مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

( مسألة ١٠ ) : لو ادعى أحدهما على الآخر الخيانة أو التفريط في الحفظ فأنكر عليه الحلف مع عدم البينة [١].

( مسألة ١١ ) : إذا ادعى العامل التلف قبل قوله مع اليمين لأنه أمين [٢].

( مسألة ١٢ ) : تبطل الشركة بالموت [٣] ، والجنون والاغماء ، والحجر بالفلس أو السفه ، بمعنى : أنه لا يجوز للآخر‌

______________________________________________________

اقتضائياً ، فيكون الشرط مخالفاً للكتاب. لكن بناء على هذا لا يصح وان كان في عقد لازم. نعم لو كان المستند الإجماع على بطلان الشرط أمكن اختصاص الإجماع بصورة الشرط في ضمن العقد ، فلا يشمل غيره. لكن ثبوت الإجماع غير ظاهر. فالتحقيق أن الوجه فيه أن الشركة التجارية ليست إلا إيقاع الاذن من الشركاء ، والاذن لا يقبل اللزوم ضرورة ، فيجوز للآذن العدول عن إذنه ما لم يكن سبب ملزم.

[١] لأنه أمين ، وليس على الأمين إلا اليمين ، كما سبق أنه مفاد النصوص‌

[٢] يعني : وليس على الأمين إلا اليمين. ولا فرق بين أن يكون التلف المدعى بسبب ظاهر أو خفي ـ كما نص على ذلك في الشرائع وغيرها ـ لإطلاق الأدلة ، خلافاً لبعض العامة.

[٣] كما نص على ذلك في الشرائع والقواعد وغيرهما من كتب القدماء والمتأخرين. ويظهر منهم الإجماع عليه ، بل عن الغنية : الإجماع صريحاً ، وعن التذكرة : انفساخها بالإغماء والحجر والسفه ، وعن التحرير وجامع المقاصد والمسالك : انفساخها بالفلس. والوجه في الحكم في الموت ظاهر ، لانتقال المال إلى الوارث فلا يجوز التصرف بغير إذنه. وكذا في الفلس ، لكون الأموال تحت سلطان الحاكم الشرعي ، فلا يجوز التصرف بغير إذنه. أما في غيرهما فغير ظاهر ، لو لا ظهور الإجماع ، وكما أن الاذن‌

٤١

التصرف ، وأما أصل الشركة فهي باقية [١]. نعم يبطل أيضاً ما قرراه من زيادة أحدهما في النماء بالنسبة إلى ماله أو نقصان الخسارة كذلك [٢]. إذا تبين بطلان الشركة فالمعاملات الواقعة قبله [٣] محكومة بالصحة ، ويكون الربح على نسبة المالين ، لكفاية الإذن المفروض حصوله [٤]. نعم لو كان مقيداً بالصحة تكون كلها فضوليا بالنسبة إلى من يكون إذنه‌

______________________________________________________

لا تبطل بالنوم لا تبطل عرفاً بالإغماء والجنون والسفه ، وإذا شك فالاستصحاب كاف في ترتيب الأحكام.

[١] كما صرحوا بذلك على نحو يظهر منهم أنه من المسلمات ، بل ينبغي أن يكون من الضروريات ، وأن حدوث هذه الطوارئ لا يوجب إفراز الحقوق ، ولا تعيين الحصة المشاعة ، فالشركة التي حكم ببطلانها بالأمور المذكورة هي الشركة في الاتجار بالمال والعمل به ، بمعنى عدم جواز التصرف فيه.

[٢] لأن بطلان العقد يستوجب بطلان الشرط في ضمنه ، لأنه حينئذ يكون من الشرط الابتدائي ، وهو لا يجب العمل به.

[٣] يعني : قبل تبين البطلان.

[٤] يعني : أن الشركة إذا بطلت فبطل الشرط في ضمنها تبقى الاذن فيصح بها التصرف ، وقد ذكر جماعة أنه إذا بطلت الوكالة يصح التصرف بالإذن التي في ضمنها ، مثلا إذا علق الوكالة على شرط استقبالي بطلت للتعليق ، لكن تبقى الاذن ، فيصح لأجلها التصرف الصادر من الوكيل ، لا لأنه وكيل ، بل لأنه مأذون. فيكون هناك أمور ثلاثة : شركة عقدية ، وشرط التفاوت ، وإذن في التصرف ، فاذا بطلت الشركة فبطل الشرط لم تنتف الاذن بالتصرف ، فتصح المعاملات الجارية على المال. لكن عرفت‌

٤٢

مقيداً. ولكل منهما أجرة مثل عمله [١] بالنسبة إلى حصة الآخر إذا كان العمل منهما ، وان كان من أحدهما فله أجرة مثل عمله.

