والعجب من الحافظ كيف وافق الذهبي على هذا الحكم المتعنّت ، وغفل عمّا تقتضيه القاعدة في هذا المقام؟! والكمال لله تعالى. فالحديث بهذين الطريقين طريق أنس ، وطريق عائشة لا يبعد أن يكون من قبيل الحسن لغيره».

معارضة الحديث بأحاديث موضوعة :

أوّلا : الحديث الموضوع : (أبو بكر سيّد كهول العرب).

وممّا يؤكّد صحّة الحديث أنّ أهل الضلال حاولوا معارضته بحديث موضوع مفاده أنّ أبا بكر هو (سيّد كهول العرب)!!! ، وهذا الحديث ساقط سنداً ومتناً ، فقد روي من طرق قليلة لا يخلو جميعها من الضعف والطعن ، ويكفي أنّ أحداً من الصحابة لم يرو هذا الحديث إلاّ عائشة ـ وهي متّهمة بوضعه ـ والطريق إليها ضعيف ، وتفصيل هذه الطرق كما يلي :

١ ـ طريق عائشة :

أورده ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق(١) من طريق أيّوب بن عتبة.

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٦٤ / ١٩٢.

٤٠١

وهذا الحديث لا يصحّ لوجوه منها :

أ ـ ضعف السند بأيّوب بن عتبة (ت١٦٠هـ) فقد ضعّفه ابن معين وابن المديني والجوزجاني وابن عمّار وعمرو بن عليّ ومسلم والنسائي والدارقطني وأبو داود وابن خراش والترمذي والبخاري وابن حبّان وابن حجر وآخرون ، وقد وُصف من قبل هؤلاء بأنّه (ضعيف) ، (ليّن) ، (ليس بشيء) ، (سيّء الحفظ) ، (ليس بالقويّ) ، (يترك) ، (ليس بالمتين) ، (مضطرب الحديث) ، (شبيه المتروك) ، (كان يخطئ كثيراً ويهمّ حتّى فحش الخطأ منه)!!(١)

ب ـ ضعف السند بجهالة (عمرو بن محمّد بن الحسن) ، فإن كان الأعسم فهو منكر الحديث(٢) ، وإلاّ فأحسن أحواله أنّه (مجهول).

وأفضل الطرق الضعيفة لعائشة هو ما رواه ابن أبي شيبة الكوفي (ت٢٣٤هـ) في مصنّفه(٣) ، قال : حدّثنا خلف بن خليفة (صدوق مختلط ت١٨١هـ) عن إسماعيل بن أبي خالد (ثقة مدلّس ت١٤٦هـ) أنّ عائشة نظرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت : «يا سيّد العرب! قال : أنا سيّد ولد آدم ولا فخر ، وأبوك سيّد كهول العرب»!!! ، وأورده ابن عساكر في تاريخ دمشق(٤) ، وابن حنبل في فضائل الصحابة (ت٣٩٤١هـ)(٥).

__________________

(١) راجع : تهذيب التهذيب ١ / ٣٥٧.

(٢) ميزان الاعتدال ٣ / ٢٨٦.

(٣) المصنّف ٧ / ٤٧٤.

(٤) تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٠٥.

(٥) فضائل الصحابة : ٣٩٤١.

٤٠٢

وهذا الحديث لا يصحّ أيضاً لأسباب :

١ ـ إرسال الحديث من قبل إسماعيل بن أبي خالد وهو مدلّس لم يسمع من عائشة(١) ، «وحكى ابن أبي خيثمة في تاريخه عن يحيى بن سعيد قال : مرسلات ابن أبي خالد ليست بشيء»(٢).

٢ ـ إنّ (خلف بن خليفة) اختلط في آخر عمره ، ويبدو أنّه حدّث بهذا الحديث في العقد الأخير من عمره ، لأنّ الفرق بين وفاته ووفاة ابن شيبة (٥٣) سنة ، يعني إنّ ابن شيبة سمع منه الحديث في أخريات أيّامه ، وقد كان مختلطاً لا يحتجّ بحديثه ، وعلى فرض صحّة تحديثه ـ ولا يصحّ ـ فيكفي في الحديث علّة الإرسال عن مدلّس!

٣ ـ إنّ أبا بكر لم يكن كهلاً آنذاك ـ أي حين صدور الحديث وبعد الهجرة ـ بل كان شيخاً تجاوز الخمسين من عمره! فالمناسب لمثله أن يقال (سيّد شيوخ العرب)! وظاهر الخبر يشهد بوضعه ومعارضته الفاسدة لحديث (عليّ سيّد العرب) الذي ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله بطرق كثيرة.

