مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

المعقولية بعد اعتبار العقلاء وجوده لوجوده المستقبلي ، ولذا يصح مع الضميمة أو عامين ، حيث أنهم اتفقوا عليه في بيع الثمار ، وصرح به جماعة هاهنا. بل لظهور اتفاقهم على عدم الجواز [١] ، كما هو كذلك في بيع الثمار. ووجه المنع هناك خصوص الاخبار الدالة عليه ، وظاهرها أن وجه المنع الغرر لا عدم معقولية تعلق الملكية بالمعدوم ، ولو لا ظهور الإجماع في المقام لقلنا بالجواز مع الاطمئنان بالخروج بعد ذلك ، كما يجوز بيع ما في الذمة مع عدم كون العين موجودا فعلا عند ذيها ، بل وان لم يكن في الخارج أصلا. والحاصل : أن الوجود الاعتباري يكفي في صحة تعلق الملكية [٢] ، فكأن العين موجودة في عهدة الشجر كما أنها موجودة في عهدة الشخص.

______________________________________________________

عوض الإجارة موجوداً ، لما دل على إلحاقها بالبيع ، لا لعدم المعقولية.

[١] قيل : أول من ذكر الفرع الشيخ (ره) في المبسوط ، وحكم فيه بعدم الجواز ، وتبعه عليه من تأخر عنه ، وقد عرفت دعوى الاتفاق عليه من المسالك والجواهر ، وعن الكفاية : نسبته إلى الأصحاب ، وإن كان التعليل في كلماتهم بما ذكر في التذكرة والمسالك يقتضي أن الوجه فيه الإلحاق بالبيع.

[٢] الملكية عند العقلاء لا تتعلق إلا بالوجود الذمي أو الخارجي ، أما ما لا وجود له في الذمة ولا في الخارج فلا يكون مملوكاً لمالك ، ولا تترتب عليه احكام المملوك. ويكفي في الوجود الخارجي الوجود الاستقبالي وان لم يكن خالياً. فجعل الثمرة قبل ظهورها أجرة يصح عرفاً إذا كان له وجود في المستقبل ولا يصح عرفاً إذا لم يكن له وجود في المستقبل ،

٢٠١

( مسألة ٢٣ ) : كل موضع بطل فيه عقد المساقاة يكون الثمر للمالك ، وللعامل أجرة المثل لعمله [١]. إلا إذا كان عالما بالبطلان [٢] ومع ذلك أقدم على العمل ، أو كان الفساد لأجل اشتراط كون جميع الفائدة للمالك ، حيث أنه بمنزلة المتبرع في هاتين الصورتين ، فلا يستحق أجرة المثل على الأقوى وإن كان عمله بعنوان المساقاة.

______________________________________________________

فالوجود الاعتباري غير كاف في تعلق الملكية ما لم يكن له مطابق في الخارج.

[١] قال في الشرائع : « كل موضع تفسد فيه المساقاة فللعامل أجرة المثل ، والثمرة لصاحب الأصل » ، وفي القواعد : « ولو فسد العقد كانت الثمرة للمالك ، وعليه أجرة العامل » ، نحوهما ما في غيرهما ، بل هو المشهور شهرة عظيمة بينهم ، ذكروا ذلك هنا وفي المزارعة والإجارة وغيرهما من عقود المعاوضات ، وظاهر محكي التذكرة : الإجماع عليه. ووجهه ـ كما في المسالك وغيرها ـ : أن النماء يتبع الأصل ، فالثمرة تكون ملكاً لمالك الأصل بعد أن لم يكن موجب للخروج عنه. وأن العامل لم يتبرع بعمله ولم يحصل له العوض المشروط ، فيرجع الى الأجرة. وهذا المقدار لا يقتضي الرجوع على المالك بالأجرة ، إلا بضميمة ما عرفت سابقاً من الضمان بالاستيفاء ، فيكون مضموناً بالاستيفاء على المستوفي ، وهو المالك.

[٢] قال في المسالك : « ويجب تقييده ( يعني تقييد الحكم باستحقاق العامل أجرة المثل ) بما إذا كان جاهلا بالفساد ولم يكن الفساد باشتراط جميع الثمرة للمالك. إذ لو كان عالماً به كان متبرعاً بالعمل ، لأنه بذل عمله في مقابلة ما يعلم أنه لا يحصل. وأما مع شرط جميع الثمرة للمالك فلدخوله على ان لا شي‌ء له وان كان جاهلا ». وقد سبقه في القيد الثاني الشهيد فيما حكي من حواشيه على إجارة القواعد ، كما تبعه في القيد الأول‌

٢٠٢

______________________________________________________

جماعة ، والمصنف (ره) تبعه في القيدين معاً ، وقد تكرر منه في المزارعة والمضاربة وغيرهما ذكر القيد الأول ، كما تقدم منا الاشكال عليه ، وأن العلم بالفساد لا يقتضي التبرع بالعمل ، كما يظهر من ملاحظة بيع الغاصب.

