مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

زمان كذا [١] بنصف منفعة الأرض مثلا.

( مسألة ٣٧ ) إذا صدر من شخصين مغارسة ولم يعلم كيفيتها وانها على الوجه الصحيح أو الباطل ـ بناء على البطلان ـ يحمل فعلهما على الصحة [٢] إذا ماتا أو اختلفا في الصحة والفساد.

______________________________________________________

نصف غرسه في أرضه ، ويكون له نصف منفعة أرضه دائماً ما دام الغرس بلا تحديث مدة.

[١] لازم هذا التحديد أنه إذا انتهت المدة يستحق صاحب الأرض على العامل أجرة بقاء حصته من الغرس في الأرض.

ويمكن الاشكال على ما ذكره بأن الإجماع على البطلان ـ الذي سبق نقله ـ إن كان على عنوان المساقاة لا غير ، أمكن التصحيح للمغارسة لا بعنوان المساقاة ، ولا حاجة إلى تكلف دخولها في الإجارة أو المصالحة أو غيرهما. وإن كان على نفس المضمون بأي عنوان كان ، كان مقتضاه بطلان المغارسة حتى إذا كانت داخلة في الإجارة أو المصالحة أو غيرهما. وتكلف الإدخال لا يجدي في تصحيحها ، فلاحظ وتأمل.

[٢] عملا بأصالة الصحة ، المعمول عليها عند المتشرعة والعقلاء. والله سبحانه ولي التوفيق ، وهو حسبنا ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).

إلى هنا تمَّ ما أريد شرحه من كتاب المساقاة ، على يد مؤلفه الفقير إلى رحمة ربه الرحمن الرحيم وكرم مولاه أكرم الأكرمين. وهو في جوار الحضرة العلوية المقدسة ، على مشرفها أفضل الصلاة والسلام. عند منتصف الليلة المباركة ليوم المبعث الشريف ، السابع والعشرين من شهر رجب المكرم ، في السنة السابعة والثمانين بعد الألف والثلاثمائة هجرية ، على صاحبها وآله البررة الكرام أفضل التحية وأزكى السلام. وأنا الحقير « محسن » ابن السيد « مهدي ، وابن السيد « صالح » ابن السيد « أحمد » ابن السيد‌‌

٢٤١

تذنيب

في الكافي عن أبي عبد الله (ع) : « من أراد أن يلقح النخل إذا كان لا يجود عملها ولا يتبعل بالنخل فيأخذ حيتاناً صغاراً يابسة فيدقها بين الدقين ثمَّ يذر في كل طلعة منها قليلا ويصر الباقي في صرة نظيفة ثمَّ يجعله في قلب النخل ينفع بإذن الله تعالى » (١). وعن الصدوق في كتاب العلل بسنده عن عيسى بن جعفر العلوي عن آبائه (ع) : « ان النبي (ص) قال : مر أخي عيسى بمدينة فإذا في ثمارها الدود فسألوا إليه ما بهم فقال (ع) : دواء هذا معكم وليس تعلمون. أنتم قوم إذا غرستم الأشجار صببتم التراب ، وليس هكذا يجب ، بل ينبغي أن تصبوا الماء في أصول الشجر ثمَّ تصبوا التراب ، كي

______________________________________________________

« محمود » ابن السيد « إبراهيم » الطبيب ابن السيد « علي » الحكيم ابن السيد « مراد » ابن السيد « أسد الله » ابن السيد مير « جلال الدين » الأمير ابن مير سيد « حسن » ابن المير « مجد الدين » ابن مير « قوام الدين » ابن مير « إسماعيل » ابن أبي المكارم مير « عباد » ابن مير أبي المجد « علي » ابن مير « عباد » أبي الفضل ابن مير « علي » أبي هاشم « أميركا » ابن مير « حمزة » وهو عباد بن أبي المجد ابن مير « إسحاق » أبي المجد ابن مير « طاهر » أبي هاشم ابن مير « علي » أبي الحسين الشاعر ابن مير « محمد » أبي الحسن الشاعر ابن مير « أحمد » فتوح الدين ابن مير « محمد » أبي جعفر الأصغر بن « أحمد » الرئيس أبي العباد ابن « إبراهيم » طباطبا ابن « إسماعيل » الديباج أبي إبراهيم الشريف الخلاص ابن « إبراهيم » الغمر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب المزارعة والمساقاة حديث : ١.

٢٤٢

لا يقع فيه الدود ، فاستأنفوا كما وصف فأذهب عنهم ذلك » (١) ‌و‌في خبر عن أحدهما (ع) : « قال : تقول إذا غرست أو زرعت : ومثل ( كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ) » (٢). وفي خبر آخر : « إذا غرست غرسا أو نبتا فاقرأ على كل عود أو حبة سبحان الباعث الوارث فإنه لا يكاد يخطئ إن شاء الله » (٣)

______________________________________________________

ابن « الحسن » المثنى ابن الامام المجتبى « الحسن » الزكي ابن « علي » بن « أبي طالب » أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى أولاده الأئمة المعصومين ، الغر الميامين.