( مسألة ١٣ ) : إذا اشترى أحدهما متاعاً وادعى أنه‌

______________________________________________________

أن الشركة العقدية نفس الاذن بالتصرف ، والشرط إن فرض فهو قيد للاذن ومقوم لها لأن الإذن بالتصرف أخذت مقيدة بالتفاوت ، نظير الإباحة ، فمع انتفاء القيد تنتفي الإذن. هذا مضافاً إلى أن المبطلات المذكورة إنما تبطل الشركة لأنها تبطل الاذن فلا تصح الاذن معها ، كما هو ظاهر ، وقد سبق منه أنه لا يجوز التصرف. نعم لو فرض بطلان الشركة بمبطل غير الأمور المذكورة أمكن القول ببقاء الاذن ، كما تقدم ذلك في المضاربة. لكن ظاهر كلام المصنف (ره) الحكم في المبطلات المذكورة. ويحتمل بعيداً أن يكون المراد أن المعاملات الواقعة قبل البطلان صحيحة. لكن صحتها حينئذ من جهة صحة الشركة ، لا لكفاية الاذن مع بطلان الشركة كما ذكر. وأيضاً بناء على ذلك لا تختص الصحة بالمعاملات الواقعة قبل البطلان ، بل يشمل حتى المعاملات الواقعة بعد البطلان ، لأن البطلان لا يوجب ارتفاع الإذن.

[١] الذي يظهر من العبارة أن ذلك من أحكام البطلان ، يعني إذا بطلت الشركة استحق العامل أجرة عمله بالنسبة إلى حصة شريكه ، لاستيفائه العمل فيضمن بالاستيفاء. لكن يختص ذلك بما إذا فرض للعامل أجرة ، أما إذا لم يفرض له أجرة فقاعدة : ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، تقتضي عدم الضمان.

هذا والمصنف لم يتعرض في الشركة الصحيحة لاستحقاق الأجرة وعدمه ، وكان المناسب ذلك ، بل الظاهر من قوله في المسألة الخامسة :

٤٣

اشتراه لنفسه وادعى الآخر أنه اشتراه بالشركة ، فمع عدم البينة القول قوله مع اليمين ، لأنه أعرف بنيته [١]. كما أنه كذلك لو ادعى أنه اشتراه بالشركة وقال الآخر أنه اشتراه لنفسه ، فإنه يقدم قوله أيضاً ، لأنه أعرف ، ولأنه أمين [٢].

تمَّ كتاب الشركة‌

______________________________________________________

« يتساوى الشريكان .. » أن ذلك مبني على أن العمل مجاني ، وكذلك ظاهر كلمات الفقهاء. وعليه فلا وجه لاستحقاق الأجرة مع البطلان. هذا ويحتمل بعيداً أن يكون كلامه هذا لبيان حكم العمل في الشركة الصحيحة ، لكن كان المناسب أن يفصله عن هذه المسألة بمسألة أخرى.

[١] يشير هذا التعليل إلى القاعدة المشهورة في كلام الأصحاب من قبول قول من لا يعرف المقول إلا من قبله ، ويظهر أنها من القواعد المعول عليها عند العقلاء ، ولولاها يلزم تعطيل أحكام المقول ، إذ لا طريق إلى إثبات موضوعها ، ويقتضيها قاعدة : من ملك شيئاً ملك الإقرار به ، المدعى عليها الإجماع في كلام الأصحاب ، وقد مر ذلك في المسألة الثانية والخمسين من كتاب المضاربة. فراجع.

[٢] لا يظهر دليل على كلية سماع قول الأمين إلا في حال الاخبار عن وقوع الفعل المؤتمن عليه ، كما إذا أخبرت الجارية بغسل الثوب الذي كلفت بغسله ، أو يكون الخبر مع التداعي مع من ائتمنه في جملة من الموارد لا على كليته ، فلو ادعى الرد لم يقبل قوله إلا في الودعي. فكان الأولى للمصنف (ره) أن يقول : لأنه أمين على أداء الفعل الذي أخبر عن وقوعه.

٤٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب المزارعة

وهي المعاملة على الأرض بالزراعة بحصة من حاصلها [١] وتسمى مخابرة أيضاً ، ولعلها من الخبرة بمعنى النصيب.

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب المزارعة

المزارعة من باب المفاعلة ، مصدر ( فاعل ) وهو للسعي نحو الفعل ، بخلاف فعل ، فإنه لوقوع الفعل ، فاذا قلت : قتل زيد عمرواً فقد أخبرت عن وقوع القتل على عمرو من زيد ، فاذا قلت : قاتل زيد عمرواً ، فقد أخبرت عن سعي زيد لقتل عمرو ، فاذا قلت : زارع زيد عمرواً ، كان المراد أنه سعى زيد لتحقيق الزرع ووقوعه من عمرو ، ففي المثالين يراد من فاعل السعي ويختلفان في كيفية وقوع الفعل ، ولا يقال : زارعت الحب بمعنى سعيت الى زرعه ، كما يقال : قاتلت زيداً ، فهذا الاختلاف ناشئ من اختلاف الموارد.