كما تقدم التعرض للقيد الثاني في المسألة الرابعة عشرة ، وأن مرجع الاقدام على العمل بلا أجرة الإقدام على التبرع ، وتقدم من الجواهر التنظر فيه ، وكذلك في المقام فقد قال : « إن الرضا بالعقد الفاسد وبالعقد المتضمن لعدم الأجرة ليس رضا بالعمل بلا أجرة ، فإن الحيثية ملاحظة بمعنى كون المتشخص منه في الخارج الرضا بالعقد الذي لا يترتب عليه ذلك ، والعمل الصادر منه إنما هو من حيث أنه مقتضى العقد الفاسد ، لا أنه رضا منه بالعمل في حد ذاته وفي نفسه بلا عوض ، فمع فساد العقد الذي قد وقع العمل على مقتضاه معاملا معاملة الصحيح يبقى احترام العمل بنفسه » ، وحاصله : أن الرضا بالعمل مجاناً وبلا أجرة كان مبنياً على العقد فاذا فرض بطلان العقد فقد انتفى الرضا المنوط به.

ويشكل : بأن الأجرة إذا كانت من أركان العقد امتنع القصد إلى العقد مع القصد إلى عدم الأجرة ، فإذا فرض القصد الى عدم الأجرة فقد فرض عدم القصد إلى المساقاة ، لا صحيحة ولا فاسدة ، وانما قصد إلى أمر آخر وهو الوعد بالعمل مجاناً ، وهو عين التبرع بالعمل. وكذا الكلام في قوله : بعتك بلا ثمن ، وآجرتك بلا أجرة ، فإن ذلك ليس بيعا وإجارة فاسدين كي يدخلان في قاعدة : ( ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده ) وإنما هما خارجان عن المعاوضة.

فإن قلت : المنشأ في عقد المساقاة أشغال ذمة العامل بالعمل للمالك وأشغال ذمة المالك بتمكين العامل من العين مضافاً إلى ملك الحصة ، فإذا فرض القصد إلى عدم الأجرة فقط فقد بقي القصد إلى إشغال ذمة المالك‌

٢٠٣

( مسألة ٢٤ ) : يجوز اشتراط مساقاة في عقد مساقاة كأن يقول : ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك على هذا الأخر بالثلث. والقول بعدم الصحة [١] ، لأنه كالبيعين في بيع المنهي عنه [٢] ، ضعيف ، لمنع كونه من هذا‌

______________________________________________________

بتمكين العامل من العين ، وهذا المعنى أجنبي عن الوعد ، فان الوعد بالعمل لا يستوجب أشغال ذمة المالك ببذل العين.

قلت : اشتغال ذمة المالك بالتمكين ليس داخلا في حقيقة المساقاة إلا بالتبعية ، لاستحقاق الحصة التي هي العوض للعمل ، فاذا فرض القصد الى عدم الأجرة فلا قصد إلى إشغال ذمة المالك بالتمكين ، فلم يكن إلا التزام العامل بالعمل مجاناً وهو عين الوعد بالعمل تبرعاً.

مضافاً الى أنه لو فرض إنشاء التزام المالك بتمكين العامل من العين والتزام العامل بالعمل في مقابل ذلك كان ذلك عقداً آخر غير المساقاة ، ولا بأس بالالتزام بصحته ، ويكون ذلك معاملة بين المالك والعامل ، هذا يلتزم بالتمكين ، وهذا يلتزم بالعمل في مقابل التمكين ، وتكون معاوضة بين عملين ، وهي أيضاً لا تقتضي رجوع العامل بالأجرة.

[١] حكي هذا القول عن الشيخ في المبسوط ، ولم يعرف لغيره.

[٢] روى الصدوق (ره) عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق (ع) عن آبائه (ع) في مناهي النبي (ص) : « قال : ونهى عن بيعين في بيع » (١). وفي رواية الشيخ (ره) : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع » (٢).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٤ الصحفة : ٤ طبعة النجف الأشرف ، الوسائل باب : ١٢ من أبواب عقد البيع حديث : ١٢.

(٢) التهذيب الجزء : ٧ الصفحة ٢٣٠ طبعة النجف الأشرف ، الوافي الجزء : ٤ الصفحة : ٩٥‌

٢٠٤

القبيل ، فإن المنهي عنه [١] البيع حالا بكذا ومؤجلا بكذا ، أو البيع على تقدير كذا بكذا وعلى تقدير آخر بكذا ، والمقام نظير أن يقول : بعتك داري بكذا على أن أبيعك بستاني بكذا ولا مانع منه ، لأنه شرط مشروع في ضمن العقد.

