مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

وكذا لو ضمن عنه ضامن برضا المحتال [١]. وكذا لو تبرع المحيل عنه [٢].

( مسألة ٩ ) : لو أحال عليه فقبل وأدى ثمَّ طالب المحيل بما أداه ، فادعى أنه كان له عليه مال وأنكر المحال عليه ، فالقول قوله مع عدم البينة [٣] ، فيحلف على براءته ويطالب عوض ما أداه ، لأصالة البراءة من شغل ذمته للمحيل [٤] ودعوى : أن الأصل أيضا عدم اشتغال ذمة المحيل بهذا الأداء مدفوعة : بأن الشك في حصول اشتغال ذمته وعدمه مسبب عن الشك في اشتغال ذمة المحال عليه [٥]. وعدمه وبعد جريان‌

______________________________________________________

الوارث دين المورث ، وما دل على وفاء دين الفقير من الزكاة ، وما ورد في وفاء الولد دين والده وأنه يكتب بذلك باراً.

[١] على ما تقدم في كتاب الضمان.

[٢] هذا من أفراد المسألة الأولى.

[٣] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما.

[٤] فيكون قول المحيل موافقاً للأصل ، فيكون منكراً وعليه اليمين إذا لم تكن بينة لخصمه.

[٥] يعني : أن أداء المال المحول به يوجب اشتغال ذمة المحيل لو لم يكن ذمة المحال عليه مشغولة بمثله ، أما إذا كانت مشغولة بمثله فحينئذ يقع التهاتر قهراً ، فلا تشتغل ذمة المحيل بشي‌ء ، فيكون الحكم الشرعي أنه تشتغل ذمة المحيل بأداء المال إذا لم تكن ذمة المحال عليه مشغولة به للمحيل ، فاذا كان هذا العدم مجرى الأصل ثبت الحكم الوجودي ، وهو اشتغال ذمة المحيل.

٤٠١

أصالة براءة ذمته يرتفع الشك. هذا على المختار من صحة الحوالة على البري‌ء ، وأما على القول بعدم صحتها فيقدم قول المحيل ، لان مرجع الخلاف إلى صحة الحوالة وعدمها ، ومع اعتراف المحال عليه بالحوالة يقدم قول مدعي الصحة وهو المحيل [١].

______________________________________________________

[١] فاذا ثبتت الصحة ثبت اشتغال ذمة المحال عليه ، لتوقف الصحة عليه ، وإذا ثبت ذلك ثبتت براءة ذمة المحيل من مثل المال الذي دفعه المحال عليه للمحتال.

وفي جامع المقاصد والمسالك ، وعن غيرهما : تعارض أصل الصحة مع أصالة براءة ذمة المحال عليه ، فيبقى مع المحال عليه أداء دين المحيل بإذنه ، فيرجع عليه. وفي مفتاح الكرامة والجواهر : الاشكال على ذلك بأن أصل الصحة مقدم على أصل البراءة في المقام ، وكذلك على جميع الأصول المقتضية للفساد ، لأخصية دليل حجية أصل الصحة من أدلة حجية الأصول المذكورة ، ولو بني على العمل بها لم يبق لأصل الصحة مورد. نعم يشكل ما ذكر بأن أصل الصحة وإن اقتضى اشتغال ذمة المحال عليه لكن بلحاظ أثر الصحة ، لا بلحاظ أثر آخر ، فاذا وقع عقد أو إيقاع من مشكوك البلوغ وكان أصل الصحة يقتضي تحقق البلوغ لم يجز ترتيب آثار البلوغ كلية ، بل يختص بصحة العقد المذكور ، وكذلك إذا شك في الطهارة بعد الفراغ من الصلاة ، فإنه لا يترتب على أصالة صحة الصلاة إلا الطهارة من حيث الصلاة الواقعة ، فلا يجوز له أن يصلي صلاة أخرى بلا طهارة اعتماداً على أصالة صحة الصلاة المثبتة للطهارة ، فلا تثبت الطهارة بلحاظ سائر آثارها ، كما بنى على ذلك المصنف في مباحث الشك من مباحث الخلل وكذلك غيره ممن سبقه أو لحقه.

٤٠٢

ودعوى : أن تقديم قول مدعي الصحة [١] إنما هو إذا كان النزاع بين المتعاقدين [٢] ، وهما في الحوالة المحيل والمحتال ، وأما المحال عليه فليس طرفاً وإن اعتبر رضاه في صحتها. مدفوعة أولاً : بمنع عدم كونه طرفاً ، فإن الحوالة مركبة من إيجاب وقبولين.

وثانياً : يكفي اعتبار رضاه في الصحة في جعل اعترافه بتحقق المعاملة حجة عليه [٣] بالحمل على الصحة. نعم لو لم يعترف بالحوالة ، بل ادعى أنه أذن له في أداء دينه يقدم قوله لأصالة البراءة من شغل ذمته ، فبإذنه في أداء دينه له مطالبة عوضه ، ولم يتحقق هنا حوالة بالنسبة إليه حتى تحمل على الصحة وإن تحقق بالنسبة إلى المحيل والمحتال لاعترافهما بها.

( مسألة ١٠ ) : قد يستفاد من عنوان المسألة السابقة [٤] حيث قالوا : « لو أحال عليه فقبل وأدى » فجعلوا محل‌

______________________________________________________

[١] هذه الدعوى ذكرها في الجواهر معترضاً بها على ما تقدم منه ومن مفتاح الكرامة.