وبتمامه تمَّ وشرح كتاب العروة الوثقى لمؤلفه الفقيه الأعظم السيد « محمد كاظم » الطباطبائي اليزدي قدس‌سره. ( وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٤.

٢٤٣

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الضمان

وهو من الضمن [١] ، لأنه موجب لتضمن ذمة الضامن للمال الذي على المضمون عنه للمضمون له ، فالنون فيه أصلية‌

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

والصلاة والسلام على رسوله وآله الطاهرين.

كتاب الضمان‌

[١] قال في المسالك : « الضمان عندنا مشتق من الضمن ، لأنه يجعل ما كان في ذمته من المال في ضمن ذمة أخرى ، أو لأن ذمة الضامن تتضمن الحق. فالنون فيه أصلية ، بناء على أنه ينقل المال من الذمة إلى الذمة. وعند أكثر العامة : أنه غير ناقل ، وإنما يفيد اشتراك الذمتين ، فاشتقاقه من الضم والنون فيه زائدة ، لأنه ضم ذمة إلى ذمة ، فيتخير المضمون له في المطالبة ». لكن في كونه عندنا مشتقاً من الضمن خفاء فمن الجائز أن يكون الضمن مشتقاً منه ، فيكون معنى كون الشي‌ء في ضمن شي‌ء آخر : أنه في عهدته. وكذا معنى قولنا : إن كذا تضمن كذا ، أو مضمون العبارة كذا. وضمنت قصيدتي آية أو بيتاً من شعر فلان ، ونحو ذلك ، فان معنى ذلك وإن كان الظرفية ، لكن يمكن أن تكون الظرفية‌

٢٤٤

كما يشهد له سائر تصرفاته من الماضي والمستقبل وغيرهما. وما قيل من احتمال كونه من الضم [١] فيكون النون زائدة [٢] ، واضح الفساد ، إذ ـ مع منافاته لسائر مشتقاته ـ [٣] لازمه كون الميم مشددة [٤]. وله إطلاقان : [٥]. إطلاق بالمعنى الأعم الشامل للحوالة والكفالة أيضاً ، فيكون بمعنى التعهد بالمال أو النفس. وإطلاق بالمعنى الأخص ، وهو التعهد بالمال عينا أو منفعة أو عملا ، وهو المقصود من هذا الفصل. ويشترط فيه أمور :

______________________________________________________

موجبة للتعهد. وبالجملة : الضمن معناه الظرفية ، ولازمها نوع من التعهد : والضمان هو التعهد ولازمه نوع من الظرفية ، فيحتمل أن يكون كل واحد منها أصلا للآخر. ومقتضى كثرة استعمال الضمان ومشتقاته كونه أصلا للآخر ، لا فرعاً عليه.

[١] تقدمت حكايته عن أكثر العامة.

[٢] نظير : الجولان ، والنزوان ، والجريان ، والحيوان ، والضربان وغيرها مما هو كثير. ويختص غالباً بما كان فيه حركة وتقلب ، كما ذكره ابن مالك في منظومته.

[٣] لأن زيادة النون في المصدر تقتضي خلو سائر المشتقات منها ، مع أنها موجودة فيها. اللهم إلا أن يكون المراد الاشتقاق الكبير.

[٤] ليكون الفعل ثلاثياً لا ثنائياً.

[٥] كما نص على ذلك جماعة ، منهم المحقق والشهيد الثانيان في جامع المقاصد والمسالك. وفي الشرائع : « كتاب الضمان. وهو عقد شرع للتعهد بمال أو نفس. والتعهد بالمال قد يكون ممن عليه للمضمون‌

٢٤٥

______________________________________________________

عنه مال ، وقد لا يكون ، فهنا ثلاثة أقسام » ، فجعل الضمان مقسماً للأقسام الثلاثة. لكن قال بعد ذلك : « القسم الأول في ضمان المال ممن ليس للمضمون عنه عليه مال. وهو المسمى بالضمان بقول مطلق ». ونحوه في القواعد. وفي الجواهر : أنه ـ يعني : الأخير ـ المعنى الحقيقي المتبادر عند الإطلاق ، وما تقدم من تقسيم الضمان إلى الثلاثة بحسب المعنى المجازي بالعارض ، وإن كان هو في الأصل المعنى الحقيقي ، لكنه هجر. أو أنه على جهة الاشتراك اللفظي بين المعنى الخاص والعام والاشتهار قرينة على إرادة الخاص. أو أنه باق على الاشتراك المعنوي والاشتهار قرينة على إرادة الخاص عند الإطلاق. لكن ما ذكر من الاحتمالات الثلاثة كلها بعيدة عن المراد. وأبعد منها ما ذكره في المسالك : من أن الفرق بين مطلق الضمان والضمان المطلق هو الفرق بين مطلق الماء والماء المطلق ، وكما أن مطلق الماء ينقسم الى المطلق والمضاف ، كذلك مطلق الضمان ينقسم الى الضمان المطلق والضمان المقيد. فان مطلق الماء ليس جامعاً بين الماء المطلق والمضاف ، بل هو جامع بين أفراد الماء المطلق ، مطلقها ومقيدها ، وكذلك مطلق الضمان إنما يكون جامعاً بين أفراد الضمان بالمعنى المقابل للحوالة والكفالة ، لا جامعاً بينه وبين الحوالة والكفالة. ولا جامع بين الماء المطلق والمضاف حقيقي ، وانما هو اعتباري ، وهو ما يسمى ماء ، مثل الجامع بين معاني المشترك اللفظي.

