مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

ـ كما هو ظاهر المشهور ـ فيشكل صحته وفاء ، لان المفروض عدم اشتغال ذمته بعد ، فيكون في يده كالمقبوض بالعقد الفاسد [١] ، وبعد الأداء ليس له الاحتساب إلا بإذن جديد [٢] أو العلم ببقاء الرضا به.

( مسألة ١٧ ) : لو قال الضامن للمضمون عنه : « ادفع عني إلى المضمون له ما علي من مال الضمان » فدفع برئت ذمتهما معا [٣] ، أما الضامن : فلانه قد أدى دينه ، وأما‌

______________________________________________________

[١] كما صرح به في التذكرة ، فيكون مضموناً عليه ، ويجب عليه رده الى مالكه. وفي المسالك : أنه كالمقبوض بالسوم. ولكنه غير ظاهر. لان المقبوض بالسوم مقبوض على أنه ملك الدافع ، والمفروض في المقام أنه مقبوض على أنه مالك القابض ـ كما هو معنى الوفاء ـ كالمقبوض بالعقد الفاسد ، فالإذن في قبضه مقيدة بعنوان مفقود ، فتكون مفقودة. ولذا قلنا لا يجوز التصرف فيه ولو بوضع اليد عليه ، ويجب رده الى مالكه ، كالمغصوب ، فيكون مضمونا.

[٢] لا حاجة إلى الاذن الجديد ، بل يكفي بقاء الاذن السابق ، لأنها كانت مقيدة بعنوان الوفاء المفقود سابقاً ، فاذا وجد لاحقا بحصول الأداء وبقيت الاذن كفت في حصول الملك. ومن ذلك يظهر أن الاذن الجديد لا فائدة فيها إذا لم ترجع الى بقاء الاذن السابق ، ولعل هذا هو المراد مما في حاشية بعض الأعاظم في هذا المقام ، وإلا فلا محصل له. ويكفي الشك في بقاء الاذن لجريان الاستصحاب ، ولا حاجة الى العلم بالبقاء. فلاحظ.

[٣] قال في الشرائع : « ولو قال : ادفعه الى المضمون له ،

٣٠١

المضمون عنه : فلان المفروض ان الضامن لم يخسر. كذا قد يقال. والأوجه أن يقال : إن الضامن حيث أمر المضمون عنه بأداء دينه فقد اشتغلت ذمته بالأداء ، والمفروض أن ذمة المضمون عنه أيضاً مشغولة له ، حيث أنه أذن له في الضمان فالأداء المفروض موجب لاشتغال ذمة الضامن من حيث كونه بأمره ، ولاشتغال ذمة المضمون عنه حيث أن الضمان بإذنه وقد وفي الضامن ، فيتهاتران ، أو يتقاصان [١]. وإشكال صاحب الجواهر في اشتغال ذمة الضامن بالقول المزبور [٢]

______________________________________________________

فدفعه ، فقد برئا » وقال في المسالك في شرحه : « أي : قال الضامن للمضمون عنه : ادفعه أنت إلى المضمون له ، فدفعه فقد برئا ، أما الضامن فوفاء دينه ، وأما المضمون عنه فلأن الضامن لم يغرم. فلا يرجع عليه. ويمكن اعتبار التقاص القهري ، لثبوت ما دفعه المديون في ذمة الضامن ، لأنه المديون وقد أذن له في وفائه ، وثبوت مثله في ذمة المضمون عنه لأدائه ، فيتقاصا ».

[١] وقع التعبير بالتقاص القهري في المسالك ، وكأن المراد منه التهاتر بقرينة وصفه بالقهري ، والتقاص المشروع اختياري من أفعال المكلف القصدية بخلاف التهاتر ، فإنه من الأحكام الشرعية. وكأن عطفه في المتن على التهاتر ، بقصد التوضيح ، لا التقاص الاصطلاحي.

[٢] قال في الجواهر ـ بعد نقل عبارة المسالك السابقة ـ : « وفيه : أن أداء دين الضامن المأذون بمال المضمون عنه بإذن الضامن لا يقتضي اشتغال ذمة الضامن بمثله ، إذ ليس هو قد صار بذلك قرضاً عليه مع عدم قصده ، وعدم توقف وفاء الدين على كونه مملوكاً للمديون. كما أنه لا يستحق‌

٣٠٢

في غير محله [١].

( مسألة ١٨ ) : إذا دفع المضمون عنه الى المضمون له من غير إذن الضامن برئا معا [٢] ، كما لو دفعه أجنبي عنه.

( مسألة ١٩ ) : إذا ضمن تبرعاً فضمن عنه ضامن‌

______________________________________________________

رجوعاً على المضمون عنه ، لعدم حصول الأداء منه. فلا تقاص حينئذ ، لعدم ثبوت المالين في ذمة كل منهما. فتأمل ».

[١] لأن الموجب لضمان الضامن لما أداء المضمون عنه أمر الضامن له بالأداء الموجب لصدق الاستيفاء ، الذي هو من أسباب الضمان ـ كما عرفت ـ ، لا لتحقق القرض حتى يتوقف على قصده ، ولا لتوقف الوفاء على كونه مملوكاً للمديون حتى يمنع ذلك. كما أنه يستحق الضامن الرجوع على المضمون عنه بأدائه ، لأن هذا الأداء من المضمون عنه لما كان بأمر الضامن وموجباً لاستحقاق الرجوع على الضامن. كان ذلك خسارة على الضامن ، فاستحق الرجوع على المضمون عنه في تدارك خسارته بعد أن كان ضمانه بإذنه. نعم يتوجه الاشكال على المسالك : بأن المضمون عنه لما دفع الى المضمون له بأمر الضامن إن كان يستحق الرجوع على الضامن ـ من جهة تحقق الاستيفاء ـ تعين الوجه الثاني ولم يصح الوجه الأول ، وإن كان لا يستحق الرجوع على الضامن ـ من جهة قصده التبرع بالدفع ـ تعين الوجه الأول ولم يصح الوجه الثاني.