[٢] لا يخفى أن أصل الصحة لا يختص بطرف العقد ، بل يجري بالإضافة إلى كل من هو محل ابتلاء العمل الصحيح ، سواء كان أحد طرفي العقد أو غيره.

[٣] لا يتوقف العمل بأصل الصحة على اعترافه ، بل إذا ثبت وجود الحوالة وشك في صحتها لزم ترتيب الأثر عليها وإن لم يعترف بها أحد المتنازعين ، فإن القاضي الشرعي يجري الأصل المذكور ويعمل عليه في تشخيص المدعي والمنكر وترتيب الأحكام.

[٤] قال في جامع المقاصد : « فرع : لا يرجع المحال عليه مع براءة‌

٤٠٣

الخلاف ما إذا كان النزاع بعد الأداء ـ أن حال الحوالة حال الضمان في عدم جواز مطالبة العوض الا بعد الأداء ، فقبله وان حصل الوفاء بالنسبة إلى المحيل والمحتال ، لكن ذمة المحيل لا تشتغل للمحال عليه البري‌ء إلا بعد الأداء. والأقوى حصول الشغل بالنسبة إلى المحيل بمجرد قبول المحال عليه ، إذ كما يحصل به الوفاء [١] بالنسبة إلى دين المحيل بمجرده ، فكذا

______________________________________________________

ذمته إلا بعد الأداء ، لأن الحوالة حينئذ في معنى الضمان. وفي المسالك : « وفي قوله ـ يعني : المحقق في الشرائع ـ : ( أدى ثمَّ طالب ) إشارة إلى أن المحال عليه مع براءة ذمته لا يرجع على المحيل إلا مع الأداء ، كالضامن ، لما تقدم من أن هذا القسم بالضمان أشبه ». وفي مفتاح الكرامة : « وليعلم أن المحال عليه إذا كان برئ الذمة لا يرجع على المحيل إلا بعد الأداء ، لأن الحوالة حينئذ في معنى الضمان. ولذا عبر في الشرائع وغيرها بالأداء ». وفي الجواهر نحو ذلك. وصريح الجميع : أن الوجه في ذلك المشابهة بالضمان من أنها نقل للمال من ذمة المحيل إلى ذمة البري‌ء. وهو كما ترى ، فان هذا النوع من المشابهة لا يقتضي ثبوت حكم الضمان من دون دليل عليه وما أكثر المشابهات بين العقود مع أن الكل واحد منها حكمه لا يتعدى منه الى غيره مما يشابه ، فإن الهبة المعوضة تشبه البيع ، ولا يجري عليها حكم البيع ، وكذا الصلح المعاوضي ، بل عموم المعاوضات ، مع أن لكل حكمه لا يتعدى منه الى غيره. فالتعليل بذلك أشبه بتخريجات الشافعية ونحوهم ، لا يعول عليه في إثبات الحكم الشرعي.

[١] يعني : كما يحصل بالقبول وفاء ذمة المحيل يحصل اشتغال ذمة المحيل به فيحصل التهاتر إذا كان له دين على المحال عليه ، أو يستقر في ذمته إذا كان المحال عليه بريئاً. لما قد عرفت من أن من أسباب الضمان‌

٤٠٤

في حصوله بالنسبة إلى دين المحال عليه للمحيل إذا كان مديونا له ، وحصول شغل ذمة المحيل له إذا كان بريئاً. ومقتضى القاعدة في الضمان أيضا تحقق شغل المضمون عنه للضامن بمجرد ضمانه ، إلا أن الإجماع وخبر الصلح دلا على التوقف على الأداء فيه ، وفي المقام لا إجماع ولا خبر ، بل لم يتعرضوا لهذه المسألة. وعلى هذا فله الرجوع على المحيل ولو قبل الأداء ، بل وكذا لو أبرأه المحتال أو وفاة بالأقل أو صالحه بالأقل ، فله عوض ما أحاله عليه بتمامه مطلقاً إذا كان بريئاً.

______________________________________________________

عرفاً استيفاء مال الغير ، والمحيل هنا قد استوفى مال المحال عليه باشتغال ذمته لافراغ ذمة نفسه.

لكن في حاشية بعض الأعاظم : أن ما ذكر هو الصحيح : وكذا في كتاب الضمان ، بدعوى أن استيفاء مال الغير الموجب لضمانه إنما يحصل بالأداء ، لا بمجرد الاشتغال. وقد ذكرنا هناك الاشكال فيه وأن الأداء إنما يكون لمصلحة المحال عليه ، لا لمصلحة المحيل ، فان مصلحة المحيل حصلت بمجرد الحوالة ، وبها كان فراغ ذمته وصلاح حاله ، والأداء له دخل في فراغ ذمة المحال عليه ، ولا يرتبط بالمحيل حتى يكون استيفاء له من المحيل. مع أنه لو سلم ذلك هنا لم يكن فرق بين الحوالة على البري‌ء والحوالة على غيره ، وكل من قال باعتبار الأداء خصه بالحوالة على البري‌ء ، لأنها في معنى الضمان ، ولم يقل به في الحوالة على غيره لأنها ليست كذلك. وما ذكره ( قده ) في حاشيته الأخرى من الفرق بين الحوالة على البري‌ء والحوالة على المديون ، بأنه في الحوالة على المديون لو توقف اشتغال ذمة‌

٤٠٥

( مسألة ١١ ) : إذا أحال السيد بدينه على مكاتبه [١] بمال الكتابة المشروطة أو المطلقة صح ، سواء كان قبل حلول النجم أو بعده ، لثبوته في ذمته [٢]. والقول بعدم صحته قبل الحلول [٣] ، لجواز تعجيز نفسه ، ضعيف ، إذ غاية ما يكون كونه متزلزلاً ، فيكون كالحوالة على المشتري بالثمن في زمان الخيار. واحتمال عدم اشتغال ذمة العبد [٤] ، لعدم ثبوت ذمة اختيارية له فيكون وجوب الأداء تكليفياً. كما ترى.