والتحقيق : أن للضمان معنيين : عرفي. وهو التعهد بالمال أو النفس واصطلاحي : وهو الضمان الخاص. فإذا أطلق الضمان في العرف كان المراد منه المعنى العام الشامل للضمان. وإذا أطلق عند الفقهاء كان المراد منه المعنى الخاص لا غير. فان كان مراد الشهيد ذلك كان في محله ، وإن كان غيره كان محلا للنظر ، كما يظهر بالتأمل.

٢٤٦

أحدها : الإيجاب. ويكفي فيه كل لفظ دال [١]. بل يكفي الفعل الدال ـ ولو بضميمة القرائن ـ على التعهد والالتزام بما على غيره من المال.

الثاني : القبول من المضمون له. ويكفي فيه أيضاً كل ما دل على ذلك من قول أو فعل [٢]. وعلى هذا فيكون من العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول. وكذا ذكروه [٣]. ولكن لا يبعد دعوى عدم اشتراط القبول على حسد سائر العقود اللازمة ، بل يكفي رضي المضمون له سابقاً أو لاحقاً ، [٤] كما عن الإيضاح والأردبيلي ، حيث قالا : يكفي فيه الرضا‌

______________________________________________________

[١] هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه ، لتحقق الإنشاء بذلك ، الموجب لصدق العنوان. ولأجل ذلك نقول بكفاية الفعل لتحقق الإنشاء به تحققه بالقول ، فان الفعل وان كان في نفسه خالياً عن الدلالة على شي‌ء ، لكن بتوسط القرائن يكون دالا على إنشاء العنوان ، كالقول ، فان لم يكن دالا لم يكف في صدق العنوان عرفاً ، وان قصد به الإنشاء.

[٢] لما سبق في الإيجاب.

[٣] قد عرفت عبارة الشرائع والقواعد. ونحوهما غيرها مما تضمن أن الضمان عقد. وفي جامع المقاصد : أن الضمان عقد إجماعاً.

[٤] قال في الخلاف : « ليس من شرط صحة الضمان رضاهما أيضاً. وان قيل : إن من شرطه رضى المضمون له كان أولى ». وهو صريح في عدم لزوم الرضا فضلا عن القبول. واحتج على ذلك بضمان أمير المؤمنين عليه‌السلام وأبي قتادة الدين عن الميت (١) ، ولم يسأل النبي (ص) عن‌

__________________

(١) المحكي في الخلاف : ان أمير المؤمنين ضمن درهمين عن الميت ، فقال النبي (ص) له : ـ

٢٤٧

ولا يعتبر القبول العقدي. بل عن القواعد : [١] وفي اشتراط قبوله احتمال ، ويمكن استظهاره من قضية الميت المديون الذي امتنع النبي (ص) أن يصلي عليه حتى ضمنه علي (ع).

______________________________________________________

رضا المضمون له. وفيه : أن عدم السؤال أعم من عدم اعتبار الرضا ، كما هو ظاهر ، إذ من الجائز اطلاعه (ص) على حصول الرضا فلم يسأل عنه. ولذلك قيل : إنه قضية في واقعة لا عموم فيها. وفي الجواهر : أن اشتمال الخبر على وقوع الضمان يدل على وقوع الرضا ، لأن الضمان عقد مؤلف من الإيجاب والقبول ، فالاخبار عنه إخبار عنهما. لكن في صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء. فقال (ع) : إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت » (١) ‌وظاهر اشتراط الرضا في الجواب : أنه أمر زائد على الضمان ، وأنه يتحقق وإن لم يرض المضمون له. وعلى هذا فوقوع الضمان لا يدل على الرضا ولا على القبول. فاللازم في الجواب عن احتجاج الشيخ (ره) ما ذكرنا. هذا بناء على ثبوت الخبر. لكنه محل تأمل. وحينئذ فالاحتجاج به غير ظاهر وان سلمت الدلالة. مضافاً إلى أنه إذا تمت دلالة الخبر على عدم اعتبار الرضا كان معارضاً لصحيح ابن سنان المذكور ، فيتعين حمله على الصحيح ، لا حمل الصحيح عليه ، لأن الصحيح أظهر دلالة.

[١] قال في القواعد : « وفي اشتراط قبول احتمال ». وفي جامع‌

__________________

وجزاك الله من الإسلام خيراً ، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك ». والمحكي أيضاً : أن أبا قتادة ضمن دينارين عن ميت ، فقال (ع) له : هما عليك ، والميت منهما برئ. (٢) منه قد سره‌

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب كتاب الضمان حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب كتاب الضمان حديث : ٢ ، ٣.