[١] تفترق المزارعة عن إجارة الأرض : بأن إجارة الأرض لا يملك مؤجرها على المستأجر لها شيئاً غير الأجرة ، وهنا يملك المؤجر لها مضافاً‌

٤٥

كما يظهر من مجمع البحرين [١] ولا إشكال في مشروعيتها ، بل يمكن دعوى استحبابها. لما دل على استحباب الزراعة ، بدعوى كونها أعم من المباشرة والتسبيب [٢]. ففي خبر الواسطي قال : « سألت جعفر بن محمد (ع) عن الفلاحين قال : هم الزراعون كنوز الله في أرضه ، وما في الأعمال شي‌ء أحب الى الله من الزراعة ، وما بعث الله نبياً إلا زارعا

______________________________________________________

إلى الحصة ، أن يعمل العامل ، وليس له الامتناع عن العمل. كما أنها تفترق عن إجارة الأجير بأن في إجارة الأجير لا يملك الأجير على المستأجر شيئاً غير الأجرة ، وهنا يملك على مالك الأرض بذل الأرض مضافاً إلى الحصة ، فالمزارعة كأنها إجارة للأرض وإجارة للعامل ، فهي كأنها إجارتان لأن كلا من العامل والمالك يملك على الآخر شيئاً غير الحصة. ولأجل ذلك احتمل أن تكون المزارعة معاوضة بين عمل العامل ومنفعة الأرض ، أو بذلها ، وتكون الحصة من قبيل الشرط فيها ، لا أن الحصة هي العوض. لكن الارتكاز العرفي لا يساعد عليه ، بل يساعد على ما ذكره الأصحاب لا غير. وسيأتي في المسألة التاسعة عشرة من مبحث المساقاة بعض الكلام في ذلك.

[١] وفي القاموس : « الخُبرة : النصيب تأخذه من لحم أو سمك » ، وفي المسالك : « وقد يعبر عن المزارعة بالمخابرة ، إما من الخبير وهو الأكار أو من الخبارة وهي الأرض الرخوة ، أو مأخوذة من معاملة النبي (ص) لأهل خيبر ». وقد أشار في القاموس إلى المعنيين الأولين مضافاً الى المعنى السابق.

[٢] أو كون الاستحباب من باب : تعاونوا على البر والتقوى.

٤٦

______________________________________________________

إلا إدريس (ع) فإنه كان خياطاً » (١). و‌في آخر عن أبي عبد الله (ع) : « الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيباً أخرجه الله وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً وأقربهم منزلة يدعون المباركين » (٢). وفي خبر عنه (ع) قال : « سئل النبي (ص) أي الأعمال خير؟ قال : زرع يزرعه صاحبه وأصلحه وأدى حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ. قال : فأي الأعمال بعد الزرع؟ قال : رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة. قال : فأي المال بعد الغنم خير؟ قال : البقر يغدو بخير ويروح بخير. قال : فأي المال بعد البقر خير؟ قال : الراسيات في الوحل المطعمات في المحل : نعم المال النخل. من باعها فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدت به الريح في يوم عاصف ، إلا أن يخلف مكانها. قيل يا رسول الله (ص) : فأي المال بعد النخل خير فسكت. فقام اليه رجل فقال له : فأين الإبل؟ قال : فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار ، تغدو مدبرة وتروح مدبرة لا يأتي خيرها الا من جانبها الأشأم أما إنها لا تعدم الأشقياء الفجرة » (٣). وعنه (ع) « الكيمياء الأكبر الزراعة » (٤). وعنه (ع) : « إن الله جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع كيلا يكرهوا شيئاً من قطر السماء » (٥)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب مقدمات التجارة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣ من كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب أحكام الدواب حديث : ١.

(٤) الكافي الجزء : ٥ الصفحة : ٢٦١ الطبعة الحديثة. الوافي الجزء : ٣ الصفحة : ٢٣ أواخر باب فضل المزارعة ، مجمع البحرين مادة : « كوم ».

(٥) الوسائل باب : ٣ من كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٢.

٤٧

وعنه (ع) : « أنه سأله رجل فقال له : جعلت فداك أسمع قوماً يقولون : إن المزارعة مكروهة. فقال : ازرعوا فلا والله ما عمل الناس عملا أحل ولا أطيب منه » (١). يستفاد من هذا الخبر ما ذكرنا من أن الزراعة أعم من المباشرة والتسبيب. أما ما رواه الصدوق مرفوعا عن النبي (ص) : « أنه نهى عن المخابرة ، قال : وهي المزارعة بالنصف أو الثلث أو الربع » (٢). لا بد من حمله على بعض المحامل ، لعدم مقاومته لما ذكر. وفي مجمع البحرين : « وما روي من أنه (ص) نهى عن المخابرة ، كان ذلك حين تنازعوا ، فنهاهم عنها ». ويشترط فيها أمور.

أحدها : الإيجاب والقبول [١]. ويكفي فيهما كل لفظ دال [٢] ، سواء كان حقيقة أو مجازاً مع القرينة ، ك‍ « زارعتك أو سلمت إليك الأرض على أن تزرع على كذا » ولا يعتبر فيهما العربية [٣] ، ولا الماضوية ، فيكفي الفارسي‌

______________________________________________________

[١] لأنها من العقود ، بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه. كذا في الجواهر.

[٢] كما يقتضيه عمومات الصحة وإطلاقاتها من دون مخصص ولا مقيد ، كما حرر في أوائل مباحث البيع.

[٣] لما عرفت من العمومات والإطلاقات ، لعدم اعتبار ذلك في مفهومها عرفاً.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب المزارعة حديث : ١.

(٢) معاني الأخبار الجزء : ٢ باب : ١٣٣ الصفحة : ٨٠. بحار الأنوار المجلد : ٢٣ كتاب المزارعة الحديث : ٢.