[٢] قال في الشرائع : « ولو دفع المضمون عنه مالاً إلى المضمون له بغير إذن الضامن فقد برئ الضامن والمضمون عنه ». ونحوها ما في القواعد وغيرها. وفي الجواهر نفى الاشكال والخلاف في ذلك. وهو واضح مما عرفت في صدر المسألة السابقة.

٣٠٣

بإذنه وأدى ليس له الرجوع على المضمون عنه [١] ، بل على الضامن [٢]. بل وكذا لو ضمن بالاذن فضمن عنه ضامن بإذنه ، فإنه بالأداء يرجع على الضامن ، ويرجع هو على المضمون عنه الأول.

( مسألة ٢٠ ) : يجوز أن يضمن الدين بأقل منه برضا المضمون له [٣]. وكذا يجوز أن يضمنه بأكثر منه. وفي الصورة الأولى لا يرجع على المضمون عنه مع إذنه في الضمان إلا بذلك الأقل [٤]. كما أن في الثانية لا يرجع عليه إلا بمقدار الدين [٥]

______________________________________________________

[١] يعني : ليس للضامن الثاني الرجوع على المضمون عنه الأول ، لأنه لم يضمن عنه ، فلا موجب لرجوعه عليه.

[٢] لأنه ضمن عنه بإذنه.

[٣] لم يحضرني عاجلا من تعرض له. ومقتضى ما تقدم من معنى الضمان من أنه نقل ما في الذمة إلى ذمة الضامن امتناع ذلك ، الا أن يرجع الى ضمان البعض وسقوط الباقي أو الإبراء منه. وكذلك الفرض الثاني ، فإنه ممتنع الا أن يرجع الى اشتراط الزيادة للمضمون له. اللهم إلا أن يكون المراد من الضمان في المقام مفهوماً آخر ، وهو إثبات بدل ما في الذمة في ذمة أخرى أقل منه أو أكثر. ولا بأس بالبناء على صحته ، عملا بعمومات الصحة ، ولا يكون من الضمان الاصطلاحي ، ولا تجري عليه أحكامه إلا ما تقتضيه العمومات.

[٤] لأن الزائد عليه لم يؤده ، فلا يرجع به على المضمون عنه وإن كان بإذنه.

[٥] كما سبق.

٣٠٤

إلا إذا أذن المضمون عنه في الضمان بالزيادة [١].

( مسألة ٢١ ) : يجوز الضمان بغير جنس الدين [٢]. كما يجوز الوفاء بغير الجنس [٣]. وليس له أن يرجع على المضمون عنه الا بالجنس الذي عليه [٤] ، إلا برضاه.

( مسألة ٢٢ ) : يجوز الضمان بشرط الرهانة [٥] ، فيرهن بعد الضمان. بل الظاهر جواز اشتراط كون الملك الفلاني رهنا بنحو شرط النتيجة في ضمن عقد الضمان [٦].

______________________________________________________

[١] لإطلاق ما دل على الرجوع بما أدى.

[٢] لم أقف على من تعرض له. ويشكل بما سبق من امتناع ذلك ، لا نقله من ذمة إلى ذمة مع البناء على ثبوت غيره خلف. الا أن يكون المقصود اشتراط الأداء من غير الجنس ، فلا بأس ، لعموم الوفاء بالشروط ، نظير الاشتراط من مال معين ، كما سيأتي. أو يكون المراد غير الضمان الاصطلاحي ، بل معنى آخر وهو إثبات بدل لما في الذمة في ذمة أخرى. كما تقدم. وحينئذ لا تجري عليه أحكام الضمان ، أو تثبت له الأحكام العامة.

[٣] بلا إشكال. والنصوص به شاهدة.

[٤] لإطلاق الموثق : « ليس له الا الذي صالح عليه » (١).

[٥] يعني : بنحو شرط الفعل ، يعني : شرط أن يرهن ، فيجب على الضامن أن يرهن عند المضمون له عيناً ، لتكون مورد حق الاستيفاء.

[٦] قد ذكرنا في كتاب الإجارة من هذا الشرح الإشكال في صحة شرط النتيجة من وجهين : الأول : أن النتائج لا تقبل أن تكون مضافة الى مالك ، فلا يمكن أن تكون شرطا ، لان التحقيق أن الشرط مملوك للمشروط له ، ولذا كان له المطالبة به ، وإذا امتنع أن تكون مملوكة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب كتاب الضمان حديث : ١.

٣٠٥

______________________________________________________

امتنع أن تشترط ملكيتها. نعم إذا كانت في العهدة جاز أن تكون مملوكة. لكنها تكون من شرط الفعل لا من شرط النتيجة. الوجه الثاني : أن مفاد صيغة الشرط مجرد جعل التمليك بين المشروط له والمشروط ، لا جعل نفس المشروط ، فإن صيغة الشرط لا تتكفل ذلك ، فاذا لم يحصل الشرط لا يكون ثابتاً ، فلا تترتب اثاره ، وحينئذ لا نتيجة ولا يجوز ترتيب آثارها. وهذا معنى بطلان شرط النتيجة.