٢٤٨

وعلى هذا فلا يعتبر فيه ما يعتبر في العقود من الترتيب والموالاة‌

______________________________________________________

المقاصد ـ في شرحه ـ قال : « ينشأ من واقعة علي (ع) ، والتمسك بالأصل. والأصح الاشتراط ، لأن الضمان عقد إجماعاً فلا بد فيه من القبول. ولأن المال للمضمون له ، فكيف يملك شخص نقله الى ذمته بغير رضاه؟. وقضية علي (ع) واقعة في عين لا عموم لها. ولا أصل في هذا ، بل الأصل عدم شرعيته إلى أن يثبت ».

أقول : دعوى الإجماع على كون الضمان عقداً وإن كان يقتضيها ما عرفت من عبارة الشرائع ونحوها ، لكن خلاف الخلاف في اعتبار الرضا يوهنها جداً. بل عبارة القواعد مثل عبارة الشرائع صريحة في كونه عقداً ومع ذلك جعل اعتبار قبول المضمون له احتمالا ، فربما يدل ذلك على كون المراد من كونه عقداً : أنه عند العرف لا عند الشارع. وحينئذ يسهل المنع عن ذلك ، فان الضمان تعهد بالمال وهو ـ بمنزلة الوعد ـ قائم بنفس المتعهد. ويشير الى ذلك صحيح ابن سنان المتقدم ، حيث جعل الرضا شرطاً زائدا على الضمان ، وأنه يتحقق وإن لم يرض المضمون له. إلا أن يقال : إن الضمان ليس بمنزلة الوعد تعهداً محضاً ، وإنما هو نقل مال المضمون له من ذمة المدين إلى ذمة الضامن ، ولما كان نقله تصرفاً بمال الغير ، كان قائماً بالغير فهو عقد قائم بين الضامن والمضمون له ، كما أشار الى ذلك في جامع المقاصد. وأما صحيح ابن سنان فيمكن حمله إذاً على مجرد إيجاب الضامن وإنشائه ، كما يطلق ألفاظ سائر العقود على إنشاء إيجابها فيقال : باع زيد على عمرو فلم يقبل عمرو ، ويكون المراد من رضا المضمون له قبوله ، لا مجرد الرضا النفساني.

اللهم إلا أن يقال : الضمان عندنا نقل ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن. وحكي عن أبي ثور وابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود أيضاً.

٢٤٩

______________________________________________________

وعن الشافعي وباقي الفقهاء : أنه لا نقل فيه من ذمة إلى ذمة ، بل هو ضم ذمة إلى ذمة ، والمضمون له مخير في أن يطالب أيهما شاء. وهذا الاختلاف لا يجوز أن يكون في المفهوم ، ضرورة أن المفهوم المنشأ عندهم هو المفهوم المنشأ عندنا ، فلا بد أن يكون مفهومه ما به الاشتراك بيننا وبينهم ، وأما ما به الاختلاف فهو خارج عن المفهوم. وعلى. هذا فليس الضمان الا التعهد بالدين وشغل الذمة به ، من دون تعرض فيه الى نقل الدين ، بل هو من الأحكام المستفادة من الأدلة الخاصة الآتية. ولأجل ذلك يظهر أنه من المفاهيم الإيقاعية دون العقدية ، لعدم تعرض الضامن لشؤون غيره نفساً أو مالا ، ولا تصرف منه في ذلك. ولأجل ذلك يجب الأخذ بظاهر صحيح ابن سنان المتقدم ، ولا موجب للتصرف فيه بحمله على الإيجاب الناقص ، كما ذكرنا سابقاً ، بل يحمل على ما هو الظاهر من الضمان الكامل ، وأن حكمه اعتبار الرضا من المضمون له شرطاً به على نحو لا يصح بدونه. ويشهد بما ذكرنا تفسير الفقهاء للضمان : بأنه تعهد بمال ، في قبال الحوالة التي هي تعهد بنفس. فكما أن التعهد بالنفس ليس إلا محض التعهد بالنفس ، كذلك التعهد بالمال ، ليس الا التعهد به ، من دون تعرض لنقل التعهد من غيره اليه. وقد عرفت في الشراء وغيرها الضمان بالمعنى الأعم ـ حسبما ذكروه ـ بأنه تعهد بالمال أو النفس. فهما على وتيرة واحدة.

ومن ذلك كله يظهر أنه لا مقتضي لاعتبار قبول المضمون له. نعم لا بأس باعتبار رضاه ، كما تضمنه صحيح ابن سنان. ولا سيما أن من أحكامه انتقال الضمان ، وربما كان ذلك ضرراً على المضمون له مالياً أو أدبياً ، لا يجوز ارتكابه بلا رضاه. وإن كان هذا الوجه لا يقتضي اعتبار رضاه إلا مع لزوم الضرر ، بخلاف الصحيح فإنه يقتضيه مطلقاً.