٤٨

وغيره ، والأمر [١] كقوله : « ازرع هذه الأرض على كذا » أو المستقبل أو الجملة الاسمية مع قصد الإنشاء بها.

______________________________________________________

[١] قال في الشرائع : « وعبارتها أن يقول : زارعتك ، أو ازرع هذه الأرض » قال في المسالك : « وأما قوله : ازرع هذه الأرض ـ بصيغة الأمر ـ فإن ذلك لا يجيزونه في نظائره من العقود ، ولكن المصنف وجماعة أجازوه ، استناداً إلى رواية أبي الربيع الشامي والنضر بن سويد عن أبي عبد الله (ع). وهما قاصرتان عن الدلالة على ذلك ، فالاقتصار على لفظ الماضي أقوى ».

ومراده من رواية أبي الربيع ما رواه الشيخ والصدوق عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن الرجل يزرع أرض رجل آخر ، فيشترط عليه ثلثا للبذر وثلثا للبقر. فقال : لا ينبغي أن يسمي بذراً ولا بقراً ، ولكن يقول لصاحب الأرض : ازرع في أرضك ولك منها كذا وكذا نصفاً وثلثاً وما كان من شرط ، ولا يسمي بذراً ولا بقراً ، فإنما يحرم الكلام » (١). ومراده من رواية النضر ما رواه الكليني والشيخ عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان : « أنه قال : في الرجل يزارع فيزرع أرض غيره ، فيقول : ثلث للبقر وثلث للبذر وثلث للأرض ، قال : لا يسمي شيئاً من الحب والبقر ، ولكن يقول : ازرع فيها كذا وكذا إن شئت نصفاً وإن شئت ثلثا » (٢). هذا والمذكور في الروايتين لفظ المضارع لا لفظ الأمر. كما أن رواية النضر عن عبد الله بن سنان لا عن أبي عبد الله (ع) كما ذكر ، وقد سبقه الى ذلك في جامع المقاصد. وأيضاً فإن الأمر لو فرض أنه كان في الروايتين فهو من العامل ، لا من صاحب الأرض‌.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٥.

٤٩

______________________________________________________

ولعل مراد المستدل بالروايتين الاستدلال بهما بتوسط الأولوية ، فإنه إذا جاز الإيجاب بالمضارع جاز بالأمر بالأولوية ، كما حكي ذلك عن الإيضاح. لكن الاشكال فيه ظاهر.

وكان الاولى الاستدلال بصحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل يعطي الرجل أرضه فيها ماء ( رمان خ ل ) أو نخل أو فاكهة ، ويقول : إسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرجه الله ( عز وجل. خ ل ) قال : لا بأس » (١) ‌بضميمة عدم القول بالفصل ، أو فهم عدم الخصوصية وإن أمكن الإشكال فيه : بأنه لم يثبت كون الأمر إنشاء للمساقاة ، بل من المحتمل ـ بل الظاهر ـ أنه من قبيل مالة.

والاولى أن يقال : إن المائز بين العقد والإيقاع أن المفهوم المنشإ إن كان متعلقاً بطرفين على وجه يكون تعلقه بكل منهما خلاف السلطنة عليه يكون عقدياً ، أو لا يكون كذلك ، فيكون إيقاعاً. مثلا تمليك مال إنسان لآخر لما كان على خلاف سلطنة المالك والتملك ـ فان خروج مال إنسان عن ملكه إلى ملك غيره خلاف سلطنة المالك على ماله ، وخلاف سلطنة المتملك على نفسه ـ ، كان التمليك مفهوماً عقدياً. وإسقاط ما في الذمة لما لم يكن خلاف سلطنة من له الذمة كان إيقاعاً ، فيجوز وقوع الثاني بلا حاجة إلى إعمال سلطنة صاحب الذمة ، ولا يجوز وقوع الأول بلا سلطنة المتملك. ومن ذلك تعرف أن إنشاء المفهوم العقدي لا يكون إلا باعمال سلطنة كل من الطرفين ، فيكون إيجاباً من طرف وقبولا من طرف آخر.

وربما يحصل بإعمال السلطنة من دون صدق القبول ، كما إذا قال زيد لعمرو : بعني فرسك ، فإنه إذا قال عمرو : بعتك الفرس ، حصل البيع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٢.

٥٠

______________________________________________________

بلا حاجة إلى قبول ، لحصول الاعمال للسلطنة من جهة زيد بمجرد الأمر. وكذا إذا قال : أذنت لك في أن تبيعني فرسك ، فإنه إذا قال عمرو : بعتك فرسي ، صح من دون حاجة إلى القبول ، وكذلك الوكيل للمتعاقدين معاً ، فإنه إذا قال : بعت فرس أحدهما للآخر ، صح من دون حاجة إلى القبول ، ومالك العبد والأمة إذا أنشأ تزويج أمته من عبده صح من دون حاجة إلى قبوله ، كما أفتى بذلك جماعة.