٤ ـ لم يقم أيّ شاهد من التاريخ أنّ أحداً لقّب أبا بكر أو مدحه بسيّد كهول العرب! وحتّى أتباعه ومريدوه لم نسمع منهم هذا الوصف ممّا يؤكّد اختلاق الحديث وكذبه.

__________________

(١) طبقات المدلّسين : ٢٨.

(٢) تهذيب التهذيب ١ / ٢٥٥.

٤٠٣

٢ ـ مرسلة قيس بن أبي حازم :

أوردها ابن عساكر في موضعين في تاريخ دمشق من طريق (عبد الملك بن عبد ربّه الطائي)(١).

وهذا الطريق لا يصحّ أيضاً بسبب :

١ ـ إرساله وضعف سنده بعبد الملك بن عبد ربّه الطائي فهو منكر الحديث(٢).

٢ ـ في سنده قيس بن أبي حازم : وهو من النواصب الذين أعرض الكوفيّون عن الرواية عنهم لأنّه كان (يحمل على عليّ [عليه‌السلام])(٣) ، فهو متّهم بالترويج له وشهادته مجروحة عند كلّ عاقل.

ثانياً : إدخال العبّاس بن عبد المطّلب مع عليّ عليه‌السلام في سيادة العرب.

ويبدو أنّ هذه المحاولة أنتجتها الآلة الإعلامية للدولة العبّاسية التي كانت تهتمّ بوضع الأحاديث لتلميع صورة بني العبّاس وخلفائهم وسلفهم ودولتهم ، أورد هذا الحديث الموضوع ابن عساكر في تاريخه(٤) ، قال :

__________________

(١) تاريخ دمشق ٣٠ / ١٨٢ ، و : ٤٢ / ٣٠٤.

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ٦٥٨.

(٣) تهذيب التهذيب ٨ / ٣٤٧.

(٤) تاريخ ابن عساكر ٢٦ / ٣٢٢.

٤٠٤

«أخبرنا أبو محمّد طلحة بن أبي غالب بن عبد السلام ، أنا أبو يعلى بن الفرّاء أنا أبو الحسن عليّ بن معروف بن البزّاز نا إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى ابن محمّد بن إبراهيم الهاشمي حدّثني أبي حدّثني عمّي عبد الوهّاب بن محمّد عن عبد الصّمد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، عن عليّ بن عبد الله ، عن عبد الله بن العبّاس قال : قال لي العبّاس : جئت أنا وعليّ رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) فلمّا رآنا قال : «بخ لكما أنا سيّد ولد آدم وأنتما سيّدا العرب».

وفي هذا الحديث علل كثيرة على موازين القوم نذكر منها :

١ ـ قول الذهبي بحقّ القاضي أبي يعلى الفرّاء (ت٤٥٨هـ) : «لم يكن للقاضي أبي يعلى خبرة بعلل الحديث ولا برجاله ، فاحتجّ بأحاديث كثيرة واهية في الأصول والفروع لعدم بصره بالأسانيد والرجال»(١) ، كما ذكر (إبراهيم بن عبد الصّمد بن موسى) في ميزان الاعتدال(٢) ، وهذا دليل على ضعفه.

٢ ـ جهالة بعض رواة السند ، منهم (طلحة بن أبي غالب بن عبد السلام) ، (عليّ بن معروف بن البزّاز) ، و (عبد الوهّاب بن محمّد عن عبد الصمد) وهو بعيد الطبقة عن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، فروايته مرسلة.

__________________

(١) تاريخ الإسلام ٣٠ / ٤٦٣.

(٢) ميزان الاعتدال ١ / ٤٦.

٤٠٥

٣ ـ إنّ متن الحديث يعارض الحديث الشريف بحقّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بكونه سيّد العرب دون مشارك ، فيسقط بالمعارضة وضعف سنده.

دلالة حديث (عليّ سيّد العرب) :

إنّ دلالة الحديث واضحة في تفضيل أمير المؤمنين عليه‌السلام على الصحّابة خصوصاً من تقدّمه من الخلفاء ، وهم من العرب ، وقد حاول بعض علماء العامّة التشكيك بأهمّية الحديث دلالته على الأفضلية ، ومن هؤلاء الإيجي (ت ٧٥٦هـ) صاحب المواقف(١) «السيادة هي الإرتفاع لا الأفضلية ، وإن سلم فهو كالخبر لا عموم له ، فلا يلزم كونه سيّداً في كلّ شيء بل في بعض الأشياء» ، والغريب المستهجن أنّ الإيجي قبل عشر صفحات قد استدلّ بحديث (أبو بكر وعمر سيّدا كهول الجنّة) استدلّ به على أفضليّتهما على سائر الأمّة(٢) ، فيظهر ممّا تقدّم أنّ التعصّب قد جعل عين الإيجي عوراء ؛ لأنّه يستدلّ بالسيادة هنا على الأفضلية ، وهناك على الإرتفاع!! والحمد لله تعالى على سلامة القلب وصحّة التفكير.