٢٥٠

وسائر ما يعتبر في قبولها. وأما رضي المضمون عنه فليس معتبراً فيه [١] ، إذ يصح الضمان التبرعي ، فيكون بمنزلة وفاء دين الغير تبرعاً حيث لا يعتبر رضاه. وهذا واضح فيما لم يستلزم الوفاء أو الضمان عنه ضرراً عليه أو حرجاً [٢] ، من حيث كون تبرع هذا الشخص لوفاء دينه منافيا لشأنه ، كما إذا تبرع وضيع دينا عن شريف غني قادر على وفاء دينه فعلا.

الثالث : كون الضامن بالغاً عاقلا ، فلا يصح ضمان الصبي وان كان مراهقاً ، [٣] بل وإن أذن له الولي على إشكال [٤]

______________________________________________________

[١] هذا موضع وفاق ، كما في المسالك. وفي الجواهر : « بلا خلاف أجد فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ». لما ذكره في المتن.

[٢] أما إذا استلزم ذلك فقاعدة نفي الضرر والحرج مانعتان من الصحة.

[٣] إجماعاً حكاه جماعة. لقصور سلطنة الصبي عن التصرف في ماله.

[٤] ظاهرهم الاتفاق عليه ، فقد فصلوا في ضمان العبد بين إذن المولى وعدمه ، ولم يفصلوا هنا ولا في المجنون ، بناء منهم على قصور عبارتهما. لكنه في الصبي غير ظاهر إذا كان مميزاً ، لانصراف أدلة المنع من نفوذ تصرفه عن صورة إذن الولي ، بل لعل قوله تعالى ( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ .. ) (١) ظاهر في صحة تصرفه بإذن الولي. وكذا‌ رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كسب الإماء فإنها إن لم تجد زنت ، إلا أمة قد عرفت بصنعة يد. ونهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة‌

__________________

(١) النساء : ٦.

٢٥١

ولا ضمان المجنون ، [١] إلا إذا كان أدواريا في دور إفاقته [٢] وكذا يعتبر كون المضمون له بالغاً عاقلا [٣]. وأما المضمون عنه فلا يعتبر فيه ذلك [٤] ، فيصح كونه صغيراً أو مجنوناً. نعم لا ينفع إذنهما في جواز الرجوع بالعوض [٥].

الرابع : كونه مختاراً ، فلا يصح ضمان المكره [٦].

______________________________________________________

بيده ، فإنه إن لم يجد سرق » (١). وقد تعرضنا لذلك في مباحث الإجارة من هذا الشرح. فلاحظ.

[١] قصور عبارته عند العقلاء ظاهر ، فلا يدخل عقده في أدلة الصحة وإن أذن له الولي.

[٢] هذا الاستثناء منقطع.

[٣] لما تقدم من اعتبار رضاه ، الذي لا يصح من غير البالغ إلا بإذن وليه ، ولا من المجنون مطلقاً.

[٤] إذ لا دخل له في صحة الضمان على ما عرفت.

[٥] لأن ذلك من أحكام أذن المضمون له كما سيأتي وإذنهما تصرف منفي بأدلة قصور سلطنتهما.

[٦] إجماعاً ، لحديث نفي الإكراه (٢) ، بناء على كون المراد منه رفع السببية ، ولو بقرينة استدلال الامام (ع) به في صحيح البزنطي عن أبي الحسن (ع) : « في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك ، أيلزمه ذلك؟ فقال (ع) : لا. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه. وما لم يطيقوا ، وما اخطأوا » (٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب كتاب الايمان حديث : ١٢.

٢٥٢

الخامس : عدم كونه محجورا لسفه [١] إلا بإذن الولي وكذا المضمون له [٢] ، ولا بأس بكون الضامن مفلساً [٣]. فان ضمانه نظير اقتراضه [٤] ، فلا يشارك المضمون له مع الغرماء [٥]. وأما المضمون له فيشترط عدم كونه مفلساً [٦] ولا بأس بكون المضمون عنه سفيهاً أو مفلساً ، لكن لا ينفع إذنه في جواز الرجوع عليه.

السادس : أن لا يكون الضامن مملوكاً غير مأذون من قبل مولاه على المشهور [٧] ، لقوله تعالى ( لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) [٨]. ولكن لا يبعد صحة ضمانه وكونه في ذمته يتبع‌

______________________________________________________

[١] لدليل الحجر المانع من صحة التصرف.

[٢] لما سبق من اعتبار رضاه ودليل الحجر مانع من صحة رضاه وترتب الأثر عليه.

[٣] لأن الفلس إنما يمنع من التصرف في ماله لا في نفسه. والضمان تصرف في النفس ، لأنه اشتغال الذمة بالمضمون ، نظير الإجارة على العمل ، فإنها تصرف في النفس ، مقابل إجارة العين ، فإنها تصرف في المال.

[٤] فإنه يوجب اشتغال ذمته ، فهو تصرف في نفسه لا في ماله.

[٥] لتعلق حق الغرماء بالمال قبل صيرورته غريماً ، فلا يصح أن يشاركهم.

[٦] لما سبق. وكذا الكلام فيما يأتي ، فإنه قد سبق أيضاً.

[٧] وحكي عن المبسوط ، والإرشاد ، والتحرير ، واللمعة ، وجامع المقاصد ، والروضة ، والمسالك ، واختاره في الشرائع.