______________________________________________________

المحيل للمحال عليه على الأداء لزم اشتغال ذمة المحال عليه للمحيل قبل الأداء وللمحتال معا. غير ظاهر ، إذ لم يتضح كون ذلك محذوراً حتى يتعين الفرار عنه بالالتزام بفراغ ذمة المحال عليه عن دين المحيل ويبقى في ذمته دين المحتال لا غير. ولو سلم فمثله في الاشكال الالتزام باشتغال ذمة المحال عليه بمال الحوالة بلا عوض في الحوالة على البري‌ء ، إذ لم يكن ذلك قد أقدم عليه. فلاحظ.

[١] يعني : إذا كان السيد مدينا ، فأحال دائنه على عبده المكاتب بلحاظ ما عليه من مال الكتابة ، صح التحويل.

[٢] هذا ما لا إشكال فيه ، كما في المسالك. ويقتضيه عمومات الصحة.

[٣] هذا القول حكي عن الشيخ في المبسوط ، وعن القاضي متابعته مستدلا بما ذكر.

[٤] حكي ذلك عن الشيخ أيضاً ، كما تقدم في كتاب الضمان. ومقتضاه عدم صحة الحوالة حتى بعد حلول النجم ، كما حكي عن الشيخ القول به. لكن ظاهر الشرائع وصريح المسالك اختصاص خلاف الشيخ بما قبل حلول النجم.

٤٠٦

ثمَّ إن العبد بقبول الحوالة يتحرر لحصول وفاء مال الكتابة بالحوالة ولو لم يحصل الأداء منه ، فإذا أعتقه المولى قبل الأداء بطل عتقه. وما عن المسالك من عدم حصول الانعتاق قبل الأداء ، لأن الحوالة ليست في حكم الأداء ، بل في حكم التوكيل ، وعلى هذا إذا أعتقه المولى صح وبطلت الكتابة ، ولم يسقط عن المكاتب مال الحوالة ، لأنه صار لازما للمحتال ، ولا يضمن السيد ما يغرمه من مال الحوالة. فيه نظر من وجوه [١]. وكأن دعواه أن الحوالة ليست في حكم الأداء إنما هي بالنظر الى ما مر من دعوى توقف شغل ذمة المحيل للمحال عليه على الأداء ، كما في الضمان ، فهي وإن كان كالأداء بالنسبة إلى المحيل والمحتال فبمجردها يحصل الوفاء وتبرأ ذمة المحيل ، لكن بالنسبة إلى المحال عليه والمحيل ليس كذلك. وفيه منع التوقف المذكور كما عرفت ، فلا فرق بين المقامين في كون الحوالة كالأداء ، فيتحقق بها الوفاء [٢].

( مسألة ١٢ ) : لو باع السيد مكاتبه سلعة فأحاله‌

______________________________________________________

[١] أحدها : أنه لو كانت الحوالة توكيلا لم يكن وجه لانتقال المال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. ثانيها : أنه مناف لما ذكره من لزوم المال للمحتال ، إذ لو كانت توكيلا فبالعتق ينتفي موضوع التوكيل ، فتبطل الوكالة فكيف يبقى المال في ذمة المحال عليه للمحتال؟! ثالثها : أن لزوم المال للمحتال في ذمة المحال عليه يقتضي اشتغال ذمة السيد بمثله للاستيفاء.

[٢] وحينئذ يتحقق الانعتاق ، ولا يصح عتق المولى بعد ذلك ، حسب ما ذكر في المتن ، ولا يصح ما ذكره في المسالك.

٤٠٧

بثمنها صح ، لان حاله حال الأحرار ، من غير فرق بين سيده وغيره. وما عن الشيخ من المنع ضعيف [١].

( مسألة ١٣ ) : لو كان للمكاتب دين على أجنبي فأحال سيده عليه من مال الكتابة صح ، فيجب عليه تسليمه للسيد [٢] ويكون موجباً لانعتاقه [٣] ، سواء أدى المحال عليه المال للسيد أم لا.

( مسألة ١٤ ) : لو اختلفا في أن الواقع منهما كانت حوالة أو وكالة [٤] ،

______________________________________________________

[١] استدل له بأن المكاتبة جائزة ، فلو اشترى شيئاً من سيده لزمه ثمنه ، ومن الجائز فسخ الكتابة ، لأنها من العقود الجائزة ، فيلزم حينئذ ثبوت شي‌ء في ذمة العبد لسيده. وفيه : أولاً : منع كونها جائزة ولو سلم وفرض تحقق الفسخ فان امتنع ملك المولى شيئاً في ذمة العبد كان ذلك موجباً لانفساخ البيع ، لا بطلان البيع مطلقاً من أول الأمر. ولأجل ذلك لم ينسب المنع إلى أحد سوى الشيخ فلم يوافقه عليه أحد. كما أنه بناء على ذلك فالمسألة من مسائل الكتابة لا الحوالة.

[٢] أما الصحة : فمقتضى العمومات. وأما وجوب التسليم : فلكونه من لوازمها.