ولله الحمد فإنّ الحقّ قد يظهر من فلتات لسان بعض أولئك المخالفين ، ومنهم الفخر الرازي (ت ٦٠٦هـ) الذي استدلّ بهذا الحديث على

__________________

(١) المواقف ٣ / ٦٣٣.

(٢) المواقف ٣ / ٦٢٣.

٤٠٦

أفضليّة نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) على سائر الأنبياء لأنّه وصف بالسيادة على الناس أو على العالمين ، ولكنّه سكت عن دلالة الحديث على أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلامعلى الصحابة ، وسكوته إقرار بصحّة دلالة الحديث على الأفضلية ، يقول الرازي في تفسيره(١) : «روى البيهقي في فضائل الصحابة أنّه ظهر عليّ بن أبي طالب من بعيد فقال عليه‌السلام : هذا سيّد العرب ، فقالت عائشة : ألست أنت سيّد العرب؟ فقال : أنا سيّد العالمين وهو سيّد العرب ، وهذا يدلّ على أنّه أفضل الأنبياء عليهم‌السلام» ، وممّن تحدّث بذلك أيضاً الزرقاني في شرح المواهب اللدنية(٢) : «وفي حديث أبي هريرة مرفوعاً ـ عند البخاري ـ (أنا سيّد الناس يوم القيامة) ، وهذا يدلّ على أنّه أفضل من آدم عليه‌السلام ومن كلّ أولاده بل أفضل من الأنبياء ، بل أفضل الخلق كلّهم».

وقد يرد السؤال أنّ الشيعة تعتقد أنّ عليّاً عليه‌السلام سيّد الخلق بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهذا الحديث يحصر السيادة بالعرب دون غيرهم ، وجواب هذا الإشكال من وجوه :

١ ـ إنّ إثبات الشيء لا ينفي ما سواه ، فإثبات سيادة العرب لا ينفي السيادة عن غيرهم ، كما في قولنا (سيّد الوصيّين) فإثبات سيادة الأمير على

__________________

(١) تفسير الرازي ٦ / ٢١٢.

(٢) شرح المواهب اللدنية ٨ / ٢٨٢.

٤٠٧

الأوصياء لا ينفي أفضليته على الأنبياء ، فكما أنّ أمير المؤمنين من حيث كونه وصيّاً هو خير الأوصياء ، فهو عليه‌السلام من حيث كونه عربيّاً هو سيّد العرب.

٢ ـ إنّ أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام على الأنبياء ثابتة من أدلّة قرآنية وروائية أخرى كما في كمال الدين(١) عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : «خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا ، وهو إمام كلّ مسلم ، ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي».

خلاصة البحث :

حديث (عليٌّ سيّد العرب) جيّد الإسناد ، صحيح المتن ، متّفق على روايته عند الشيعة والسنّة ، وهو من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام التي لا تعدّ ولا تحصى.

والحمد لله ربّ العالمين

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة : ٢٥٩.

٤٠٨

المصادر

١ ـ أسنى المطالب في مناقب الأسد الغالب : لشمس الدين ابن الجزري ، بلا ، بلا.

٢ ـ الأمالي : للشيخ الصدوق ، مؤسّسة البعثة ، طهران ، ١٤١٧هـ.

٣ ـ الأمالي : للشيخ الطوسي ، تحقيق : مؤسّسة البعثة ، نشر : دار الثقافة ، قم ، ١٤١٤هـ.

٤ ـ الأمالي : للشيخ المفيد ، تحقيق : حسين أستاد ولي وعلي أكبر الغفّاري ، دار المفيد ، قم ، ١٤١٤هـ.

٥ ـ إرغام المبتدع : للحافظ ابن الصدّيق المغربي ، تحقيق : حسن السقّاف ، دار الإمام النووي ، عمّان ، ١٤١٢هـ.

٦ ـ إرواء الغليل : لمحمّد ناصر الألباني ، تحقيق : زهير الشاويشي ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ١٤٠٥هـ.

٧ ـ إعلام الورى : للطبرسي ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، قم ، ١٤١٧هـ.

٨ ـ بحار الأنوار : للعلاّمة المجلسي ، مؤسّسة الوفاء ، بيروت ، ١٤٠٣هـ.

٩ ـ بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) : لمحمّد بن علي الطبري ، تحقيق : جواد القيّومي ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ١٤٢٠هـ.

١٠ ـ تاريخ الإسلام : للذهبي ، تحقيق : عمر عبد السّلام التدمري ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ١٤٠٧هـ.