( مسألة ٢٥ ) : يجوز تعدد العامل [٢] ، كأن يساقي مع اثنين بالنصف له والنصف لهما ، مع تعيين عمل كل منهما بينهم أو فيما بينهما [٣] ، وتعيين حصة كل منهما [٤]. وكذا يجوز تعدد المالك [٥] واتحاد العامل. كما إذا كان البستان مشتركاً بين اثنين فقالا لواحد : ساقيناك على هذا البستان بكذا وحينئذ فإن كان الحصة المعينة للعامل منهما سواء ـ كالنصف‌

______________________________________________________

[١] ويحتمل البيع إلى أجلين بثمنين. ويحتمل أيضاً غير ذلك. مع أنه لو سلم أن المراد منه البيع بشرط البيع فالتعدي منه الى ما نحن فيه يحتاج الى دليل ، فكم من فرق بين البيع والمساقاة في الأحكام.

[٢] كما في القواعد وغيرها. وكأنه لا خلاف فيه ولا اشكال. ويقتضيه إطلاق نصوص خيبر.

[٣] إذ لا غرر على المالك لو كان جاهلا بمقدار حصة كل منهما بعد أن كانت الحصة المعينة ـ كالنصف ـ بينهما تساويا فيها أو اختلفا ، إذ اختلافهما لا يوجب اختلافاً في حصته.

[٤] يعني : فيما بينهما وإن لم يعلم بذلك المالك ، لما عرفت من أن اختلافهما لا يوجب اختلافاً في حصته.

[٥] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما بلا خلاف ظاهر ، والأدلة الخاصة قاصرة عن شمول ذلك إلا بملاحظة إلغاء الخصوصية عرفاً.

٢٠٥

أو الثلث مثلا ـ صح وإن لم يعلم العامل كيفية شركتهما [١] وأنها بالنصف أو غيره ، وإن لم يكن سواء ـ كأن يكون في حصة أحدهما بالنصف وفي حصة الآخر بالثلث مثلاً ـ فلا بد من علمه بمقدار حصة كل منهما ، لرفع الغرر والجهالة في مقدار حصته من الثمر [٢].

( مسألة ٢٦ ) : إذا ترك العامل العمل بعد إجراء العقد ابتداء أو في الأثناء فالظاهر أن المالك مخير بين الفسخ أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي [٣].

______________________________________________________

[١] لما عرفته في صورة اتحاد المالك وتعدد العامل من أن جهل العامل بذلك لا يوجب الجهل بمقدار حصته.

[٢] قال في الشرائع : « لو كانت الأصول لاثنين فقالا لواحد : ساقيناك على أن لك من حصة فلا النصف ومن حصة الآخر الثلث ، صح بشرط أن يكون عالماً بقدر نصيب كل واحد منهما ، ولو كان جاهلا بطلت المساقاة لتجهل الحصة » ، ونحوه كلام غيره ، فان تمَّ إجماع على البطلان مع الجهل فهو. وإلا أشكل القول به ، إذ لا دليل لفظي على قدح الغرر في المقام.

[٣] قال في التحرير : « إذا هرب العامل فللمالك الفسخ والبقاء ، فيقتضي الحاكم من ماله إن لم يتبرع بالعمل أحد ، فان لم يجد فمن بيت المال قرضاً ، فان لم يجد اقترض من أحد ، فان لم يجد استأجر من يعمل بأجرة مؤجرة إلى الإدراك ، فإن تعذر استأذن الحاكم وأنفق ، فإن الاستيذان أشهد في الإنفاق والرجوع ... ».

وتبعه في هذا التخيير بين الفسخ والرجوع الى الحاكم المحقق‌

٢٠٦

______________________________________________________

الأردبيلي ( قده ) لوجوه أشار إلى بعضها في الجواهر ، فقال : « قد يقال : إنه ( يعني البناء على تعيين الرجوع الى الحاكم من دون خيار ) مناف لما يستفاد منهم في غير المقام ـ كالخيار بعدم الوفاء بالشرط ، وكالخيار بتأخير الثمن ، وبالامتناع من العمل وتسليم العين المستأجرة ونحو ذلك ـ من ثبوت الخيار بمجرد حصول شي‌ء من ذلك من غير مراجعة إلى الحاكم ، بل ظاهرهم أنه متى حصل من أحد المتعاقدين بعقد لازم ما ينافي استحقاق الآخر عليه شرع له الشارع الفسخ. وكان العقد في حقه جائزاً ، دفعاً لضرورة بذلك .. » وظاهره الميل إليه.

لكن يشكل الوجه الأول : بأن الخيار عند تخلف الشرط مدلول التزامي لجعل الشرط وهو غير المقام. كما يشكل الثاني : بأن النص الوارد في خيار التأخير هو الفارق بين المقامين ، ولا سيما بملاحظة دلالته على عدم الخيار بمجرد التأخير والامتناع من تسليم الثمن ، فان قياس المقام عليه يقتضي عدم الخيار بمجرد امتناع العامل من العمل.