[٣] كما ذكره في الجواهر ، وقبله في المسالك وغيرها. لأنه بمنزلة الأداء. ولم ينقل خلاف فيه ، بل لا ينبغي ذلك ، فكأن المراد من أداء مال الكتابة عدم بقائه في ذمة العبد وإفراغ ذمة العبد منه ، كما إذا أبرأه منه.

[٤] قال في الشرائع : « إذا قال : ( أحلتك عليه ) فقبض ، وقال المحيل قصدت الوكالة ، وقال المحتال : إنما أحلتني بما عليك ، فالقول قول‌

٤٠٨

فمع عدم البينة يقدم قول منكر الحوالة [١] ، سواء كان هو المحيل أو المحتال ، وسواء كان ذلك قبل القبض من المحال عليه أو بعده ، وذلك لأصالة بقاء اشتغال ذمة المحيل للمحتال [٢] وبقاء اشتغال ذمة المحال عليه للمحيل ، وأصالة عدم ملكية‌

______________________________________________________

المحيل ، لأنه أعرف بلفظه. وفيه تردد. أما لو لم يقبض واختلفا فقال : ( وكلتك ) ، فقال : ( بل أحلتني ) ، فالقول قول المحيل قطعاً. ولو انعكس الفرض فالقول قول المحتال ». فاقتصر في تحرير الخلاف على صورة الاتفاق على صدور لفظ التحويل والمصنف فرض المسألة أولا في صورة عدم الاتفاق منهما على لفظ بعينه ، ثمَّ فرضها ثانيا في صورة الاتفاق على صدور لفظ : ( أحلتك ) من المحيل ، وقد تبع في ذلك القواعد ، غير أنه فيها قدم الفرض الثاني على الأول. وهو أوسع وأنفع.

[١] كما عن التذكرة والتحرير والمبسوط ، بل عن الأخير : أنه لا خلاف فيه.

[٢] إذا كان المعيار في كون الشخص مدعياً ومنكراً مصب الدعوى ففي المقام يقتضي ذلك أن يكون الخصمان متداعيين ، لان كلا من الحوالة والوكالة مخالف لأصالة عدمه. لكن التحقيق أن المدار في تشخيص المدعي والمنكر هو الغرض المقصود من التداعي لا مصب الدعوى. والغرض المقصود هنا هو اشتغال ذمة المحيل للمحتال ، واشتغال ذمة المحال عليه للمحيل أو للمحتال والأصل يقتضي بقاء الأول والثاني وعدم الثالث. وكل هذه الأصول توافق الغرض من دعوى الوكالة وتخالف الغرض من دعوى الحوالة ، فيكون مدعي الحوالة مدعياً لمخالفة دعواه للحجة ، ومدعي الوكالة منكراً لموافقة دعواه للحجة.

٤٠٩

المال المحال به للمحتال. ودعوى : أنه إذا كان بعد القبض [١] يكون مقتضى اليد ملكية المحتال ، فيكون المحيل المنكر للحوالة مدعياً ، فيكون القول قول المحتال في هذه الصورة. مدفوعة : بأن مثل هذه اليد لا يكون امارة على ملكية ذيها [٢] فهو نظير ما إذا دفع شخص ماله إلى شخص وادعى انه دفعه أمانة وقال الآخر : دفعتني هبة أو قرضاً ، فإنه لا يقدم قول ذي اليد. هذا كله إذا لم يعلم اللفظ الصادر منهما ، وأما إذا علم وكان ظاهراً في الحوالة أو في الوكالة فهو المتبع. ولو علم أنه قال : « أحلتك على فلان » وقال : « قبلت » ثمَّ اختلفا في أنه حوالة أو وكالة ، فربما يقال : إنه يقدم قول مدعي الحوالة [٣] ، لأن الظاهر من لفظ :

______________________________________________________

[١] هذه الدعوى ذكرها في الجواهر وجها للتردد في تقديم قول المحيل إذا كان يدعي التوكيل ، كما ذكر في الشرائع.

[٢] لما اشتهر من أن ذا اليد إذا ادعى الملكية عن سبب معين كان مدعياً ، لان اليد إنما تدل على الملكية في الجملة ولا تدل على السبب المدعى ، فالمدعي له تخالف دعواه الأصل. لكن عرفت أن المدار في كون الخصم مدعيا هو الغرض لا مصب الدعوى ، والغرض هو الملكية لا السبب المعين. فالعمدة في عدم حجية اليد في المقام عدم الدليل على حجية اليد ، لأن أدلة الحجية منزلة على الارتكاز العقلائي ، وهو يختص بغير هذه الصورة.

[٣] كذا في المسالك ، لكن قوى خلافه : وفي جامع المقاصد جعله الأصح ، وتبعه في الجواهر. خلافاً للمبسوط فذكر أن القول قول مدعي‌

٤١٠

« أحلت » هو الحوالة المصطلحة [١] ، واستعماله في الوكالة مجاز فيحمل على الحوالة. وفيه : منع الظهور المذكور [٢]. نعم لفظ الحوالة ظاهر في الحوالة المصطلحة ، وأما ما يشتق‌

______________________________________________________

الوكالة عملا بالأصول المتقدمة في صدر المسألة. وفي القواعد : أنه الأقرب ومال إليه في الشرائع ، بل قطع به إذا كان الاختلاف بعد القبض ، كما تقدم في عبارته المحكية. وفي المسالك : نسبه الى الشيخ وجماعة. لكن في مفتاح الكرامة : « لم نعرفهم ، ولا وجدنا ناقلا عنهم ». ولعل غرض المسالك من ذلك المحقق والعلامة. وقد أطال في المسالك في تقريبه والدفاع عنه.