ثمَّ إن الإشكالين المذكورين إنما يتوجهان على شرط النتيجة بناء على أن مفاد الشرط تمليك المشروط له للمشروط ، كما يقتضيه مناسبته مع شرط الفعل. أما إذا كان مفاده مجرد الالتزام للمشروط له بالشرط ، فيكون مفاده إنشاء المشروط وهو النتيجة في ضمن العقد ، فلا بأس به ، عملا بعموم نفوذ الشروط. إلا إذا كانت النتيجة لا تنشأ إلا بسبب خاص ، فان عموم نفوذ الشرط لا يصلح لتشريع ما لم يشرع ، فيكون الشرط حينئذ مخالفاً للكتاب ، فيدخل في الشرط الباطل. وإذا لم يشترط في إنشائها سبب خاص صح شرطها وترتب عليه الأثر وإن لم يكن مملوكاً للمشروط له. ويكون له الخيار في تخلفه نظير خيار تبعض الصفقة ، كما إذا جمع بين بيع ونكاح فبطل أحدهما ، فإنه يكون الخيار في الآخر. لكن هنا يبطل الشرط ببطلان العقد ، لأن الشرط لوحظ تابعاً لمضمون العقد ومبنياً عليه ، فلا يستقل بدونه ، بخلاف ما لو جمع بين بيع ونكاح ، فإنه لم يلاحظ أحدهما تابعاً للآخر ومبنياً عليه ، بل إنشاء كل منهما في مقابل الآخر ، فيكون بطلان كل منهما موجباً للخيار في الآخر. كما أن بطلان الشرط موجب للخيار في العقد لعين الوجه الموجب للخيار هناك عند بطلان أحد الأمرين. وهو اشتراكهما في قصد واحد كما هو موضح في محله.

والذي تحصل مما ذكرناه : أن شرط الفعل يتضمن إنشاء تمليك‌

٣٠٦

______________________________________________________

الفعل وشرط النتيجة لا يتضمن إنشاء التمليك ، وإنما يتضمن إنشاء نفس النتيجة ، فإذا لم يشترط في إنشاء النتيجة سبب خاص صح. وإذا اشترط في إنشائها سبب خاص لم يصح ، لأنه لا يصلح دليله لتشريع ما لم يشرع. وإذا تخلف الأول ـ إما لعدم صحة التمليك ، أو لعدم حصول المملوك ـ يكون الخيار للمشروط له ، وتخلف الثاني لا يكون إلا لعدم صحة الإنشاء. وهو موجب للخيار للمشروط له ، وهو من كان إنشاؤه موافقاً لرغبة أحدهما ، فإن كان إنشاؤه موافقاً لرغبة أحدهما بعينه كان تخلفه موجباً لخياره فقط ، كما إذا باعه الشجر بشرط أن يكون للمشتري الثمر الموجود ، فان الشرط يوافق رغبة المشتري فيكون الخيار له. أو يبيعه الشجر بشرط أن يكون ثمرة في السنة الآتية للبائع ، فإن الشرط يوافق رغبة البائع ، فيكون الخيار له. وإذا كان موافقا لرغبة كل منهما كان الخيار لكل منهما ، كما إذا باعه الجارية بشرط أن يكون حملها عوضاً عن دين المشتري على البائع. فإن المعاوضة لما كانت من الطرفين كانت موافقة لرغبة كل منهما ، فيكون خيار التخلف لكل منهما ، نظير تخلف البيع في بعض الصفقة ، فإنه يوجب الخيار لكل من البائع والمشتري.

ثمَّ إنه لا ينبغي التأمل في صحة شرط النتيجة بعد ما ورد النص به في شرط الضمان في الإجارة والعارية وشرط الأجل في النسيئة والسلف وغير ذلك. نعم لا مجال للبناء على جواز نذر النتيجة ، فإن اللام في قول الناذر : « لله علي » لام الملك ، فيتوجه على نذر النتيجة الإشكالات السابقان واحتمال أن تكون اللام لام التعليل ، ويكون معنى : « لله علي » : التزمت لله علي ، خلاف الظاهر جداً ، فالبناء على المنع من صحة نذر النتيجة في محله ، كالبناء على صحة شرط النتيجة.

وعليه يصح شرط الرهن في ضمن عقد الضمان ، ولا بد فيه من القبض ـ بناء على اشتراطه في الرهن ـ إذ لا فرق بين الموارد.

٣٠٧

( مسألة ٢٣ ) : إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن فهل ينفك بالضمان أو لا؟ يظهر من المسالك والجواهر انفكاك [١] ، لأنه بمنزلة الوفاء [٢]. لكنه لا يخلو عن اشكال [٣]. هذا مع الإطلاق ، وأما مع اشتراط البقاء أو عدمه فهو المتبع [٤].

( مسألة ٢٤ ) : يجوز اشتراط الضمان [٥] في مال معين [٦]

______________________________________________________

[١] قد صرحا بذلك في شرح المسألة الرابعة من الشرائع في كتاب الضمان.

[٢] في الجواهر : « لأن الضمان أداء ». وفي المسالك : « لان الضمان بمنزلة الأداء ». ويظهر منهما المفروغية عن ذلك.

[٣] إذ لا أداء ولا وفاء ، وإنما كانت فائدة الضمان اشتغال ذمة الضامن به وفراغ ذمة المضمون عنه ، فالدين انتقل من ذمة إلى أخرى من دون أداء ، فإن كان الرهن على وفائه بقي على حاله ، لعدم الوفاء ، وإن كان على إفراغ ذمة المديون بطل ، لفراغ ذمته بالضمان. ولكن الأظهر الثاني ، لأن الراهن إنما وضع الرهن لحسابه ، لا لحساب المرتهن.