ولأجل ذلك يشكل مقايسة المقام بامتناع المؤجر عن تسليم العين المستأجرة وامتناع الأجير عن العمل ، فان ثبوت الخيار في الموردين المذكورين خلاف مقتضى النص المذكور المعتضد بفتوى الأصحاب ، فإنهم لم يذكروا من الخيارات الخيار بامتناع البائع من تسليم المبيع أو المشتري من تسليم الثمن ، وإنما ذكروا أن مقتضى ذلك جواز امتناع الطرف الثاني من تسليم ما بيده ، لا أن له الخيار في الفسخ.

اللهم إلا أن يفرق بين الإجارة والبيع : بأن الإجارة لما كانت معاملة على المنفعة والمنفعة تستهلك بغير الاستيفاء فكان مبني المعاملة عليها على تسليم المنفعة لتستوفي بخلاف البيع الذي هو المعاملة على العين التي تبقى لنفسها وإن لم تستوف.

٢٠٧

فيجبره على العمل [١] ، وإن لم العمل [١] ، وإن لم يمكن استاجر [٢] من ماله من يعمل عنه ، أو بأجرة مؤجلة إلى وقت الثمر فيؤديها منه ، أو يستقرض عليه [٣] ويستأجر من يعمل عنه ، وإن تعذر الرجوع إلى الحاكم أو تعسر فيقوم بالأمور المذكورة عدول المؤمنين [٤] ،

______________________________________________________

ولأجل ذلك يتعين القول بثبوت خيار الفسخ في المقام ـ كما في الإجارة ـ لأن مبنى العقد على ذلك ، فيكون شرطاً ضمنياً ارتكازياً يستدعي تخلفه الخيار ، وليس كذلك في البيع. ولأجله لا تنافي نصوص خيار التأخير مع دلالتها على نفي الخيار قبل الثلاثة ثبوت الخيار فيما نحن فيه كالإجارة. لما عرفت من الفرق بين المقامين.

وأما الكلية التي ذكرها فغير ثابتة ما لم ترجع إلى خيار تخلف الشرط ، وأما الاستدلال بقاعدة الضرر فلا مجال له ، لتدارك الضرر بالرجوع إلى الحاكم الشرعي.

[١] لأنه ولي الممتنع. وقد استدل في الجواهر على ولايته بقوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا .. ) (١) لكن الآية الشريفة متعرضة لولاية الرسول والامام لا غير ، فالاستدلال بها على ولاية الحاكم موقوف على دليل يدل على عموم نيابة الحاكم ، ولكنه مفقود ، إذ لا دليل على ولاية الحاكم إلا مقبولة ابن حنظلة المتضمنة لجعل الحاكم قاضياً ، فيكون له وظيفة القضاة ، فكل وظيفة ثبت أنها للقاضي كانت للحاكم الشرعي ، وما لم تثبت أنها وظيفة للقاضي لا تثبت للحاكم.

[٢] الظاهر أنها من وظائف القاضي.

[٣] لم يثبت أن ذلك من وظائف القاضي. وكذا الاستقراض من بيت المال المذكور في كلام الجماعة.

[٤] القدر الثابت من ولاية عدول المؤمنين الموارد التي يعلم من مذاق‌

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

٢٠٨

بل لا يبعد جواز إجباره بنفسه [١] أو المقاصة من ماله [٢] أو استيجار المالك عنه ثمَّ الرجوع عليه أو نحو ذلك. وقد يقال [٣] بعدم جواز الفسخ إلا بعد تعذر. الإجبار [٤] وأن اللازم كون الإجبار من الحاكم [٥] مع إمكانه ، وهو أحوط وإن كان الأقوى التخيير بين الأمور المذكورة [٦] هذا إذا‌

______________________________________________________

الشارع رجحان التصدي من كل أحد فيها عند تعذر الوصول إلى الحاكم ، وهذا المعنى غير ثابت في المقام ، ولا سيما بملاحظة تدارك الضرر بالخيار.

[١] يمكن استفادة ذلك مما دل على جواز دفاع الإنسان عن نفسه وماله.

[٢] لا يخلو من إشكال ، إذ لم يثبت جواز المقاصة عن العمل المستحق قبل زمان فواته ، كما لا يثبت جواز المقاصة في ضمان العمل ـ مقابل العين ـ حتى بعد الفوات. بل عرفت الإشكال في ضمان الأعمال بحيث يطالب بعوضها. وأشكل من ذلك جواز استيجار المالك عنه. وسيأتي في المسألة التاسعة والعشرين بقية الكلام في ذلك.

[٣] هذا هو الذي طفحت به الكلمات ، وفي الجواهر : نسبته إلى ظاهر الأصحاب ، وفي مفتاح الكرامة : « اتفقت كلمتهم أيضاً على أنه ليس للمالك فسخها بمجرد هرب العامل » ثمَّ ذكر بعد ذلك خلاف التحرير ومجمع البرهان ، وفي المسالك : « لما كانت المساقاة من العقود اللازمة لم تنفسخ بمجرد هرب العامل ، ولا يتسلط المالك على فسخها به ، كما لا يملك فسخها بامتناعه من العمل بغير هرب » ، وظاهره أنه من المسلمات.