[٨] فإن إطلاقه يقتضي نفي سلطنته على كل شي‌ء ومنه الضمان.

٢٥٣

به بعد العتق ، كما عن التذكرة والمختلف. ونفي القدرة منصرف عما لا ينافي حق المولى [١]. ودعوى : أن الملوك‌

______________________________________________________

وتخصيصه بالمال ـ كما عن المختلف ـ غير ظاهر ، بل خلاف صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) : « قالا المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده. قلت : فان كان السيد زوجه ، بيد من الطلاق؟ قال (ع) : بيد السيد ، ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (١) ، أفشي‌ء الطلاق؟ » (٢). نعم المشهور تخصيص ذلك بما إذا كان قد تزوج أمة سيده ، أما إذا كان قد تزوج حرة أو أمة لغير سيده وكان بإذن مولاه ، فالطلاق بيده لا بيد سيده. لكنه حينئذ يكون تخصيصاً لآية الشريفة ، ولا مانع من العمل بعمومها في غيره.

[١] هذا الانصراف غير ظاهر ، بل ظاهر قوله تعالى ( مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ ) أن انتفاء القدرة لكونه مملوكاً ، وفعله مملوك تبع عينه. وإذا كان فعله مملوكاً لم يكن تحت سلطانه ، سواء كان منافياً لحق المولى أم لم يكن مضافاً إلى أن الاستدلال به في الصحيح على عدم قدرته على الطلاق صريح في عدم اختصاصه بما ينافي حق المولى. ومنه يظهر الاشكال فيما في المختلف من تخصيص الآية بالمال ، بقرينة ما بعدها من قوله تعالى ( وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ .. ). كما يظهر إشكال آخر عليه وعلى المصنف (ره) ، وهو أن الآية في نفسها غير ظاهرة في جعل الحكم الشرعي ، نظير قوله تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ .. ) (٣) ، فإنه لا يدل على أن كل حبة تزرع نتاجها سبعمائة حبة ، فالاستدلال بها‌

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ١.

(٣) البقرة : ٢٦١.

٢٥٤

لا ذمة له ، كما ترى [١] ، ولذا لا إشكال في ضمانه لمتلفاته. هذا وأما إذا أذن له مولاه فلا إشكال في صحة ضمانه [٢] وحينئذ فإن عين كونه في ذمة نفسه. أو في ذمة المملوك يتبع به بعد عتقه أو في كسبه ، فهو المتبع [٣] ، وإن أطلق الإذن ففي كونه في ذمة المولى [٤].

______________________________________________________

لا بد أن يكون بملاحظة الاستدلال بها في الصحيح. وهو صريح في غير المال ، وصريح فيما لا ينافي حق المولى. فتأمل جيداً.

[١] هذه الدعوى لم أقف عليها لأحد فيما يحضرني. نعم ذكر في جامع المقاصد وغيره : كون ذمته مملوكة لمولاه ، فلا سلطان له عليها بغير إذنه. وفيه : أنه ممنوع ، إذا لم يرجع الى ما ذكرنا من ملكية فعله.

[٢] عن المبسوط : نسبته إلينا ، وعن التذكرة : أنه قولا واحداً. وفي المختلف : « يصح ضمان العبد بإذن مولاه إجماعاً ».

[٣] قال في المختلف : « وإن عينه في ذمته ، أو في كسبه ، أو في مال غيرهما من أمواله تعين ». وفي الشرائع : « ويثبت ما ضمنه في ذمته لا في كسبه إلا أن يشترط في الضمان بإذن مولاه. وكذا إذا شرط أن يكون الضمان من مال معين ». وفي القواعد : « ولو أذن له احتمل تعلقه بكسبه وبذمته ويتبع به بعد العتق ، أما لو شرطه في الضمان بإذن السيد صح. كما لو شرط الأداء من مال بعينه ». ونحوها عبارات غيرهم. وكلها تشترك في أنه إذا اشترط المولى كون الضمان في ذمة معينة ـ ذمته أو ذمة عبده ـ أو من مال معين ـ سواء كان كسب العبد أو غيره ـ تعين. ويظهر منهم المفروغية عن ذلك. وكأنه لعموم نفوذ الشروط وصحتها.

[٤] في جامع المقاصد : انه لا يخلو من قرب. وفي المسالك : « لعله الأقوى ».

٢٥٥

أو في كسب المملوك [١] ، أو في ذمته يتبع به بعد عتقه [٢] ، أو كونه متعلقاً برقبته [٣] ، وجوه وأقوال. أوجهها : الأول لانفهامه عرفاً [٤].

______________________________________________________

[١] حكي عن بعض الشافعية. وحكاه في المسالك قولا ، وفي القواعد وغيرها احتمالا.

[٢] اختاره المحقق في الشرائع. وحكى عن جملة من كتب العلامة وعن اللمعة.

[٣] حكي عن نسختين من التحرير ، كما حكي عن بعض الشافعية أيضاً.