[١] ذكر ذلك في جامع المقاصد ، وسبقه الى ذلك في التذكرة ، وتبعه على ذلك في الجواهر وغيرها.

[٢] لكن ظاهر الجماعة الذين ذهبوا إلى تقديم قول مدعي الوكالة الاعتراف بذلك ، فقد ذكر في القواعد : أن الأقرب تقديم قول المحيل إذا كان قد ادعى التوكيل ، لأنه أعرف بلفظه وقصده ، واعتضاده بالأصل. ثمَّ قال : « ويحتمل تصديق المستحق ، عملا بشهادة اللفظ » ، فهو يعترف بشهادة اللفظ بالحوالة ومع ذلك جعل الأقرب تقدم قول مدعي الوكالة. ونحوه كلام الشيخ في المبسوط ، فإن المحكي عنه في الاستدلال على تقديم دعوى المحيل قصد الوكالة : أنه أعرف بلفظه باعتبار استعماله في المعنى الحقيقي وغيره ، وكذا هو أعرف بما قصده إذ لا يعلم قصده الا من قبله ، وان قوله معتضد بأصالة بقاء المحيل .. فهو يعترف بأن الحوالة حقيقة في معناها لكن يقبل قول القائل أردت الوكالة. وبالجملة : فالذي يظهر من كلماتهم الاعتراف بظهور « أحلتك » ونحوه في الحوالة لكن يقبل قوله مدعي الوكالة من جهة الأصل. وحينئذ فالإشكال عليه واضح ، فإن الأصل لا يجري مع ظهور الكلام على خلافه ، فلا يكون من يوافق

٤١١

قوله الأصل منكراً بعد أن كان الأصل غير حجة لمخالفته لظاهر الكلام.

وأما منع الظهور الذي ادعاه المصنف (ره) : فغير ظاهر ، إذ التحويل له معنيان : شرعي في الأصل وحقيقة في عرف المتشرعة ، وهو نقل المحيل دينه من ذمته إلى ذمة المحال عليه ، وعرفي وفي الأصل لغوي ، وهو نقل الشي‌ء من شي‌ء إلى آخر ، سواء كان من ذمة إلى أخرى أم من مكان الى آخر أم من حال الى حال أخر ، فإذا قال المدين للدائن : « أحلت دينك على فلان » كان حوالة شرعية وعرفية ، وإذا قال : « أحلتك على فلان » فالمعنى الذي تحت اللفظ هو الحوالة العرفية. لكنه كناية عن الحوالة الشرعية ، لأن الدين لما نقل من ذمة المدين الى غيره كأنه نقل الدائن من مكان المطالبة إلى مكان آخر ، فهو نظير قولنا : « زيد كثير الرماد » المراد منه كثير الطبخ والكرم. وأما استعماله في الوكالة فهو من المجاز ، إذ لا رائحة فيه للنقل للدين ولا لأثر من آثاره ، إذ في التوكيل تسليط على مطالبة غير المدين ، فيكون الوكيل قادراً على مطالبة المدين الموكل ومطالبة مدينة ، فالوكالة حينئذ توسع في سلطان الدائن ، لا نقل لمدينه ولا لسلطانه على المطالبة ، لأن توكل المدين له على استيفاء دينه لا يمنعه من مطالبته ، وإنما يسوغ له مطالبة المدين لمدينه مضافاً الى مطالبة مدينة ، فكيف يصح حمله على الوكالة؟! إلا أن تكون من المجازات البعيدة.

ومن ذلك تعرف الاشكال على ما ذكره في المسالك ، حيث أشكل على ما ذكره في جامع المقاصد ـ من أن ظهور « أحلتك » في الحوالة مقدم على الأصول التي توافق الوكالة ، لأن الأصل الحقيقة ـ بأن الوكالة لما كانت تتحقق بكل لفظ يدل على الاذن بطريق الحقيقة وكانت الحوالة مؤدية لذلك لأن معنى « أحلتك » كما يحتمل تحويل المال من ذمة إلى‌

٤١٢

منها ـ كلفظ : « أحلت » ـ فظهوره فيها ممنوع [١]. كما أن لفظ الوصية ظاهر في الوصية المصطلحة. وأما لفظ : « أوصيت » أو « أوصيك بكذا » فليس كذلك [٢]. فتقديم قول مدعي الحوالة في الصورة المفروضة محل منع [٣].

( مسألة ١٥ ) : إذا أحال البائع من له عليه دين على المشتري بالثمن ، أو أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبي برئ أو مديون للمشتري ، ثمَّ بان بطلان البيع ، بطلت‌

______________________________________________________

ذمة يحتمل ارادة تحويل المطالبة من المحيل الى المحتال ، ففائدتها تسليطه على المحال عليه .. الى آخر ما ذكر في النقض والإبرام في تقريب ما ذكره الشيخ والجماعة. وجه الاشكال : أن الوكالة ليس فيها تحويل المطالبة من المحيل الى المحتال ، فإن الوكالة لا تمنع من مطالبة الموكل لمدينه ، فإن الوكالة لا توجب انعزال الموكل عن السلطان ، فلا تحويل ولا تحول ، فلا بد أن يكون من المجاز.