١١ ـ تاريخ بغداد : لابن النجّار البغدادي ، تحقيق : مصطفى عبد القادر ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٤١٧هـ.

١٢ ـ تاريخ دمشق : لابن عساكر ، دار الفكر ، بيروت ، ١٤١٥هـ.

١٣ ـ تذكرة الحفّاظ : للذهبي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

١٤ ـ تفسير الرازي : لابن أبي حاتم الرازي ، تحقيق : أسعد الطيّب ، المكتبة العصرية ، صيدا.

٤٠٩

١٥ ـ تقريب التهذيب : لابن حجر ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٤١٥هـ.

١٦ ـ تهذيب التهذيب : لابن حجر ، دار الفكر ، بيروت ، ١٤٠٤هـ.

١٧ ـ الثقات : لابن حبّان ، مؤسّسة الكتب الثقافية ، مجلس دائرة المعارف العثمانية ، حيدر آباد الهند.

١٨ ـ الجرح والتعديل : لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ١٣٧١هـ.

١٩ ـ حاشية ردّ المختار : لابن عابدين ، دار الفكر ، بيروت ، ١٤١٥هـ.

٢٠ ـ حلية الأولياء : لأبي نعيم الإصفهاني ، دار الفكر ، بيروت.

٢١ ـ الخصال : للشيخ الصدوق ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، جامعة المدرّسين ، قم ، ١٤٠٣هـ.

٢٢ ـ ذيل تاريخ بغداد : لابن النجّار البغدادي ، تحقيق : مصطفى عبد القادر ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٤١٧هـ

٢٣ ـ رجال الكشّي : للشيخ الطوسي ، تحقيق : السيّد مهدي رجائي ، مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، قم ، ١٤٠٤هـ.

٢٤ ـ سير أعلام النبلاء : للذهبي ، تحقيق : محمود الصاغرجي ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، ١٤١٣هـ.

٢٥ ـ السيرة الحلبيّة : للحلبي ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٤٠٠هـ.

٢٦ ـ شرح إحقاق الحقّ : للسيّد المرعشي ، تحقيق : السيّد المرعشي ، مكتبة السيّد المرعشي ، قم.

٢٧ ـ شرح الأخبار : للقاضي النعمان المغربي ، تحقيق : السيّد محمّد الحسيني الجلالي ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ١٤١٤هـ.

٢٨ ـ صحيح ابن حبّان : لابن حبّان ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، ١٤١٤هـ.

٢٩ ـ طبقات المدلّسين : لابن حجر ، تحقيق : عاصم القريوني ، جمعيّة عمّال المطابع ، عمّان.

٤١٠

٣٠ ـ العمدة : لابن البطريق ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ١٤٠٧هـ.

٣١ ـ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام : لابن عقدة الكوفي ، تحقيق : عبد الرزّاق حرز الدين.

٣٢ ـ الكاشف : للذهبي ، تحقيق : محمّد عوامة ، دار القبلة ، جدّة ، ١٤١٣هـ.

٣٣ ـ كتاب سليم بن قيس : لسليم بن قيس الهلالي ، تحقيق : محمّد باقر الأنصاري ، قم.

٣٤ ـ كتاب الولاية : لابن عقدة الكوفي ، تحقيق : عبدالرزاق حرز الدين.

٣٥ ـ كمال الدين وتمام النعمة : للشيخ الصدوق ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ١٤٠٥هـ.

٣٦ ـ اللباب في تهذيب الأنساب : لابن الأثير ، دار صادر ، بيروت.

٣٧ ـ لسان الميزان : لابن حجر ، مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، ١٣٩٠هـ.

٣٨ ـ مدينة المعاجز : للسيّد هاشم البحراني ، تحقيق : عزّة الله المولائي ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، قم ، ١٤١٣هـ.

٣٩ ـ المستدرك على الصحيحين : للحاكم النيسابوري ، تحقيق : يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، دار المعرفة ، بيروت.

٤٠ ـ المصنّف : لابن أبي شيبة ، تحقيق : سعيد اللحام ، دار الفكر ، بيروت ، ١٤٠٩هـ.

٤١ ـ معاني الأخبار : للشيخ الصدوق ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ١٣٧٩هـ.

٤٢ ـ المعجم الأوسط : للطبراني ، تحقيق ونشر : دار الحرمين ، القاهرة ، ١٤١٥هـ.

٤٣ ـ المعجم الكبير : للطبراني ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٤٤ ـ المواقف : للإيجي ، تحقيق : عبد الرحمن عميرة ، دار الجيل ، بيروت ، ١٤١٧هـ.

٤٥ ـ ميزان الاعتدال : للذهبي ، تحقيق : علي محمّد البجّاوي ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٣٨٢هـ.