[٤] يعني : يفهم من الاذن في الضمان أن المال في ذمة المولى لا في ذمة العبد ، فيكون الاذن في الضمان راجعاً إلى التوكيل فيه. ولذلك أشكل عليه في الجواهر : بأنه خلف ، لأن المفروض أن المولى أذن له في الضمان والضمان اشتغال الذمة بالدين ، فالمأذون فيه إشغال ذمته بالدين لا إشغال ذمة مولاه ، فكيف يمكن دعوى انفهامه؟!. نعم لما كان الضمان يستتبع الأداء وكان العبد عاجزاً عنه ، أمكنت دعوى كون المفهوم كون الأداء على السيد لا أنه في ذمته. وهذا هو مراد القائلين بهذا القول. ففي جامع المقاصد ـ بعد أن ذكر وجه القول بتعلقه بكسبه ، وهو أن إطلاق الإذن يستعقب الأداء ، والأداء من غير مال السيد ممتنع ـ قال : « وهذا التوجيه إن تمَّ يقتضي عدم القصر على الكسب ، بل يقتضي وجوب الأداء على السيد ، وهو قريب من قول ابن الجنيد ، ولا يخلو من قرب ». فالمراد : ان الواجب على السيد الأداء لما في ذمة العبد ، من دون اشتغال ذمته بالمال.

والمتحصل : أنه يتوجه إشكال الجواهر على المصنف (ره) في دعواه انفهام التوكيل من الاذن في الضمان. كما يتوجه عليه وعلى الجواهر‌

٢٥٦

كما في إذنه في الاستدانة لنفقته أو لأمر آخر [١] ، وكما في إذنه في التزويج حيث أن المهر والنفقة على مولاه [٢]. ودعوى الفرق بين الضمان والاستدانة : بأن الاستدانة موجبة لملكيته ، وحيث أنه لا قابلية له لذلك يستفاد منه كونه على مولاه ، بخلاف الضمان حيث أنه لا ملكية فيه [٣].

______________________________________________________

إشكال حمل القول المذكور على هذا المعنى ـ أعني : اشتغال ذمة السيد ـ مع أن ظاهر عبارته كون الأداء على السيد ، لا كون الدين عليه. ومثله القولان الآخران ، فان مرجعهما الى كون الأداء على السيد من رقبة العبد أو من كسبه ، في مقابل القول المذكور ، وهو كونه على السيد مطلقاً من غير تقييد بمال معين. فالأقوال الأربعة كلها مشتركة في كون الدين بذمة العبد ، واختلفت في أنه ليس على السيد أداؤه بل يتبع به العبد بعد العتق ، أو على السيد اداؤه من ماله الخاص وهو كسب العبد ، أو من ماله الخاص وهو رقبة العبد ، أو من ماله مطلقاً ، وهذا الذي اختاره في جامع المقاصد. ومن ذلك يظهر أن الاحتمالات خمسة ، خامسها : أنه في ذمة السيد لا غير كسائر ديونه ، وهو الذي اختاره المصنف.

[١] يعني : أنه إذا أذن له في الاستدانة يكون العوض في ذمة المولى فكذلك إذا أذن له في الضمان.

[٢] تقدم في هذا الشرح من مباحث النكاح : أنه إذا أذن السيد لعبده في التزويج كانت ذمة العبد مشغولة بالمهر والنفقة وذمة السيد فارغة منهما ، لكن يجب عليه الأداء.

[٣] قال في الجواهر : « وفرق واضح بين إطلاق الاذن في المقام ، وبينه في الاستدانة المقتضية ملك العين المستدانة على أن يملك صاحبها مثلها أو قيمتها في ذمة المستدين ، والعبد لا قابلية له لذلك ، لما حررناه من‌

٢٥٧

مدفوعة : بمنع عدم قابليته للملكية [١].

______________________________________________________

عدم ملكه لشي‌ء ، فلا وجه لإطلاق الاستدانة إلا على السيد ، بخلاف المقام الذي لا ملك فيه ».

[١] لكن على تقديره نقول في الاستدانة أيضاً : بأن الضمان على العبد ، لأن الذي دعوى الى القول بأنه على السيد امتناع الملكية ، لا ظهور الاذن في الاستدانة وكان المناسب للمصنف أن يتعرض لإشكال الجواهر الأول ، كما تعرض لإشكاله هذا ، فإن الأول أهم وألزم ، فإن الالتزام باشتغال ذمة السيد مخالفة للظاهر من دون سبب ظاهر. فهذا القول ضعيف جداً. ومثله القول بأن الدين في ذمة العبد لكن الأداء يكون من كسب العبد أو من رقبته ، فإنه بلا قرينة.