[١] فيه نظر ، لأن المشتق تابع للمشتق منه ومشارك له في مادة الاشتقاق. نعم كان الأولى له أن يمنع أن يكون : « أحلتك » مشتقاً من الحوالة فلعله مشتق من التحويل ، وحينئذ يتخلص من الاشكال المذكور. لكن يتوجه عليه أن اشتقاقه من التحويل لا يصحح استعماله في الوكالة على وجه الحقيقة ، لما عرفت من أنه لا تحويل فيه ولا تحول ، فيتعين حمله على الحوالة الاصطلاحية بقرينة المورد.

[٢] قد عرفت الاشكال فيه ، وأن اللازم حينئذ دعوى كون « أوصيت » ونحوه من المشتقات مشتقة من الإيصاء لا من الوصية.

[٣] بل هو المتعين ، كما عرفت.

٤١٣

الحوالة في الصورتين [١] ، لظهور عدم اشتغال ذمة المشتري للبائع واللازم اشتغال ذمة المحيل للمحتال. هذا في الصورة الثانية ، وفي الصورة الأولى وإن كان المشتري محالا عليه ويجوز الحوالة على البري‌ء ، إلا أن المفروض ارادة الحوالة عليه من حيث ثبوت الثمن في ذمته ، فهي في الحقيقة حوالة على ما في ذمته [٢] لا عليه. ولا فرق بين أن يكون انكشاف البطلان قبل القبض أو بعده فاذا كان بعد القبض يكون المقبوض باقيا على ملك المشتري ، فله الرجوع به ومع تالفه يرجع على المحتال [٣] في الصورة الأولى وعلى البائع في الثانية.

______________________________________________________

[١] كما في الشرائع والقواعد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها ، وعن الفخر في شرحه : الإجماع عليه. وعلل بما في المتن ، ومقتضاه بطلان الحوالة من أصلها ، وإن كان ظاهر العبارة ـ كعبارة الشرائع والقواعد وغيرهما ـ يقتضي طروء البطلان على الحوالة بظهور بطلان البيع ، لا بطلانها من أصلها. فكأنه تسامح في التعبير. ولذا قال في جامع المقاصد : « وقد كان الأحسن أن يقول : ولو فسد البيع فالحوالة باطلة إذ لم يطرأ بطلانها ». ونحوه في المسالك.

[٢] بذلك دفع الإشكال في مفتاح الكرامة والجواهر. وفيه : أن الحوالة نقل الدين إلى ذمة المحال عليه ، لا إلى ما في ذمته. نعم قد يلحظ ما في ذمته قيداً للتحويل ، وقد يلحظ داعياً ، وقد لا يلحظ أصلا ، وفي الأول تبطل الحوالة بفقده لانتفاء المقيد بانتفاء قيده ، ولا تبطل في الأخيرين لانتفاء المقتضي.

[٣] لأنه القابض لغير ماله ، وكذا البائع في الثانية.

٤١٤

( مسألة ١٦ ) : إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ثمَّ انفسخ البيع بالإقالة أو بأحد الخيارات فالحوالة صحيحة. لوقوعها في حال اشتغال ذمة المشتري بالثمن [١] ، فيكون كما لو تصرف أحد المتبايعين في ما انتقل اليه ثمَّ حصل الفسخ فان التصرف لا يبطل بفسخ البيع. ولا فرق بين أن يكون الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده [٢] ، فهي تبقى بحالها ويرجع البائع على المشتري [٣] بالثمن. وما عن الشيخ وبعض آخر [٤] من الفرق بين الصورتين والحكم بالبطلان في الصورة الثانية ـ وهي ما إذا أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبي ـ

______________________________________________________

[١] هذا يصلح تعليلا لصحتها حال وقوعها ، لا لصحتها حال انفساخ البيع الذي هو محل الكلام. واللازم تعليل الصحة حينئذ بعدم المقتضي للبطلان كما إذا تصرف أحد المتبايعين ثمَّ وقع الفسخ.

[٢] لاطراد المقتضي للصحة في المقامين.

[٣] هذا من السهو ، والصحيح ويرجع المشتري على البائع.

[٤] المحكي عن الشيخ في المبسوط : بطلان الحوالة إذا كان المشتري قد أحال البائع ثمَّ فسخ البيع ، لأنها تابعة للبيع ، فاذا بطل المتبوع بطل التابع ، وعن مجمع البرهان : أن البطلان أقوى ، وفي الشرائع : « إذا أحال المشتري البائع بالثمن ثمَّ رد المبيع بالعيب السابق بطلت الحوالة ، لأنها تتبع البيع. وفيه تردد ». فيحتمل أن يكون وجه التردد ما ذكره المصنف (ره) ـ تبعاً لجماعة ـ من أن الحوالة من العقود اللازمة ، وتبعيتها للبيع في الانفساخ لا مقتضي لها ، ويحتمل أن يكون وجه التردد ما سيأتي نقله عن العلامة.

٤١٥

لأنها تتبع البيع في هذه الصورة ، حيث أنها بين المتبايعين بخلاف الصورة الأولى. ضعيف ، والتبعية في الفسخ وعدمه ممنوعة. نعم هي تبع للبيع حيث أنها واقعة على الثمن ، وبهذا المعنى لا فرق بين الصورتين [١].

______________________________________________________

[١] إذ في الصورة الأولى الحوالة واقعة من البائع على الثمن ، وفي الصورة الثانية واقعة من المشتري بالثمن ، فالثمن موضوع لها في الصورتين معا.