[٤] عملا بعموم صحة الشروط.

[٥] كما في الشرائع والقواعد والتذكرة وغيرها ، ويظهر منهم التسالم على ذلك ، ولم ينقل فيه خلاف أو إشكال ، وفي الجواهر : « لا خلاف أجده في صحته ». وكفى دليلا عليه عموم : « المؤمنون عند شروطهم » (١).

[٦] يعني : يكون الأداء منه ، كما في عبارة القواعد والتذكرة ، وعبارة الشرائع كعبارة المصنف. والظاهر أن المراد منها ذلك. وسيجي‌ء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المهور حديث ٤.

٣٠٨

على وجه التقييد [١] ، أو على نحو الشرائط في العقود من كونه من باب الالتزام في الالتزام. وحينئذ يجب على الضامن الوفاء من ذلك المال [٢] ، بمعنى صرفه فيه. وعلى الأول : إذا تلف ذلك المال يبطل الضمان [٣] ويرجع المضمون له على‌

______________________________________________________

احتمال آخر. فانتظر.

[١] يعني : يؤخذ الأداء من ذلك المال قيدا للضمان أو قيدا للمضمون فكأنه قال : أضمن الضمان الذي يكون وفاء ماله من المال المعين ، أو اضمن المال الذي يكون وفاؤه من المال المعين.

[٢] عملا بالشرط.

[٣] لفوات القيد الموجب لفوات المقيد. قال في التذكرة. ولو شرط في الضمان الأداء من مال بعينه صح الضمان والشرط معاً. لتفاوت الأغراض في أعيان الأموال. فلو تلف المال قبل الأداء بغير تفريط الضامن فالأقرب فساد الضمان لفوات شرطه ، فيرجع صاحب المال على الأصيل. وهل يتعلق الضمان : بالمال المشروط تعلقه به تعلق الدين بالرهن ، أو الأرض بالجاني؟ الأقرب : الأول ، فيرجع على الضمان لو تلف. وعلى الثاني : يرجع على المضمون عنه ». والعبارة لا تخلو من إشكال ، لتنافي الصدر والذيل فيها ، لأن الرجوع على الضامن الذي قربه في الذيل يقتضي صحة الضمان ، وهو ينافي ما في الصدر من بطلان الضمان والرجوع على الأصيل ، المناسب لكون التعلق نظير تعلق أرش الجناية.

والمصنف (ره) جعل البطلان من آثار أخذ الشرط على نحو القيد ، لأن فوات القيد يوجب فوت المقيد. وقد تبعه الى ذلك في المسالك في توجيه البطلان الذي حكاه عن التذكرة والشهيد في بعض فتاواه. ولكنه يشكل : بأن فوات القيد لا يوجب بطلان العقد ، وإنما يوجب الخيار‌

٣٠٩

المضمون عنه. كما أنه إذا نقص يبقى الناقص في عهدته.

______________________________________________________

المسمى بخيار تخلف الوصف ، كما إذا قال : « بعتك هذا العبد الكاتب » فتبين أنه غير كاتب ، فلا فرق بين فوات القيد وفوات الشرط. فان قلت : فوات المقيد بفوات قيده من الضروريات ، فالقصد انما تعلق بالمقيد لا بغيره ، فكيف يصح مع فواته الموجب لانتفاء قصده؟! قلت : هذا الاشكال يتوجه نظيره في صورة فوات الشرط ، لأن القصد انما كان الى المشروط لا إلى الخالي عن الشرط ، فكيف يصح الخالي عن الشرط من دون قصد؟! بل يتوجه أيضاً في باب تبعض الصفقة ، فإن من اشترى داراً وتبين أن بعضها لغير البائع ولم يجز ، أو بعضها وقف لا يصح بيعه ، لم يكن يقصد شراء البعض أبداً ، وإنما كان يقصد شراء المجموع. ويندفع : بأن القصد الضمني التحليلي كاف في صحة العقد بالنسبة إلى الفاقد للقيد أو الشرط ، وبالنسبة إلى الجزء في باب تبعض الصفقة. ويشهد بذلك بناؤهم على صحة العقد في البعض لكن مع الخيار ، وكذا بناؤهم على صحة العقد مع تخلف الوصف لكن مع الخيار ، المعبر عنه خيار الوصف ، كما في : « بعتك العبد الكاتب ». ومثله الكلام في مورد خيار الرؤية. ودعوى : أن الصحة في هذه الموارد لأن الإنشاء فيها من باب تعدد المطلوب ، بحيث يكون قصدان : قصد قائم بالمجموع وبالمشروط وبالموصوف ، وقصد قائم بالبعض وبالخالي عن الشرط أو الوصف ، فاذا فات القصد الأول كفى القصد الثاني ، فيها ـ مع أن ذلك ممنوع ، بل ليس إلا قصد واحد في أكثر الموارد ـ : أنه لو صح ذلك جاء فيما نحن فيه أيضا واقتضى الصحة ، فلا وجه للبطلان.