[٤] كأن المستند في الخيار حينئذ عندهم قاعدة نفي الضرر ، وهي لا تجري مع إمكان الرجوع إلى الحاكم ، لتدارك الضرر حينئذ به.

[٥] يعني : لا من نفسه.

[٦] وهي الفسخ ، والإجبار بنفسه ، والرجوع الى الحاكم ، والمقاصة‌

٢٠٩

لم يكن مقيدا بالمباشرة وإلا فيكون مخيراً بين الفسخ والإجبار [١] ولا يجوز الاستيجار عنه للعمل. نعم لو كان اعتبار المباشرة بنحو الشرط [٢] لا للقيد يمكن إسقاط حق الشرط والاستيجار عنه أيضاً.

( مسألة ٢٧ ) : إذا تبرع عن العامل متبرع بالعمل جاز إذا لم يشترط المباشرة ، بل لو أتى به من غير قصد التبرع عنه أيضاً كفى ، بل ولو قصد التبرع عن المالك كان كذلك أيضاً ، وإن كان لا يخلوا عن إشكال [٣] ، فلا يسقط حقه من‌

______________________________________________________

والاستيجار للعمل عنه.

[١] وكذا المقاصة ، بناء على جواز المقاصة في الفرض.

[٢] قد تكرر الإشكال في صحة شرط مقومات موضوع العقد في ضمن العقد في مقابل جعلها قيوداً له ، فاذا جعلت شرائط فلا بد أن تلحظ قيداً لموضوع العقد ، فيلزم حينئذ جعل موضوع العقد ثانياً ، وهو خلاف المرتكز العرفي. مثلا إذا استأجر زيداً ليخيط له ثوباً ، وأوقع عقد الإجارة على ذلك ، فقد ملك على زيد خياطة الثوب ، فإذا أراد اشتراط المباشرة لم يصح شرطها إلا بمعنى اشتراط العمل مباشرة ، فيقول : آجرتك على أن تخيط ثوبي واشترطت عليك أن تخيطه مباشرة ، وحينئذ تكون الخياطة مملوكة على الأجير من جهتين ، من جهة نفس العقد ومن جهة الشرط في ضمنه وهو لا يوافق عليه العرف ، بل لا يرى الا جعلا واحداً للموضوع مقيداً بالمباشرة ، فإذا جاء العامل بالعمل بلا مباشرة لم يستحق العوض ، لا أنه يستحق العوض وللمشروط له الفسخ. هذا هو المرتكز العرفي ، ولولاه لم يكن مانع عقلي من جعل ملكيتين للمطلق والمقيد.

[٣] لأن الفعل لا ينسب إلى العامل ، كي يستحق به الحصة المعينة‌

٢١٠

الحاصل. وكذا لو ارتفعت الحاجة إلى بعض الاعمال ، كما إذا حصل السقي بالأمطار ولم يحتج إلى النزح من الآبار ، خصوصاً إذا كانت العادة كذلك. وربما يستشكل [١] بأنه نظير الاستيجار لقلع الضرس إذا انقلع بنفسه ، فإن الأجير لا يستحق الأجرة لعدم صدور العمل المستأجر عليه منه. فاللازم في المقام أيضاً عدم استحقاق ما يقابل ذلك العمل. ويجاب بأن وضع المساقاة وكذا المزارعة على ذلك ، فان المراد حصول الزرع والثمرة ، فمع احتياج ذلك إلى العمل فعله العامل ، وإن استغنى عنه بفعل الله أو بفعل الغير سقط واستحق حصته. بخلاف الإجارة ، فإن المراد منها مقابلة العوض بالعمل منه أو عنه. ولا بأس بهذا الفرق فيما هو المتعارف سقوطه أحياناً ـ كالاستقاء بالمطر ـ مع بقاء سائر الأعمال ، وأما لو كان على خلافه ـ كما إذا لم يكن عليه الا السقي واستغنى عنه بالمطر أو نحوه كلية ـ فاستحقاقه للحصة مع عدم صدور عمل منه أصلا مشكل [٢].

( مسألة ٢٨ ) : إذا فسخ المالك العقد بعد امتناع العامل‌

______________________________________________________

له. وهذا الاشكال يطرد في الصورة التي قبلها ، فان العمل لم يكن منسوباً إلى العامل أيضاً ، فلا يستحق عليه شيئاً.

[١] هذا الاشكال ذكره في الجواهر ، وأجاب عنه بما يأتي.

[٢] فإن الاختلاف بين المزارعة والمساقاة وبين الإجارة إنما هو في أن العمل فيهما يختلف زيادة ونقيصة وفي الإجارة لا يختلف ، لا أنه يختلف فيهما زيادة ونقيصة ووجوداً وعدماً أيضاً ، فإن ذلك غير ثابت.