هذا ولا يخفى أنه في الصورة الثانية لما كان المشتري قد حول البائع بالثمن فالبائع يقبض الثمن من المحول عليه ، فاذا بطل البيع رجع الثمن الى ملك المشتري. أما في الصورة الأولى فالبائع حول غريمه على الثمن ، فالمقبوض للغريم هو الثمن ، فاذا بطل البيع بالفسخ امتنع أن يرجع الثمن المقبوض لغريم البائع إلى المشتري ، لأنه ليس ملكاً للبائع ، بل هو مضمون على البائع ضمان المعاوضة فيرجع المشتري به على البائع الضامن له لا على غيره. فيكون الحكم كما إذا اشترى البائع بالثمن ثوباً ، فإنه لا يرجع الثوب إلى المشتري بالفسخ. وبالجملة : في الصورة الثانية ينتقل الثمن الذي للبائع على المشتري من ذمة المشتري إلى ذمة المحال عليه ، فلا تبدل في نفس المال ، وإنما التبدل في الذمة ، فانتقل من ذمة إلى ذمة ، فإذا قبضه البائع من المحال عليه ففسخ البيع رجع نفس المقبوض إلى المشتري ، لأنه عين الثمن. وفي الصورة الأولى يكون الثمن الذي في ذمة المشتري قد انتقل الى غريم البائع ، ولم يبق في ملك البائع كي يرجع بالفسخ إلى المشتري ، فالتبعية للبيع وإن كانت موجودة في الصورتين ولكن الكيفية مختلفة. بل عرفت سابقاً أن الحوالة على غير البري‌ء ليست حوالة على المال ، وإنما هي حوالة على الذمة ، والمال مأخوذ قيداً تارة ، وداعياً أخرى ، وغير ملحوظ ثالثة كما عرفت ، والتبعية تختص بالصورة الاولى‌

٤١٦

وربما يقال ببطلانها [١] إن قلنا إنها استيفاء ، وتبقى إن قلنا إنها اعتياض. والأقوى البقاء وإن قلنا إنها استيفاء ، لأنها معاملة مستقلة [٢] ، لازمة لا تنفسخ بانفساخ البيع ، وليس‌

______________________________________________________

لا غير ، وفيها أيضاً لا تبعية في الفسخ ، ولذلك قال في الشرائع : « أما لو أحال البائع أجنبياً بثمن على المشتري ، ثمَّ فسخ المشتري بالعيب أو بأمر حادث ، لم تبطل الحوالة ، لأنها تعلقت بغير المتعاقدين ». ونحوه ما في القواعد. وعن الفخر في شرح الإرشاد : الإجماع عليه ، بل عن الشيخ : نفي الخلاف فيه ، وإن تأمل في الحكاية بعض.

[١] ذكر ذلك في القواعد ، قال : « ولو احتال البائع ثمَّ ردت السلعة بعيب سابق ، فان قلنا : إن الحوالة استيفاء بطلت ، لأنها نوع إرفاق ، فإذا بطل الأصل بطلت هيئة الإرفاق ، كما لو اشترى بدراهم مكسرة فأعطاه صحيحاً ثمَّ فسخ ، فإنه يرجع بالصحاح. وإن قلنا : إنها اعتياض ، لم تبطل ، كما لو استبدل عن الثمن ثوباً ثمَّ رد بالعيب ، فإنه يرجع بالثمن لا الثوب ، فللمشتري الرجوع على البائع خاصة إن قبض ، ولا يتعين المقبوض ، وإن لم يقبضه فله قبضه ».

[٢] هذا خلف ، فإنه إذا سلم إنها استيفاء لا تكون معاملة مستقلة في قبال الاستيفاء والاعتياض. اللهم الا أن يكون مراده من الاستيفاء الأعم من ذلك ، كما يظهر من عبارته. إلا أنه غير مرادهم من الاستيفاء ، كما يظهر من المثال المذكور في القواعد. فإنه من الاستيفاء بالمعنى الخاص. وقد تقدم في كلام جماعة : انها استيفاء ، والمصنف وافقهم على ذلك ، وتقدمت المناقشة معهم بأنها لا تكون استيفاء ، إذ لم يصل إلى الدائن شي‌ء فلم يكن وفاء ، وإنما كان مجرد فراغ ذمة المديون المحيل لا غير. وإن شئت قلت : ليست الحوالة وفاء حال وقوعها ، إذ لم يصل الى الدائن‌

٤١٧

______________________________________________________

شي‌ء من ماله ، ولا حال القبض من المحال عليه ، لفراغ ذمته قبل ذلك ، وإنما القبض وفاء عما في ذمة المحال عليه لا غير. كما أنها ليست اعتياضاً ، إذ لم تكن معاوضة بين المحيل والمحتال بأن يكون المال الذي في ذمة المحال عليه عوضاً عما له في ذمة المحيل ، فان ذلك غير مقصود ، ولا هو مفهوم الحوالة عرفاً. بل ليس مفهومها الا نقل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، فالثمن الذي في ذمة المشتري للبائع قد انتقل إلى ذمة المحال عليه ، فالحوالة تبديل في الذمم لا تبديل في المال ، فان المال باق بحاله وخصوصياته من دون تغيير فيه ولا تبديل ، كالعين بالخارجية التي تنقل من صندوق الى صندوق ومن ظرف الى ظرف. ولو كانت اعتياضاً جرى عليها حكم بيع الصرف ، من لزوم التقابض في المجلس ، وجرى عليها حكم بيع الدين بالدين.