٤٦ ـ اليقين : لابن طاووس ، تحقيق : الأنصاري ، دار الكتاب ، قم ، ١٤١٣هـ.

٤٧ ـ ينابيع المودّة : للقندوزي ، تحقيق : علي جمال أشرف ، دار الأسوة ، قم ، ١٤١٦هـ.

٤١١

معقل بن قيس بن حنظلة الرياحي

صاحب الإمام عليّ عليه‌السلام

د. صلاح مهدي الفرطوسي

بسم الله الرحمن الرحيم

ازدان تاريخ الكوفة برجال من أصحاب عليٍّ عليه‌السلام عزَّ نظيرهم في إيمانهم وشجاعتهم وحسن قيادتهم وقدرتهم على الصبر وإخلاصهم لإمامهم في حياته وبعد رحيله ، لا يطاولهم أحد ممّن سكن الكوفة أو مرَّ بها ، وهم من أعمدة حضارتنا ومحلّ اعتزازنا وتكريمنا ، وبمجموعهم يحتلّون جانباً مهمّاً من حركة التاريخ ، وقد وقفنا على سير بعضهم بإيجاز في غير كتاب وبحث(١) ، فبعضهم ذهب شهيداً للعقيدة والولاء والمبدأ ، وبعضهم مات حتف أنفه إلاّ أنّهم جميعاً من مفاخر مجد الكوفة وعزّها.

__________________

(١) منها : رجال من بقيع ثوية الكوفة ، والثوية بقيع الكوفة ، ومقالات عدّة نشرت هنا وهناك.

٤١٢

معقل بن قيس :

من ذلك الرعيل الصاعد إلى ذرى المجد أبو رميلة(١) معقل بن قيس الذي ينعقد مجلسنا اليوم حول سيرته ، فهو من وجوه الكوفة وأبطالها وقادة جيوشها ، وله رئاسة وقدم بها ، إذ كان على رأس أحد أسباعها المكوّن من قريش وكنانة وأسد وتميم والرباب ومزينة(٢).

وعلى الرغم من شهرته فإنّ كتب الأنساب حينما تذكره تكتفي بذكر اسم أبيه وجدّه ، ثمّ تذكر أنّه من بني رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم(٣). ولم أقف له على أخوة أو ذرّية عند من ترجم له ، ويبدو أنّه رزق ببنت لعلّها (رميلة) التي كان يكنَّى بها ، وقد يكون الأشعث تزوّجها إذ قيل : «إنّه جدّ عبد الرحمن بن محمّد ابن الأشعث لأمِّه»(٤).

قبل عهد الإمام :

ولا يدرى متى أسلم الرجل ، إلاّ أنّه أدرك النبيَّ (صلى الله عليه وآله)(٥) ، ويبدو أنّ الصحبة لم تكتب له(٦). وهو من المشاركين بفتوحات الشرق ، فقد أرسله

__________________

(١) أنساب الأشراف ٥/١٦٩ ، ١٢/١٦٠.

(٢) الغارات ١/٥٢ ، وأنساب الأشراف ٢/٢٣٦ ، وشرح نهج البلاغة ١٥/٩٢.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٥٩/٣٦٧.

(٤) الكامل في التاريخ ٤/٤٩٢.

(٥) الإصابة ٦/٢٤١.

(٦) تاريخ الإسلام ٤/١١٦.

٤١٣

عمّار بن ياسر مع الهرمزان إلى الخليفة عمر بن الخطّاب بفتح تستر(١) ، وذكر صالح أحمد العلي أنّه شارك بفتح نهاوند(٢).

كان أيضاً من نسّاك الكوفة وخطبائها وقرّائها ، وفي أثناء اعتراض الكوفيّين على إمارة سعيد بن العاص كتب جماعة منهم إلى الخليفة عثمان يطالبون بتنحية سعيد ، منهم معقل بن قيس(٣).

في عهد أمير المؤمنين :

ومعقل من كبار شيعة أمير المؤمنين ووجوه مبايعيه(٤) ، وصاحبه(٥) ، وصاحب شرطته(٦) وروى عنه(٧) ، وهو عنده عليه‌السلام (التقيُّ الأمين)(٨). ولعلّ بيعته كانت بالمدينة ، لأنّ غالبية من ذكرهم الشيخ المفيد ممّن بايعوه عليه‌السلام كانت بيعتهم بالمدينة.

وأنت حينما تتابع سيرة الرجل تكاد تذهب إلى أنّه لم ينزل عن صهوة

__________________

(١) جمهرة أنساب العرب : ٢٢٨ ، وانظر الغارات ٢/٧٨٢.