وعلى هذا فالأمر بالزرع ليس إيجاباً ولا قبولا ، لعدم صدوره في مقام الإنشاء للمفهوم الإنشائي ، فإنه أمر بالزرع وطلب له من دون إنشاء للمزارعة ، فصحة المعاملة مع ذلك ليس لأنه إيجاب أو قبول ، بل لأنه إعمال للسلطنة. ومثله أن يقول : أذنت لك في أن تزرع الأرض بحصة كذا ، أو أذنت لك في أن تزارعني على الثلث ، فذلك بمنزلة الإيجاب ، لأنه إعمال لسلطنة صاحب الأرض الذي وظيفته الإيجاب ، إذ الاحتياج إلى الإيجاب في حصول المفهوم العقدي لأجل كونه إعمالا للسلطنة ، وهو حاصل بالأمر ، فإذا قال زيد لعمرو : تملك مالي ، فقال عمرو : تملكت مال زيد ، حصل الملك من دون حاجة الى قول زيد : قبلت.

ومن ذلك يظهر أن الاكتفاء بالأمر في الإيجاب ليس من باب استعمال الأمر في المعنى الإنشائي ، بأن يكون قوله : ازرع هذه الأرض ، مستعملا في إنشاء المزارعة مجازاً ، كي يكون من المجازات المستنكرة ، ولا من باب الكناية عن الإنشاء النفساني ، فيكون الأمر حاكياً عنه بالدلالة العقلية ، نظير حكاية تصرف من له الخيار في العين المبيعة الحاكي عن إنشاء الفسخ ، بل هو من باب إعمال السلطنة الكافي عن القبول.

وربما يكون الأمر بنفسه إنشاء على الحقيقة. بأن يكون أمراً تكوينياً لا تشريعياً ، كما إذا قال البائع للمشتري : اشتر هذا الفرس بدرهم منشئاً‌

٥١

وكذا لا يعتبر تقديم الإيجاب على القبول [١]. ويصح الإيجاب‌

______________________________________________________

نفس الشراء ، كما في قوله تعالى ( كُنْ فَيَكُونُ ) (١) فيقول المشتري : قبلت ، ويتم العقد ، فيكون قوله : اشتر ، إيجاباً على الحقيقة ، وفي المقام يقول صاحب الأرض للفلاح : كن مزارعاً ، فيقول الفلاح : قبلت ، وفي باب النكاح يقول الرجل للمرأة : كوني زوجة ، فتقول المرأة : قبلت ، أو تقول هي : كن لي زوجاً ، فيقول : قبلت ، وهكذا ينشأ المفهوم الإنشائي بصيغة الأمر ، فيكون جعلا تكوينياً للمعنى الإنشائي ، ويكون إيجاباً ، فإذا لحقه القبول كان عقداً.

ويتحصل مما ذكرنا : أن الاكتفاء بالأمر في العقود يكون على أربعة أنحاء : ( الأول ) : أن يكون من باب إعمال السلطنة ، فيكون كافياً عن الإيجاب أو القبول. لا أنه إيجاب أو قبول. ( الثاني ) : أن يكون إيجاباً أو قبولا ، كما إذا كان أمراً تكوينياً. ( الثالث ) : أن يكون حاكياً عن الالتزام النفسي ودالا عليه بالدلالة العقلية ، نظير تصرف من له الخيار ، ويكون جزء العقد في الحقيقة هو ذلك الالتزام النفسي ويكون الأمر تشريعياً دالاً عليه دلالة المعلول على علته. ( الرابع ) : أن يكون مستعملاً مجازاً في معنى فعل الماضي أو المضارع ، على نحو الإنشاء لا الاخبار فيكون من المجازات المستنكرة التي لا يجوز إنشاء العقد بها.

[١] لا يخفى أن مفهوم القبول لغة وعرفاً مثل مفهوم الرضا يمكن أن يتعلق بالمستقبل كما يتعلق بالماضي ، بل قد يتعلق بالمفهوم اللحاضي من دون أن يكون له خارجية ومطابق عيني. أما القبول العقدي فلا يتعلق إلا بما هو واقع ، فاذا تعلق بما يقع في المستقبل لم يكن قبولا عقدياً ،

__________________

(١) يس : ٨٢.

٥٢

من كل من المالك والزارع [١]. بل يكفي القبول الفعلي [٢] بعد الإيجاب القولي على الأقوى [٣].

______________________________________________________

بل هو قبول عرفي ، وحينئذ يمتنع تقدم القبول على الإيجاب. نعم إذا تقدم كان إعمالا للسلطنة ، ويكفي ذلك عن القبول وإن كان خبراً لا إنشاء لا أنه قبول متقدم. وكذا يمكن أن يكون إنشاء ممن وظيفته القبول فيكون إيجاباً ، ويكون الإنشاء من الآخر قبولا ، كما إذا قال المشتري للبائع : اشتريت منك الفرس بدرهم ، فيقول البائع : بعتكها بدرهم ، فان ما صدر من المشتري إيجاب ، وما صدر من البائع قبول ، لا أن ما صدر من المشتري قبول متقدم ، وكذلك في المقام.

[١] لا يختص ذلك بالمقام ، بل يجري في عامة العقود ، كما أشرنا إليه. ويدل عليه في المقام روايتا أبي الربيع الشامي والنضر بن سويد المتقدمتان.

[٢] بأن يكون الفعل دالا على الالتزام النفسي دلالة عقلية دلالة المعلول على علته ، لا دلالة لفظية كدلالة اللفظ على معناه ، كما تقدم نظيره.