ثمَّ إن العلامة في القواعد قال : « فان تلف بغير تفريط ففي بطلان الضمان اشكال ، ومع عدمه يتعلق به تعلق الدين بالرهن ، لا الأرش بالجاني ،

٣١٠

______________________________________________________

فيرجع على الضامن. وعلى الثاني يرجع على المضمون عنه ». وكأن منشأ الاشكال في البطلان الإشكال في أن فوات الشرط يوجب فوات المشروط وعدمه. والظاهر من قوله (ره) : « ومع عدمه » أنه مع عدم البطلان ، وقوله : « تعلق الدين بالرهن » يعني : يثبت الدين في ذمة الضامن كما يثبت في ذمة الراهن ، لا أنه لا يثبت في ذمته كما في حق الجناية ، فإنه لا يتعلق بذمة المالك للجاني ، وانما يثبت في رقبة الجاني فقط. لكن هذا التردد لا يتناسب مع عنوان المسألة التي هي الضمان واشتراط كون الأداء من المال المعين. إذ المراد منه أن الذمة مشغولة ويكون الأداء لما في الذمة من المال المعين. لا أن الذمة فارغة ، فليس من شقوقها كون الذمة فارغة كما في حق الجناية.

وقوله (ره) : « وعلى الثاني » الظاهر من الثاني تعلق الأرش بالجاني ، كما صرح بذلك في عبارة التذكرة. وحمله في مفتاح الكرامة على البطلان. ووجهه غير ظاهر لأن البطلان لم يذكر ثانياً لأول ، وانما ذكر أولا بدون ذكر ثان. ولذلك فهم منه في جامع المقاصد ما ذكرنا ، وأشكل عليه : بأنه إذا صح الضمان وبنينا على كون التعلق كتعلق أرش الجناية كيف يتصور الرجوع على المضمون عنه؟!.

وعلى هذا فالمتعين : أنه بناء على صحة الضمان مع الشرط المذكور يكون تعلق الدين بالمال المعين تعلق الدين بالرهن ، فتكون ذمة الضامن مشغولة ، وعليه الوفاء من المال المعين. ولا مجال لاحتمال كون التعلق به تعلق أرش الجناية ، وعلى تقديره يتعين البناء على سقوط الدين بالتلف بدون تفريط ، لا أنه يرجع المضمون له على المضمون عنه ، فإن أرش الجناية المتعلق بالعبد الجاني يسقط بموته ، لا أنه يرجع المجني عليه الى مالكه أو غيره ، فإنه بعد انتقال الدين من ذمة المضمون عنه الى المال المعين لا وجه‌

٣١١

وعلى الثاني : لا يبطل ، بل يوجب الخيار لمن له الشرط من الضامن أو المضمون له أوهما. ومع النقصان يجب على الضامن الإتمام مع عدم الفسخ. وأما جعل الضمان في مال معين من غير اشتغال ذمة الضامن ، بأن يكون الدين في عهدة ذلك المال ، فلا يصح [١].

______________________________________________________

لرجوعه إلى ذمة المضمون عنه بتلف موضوعه. نظير حق الزكاة الذي يسقط بتلف العين بدون تفريط.

ثمَّ إن الاختلاف بين حق الرهانة وحق الجناية من وجهين : الأول : ما ذكرناه من أن حق الرهانة مقرون باشتغال ذمة الراهن ، بخلاف حق الجناية فإنه غير مقرون باشتغال ذمة المالك. الثاني : أن حق الرهانة مانع من التصرف في الرهن ، فكأنه قائم بالعين بما انها مضافة الى مالكها حال الرهن ، بخلاف حق الجناية ، فإنه غير مانع من التصرف ، فلو باع المالك العبد الجاني صح البيع وانتقل الحق معه ، فكان الحق قائم به غير مقيد بإضافته إلى مالك بعينه.

[١] قال في المسالك فيما لو اشترط أن يكون الضمان من مال معين : « وهل هو متعلق به كتعلق الدين بالرهن ، أو كتعلق الدين بالجاني؟ وجهان ، مأخذهما : أن الضمان ناقل للدين إلى ذمة الضامن ، لأن موضعه إنما هو الذمة ، وتخصيص هذا المال أفاد انحصار المطالبة فيه ، ولم تخرج الذمة عن العهدة ، لأن مقتضى الضمان ابتداء التعلق بها. وهذا هو وجه تعلق الرهن. ومن أن الضامن لم يدخل ذمته مطلقاً ، وانما حصر الاستحقاق في المال المعين وجعله متعلق حق المضمون له. فينحصر حقه فيه ابتداء من غير تعلق بالذمة. وأقواهما الأول ». ولا يخفي أن مفاد الوجه الثاني إلى‌

٣١٢

( مسألة ٢٥ ) : إذا أذن المولى لمملوكة في الضمان في كسبه ، فان قلنا إن الضامن هو المولى ـ للانفهام العرفي ، أو‌

______________________________________________________

إرجاع اشتراط الضمان من مال معين الى تخصيص حق المضمون له بالمال المعين ، فالبناء على صحته حينئذ يقتضي البناء على صحة هذه الصورة ، بل ظاهر بعض عبارات المسالك الأخرى ذلك. وهو كذلك ، عملا بعمومات الصحة ، وان لم تكن من الضمان المصطلح الذي هو اشتغال الذمة ، فلا تجري عليها أحكامه.