فحينئذ يدور الأمر بين القولين الآخرين : القول بأنه في ذمة العبد ولا دخل للسيد فيه ولا في وفائه ، والقول بأنه في ذمة العبد وعلى السيد وفاؤه. والظاهر اختلاف الحكم باختلاف المقامات ، فان كان العبد قد أهمله مولاه وسيّبه وأذن له في الذهاب حيث يشاء فهذا ضمانه على نفسه ولا يرتبط بالسيد : نعم يفي من كسبه وكده ، سواء بقي على رقبته أو أعتق ، فإن عجز عن الوفاء كان كغيره من المعسرين. وإن كان العبد في خدمة مولاه ويسير في ركابه ، وتحت سلطانه ورعايته ، فهذا إذا ضمن فضمانه في ذمته ، لكن وفاؤه على مولاه حسبما تقتضيه قرينة الحال. وإذا كان العبد ذا مال فضمن ، وكان ناوياً الوفاء من ماله وأذن له مولاه وقد علم بذلك ، فتلف المال بعد الضمان قبل الوفاء ، فالمال يبقى بذمته يتبع به بعد العتق ، كما ذكر المحقق. وإن شئت قلت : إذا كانت القرينة على كون ضمانه مبنياً على كون وفائه من كسبه ، أو في عهدة المولى عمل بها ، وإن لم تكن القرينة على شي‌ء كان وفاؤه بعد عتقه.

٢٥٨

وعلى فرضه ايضاً لا يكون فارقاً بعد الانفهام العرفي [١].

السابع : التنجيز ، فلو علق الضمان على شرط ـ كأن يقول : أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي ، وأنا ضامن إن لم يف المديون الى زمان كذا ، أو إن لم يف أصلا ـ بطل على المشهور [٢]. لكن لا دليل عليه ـ بعد صدق الضمان وشمول العمومات العامة ـ إلا دعوى الإجماع في كل العقود على أن اللازم ترتب الأثر عند إنشاء العقد من غير تأخير.

______________________________________________________

[١] قد عرفت أن الانفهام العرفي الذي ادعاه جامع المقاصد بالنسبة إلى الأداء ، لا بالنسبة إلى اشتغال الذمة.

[٢] قال في التذكرة : « يشترط في الضمان التنجيز ، فلو علقه بمجي‌ء الشهر أو قدوم زيد لم يصح .. ( الى أن قال ) : ولو قال : إن لم يؤد إليك غداً فانا ضامن ، لم يصح عندنا. وبه قال الشافعي ، لأنه عقد من العقود فلا يقبل التعليق ، كالبيع ونحوه ». وفي القواعد جعل التنجيز شرطاً. ولم يتعرض لشرحه في جامع المقاصد. ولم يتعرض في مفتاح الكرامة لنقل ذلك عن أحد. نعم حكى عن تمهيد القواعد : الإجماع على عدم صحة التعليق في العقود على الشرط ، وان ذلك يلوح من التذكرة وكشف اللثام. وقد عرفت ما في التذكرة. وفي الرياض ـ في مسألة ضمان الدين الحال مؤجلا ـ قال : « وربما يتوهم كونه ضماناً معلقاً وهو غير جائز عندنا ، وليس كما يتوهم ، بل هو تأجيل للدين الحال » والى ذلك أشير في تلك المسألة في المسالك والجواهر ، وأهمل ذكره في الشرائع هنا ، وجملة كتب أخرى. لكن الظاهر أنه من المسلمات التي لا تقبل المناقشة والتأمل.

٢٥٩

أو دعوى منافاة التعليق للإنشاء [١]. وفي الثاني ما لا يخفى [٢] وفي الأول منع تحققه في المقام [٣]. وربما يقال : لا يجوز تعليق الضمان ، ولكن يجوز تعليق الوفاء على شرط مع كون الضمان مطلقاً [٤]. وفيه : ان تعليق الوفاء عين تعليق الضمان ولا يعقل التفكيك [٥]. نعم في المثال الثاني يمكن أن يقال :

______________________________________________________

[١] لأن الإنشاء الإيجاد ، وكما ان الإيجاد والوجود واحد والاختلاف اعتباري ، كذلك الإنشاء والنشوء واحد والاختلاف اعتباري ، فلا يمكن أن يكون الإنشاء فعلياً والنشوء معلقاً.

[٢] ضرورة صحة الإنشاء المعلق في جملة من الموارد ـ كالوصية التمليكية ، والتدبير ، والنذر المعلق على شرط ـ فضلا عن إمكان ذلك. والسر فيه : أن المعلق عليه الوجود اللحاظي لا الخارجي ، فالإنشاء يكون حالياً والمنشأ كذلك ، لكنه معلق على أمر ذهني لحاظي ، لا على الأمر الخارجي الاستقبالي ، حتى يكون منوطاً بوجوده اللاحق.

[٣] لا يظهر الفرق بين المقام وغيره من موارد العقود والإيقاعات التي صرح الفقهاء بعدم صحة التعليق فيها عدا موارد مخصوصة. وقد عرفت أنه يظهر منهم عدم المناقشة فيه ، وأنه من المسلمات.

[٤] قد تقدم هذا المضمون صريحاً في كلام الرياض ، وإشارة في المسالك والجواهر.

[٥] إشكاله ظاهر من ملاحظة الديون المؤجلة ، فإن الدين فيها مضمون في الذمة حالاً والوفاء مؤجل. وسيأتي بيان جواز الضمان للدين الحال حالا ومؤجلا ، وهو إجماعي. والمراد منه تأجيل الوفاء مع حلول الضمان ، كما تقدم التصريح بذلك في الرياض وغيره.

٢٦٠