فالبائع المحتال يملك الثمن في ذمة المحال عليه ، فاذا وقع الفسخ قبل القبض بطلت الحوالة ، لرجوع الثمن الى ملك المشتري ، وليس للبائع أخذه من المحال عليه ، وإذا وقع الفسخ بعد القبض رجع المقبوض الى ملك المشتري ، لأنه الثمن فيرجع اليه بالفسخ. ولذلك قال في الشرائع تفريعاً على بطلان الحوالة : « فان لم يكن البائع قبض المال فهو باق في ذمة المحال عليه للمشتري. وإن كان البائع قبضه فقد برئ المحال عليه ويستعيده المشتري من البائع ». وأوضحه العلامة في التذكرة والشهيد الثاني في المسالك بنحو ما ذكرنا ، بل في الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ».

وعلى هذا فاللازم القول ببطلان الحوالة إذا وقع الفسخ قبل القبض ، وصحتها إذا وقع بعد القبض ، لأن بطلانها حينئذ يقتضي رجوع المقبوض الى ملك المحال عليه ، لا إلى المشتري ، ولا يقولون به ، ولا مقتضي له.

٤١٨

حالها حال الوفاء بغير معاملة لازمة ، كما إذا اشترى شيئاً بدراهم مكسرة فدفع إلى البائع الصحاح أو دفع بدلها شيئاً آخر وفاء [١] ، حيث انه إذا انفسخ البيع ويرجع اليه ما دفع من الصحاح أو الشي‌ء الآخر ، لا الدراهم المكسرة ، فإن الوفاء بهذا النحو ليس معاملة لازمة ، بل يتبع البيع في الانفساخ ، بخلاف ما نحن فيه ، حيث أن الحوالة عقد لازم [٢] وان كان‌

______________________________________________________

فاللازم التفصيل بين ما قبل القبض فالبطلان ، وما بعده فالصحة ، لا إطلاق القول ببطلان الحوالة. بل تمكن المناقشة فيما في الشرائع إذا بطلت الحوالة للفسخ قبل القبض يكون المال باقياً في ذمة المحال عليه للمشتري ، بأن بطلان الحوالة يقتضي فراغ ذمة المحال عليه لا اشتغالها بالمحال به للمشتري ، فإن ذلك مقتضى الصحة لا البطلان.

[١] في كون ذلك من الوفاء إشكال ، لأن الوفاء أداء ما في الذمة ، والجنس الآخر أجنبي عما في الذمة فلا يكون أداء له. نعم إذا كان الاختلاف بالصفات مثل الصحاح والمكسرة والعبد الكاتب وغير الكاتب ، يمكن تنازل المشتري عن الوصف فيقبل غير الموصوف ، أو تنازل البائع عنه فيدفع غير الموصوف كالصحيح بدل المكسور ، فيكون الوفاء بالنسبة إلى الذات. وهذا المعنى لا يأتي مع اختلاف الذات. والاكتفاء بالمالية ، فيكون الوفاء بالإضافة إليها لا غير ، خلاف ما بنوا عليه من بطلان البيع مع اختلاف الجنس ، كما إذا باع عبداً فتبين أنه حيوان ، أو باع ذهباً فتبين أنه نحاس ، ونحو ذلك ، فان البناء على البطلان يقتضي عدم البناء على تعدد المطلوب في ذلك ، بخلاف باب الاختلاف بالصفة. وعلى هذا فلو بطل البيع رجع المشتري بالمسمى ، لا ببدله.

[٢] اللزوم في نفسه لا ينافي الانفساخ بذهاب الموضوع وانتفائه.

٤١٩

نوعاً من الاستيفاء.

( مسألة ١٧ ) : إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معين خارجي فأحال دائنه عليه ليدفع اليه بما عنده فقبل المحتال والمحال عليه ، وجب عليه الدفع اليه [١] ، وإن لم يكن من الحوالة المصطلحة [٢]. وإذا لم يدفع له الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمته. ولو لم يتمكن من الاستيفاء منه ضمن الوكيل المحال عليه إذا كانت الخسارة الواردة عليه مستند اليه ، للغرور [٣].

( تم كتاب الحوالة )

______________________________________________________

[١] جواز الدفع من جهة الإذن معلوم. أما وجوبه فغير معلوم إذا أمكن الدفع الى المالك في ذلك الزمان أو فيما قبله ، إذ الوكيل ممنوع من التصرف في المال بغير إذن مالكه ، وكما يمكن الفرار عن ذلك بالدفع الى المحتال يمكن بإرجاعه إلى المالك. نعم إذا تعذر الدفع الى المالك حينئذ وجب الدفع الى المحتال ، لئلا يلزم التصرف في مال المالك بغير إذنه ، وحينئذ لا يتوقف وجوب الدفع على قبوله الحوالة.

[٢] لعدم انتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.

[٣] فان قاعدة الغرور شاملة للمقام ، ومجرد عدم وجوب الوفاء بالوعد والقبول لا يمنع من صدق الغرور ، فان الغرور لم يكن مستنداً الى وجوب الوفاء ، بل مستنداً إلى الثقة بالوفاء بالوعد ، كما لعله ظاهر.

وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كما هو أهله. والصلاة والسلام على رسوله الكريم وأهل بيته الطاهرين. انتهى الكلام في ثامن شعبان المكرم ، في السنة الثانية والثمانين بعد الألف والثلاثمائة من الهجرة النبوية ، على صاحبها أفضل السلام وأكمل التحية.

٤٢٠