والذي يتحصل مما ذكرنا أمور : الأول : أن اشتراط الضمان في مال معين يكون على صور ثلاث ذكرها المصنف ، كلها صحيحة. الثاني : أن أحكام الضمان تجري على الأولتين منها دون الأخيرة. الثالث : أنه مع التلف بدون تفريط يكون الخيار للمشروط له في الصورتين الأولتين ، ولا يكون له الخيار في الأخيرة. الرابع : أنه مع التلف بدون تفريط يرجع المضمون عنه على الضامن في الصورتين الأولتين ، ولا يرجع على أحد في الصورة الثالثة ، لا على الضامن ، لأن المفروض فراغ ذمته ، ولا على المضمون عنه لان المفروض انتقال المال من ذمته الى المال المعين ، فلا موجب لبطلان هذا الانتقال ، كما احتمله في المسالك ، خلافاً لما سبق عن التذكرة والقواعد وغيرهما. الخامس : أن الوجه في صحة العقد في صورتي تخلف القيد والشرط هو الاجتزاء بالقصد الضمني الارتباطي في صدق العقد والإيقاع ، وكذلك في باب تبعض الصفقة ، وإن كان القصد المذكور غير حاصل في حال انتفاء القيد أو الشرط أو المقارن. السادس : أن الفرق بين حق الرهانة وحق الجناية من وجهين : الأول : أن الأول لا يسقط الدين فيه بتلف موضوع الحق ، بخلاف الثاني. الثاني : أن الأول يمنع من التصرف في موضوعه بنقل أو نحوه ، بخلاف الثاني.

٣١٣

لقرائن خارجية ـ يكون من اشتراط الضمان في مال معين ، وهو الكسب الذي للمولي ، وحينئذ فإذا مات العبد تبقى ذمة المولى مشغولة إن كان على نحو الشرط في ضمن العقود. ويبطل إن كان على وجه التقييد [١]. وإن انعتق يبقى وجوب الكسب عليه [٢]. وان قلنا إن الضامن هو المملوك ، وأن مرجعه الى رفع الحجر عنه بالنسبة إلى الضمان ، فاذا مات لا يجب على المولى شي‌ء [٣] ، وتبقى ذمة المملوك مشغولة يمكن تفريغه بالزكاة ونحوها. وإن انعتق يبقى الوجوب عليه [٤].

( مسألة ٢٦ ) : إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد فاما أن يكون على التعاقب ، أو دفعة فعلى الأول : الضامن من رضي المضمون له بضمانه [٥]. ولو أطلق الرضا بهما كان‌

______________________________________________________

[١] قد سبق في المسألة الماضية الإشكال فيه.

[٢] عملا بمقتضى الشرط وإن لم نقل بأن المدين يجب عليه الكسب.

[٣] إذ لا مقتضى لهذا الوجوب ، فان الضمان الواقع لا يقتضيه ، وليس له مقتض غيره.

[٤] عملا بمقتضى إطلاق عقد الضمان لما لم يقيد بحال الرقية.

[٥] تارة : يرضى المضمون له بضمان أحدهما دون الآخر ، وأخرى : يرضى بضمان أحدهما ثمَّ يرضى بالآخر. فان كان الأول صح ضمان من رضي المضمون له به ، لحصول شرطه ، سواء كان سابقاً أم لاحقاً ، وبطل الآخر لفقد شرطه كذلك. وإن كان الثاني صح ضمان الأول وبطل ضمان الثاني ، لانتفاء موضوعه بالأول ، لأنه أوجب فراغ ذمة المضمون عنه ، فلا معنى للضمان الثاني.

٣١٤

الضامن هو السابق [١]. ويحتمل قوياً كونه كما إذا ضمنا دفعة خصوصاً بناء على اعتبار القبول من المضمون له ، فإن الأثر حاصل بالقبول نقلا لا كشفا [٢]. وعلى الثاني : إن رضي بأحدهما دون الآخر فهو الضامن ، وإن رضي بهما معا ففي بطلانه ـ كما عن المختلف وجامع المقاصد [٣] ، واختاره‌

______________________________________________________

[١] كذا في الجواهر وغيرها. وعلله في مفتاح الكرامة. بأنه إذا رضي بضمان كل منهما فقد رضي بضمان الأول ، فينتقل المال اليه ، فلا يصادف ضمان الثاني ولا الرضا به حقاً على المضمون عنه ، فيبطل.

[٢] فتكون نسبته إلى الإيجابين نسبة واحدة ، فترجيح أحدهما على الآخر من دون مرجح ، فيكون الحكم كما إذا اقترن الايجابان. هذا بناء على اعتبار القبول في الضمان لكونه من العقود. أما بناء على اشتراط الرضا في الضمان لكونه من الإيقاع فالرضا وان كان شرطا خارجا عن السبب المؤثر الا أنه دخيل في ترتب الأثر فيكون الأثر مقارنا له ، وحينئذ يرجع الكلام السابق من أن نسبة الرضا إلى الإيقاعين نسبة واحدة ، فلا يترجح أحدهما على الآخر وإن سبق زمانا. نعم بناء على الكشف يتعين الأثر للأول ، ويبطل الثاني لارتفاع موضوعه بالأول ، كما سبق في مفتاح الكرامة ، ولا يتوجه ما ذكره بناء على النقل.

[٣] قال في المختلف فيما إذا وقع ضمان الجماعة دفعة : « وإن وقع الرضا دفعة احتمل بطلان الضمان ، لامتناع انتقال الحق دفعة واحدة إلى ذمم متعددة ، والصحة ، فيطالب كل واحد بقسطه لا بالجميع. والأقوى الأول ». وفي جامع المقاصد بعد ما نقل القول الثالث في المسألة وهو البطلان قال : « وهو الأصح ». وفي التذكرة : « لو اتفق ضمان الأول مع صاحب الحق وضمان الثاني مع وكيله في الزمان الواحد بطل الضمانان معا » لعدم أولوية أحدهما بالصحة والآخر بالبطلان ».

٣١٥

صاحب الجواهر [١] أو التقسيط بينهما بالنصف أو بينهم بالثلث إن كانوا ثلاثة وهكذا [٢] ، أو ضمان كل منهما فللمضمون له مطالبة من شاء ـ كما في تعاقب الأيدي ـ وجوه. أقواها : الأخير [٣].