[٣] كما صرح به في القواعد ، قال : « ومن قبول ، وهو كل لفظ أو فعل دل على الرضا » ، وفي المسالك : استظهر من عدم تعرض الشرائع للقبول مع تعرضه للإيجاب أنه لا يعتبر اللفظ فيه ، كما ذكره في الإيجاب وفي مفتاح الكرامة : أن القبول الفعلي ليس بقبول ، وأن العقود عبارة عن الصيغة من الطرفين ، وأن تسمية ما اشتمل على القبول الفعلي عقدا مسامحة. انتهى. لكنه ـ كما ترى ـ خلاف مرتكزات العرف ، فإنه لا فرق عندهم بين القول والفعل في الدلالة على الالتزام النفسي الذي هو قوام العقد ، غاية الأمر أن دلالة اللفظ لفظية ودلالة الفعل عقلية ، وليس بفارق في انطباق عنوان العقد أو عنوان المزارعة أو غيرهما من العناوين. وحينئذ يتعين العمل بإطلاقات الصحة وعموماتها.

٥٣

وتجري فيها المعاطاة [١] ، وإن كانت لا تلزم [٢] إلا بالشروع في العمل [٣].

الثاني : البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، وعدم الحجر [٤]

______________________________________________________

[١] كما نص على ذلك في الجواهر ، لاطراد الوجه المصحح لها في البيع هنا ، كما عرفت. نعم لا يمكن هنا حصول التعاطي من الطرفين ، وإنما يكون من طرف صاحب الأرض لا غير. نعم يكون القبول بأخذ الأرض من الفلاح ، فيكون العقد بالإعطاء والأخذ. لا بالتعاطي من الطرفين.

[٢] للإجماع على عدم لزوم المعاطاة إلا بالتصرف المانع من الرد.

[٣] لأن استيفاء الفعل إتلاف له ، فيكون ملزماً لها. ثمَّ إنه قد تشكل صحة المعاطاة في المقام بأنه يعتبر في المزارعة اشتراط أمور : من تعيين الحصة ، والأجل » ومن عليه البذر ، والزرع ، والفعل لا يقبل الاشتراط لأنه لا يقبل الإطلاق ، فلا يقبل التقييد. وفيه : أن التقييد للالتزام النفساني كما هو كذلك في العقد اللفظي فإن اللفظ أيضاً لا يقبل التقييد ، وكما أن اللفظ في العقد اللفظي حاك عن الالتزام المشروط ، كذلك بالفعل أيضا يكون حاكياً عن الالتزام المشروط. نعم الفعل لا يصلح للحكاية عن الاشتراط ، لكن يمكن استفادة الشرط من القرائن الحافة بالعقد الفعلي بأن يكون الالتزام المحكي بالفعل مبنياً على الشروط المذكورة ، وربما تكون الاستفادة من اللفظ.

[٤] الشروط المذكورة شروط عامة لمطلق التصرف ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في بعض الكتب السالفة ، وتحرير الاستدلال على الوجه الأكمل يكون في كتاب البيع ، لأنه الكتاب الأول من كتب العقود والإيقاعات ، وقد تعرضنا لذلك في كتاب : ( نهج الفقاهة ) تعليقا على كتاب المكاسب لشيخنا الأعظم قدس‌سره.

٥٤

لسفه أو فلس ، ومالكية التصرف [١] في كل من المالك والزارع. نعم لا يقدح فلس الزارع إذا لم يكن منه مال. لأنه ليس تصرفاً مالياً.

الثالث : أن يكون النماء مشتركا بينهما ، فلو جعل الكل لأحدهما لم يصح مزارعة [٢].

الرابع : أن يكون مشاعاً بينهما. فلو شرطا اختصاص أحدهما بنوع ـ كالذي حصل أولا ـ والآخر بنوع آخر ، أو شرطا أن يكون ما حصل من هذه القطعة الأرض لأحدهما وما حصل من القطعة الأخرى للآخر ، لم يصح [٣].

الخامس : تعيين الحصة بمثل النصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذلك ، فلو قال : « ازرع هذه الأرض على أن‌

______________________________________________________

[١] الظاهر من العبارة أنها شرط آخر زائد على ما ذكر. وكأن وجهه أن ما سبق يختص بقصور في المتصرف ، وهذا الشرط لقصور في موضوع التصرف ، كالمرهون ونحوه. ويحتمل أن يكون المراد بيان الجامع بين الشروط المذكورة ، لأن مرجع الجميع إلى مالكية التصرف.

[٢] إجماعاً. ويشهد له ما سيأتي من الصحيح.

[٣] بلا خلاف ظاهر ، وعن مجمع البرهان : « كأنه إجماع ». ويشهد له مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « لا تقبل الأرض بحنطة مسماة ، ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به. وقال : لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس » (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٣.

٥٥

يكون لك أو لي شي‌ء من حاصلها » بطل [١].

السادس : تعيين المدة [٢] بالأشهر والسنين ، فلو أطلق بطل. نعم لو عين المزروع ، أو مبدأ الشروع في الزرع لا يبعد صحته إذا لم يستلزم غرراً. بل مع عدم تعيين ابتداء الشروع أيضاً إذا كانت الأرض مما لا يزرع في السنة إلا مرة ،

______________________________________________________

[١] إجماعاً ، كما عن التذكرة. ويشهد له النصوص التي منها المصحح المتقدم‌.