٢١١

عن إتمام العمل يكون الثمر له ، وعليه أجرة المثل للعامل بمقدار ما عمل [١]. هذا إذا كان قبل ظهور الثمر ، وإن كان بعده يكون للعامل حصته وعليه الأجرة [٢] للمالك إلى زمان البلوغ إن رضي بالبقاء ، وإلا فله الإجبار على القطع بقدر حصته [٣] ، إلا إذا لم يكن له قيمة أصلا ، فيحتمل ان يكون للمالك [٤] كما قبل الظهور.

( مسألة ٢٩ ) : قد عرفت أنه يجوز للمالك مع ترك العامل العمل أن لا يفسخ ويستأجر عنه [٥] ويرجع عليه ، إما‌

______________________________________________________

[١] على ما صرح به جماعة. وهو في محله لو كان الفسخ للعقد من أصله ، إذ يكون عمل العامل من حين وقوعه مضموناً على المالك بالاستيفاء. أما إذا كان الفسخ من حينه فقد يشكل الضمان بأجرة المثل ، من جهة أن العمل حين وقوعه كان مضموناً بالحصة ، والمفروض انتفاؤها ، فلا وجه للضمان بأجرة المثل حينئذ. ويقتضيه ما ذكره المصنف (ره) في المسألة السابعة عشرة من كتاب المزارعة. لكن عرفت هناك أن الاستيفاء يوجب الضمان ، إما بالمسمى أو بأجرة المثل ، فاذا لم يسلم الأول ثبتت الأجرة.

[٢] يعني : أجرة الأرض ، لأن العامل لا يستحق بقاء حصته فيها.

[٣] عملا بقاعدة السلطنة. نعم إذا لزم من القطع ضرر على العامل كان دليل نفي الضرر مانعاً من إجباره على القطع.

[٤] لكنه ضعيف ، إذ الملكية لا تتوقف على المالية ، فلا موجب للخروج عما دل على الاشتراك في الظهور.

[٥] قد عرفت أنه لا دليل على ذلك ، ولذلك تردد فيه في الشرائع قال فيها : « ولو لم يفسخ وتعذر الوصول إلى الحاكم كان له أن يشهد أنه‌

٢١٢

مطلقاً ـ كما لا يبعد ـ أو بعد تعذر الرجوع إلى الحاكم. لكن يظهر من بعضهم اشتراط جواز الرجوع عليه بالإشهاد على الاستيجار عنه [١] ، فلو لم يشهد ليس له الرجوع عليه حتى بينه وبين الله ، وفيه ما لا يخفى. فالأقوى أن الإشهاد للإثبات ظاهراً ، وإلا فلا يكون شرطاً للاستحقاق ، فمع العلم به أو ثبوته شرعاً يستحق الرجوع وإن لم يكن أشهد على الاستيجار. نعم لو اختلفا في مقدار الأجرة فالقول قول العامل في نفي الزيادة. وقد يقال بتقديم قول المالك ، لأنه أمين [٢]. وفيه ما لا يخفى [٣]. وأما لو اختلفا في أنه تبرع عنه أو قصد‌

______________________________________________________

يستأجر عنه ويرجع إليه على تردد ». لكن جزم في القواعد بالرجوع مع الاشهاد ، قال : « ولو تعذر الحاكم كان له أن يشهد أنه يستأجر عليه ويرجع حينئذ ولو لم يشهد لم يرجع ، على إشكال ».

[١] يظهر ذلك من عبارة الشرائع والقواعد المتقدمتين ، وفي المسالك : أنه أحد الأقوال. والقول الثاني : أنه يرجع مع تعذر الاشهاد لا مع إمكانه. والثالث : أنه يرجع مع نيته مطلقاً. وهو الأقوى ، إذ لا مدخلية لشهادة الشاهدين في التسلط على مال الغير .. » الى آخر كلامه ، وسبقه إلى ذلك في جامع المقاصد ، ووافقهما على ذلك غير واحد. هذا وفي جامع المقاصد : أن الرجوع مع الاشهاد موضوع وفاق. لكن تقدم التردد فيه من الشرائع وعرفت أنه في محله ، إذ لا دليل عليه ، وأنه خلاف عموم قاعدة السلطنة.

[٢] بناء على ثبوت ولايته في ذلك ، كما مال إليه في الجواهر.

[٣] لعله لأجل أن ما دل على قبول قول الأمين مختص بالمؤتمن من قبل الخصم. لكن ثبوت ذلك بالنسبة إلى الولي الإجباري والحاكم الشرعي‌

٢١٣

الرجوع عليه فالظاهر تقديم قول المالك ، لاحترام ماله وعمله [١] إلا إذا ثبت التبرع ، وإن كان لا يخلو عن إشكال [٢] ، بل يظهر من بعضهم تقديم قول العامل [٣].