______________________________________________________

[١] فإنه بعد أن نقل القول الثالث في المسألة وهو البطلان قال : « ولكن لا يخفى على من أحاط خبراً بنظائر المسألة قوة الأخير منها. وما ذكر الفاضل من وجود النظير ـ لو سلم أنه مثله ـ لا يصلح دليلاً للمسألة ».

[٢] حكاه في المختلف وجامع المقاصد قولاً ، ونسبه في مفتاح الكرامة الى ابن الجنيد. لكن عبارته غير ظاهرة فيه ، قال : « ولو كفل جماعة بمال الرجل على رجل ، ولم يفصلوا قدر ما كفل به كل واحد من المال ، كان كل واحد منهم كفيلا بحقه على قدر عددهم ». وظاهره أنه في مقام الإثبات لا الثبوت ، فلا يكون مما نحن فيه. وكيف كان فاستدل لهذا القول في جامع المقاصد : بأن الأصل صحة الضمان ، ولما امتنع انتقال المضمون الى كل من الذمتين ، ولا أولوية ، انتقل الى كل واحدة منهما ما يقتضيه التحاص. ثمَّ قال : « وفيه نظر ، لأنه خلاف ما اقتضاه العقدان وأراده الضامنان. بل إن كان العقد صحيحاً ترتب عليه مقتضاه ، والا كان باطلا ». وقد يتوهم أن التقسيط مقتضى التزاحم. وفيه : أن التزاحم يتوقف على وجود المقتضي في الطرفين. وهو أول الكلام ، فإنه بناء على امتناع اشتغال الذمتين بتمام المالين يكون التنافي بين تطبيق الدليل بالإضافة الى كل من العقدين ، ولعدم المرجح يسقط الدليل فيهما معا.

[٣] حكاه في جامع المقاصد عن ابن حمزة في الوسيلة ، وعبارته صريحة فيه ، وسماه ضمان الانفراد ، وهو ضمان جماعة عن واحد ، ويكون للمضمون له الخيار في مطالبة المال من أيهم شاء على الانفراد وعلى الاجتماع ، في‌

٣١٦

______________________________________________________

مقابل ضمان الاشتراك ، وهو بالعكس ، يعني : ضمان واحد عن جماعة. وكان المناسب التسمية على العكس. وفي جامع المقاصد عن الفخر عن والده في درسه الشريف توجيهه : بأن مثله واقع في العبادات ، كالواجب على الكفاية ، وفي الأموال كالغاصب من الغاصب ، وحكى ذلك عنه الشهيد أيضاً على ما حكاه في مفتاح الكرامة. ثمَّ ذكر أن ظاهر الفخر وصريح الشهيد الرضا به لكن أشكل على مقايسته بباب الغاصب من الغاصب : بأنه لم يثبت المال في ذمم متعددة وإنما وجب على من جرت يده على المغصوب رده على مالكه. عملا بعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١). وفيه : أن تقدير المضاف خلاف الأصل. مع أنه لا ينسجم الصدر فيه مع الذيل ، لان مرجع التقدير الى قوله : « على اليد .. » ‌أداء ما أخذت حتى تؤدي ، فتتحد الغاية والمغيى ، وهو كما ترى.

وفي الجواهر في شرح مفهوم الضمان ذكر أن المشغول به في تعاقب الأيدي على المغصوب ذمة واحد ، وهو من تلف في يده المال مثلا ، وان جاز للمالك الرجوع على كل واحد ، لعدم تصور اشتغال ذمتين فصاعدا بمال واحد. وكأنه الى ذلك أشار في عبارته السالفة بقوله : « لو سلم أنه مثله ». وفيه : أنه خلاف قوله (ص) : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي ». وجواز الرجوع الى كل واحد لا دليل عليه سواه. وشيخنا الأعظم ذكر أن الشي‌ء الواحد لا يقبل الاستقرار إلا في ذمة واحدة ، ولأجل ذلك يتعين الالتزام بأن اشتغال ذمة كل واحد من الأيدي المتعاقبة على البدل. ثمَّ قال : « ويمكن أن يكون نظير ذلك ضمان المال على طريقة الجمهور ، وضمان الاثنين لواحد ، كما اختاره ابن حمزة ». وظاهره حمل هذه الأقوال‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب الغصب حديث : ٤ ، كنز العمال الجزء : ٥ حديث : ٥١٩٧.

٣١٧

______________________________________________________

على ماذكر من كون الضمان بدلي لا عرضي. ويشكل : بأن الضمان على البدل غير معقول ، إذ كل ما يكون في الخارج متعين. إلا أن يريد ـ قدس‌سره ـ من كونه على البدل أنه كذلك من حيث الحكم ، فالذمتان وإن كانت كل واحدة منهما مشغولة بالبدل في عرض واحد ، لكن بالاستيفاء من أحدهما يسقط الآخر. وإلا لم يكن البدل بدلاً ، فان معنى كونه بدلا أنه يقوم مقام المبدل منه ويشغل الفراغ الذي كان بفقده. فاذا قام مقامه وتدارك الخسارة التي جائت من فقده فلا معنى لضمانه. وعلى هذا يجوز عنده اشتغال الذمم المتعددة بمال واحد ، لكنها في مقام الفراغ متلازمة ، فإذا فرغت إحدى الذمم من المال بدفع البدل فرغت الأخرى حينئذ. ولا يحسن التعبير منه بأن الشي‌ء الواحد لا يقبل الاستقرار إلا في ذمة واحدة.