(٢) الكوفة وأهلها في صدر الإسلام ، وأحال المؤلّف على الطبري ولم أقف به على اسمه مع من ذكر من المشاركين بمعركة نهاوند.

(٣) أنساب الأشراف ٥/٥٣٠ ، وتاريخ المدينة ٣/١١٤٢ ، وانظر أيضاً الغدير ٩/٤٧.

(٤) الجمل : ٥٢.

(٥) الأنساب ٤/٧ ، وإكمال الكمال ٧/١١٦.

(٦) تاريخ اليعقوبي ٢/٢١٣ ، وتاريخ خليفة : ١٥١ ، وتاريخ مدينة دمشق ٥٩/٣٦٧ ، والمحبر : ٣٧٣.

(٧) رجال الطوسي ٥٥/٢٦.

(٨) الفتوح : ٢٢٢.

٤١٤

جواده في خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، إذ كان بجانبه في حروبه ورهن أمره ، بل كان يبادره أحياناً قبل أن يطلب منه ، وهو فارسه الشجاع وقائده المنصور في أيّ بعث ، وفي معركة الجمل أمَّره على رجالة بني أسد(١). وسنقف من بعد على مواقفه وبطولاته في المعارك التي خاضها إلى أن يذهب شهيداً في حبّه وولائه لأمير المؤمنين عليه‌السلام بعد رحيله.

نحو صفّين :

لم تكن الكوفة صافية للإمام عليه‌السلام ، ففيها من الموالين لغيره حشر ، ومن أعدائه حشر آخر. وحين عزم على التوجّه إلى الشام بعد فشل المراسلات مع معاوية دخل عليه عبد الله بن المعتّم العبسي ، وحنظلة بن الربيع التميمي في رجال كثير من غطفان وتميم بحجّة نصحه في البقاء ومكاتبة معاوية(٢) ، فقام معقل وقال : «يا أمير المؤمنين ، إنّ هؤلاء والله ما أتوك بنصح ، ولا دخلوا عليك إلاّ بغشّ ، فاحذرهم فإنّهم أدنى العدوّ»(٣) ، وحينما أشار الإمام إلى تَخَلُّفِ من تخلَّفَ عن التوجُّه لقتال أهل الشام قال : «يا أمير المؤمنين ؛ والله لا يتخلّف عنك إلاّ ضنين ؛ ولا يتربّص بك إلاّ منافق»(٤) ، ولا شكّ أنّ كلمات مثل تلك تنبئ عن إخلاص وهمَّة وعقيدة ومحبّة.

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٥٩/٣٦٧.

(٢) وقعة صفّين : ٩٦.

(٣) وقعة صفّين : ٩٦ ، وشرح نهج البلاغة ٣/٢٠٢.

(٤) شرح نهج البلاغة ٣/٢٠٢.

٤١٥

وبعد وصول أمير المؤمنين عليه‌السلام بجيشه إلى المدائن وهو في طريقه إلى صفّين وجَّه معقلاً في ثلاثة آلاف ، وأمره أن يأخذ طريق الموصل(١) حتّى يوافيه ، وأوصاه بقوله : «اتَّقِ الله الذي لابدَّ من لقائهِ ، ولا مُنْتَهى لك دُونَهُ ، ولا تُقاتِلَنَّ إلاّ من قاتَلَكَ ، وسِر البَرْدَيْنِ ، وغَوِّر بالنَّاس ، ورفِّهْ في السَّيرِ ، ولا تَسِر أوَّل الليلِ ، فإنَّ اللهَ جَعَلَه سَكَناً ، وقَدَّره مُقَاماً لا ظَعْناً ، فأرِح فِيهِ بَدَنَكَ ، ورَوِّح ظَهْرَكَ ، فإذا وقَفْتَ حينَ ينْبَطِحُ السَّحرُ أو حين يَنْفَجِرُ الفَجْرُ ، فسِر علَى بركةِ الله ، فإذا لقِيت العدوَّ فَقِف من أصحاَبكَ وسَطاً ، ولا تَدْنُ من القومِ دُنُوَّ من يريدُ أن يُنشِبَ الحربَ ، ولا تَبَاعَد عنهم تباعُدَ من يهَابُ البأسَ حتَّى يأتِيكَ أمرِي ، ولا يَحْمِلَنَّكُم شَنَآنُهُم على قتالهم ، قبل دُعَائِهم ، والإعْذارِ إليهم»(٢). وعلى الرغم من آيات البيان التي تلحظ في وصيّته عليه‌السلام ، فإنّها تعدّ أيضاً من الوثائق التي ينبغي أن تتدارسها المؤسّسات العسكرية في كيفية تسيير الجيوش.