[٢] كما صرح به في كلماتهم ، بل عن التذكرة : الإجماع على أنه لا يجوز مع جهالة المدة. وفي الجواهر : « بلا خلاف معتد به ، بل لعل الإجماع عليه ». ولم يظهر عليه دليل ، فإن ما دل على النهي عن بيع الغرر لا يشمل المقام. وما دل على نهي النبي (ص) عن الغرر (١) غير ثابت. وما في الشرائع من الاستدلال عليه بأنه عقد لازم فهو كالإجارة ، فيشترط فيه تعيين المدة ، دفعاً للغرر ـ وإليه يرجع ما في المسالك من الاستدلال عليه : بأن مقتضى العقد اللازم ضبط أجله ، وكذا ما في الجواهر من الاستدلال : بأن المزارعة أشبه بالإجارة ـ كما ترى لا يرجع إلى دليل ، ومثلها الاستدلال بخبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن أرض يريد رجل أن يتقبلها ، فأي وجوه القبالة أحل؟ قال : يتقبل الأرض من أربابها بشي‌ء معلوم إلى سنين مسماة فيعمر ويؤدي الخراج » (٢). ونحوه غيره. فان الظاهر من القبالة غير المزارعة.

نعم يستفاد من مجموع كلماتهم أنه لا بد من تعيين المدة في الجملة بحيث لا يؤدي إلى الغرر ، فان تمَّ إجماعاً ـ كما هو الظاهر ـ فهو المعتمد‌

__________________

(١) تقدم التعرض لمصادر الحديث المذكور في الجزء الثاني عشر صفحة : ٢٤٦ من هذه الطبعة‌

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٥.

٥٦

لكن مع تعيين السنة ، لعدم الغرر فيه [١]. ولا دليل على اعتبار التعيين تعبداً ، والقدر المسلم من الإجماع على تعيينها غير هذه الصورة. وفي صورة تعيين المدة لا بد وأن تكون بمقدار يبلغ فيه الزرع [٢] ، فلا تكفي المدة القليلة التي تقصر عن إدراك النماء.

______________________________________________________

لا غير. لكنه لا يقتضي لزوم تعيين المدة بحيث لا تقبل الزيادة والنقيصة ، بل يكفي التعيين في الجملة ولو بتعيين الزرع والبدء به وإن جهل زمان بلوغه. بل ربما يكون تعيين المدة موجباً للغرر إذا كان من المحتمل عدم بلوغ الزرع فيها ، لأن في ذلك تعريضاً لضياع الزرع بناء على استحقاق المالك قلعه عند انتهاء المدة أو الخسارة المالية بناء على غير ذلك.

[١] لأن الغرر إنما يكون للجهل بالخصوصيات التي تختلف باختلافها الرغبات وتتفاوت بها المالية ، فإذا كانت الأرض لا تزرع إلا مرة واحدة في السنة لا تتفاوت المالية باختلاف الابتداء والانتهاء.

[٢] في الجواهر : « صرح جماعة بوجوب كون المدة فيها مما يعلم فيها إدراك الزرع ولو من جهة العادة ، لأن إدراك الزرع هو الملحوظ في المزارعة ، بل ركنها الأعظم ، حتى أنه ظن من جعل ذلك هو المدار في بعض النصوص عدم اعتبار المدة في المزارعة وأن إدراك الزرع هو الغاية فيها. قال إبراهيم الكرخي لأبي عبد الله (ع) : « أشارك العلج فيكون من عندي الأرض والبذر والبقر ، ويكون على العلج القيام والسقي والعمل في الزرع حتى يكون حنطة أو شعيراً ، ويكون القسم ، فيأخذ السلطان حقه ويبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث ولي الباقي. قال (ع) : لا بأس » (١). بل بناء على ما ذكره من أن قوام المزارعة هو الزرع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١. ويأتي التعرض للحديث بتمامه في أواخر المسألة : ٥ من هذا الفصل.

٥٧

______________________________________________________

فذكر المدة الزائدة على بلوغ الزرع والمساوية له بلا فائدة ، وذكر المدة الناقصة مفوت للمقصود منها ، بناء على ما سيأتي الكلام فيه في المسألة السادسة. وعلى هذا فالأولى المنع من اشتراط المدة زائداً على اشتراط زمان الشروع في الزرع.

إلا أن يكون المقصود من اشتراط المدة اشتراط عدم التواني في الأعمال المتعلقة بالزرع بحيث يتأخر الإنتاج ، أو يكون المراد من اشتراط المدة تعيين السنين والأعوام التي تستمر فيها المزارعة ، فلا يصح أن يقول : زارعتك على هذه الأرض مرات من دون تعيين. فيكون الواجب التعيين بذكر عدد المرات أو بالسنين والأعوام. في مقابل بقاء المزارعة واستمرارها إلى أجل مبهم. وإن كان يكفي أيضاً التعيين في عدد الزرع ، فيقول : زارعتك على أن تزرع الشعير فيها مرتين أو خمساً أو عشراً ، فيكون التعيين في عدد الزرع وإن لم يعلم مقدار الزمان.