( مسألة ٣٠ ) : لو تبين بالبينة أو غيرها أن الأصول كانت مغصوبة ، فإن أجاز المغصوب منه المعاملة صحت المساقاة [٤] ،

______________________________________________________

يقتضي عموم الحكم للولي الشرعي ـ كما في المقام ـ لقاعدة : من ملك شيئاً ملك الإقرار به ، التي يدل عليها الإجماع القولي والعملي ، وهي غير قاعدة سماع قول الأمين المستأمن.

[١] يعني : أصالة احترام مال المسلم وعمله. لكن هذا الأصل غير أصيل إلا في صورة الاستيفاء ، وهو مفقود في المقام. فالعمدة : قاعدة من ملك ، الدالة على قبول خبره ما لم يثبت الخلاف.

[٢] لما في الجواهر من أن أصالة عدم تبرع الإنسان بعمل يحصل فيه غرامة من الغير ليست أصلا أصيلا. وفيه : أنه لو ثبت عموم ضمان مال المسلم وعمله إلا إذا كان متبرعاً فأصالة عدم التبرع تقتضي ثبوت الضمان ، لأن الخاص الخارج عن حكم العام إذا كان ثبوتياً فأصالة عدمه كافية في إثبات حكم العام ، وقد تقدم العمل بذلك في جملة من صور التداعي في الإجارة والمضاربة والمزارعة وغيرها. هذا وقد عرفت أن مقتضى قاعدة من ملك ، قبول قول المالك ، وحينئذ لا مجال للرجوع إلى الأصول إذ الرجوع الى الأصل إنما يكون حيث لا أمارة ، وقول المالك امارة على موادة.

[٣] عملا بأصالة البراءة ، كما تقدم ذلك في بعض مباحث التداعي وضعفه ظاهر ، إذ يختص ذلك بما إذا لم يكن المورد من موارد قاعدة : من ملك ـ كما في المقام ـ ولا من موارد عموم الضمان إلا مع التبرع.

[٤] لصحة عقد الفضولي بإجازة المالك.

٢١٤

وإلا بطلت [١] ، وكان تمام الثمرة للمالك [٢] المغصوب منه. ويستحق العامل أجرة المثل على الغاصب [٣] إذا كان جاهلا بالحال [٤] ، إلا إذا كان مدعياً عدم الغصبية وأنها كانت‌

______________________________________________________

[١] لقاعدة السلطنة. وكأن الحكم من الواضحات ، قال في الشرائع : « إذا ساقاه على أصول فبانت أنها مستحقة بطلت المساقاة. والثمرة للمستحق ، وللعامل الأجرة على المساقي » ، ونحوه ما في غيره.

[٢] كما عرفت التصريح به في كلامهم لتبعية النماء للأصل في الملك.

[٣] كما هو مصرح به في كلماتهم ، لأن الغاصب هو الذي استدعاه إلى العمل ، فيكون العمل مضموناً عليه بالاستيفاء بعد أن لم تسلم له الحصة التي اقتضاها العقد الباطل ، كما ذكر ذلك في المسالك وغيرها. وفي الجواهر علل الرجوع على الغاصب : بأن العامل مغرور من الغاصب ، فيرجع على من غره.

ويشكل : بأنه قد يكونان معاً مغرورين من سبب خارجي ، ولازمه ضياع عمل العامل حينئذ ، وهو كما ترى ، فالدليل أخص من الدعوى.

[٤] كما هو ظاهر من اقتصر في تحرير المسألة على صورة الجهل. كما في الشرائع والقواعد وغيرهما ، بل هو المصرح به في كلام جماعة ، وأنه لا يرجع إذا كان عالماً ، معللين له : بأنه متبرع بعمله. لكن عرفت الاشكال فيه في المسألة الثالثة والعشرين. نعم بناء على تعليل الرجوع بالغرور يصح ذلك ، لانتفاء الغرور حينئذ. ولأجل أنك عرفت أن استيفاء العمل موجب لضمانه من غير فرق بين العامل بصحة العقد والعالم بفساده فاللازم البناء في المقام على الضمان مطلقاً. نعم إذا كان العلم بالفساد موجباً لحرمة العمل ، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه أمكن البناء على عدم الرجوع إذ لا أجرة للعمل المحرم ، فلو فرض حليته جاز الرجوع على المساقي حتى‌

٢١٥

للمساقي ، إذ حينئذ ليس له الرجوع عليه ، لاعترافه بصحة المعاملة [١] وأن المدعي أخذ الثمرة منه ظلماً. هذا إذا كانت الثمرة باقية. وأما لو اقتسماها وتلفت عندهما ، فالأقوى أن للمالك الرجوع بعوضها على كل من الغاصب والعامل [٢] بتمامه وله الرجوع على كل منهما بمقدار حصته. فعلى الأخير لا إشكال [٣]. وإن رجع على أحدهما بتمامه رجع على الآخر بمقدار حصته [٤] ، إلا إذا اعترف بصحة العقد وبطلان دعوى المدعي للغصبية ، لأنه حينئذ معترف بأنه غرمه ظلما [٥]. وقيل :

______________________________________________________

مع العلم بالفساد.