وكيف كان فالتحقيق جواز اشتغال الذمم المتعددة بمال واحد لمالك واحد ، كجواز اشتغال ذمم متعددة بواجب واحد كما في الواجبات الكفائية ، فإن اشتغال الذمم المتعددة بالواجب فيها حاصل ، ولا فرق بينها وبين المقام إلا في أن المصحح للاشتغال فيها الوجوب والمصحح للاشتغال هنا الملك. ودعوى : أن الواحد لا يقبل الوجود إلا في مكان واحد. مدفوعة : بأن ذلك في الوجود الحقيقي والوجود هنا اعتباري لا حقيقي ، واعتباره تابع لوجود منشأ الاعتبار ، وهو سبب الضمان ، فلما كان : « على اليد » ‌ينطبق بالنسبة الى كل واحد من ذوي الأيدي المتعاقبة كان موجباً لاشتغال الذمة بالنسبة إليهم جميعاً أيضاً ، وإن كان الحكم إذا أدى واحد منهم فقد برأت ذمة الباقين ، لأن المضمون في جميع الذمم مال واحد ، فاذا وصل الى أهله لزم حصول البراءة منه. نظير ما يقال في الواجبات الكفائية : من أنه يسقط الوجوب عن الجميع بفعل واحد منهم ،

٣١٨

وعليه إذا أبرء المضمون له واحدا منهما برئ دون الآخر [١] إلا إذا علم ارادته إبراء أصل الدين لا خصوص ذمة ذلك الواحد.

( مسألة ٢٧ ) : إذا كان له على رجلين مال ، فضمن كل منهما ما على الآخر بإذنه ، فإن رضي المضمون له بهما صح [٢]. وحينئذ فإن كان الدينان متماثلين جنسا وقدرا تحول ما على كل منهما إلى ذمة الآخر. ويظهر الثمر في الإعسار واليسار [٣] ،

______________________________________________________

لان الواجب واحد يسقط الأمر به بمجرد حصوله. وهنا تبرأ الذمم منه بمجرد وصوله إلى مالكه.

[١] لاختصاصه بالإبراء فلا يتعدى الى الآخر. اللهم الا أن يقال : إنه بمنزلة الاستيفاء ، لأنه إسقاط لما في الذمة وقطع العلاقة بينه وبينه ، فهو تصرف في المال نفسه ، لا تصرف في الذمة ، ليختص بأحدهما دون الآخر ، إذ لا سلطان له على الذمة ، وإنما سلطانه على ماله ، فاذا كان قد قطع العلقة بينه وبينه فقد قطع العلقة بينه وبين ما في غيرها من الذمم ، لان المفروض أنه عينه لا غيره ، وقد تقدم من المصنف (ره) احتمال ذلك في المسألة الثالثة. لكن التحقيق أن إبراء الذمة بحسب الارتكاز العرفي مجرد إخلائها من ماله ، فان كان له مستقر آخر فهو على حاله ، لا أنه قطع للعلقة بينه وبين المال ، كي يسقط من جميع الذمم.

[٢] قال في الشرائع : « إذا كان له على رجلين مال فضمن كل منهما ما على صاحبه تحول ما كان على كل واحد منهما الى صاحبه ». ونحوه في القواعد وغيرها. وفي المسالك : « لا إشكال في صحة هذا الضمان ، لأن كل واحد جامع لشرائط الصحة ».

[٣] فإذا كان أحدهما معسراً كان للمضمون له الخيار في فسخ الضمان ،

٣١٩

وفي كون أحدهما عليه رهن دون الآخر [١] ، بناء على افتكاك الرهن بالضمان. وإن كانا مختلفين قدراً أو جنساً أو تعجيلاً وتأجيلاً أو في مقدار الأجل فالثمر ظاهر. وإن رضي المضمون له بأحدهما دون الآخر كان الجميع عليه [٢]. وحينئذ فإن أدى الجميع رجع على الآخر بما أدى ، حيث أن المفروض كونه مأذونا منه. وإن أدى البعض ، فان قصد كونه مما عليه أصلا أو مما عليه ضمانا فهو المتبع. ويقبل قوله إن ادعى ذلك [٣].

______________________________________________________

فاذا فسخ استقر تمام المال على الموسر.

[١] كما نص عليه في المسالك ، معللا له بأن الضمان بمنزلة الأداء. وقد تقدم الكلام فيه في المسألة الثالثة والعشرين.

[٢] أما دينه الأول : فلأنه لم ينتقل عنه بضمان صاحبه ، لبطلانه. وأما دين صاحبه : فلانتقاله الى ذمته بضمانه.

[٣] كما نص عليه في الشرائع في آخر كتاب الرهن ، معللا له بأنه أبصر بنيته. وفي جامع المقاصد : « لأنه أعرف بنيته. وفي الجواهر : « بلا خلاف ولا اشكال ». وكأنه لبناء العقلاء والمتشرعة ، نظير إخبار ذي اليد عما في يده ، بل هو أولى منه ، لأنه إخبار عن النفس ، وبناء العقلاء والمتشرعة على الأخذ به. نعم إذا كان في مقام النزاع ثمَّ الرجوع الى الحاكم الشرعي يتعين اليمين عليه ، لأنه منكر ، فاليمين يحتاج اليه الحاكم الشرعي لفصل الخصومة ، ولا يحتاج اليه غيره لترتيب آثار الصدق. وهكذا جميع موارد الحجج ، فان الحجة تكون مع المنكر ولا يكتفي بها الحاكم ، بل يحتاج إلى يمين إذا لم يقم المدعي بينة على صدقه ، لقوله (ص) :

٣٢٠