وفي أثناء مناوشات معركة صفّين سنة سبع وثلاثين كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يخرجه أحياناً مع فرسان ذكرهم ابن مزاحم(٣) ، إذ لم يشأ أن يشنّ حرباً عامَّة على جيش معاوية ، على أمل أن يثيب إلى رشده فيجنّب

__________________

(١) أنساب الأشراف ٢/٢٦٩ ، وتجارب الأمم ١/٥١٢ ، والكامل في التاريخ ٣/٢٨٧ ، وتاريخ ابن خلدون ٢/١٦٩.

(٢) نهج البلاغة : ٥٤٩ ، وشرح نهج البلاغة ١٥/٩٢ ، وينظر أيضاً التذكرة الحمدونية ١/٣٥٠.

(٣) وقعة صفّين : ١٩٥.

٤١٦

المسلمين خسائر كبيرة ، فبدأت مناوشات بينهما ذكر الطبري وابن مزاحم بعض من أخرجهم الإمام فيها من مثل حجر بن عديّ الكندي ، وشبث بن ربعي ، وخالد بن المعمّر ، وزياد بن النضر الحارثي ، ومعقل بن قيس الرياحي ، وقيس بن سعد ، وكان مالك الأشتر أكثر قادته عليه‌السلام خروجاً(١). ثمّ كانت وقعة من كبرى الوقائع ، سجَّل فيها فرسان جيشه انتصارات تحدّث عنها التاريخ بكلّ الزهو والافتخار ، وكان معقل بن قيس من أبطالها الميامين ، ومن رجزه في إحدى حملاته قوله :

أيُّها السائلُ عن أصحابي

إن كنت تبغي خبر الصواب

أخبرك عنهم غير ما كذّاب

فإنّهم أوعية الكتاب

فقاتلوا يا معشر الأحزاب

صبرًا على الهيجاء والضراب(٢)

وبعد مؤامرة رفع المصاحف التي أدّت إلى إيقاف الحرب ، وإحداث شرخ في جيش الإمام عليه‌السلام بسبب اندفاع الأشعث بن قيس بكلِّه إلى قبول التحكيم ، خرج معقل مع الأحنف بن قيس لاسترضاء الأشعث حينما شدّ عليه عروة بن أدية التميمي فأخطأه وضرب عجز فرسه ، وحكَّم(٣).

النهروان وما بعدها :

حين أراد أمير المؤمنين عليه‌السلام الخروج إلى معاوية بعد التحكيم كان أوّل

__________________

(١) وقعة صفّين : ١٩٥ ، وتاريخ الطبري ٣/٥٧١.

(٢) الفتوح ٣/٣٨١ ، وينظر أيضاً وقعة صفّين : ٣٨١.

(٣) وقعة صفّين : ٥١٣.

٤١٧

من استجاب من وجوه أهل الكوفة سعيد بن قيس الهمداني ، ومعقل بن قيس الرياحي ، وزياد بن خصفة ، وعدي بن حاتم ، وحجر بن عديّ ، وغيرهم من بعد(١). إلاّ أنّ ما أراده الإمام لم يتحقّق ، فاتّجه إلى الخوارج بالنهروان ، وفيها كان معقل بن قيس على ميسرته في رواية(٢).

خروج هلال بن علقمة التيمي :

بعد معركة النهروان بدأت فلول الخوارج تخرج هنا وهناك ، فخرج هلال بن علقمة ، وهو من تيم الرباب ، وهلال هذا أحد أبطال معركة القادسية ، روي أنّ رستماً رماه بسهم فأصاب قدمه وشكَّها بركابه ، فحمل عليه هلال فقتله واحتزَّ رأسه(٣).

وحين خرج خرج معه أخوه مجالد ، فأتى ماسبذان ، فوجَّه إليه الإمام عليه‌السلام قائده الهمام معقل بن قيس ، فقتله وقتل أصحابه وهم أكثر من مائتين ، في جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين(٤).

خروج الخرِّيت بن راشد الناجي :

روي أنّ الخرّيت لقي النبيَّ (صلى الله عليه وآله) وهو ما بين مكّة والمدينة في وفد بني

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤/٩٥.

(٢) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ٥/١٣٤ ، والكامل في التاريخ ٢/٣٤٥.

(٣) الثقات ٢/٢٠٩ ، ومروج الذهب ٢/٣١٨ ، والبداية والنهاية ٧/٥٤ ، وشرح نهج البلاغة ٩/٩٨ ، وفي فتوح ابن أعثم ١/٢٠٩ ، قتله هلال بن علقمة العقيلي.

(٤) أنساب الأشراف ٢/٤٨٢ ، والكامل في التاريخ ٣/٣٧٢.