وبالجملة : تعيين الزرع ووقت الشروع فيه والاستمرار على الاعمال على النحو المتعارف بلا مماهلة كاف في رفع الغرر ، وكذلك ذكر عدد الزرع والخصوصيات المتعلقة به كاف في رفع الغرر ، ( ومن ذلك ) يظهر أن ما ذكر في الشرائع بقوله : « ولو اقتصر على تعيين المزروع من غير ذكر المدة فوجهان أحدهما يصح ، لأن لكل زرع أمد فيبنى على العادة ـ كالقراض ـ والأخر يبطل ، لأنه عقد لازم فهو كالإجارة ، فيشترط فيه تعيين المدة رفعاً للغرر ، لأن أمد الزرع غير مضبوط. وهو أشبه » ، ( ضعيف ) وأول الوجهين أصح وأشبه بالقواعد حتى لو بنى على منع الغرر من الصحة إذ لا غرر ولا خطر ، كما عرفت.

والمتحصل مما ذكرنا أمور : ( الأول ) : أنه لا دليل لفظي على مانعية الغرر في المقام. ( الثاني ) : أن مانعية الغرر في المقام مستفادة‌

٥٨

السابع : أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج فلو كانت سبخة لا يمكن الانتفاع بها ، أو كان يستولي عليها الماء قبل أوان ادراك الحاصل أو نحو ذلك ، أو لم يكن هناك ماء للزراعة ولم يمكن تحصيله ولو بمثل حفر البئر أو نحو ذلك ولم يمكن الاكتفاء بالغيث ، بطل [١].

الثامن : تعيين المزروع من الحنطة والشعير وغيرهما مع اختلاف الأغراض فيه ، فمع عدمه يبطل [٢] إلا أن يكون هناك انصراف يوجب التعيين ، أو كان مرادهما التعميم [٣] وحينئذ فيتخير الزارع بين أنواعه.

التاسع : تعيين الأرض ومقدارها ، فلو لم يعينها بأنها هذه القطعة أو تلك القطعة ، أو من هذه المزرعة أو تلك ،

______________________________________________________

من ظهور الإجماع. ( الثالث ) : اندفاع الغرر بتعيين المزروع وأوان الزرع أو نحو ذلك ، بلا حاجة الى تعيين المدة. ( الرابع ) : أن تعيين المدة غير جائز ، إما لأنه مفوت للمقصود ، أو أنه عبث ولغو ، فلا يكون له أثر.

[١] لأن امتناع الموضوع يوجب امتناع المضمون. مع أن الحكم إجماعي ظاهراً ، وإن كان البطلان أوضح من أن يستدل عليه بالإجماع.

[٢] الظاهر من العبارة البطلان حتى مع إرادة التعميم. لكن ينافيه ما سيأتي من الصحة حينئذ فيختص البطلان ـ على هذا ـ بما إذا كان المراد من الزرع المردد. وحينئذ فالبطلان ظاهر الوجه ، لأن المردد لا خارجية له ، كي يكون موضوعاً للاحكام. على أنه فرض نادر. ولأجل ذلك لم يتعرض الجماعة لذكر هذا الشرط بهذا المعنى.

[٣] يعني : المفهوم الجامع بين الافراد. لكن لا يخفى أن إرادة‌

٥٩

أو لم يعين مقدارها ، بطل مع اختلافها ، بحيث يلزم الغرر [١]. نعم مع عدم لزومه لا يبعد الصحة ، كأن يقول : « مقدار جريب من هذه القطعة من الأرض التي لا اختلاف بين أجزائها » أو « أي مقدار شئت منها ». ولا يعتبر كونها شخصية فلو عين كلياً موصوفاً على وجه يرتفع الغرر فالظاهر صحته وحينئذ يتخير المالك في تعيينه [٢].

العاشر : تعيين كون البذر على أي منهما [٣] ، وكذا سائر المصارف واللوازم إذا لم يكن هناك انصراف مغن عنه ولو بسبب التعارف.

______________________________________________________

التعميم لا توجب ارتفاع الغرر ، وإنما توجب الاقدام على الغرر ، فاذا كان دليل على مانعية الغرر فهو حاصل في الفرض مع اختلاف الافراد في الضرر وعدمه أو شدة الضرر وخفته ، والرضا بالتعميم لا يرفع مانعية الغرر. نعم لا دليل على مانعية الغرر من هذه الجهة ، والإطلاق يقتضي الصحة.

[١] الكلام في هذا الشرط هو الكلام فيما قبله ، فاذا كان الغرر مانعاً فهو في المقامين سواء ، وإلا فلا موجب للبطلان فيهما أيضاً.

[٢] كما في بيع الكلي.

[٣] قال في القواعد : « والإطلاق يقتضي كون البذر على العامل. ويحتمل البطلان » وحكى الأول عن جماعة. وكأن وجهه : أن المزارعة تقتضي لزوم العمل على الفلاح بنحو الواجب المطلق المقتضي وجوب مقدماته ومنها البذر ، كالعوامل وآلات الحرث ونحو ذلك ، كما أن إطلاق الإجارة على الخياطة يقتضي كون الخيوط على الأجير لا على المستأجر. فيكون وجه البطلان الذي احتمله في القواعد المنع من ذلك ، وأن مقتضى المزارعة‌

٦٠