٤١٨

سامة ، فاستمع لهم. ثمّ لا نقف له على خبر إلاّ يوم الجمل إذ كان من وجوه جيش أصحابه ، وكان فيه على مضر(١). إلاّ أنّه رافق أمير المؤمنين من البصرة ، هو ورهطه من بني ناجية من بعد ، وأقام معه بالكوفة(٢) ، كان معه عليه‌السلام في معركتي صفّين والنهروان(٣) ، ويمثّل خروجه ـ واسمه الحارث ـ صدعاً آخر في خلافة أمير المؤمنين ، ففي سنة ثمان وثلاثين أظهر الخلاف عليه بعد تحكيم الحكمين ، وكان معه ثلاثمائة رجل ، وحاول الإمام ثنيه عن رأيه بما اعتاد عليه في مناقشة أصحابه أو الخارجين عليه وتبصيرهم وإرشادهم دونما ترهيب أو تخويف أو عقاب ، وبعد حديث أظهر فيه الخرّيت ليونة وعدّه أن يعود إليه ليستمع إلى ما يقوله عليه‌السلام ، إلاّ أنّه فارقه بجماعته خلسة ، فأرسل الإمام من ورائه زياد بن خصفة لعلَّه يعيده إلى صوابه ، وكان الخرّيت قد اتَّجه بأصحابه نحو نِفَّر ، وفي الطريق قتلوا دهقاناً لأنّه من المؤمنين بإمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ واستطاع ابن خَصَفَة أن يلحق به بعد أن بلغ الجهد منه مبلغه ، فأخذه بالحجَّة ، وطلب منه العودة ، فلمَّا أبى هو وأصحابه طلب منهم تسليمه قتلة الدهقان ، فلمّا أبوا ناجزهم مناجزة شديدة ، وحين جنَّ الليل تنحّى الخرّيت بمن معه ، فلحقه ابن خصفة حتّى بلغ البصرة ، إلاّ أنّه سبقه إلى الأهواز. والتحق به من الكوفة نحو مائتين ، كما التحقت به جماعة من أكراد تلك البقاع وعلوجها ، فكتب زياد رسالة لأمير المؤمنين يخبره بما جرى ،

__________________

(١) إكمال الكمال ٢/٤٣٢ ، والإصابة ٢/٢٣٥.

(٢) تاريخ الطبري ٤/٨٦.

(٣) تاريخ الطبري ٤/٨٦.

٤١٩

فلمّا قرأها على أصحابه قال له معقل : «أصلحك الله يا أمير المؤمنين إنّما كان ينبغي أن يكون مكان كلّ رجل من هؤلاء الذين بعثتهم في طلبهم عشرة من المسلمين ، فإذا لحقوهم استأصلوا شأفتهم ، وقطعوا دابرهم ، فأمّا أن يلقاهم أعدادهم ، فلعمري ليصبرنّ لهم ، فإنّهم قوم عرب ، والعدّة تصبر للعدّة ، وتنتصف منها»(١) ؛ فندبه عليه‌السلام في ألفين ، وأوصاه بقوله : «يا معقل ، اتّق الله ما استطعت ، فإنّها وصيّة الله للمؤمنين ، لا تبغ على أهل القبلة ، ولا تظلم أهل الذمّة ، ولا تتكبّر فإنّ الله لا يحبّ المتكبّرين ، فقال معقل : الله المستعان»(٢) ، وكتب إلى ابن عبّاس يطلب منه بعث ألفين يقودهم رجل شجاع من أهل الصلاح كي يلقى معقلاً ، ويسمع له ويطيع(٣) ، فاختار ابن عبّاس خالد بن معدان الطائي(٤) ، وهو من فضلاء التابعين المختصّين بأمير المؤمنين(٥) ، ودارت معركة قتل فيها من قتل من أصحاب الخرّيت الذي استطاع الهرب أيضاً إلى سيف البحر ، فكتب معقل إلى أمير المؤمنين رسالة يعلمه فيها بالنصر الذي تحقّق ، وبهرب الخرِّيت ، قال : «لعبد الله أمير المؤمنين من معقل ابن قيس سلام عليك فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد فإنَّا لقينا المارقين وقد استظهروا علينا بالمشركين ، فقتلناهم قتل عاد وإرم ، مع أنَّا

__________________

(١) الغارات ١/٣٢٨ ، وتاريخ الطبري ٤/٩٣ ، وينظر أنساب الأشراف ٢/٤١٤ ، وأُسد الغابة ٢/١١٠.

(٢) الغارات ١/٣٥١ ، وتاريخ الطبري ٤/٩٤ ، وينظر أيضاً شرح نهج البلاغة ٣ / ١٣٦.

(٣) الغارات ١/٣٤٨.

(٤) المصدر السابق ١/٣٤٨.

(٥) أعيان الشيعة ٦/٢٩٦.

٤٢٠