[١] وحينئذ تكون الحصة عوض عمله ، فتكون قد سلمت له. وقد تعرض لهذه الصورة في المسالك.

[٢] لاستقلال يد كل منهما على العين ، الموجب لضمانه لها ، لعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي ». وهذا القول حكاه في الشرائع قولا ولم يعرف قائله. نعم اختاره العلامة في جملة من كتبه ، وتبعه عليه من تأخر عنه.

[٣] يعني : لا يرجع أحدهما على الآخر بشي‌ء ، لأن قرار الضمان في الأيدي المتعاقبة على حين واحدة على من تلفت العين في يده والمفروض أن كل واحد منهما قد تلف في يده نصف العين ، وقد رجع المالك عليه فيه ، فلا وجه لأن يرجع أحدهما على الآخر.

[٤] لوقوع تلف النصف عنده ، الموجب لاستقرار الضمان عليه ، كما ذكر ذلك في مسألة تعاقب الأيدي.

[٥] كان الأولى أن يقول : لأنه معترف بأن التالف في يد كل منهما‌

٢١٦

إن المالك مخير [١] بين الرجوع على كل منهما بمقدار حصته‌

______________________________________________________

ملكه وماله ، فلا معنى لأن يكون مضموناً عليه.

[١] كما هو المعروف زمان العلامة ، واختاره في الشرائع ، لأن يد العامل كانت بعنوان النيابة عن المساقي ، فلا تستوجب الضمان. وفيه : أنه خلاف إطلاق قوله (ص) : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١) ‌من دون مقيد ظاهر. وعن ظاهر الإرشاد أنه ليس للمالك الرجوع على المساقي أو العامل بتمام الثمرة » وإنما له الرجوع على كل منهما بحصته لا غير. وكأنه لبنائه على عدم استقلال يد أحدهما على جميع الثمرة. ولكنه خلاف المفروض. ومن ذلك يظهر أنه يمكن فرض المسألة ( تارة ) : باستقلال يد كل منهما. ( وأخرى ) : بعدم استقلال يد أحدهما ، بأن يكون الثمرة في يد هما معا. ( وثالثة ) : باستقلال يد المساقي دون العامل ، بل تكون يد العامل على وجه الاشتراك ( ورابعة ) : بالعكس. والحكم في الأول هو ما ذكره العلامة ومن تبعه ، ـ ومنهم المصنف ـ وفي الثاني هو ما ذكر في ظاهر الإرشاد ، وفي الثالث يرجع المالك على المساقي بتمام الثمرة ، وليس له الرجوع على العامل إلا بحصته لا غير ، وفي الرابع بالعكس.

ثمَّ إن ما ذكر يتم فيما إذا كانت الحصة النصف ، أما إذا كانت أقل من النصف جاز للمالك الرجوع على العامل بنصف الثمرة في الفرض الثالث مع كونه أكثر من حصته ، لأن يده حينئذ تكون على النصف وإن كان هو أكثر من صحته. ثمَّ إنه يمكن فرض اليد على الثمرة لأحدهما على الاستقلال دون الآخر ، فإنه لا يد له على الثمرة أصلا ، ولكن وصلت إليه حصته بتسليم صاحبه. وحكم ذلك أنه لا يجوز رجوع المالك على الآخر إلا بالحصة.

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب كتاب الوديعة حديث : ١٢. وباب : ١ من كتاب الغصب حديث : ٤.

٢١٧

وبين الرجوع على الغاصب بالجميع ، فيرجع هو على العامل بمقدار حصته ، وليس له الرجوع على العامل بتمامه ، إلا إذا كان عالماً بالحال [١]. ولا وجه له بعد ثبوت يده على الثمر بل العين أيضاً. فالأقوى ما ذكرنا ، لأن يد كل منهما يد ضمان وقرار الضمان على من تلف في يده العين. ولو كان تلف الثمرة بتمامها في يد أحدهما كان قرار الضمان عليه [٢]. هذا ويحتمل في أصل المسألة [٣] كون قرار الضمان على الغاصب [٤] مع جهل العامل ، لأنه مغرور من قبله [٥]. ولا ينافيه ضمانه‌

______________________________________________________

[١] كما قيده بذلك في الشرائع. وهو غير ظاهر ، لأن عموم : « على اليد » ‌

إذا كان لا يشمل يد العامل لكونها بعنوان النيابة ـ فلا فرق بين العلم والجهل بالحال.

[٢] كما هو حكم تعاقب الأيدي على عين واحدة ، فإن قرار الضمان على من تلفت في يده العين ، كما هو محقق في محله.

[٣] يعني : مسألة تعاقب الأيدي على الثمرة التي ظهر أنها لغير المتعاملين.

[٤] يعني : لا على من تلفت الثمرة في يده ـ كما ذكرنا ـ بل يرجع هو على الغاصب ، فيكون قرار الضمان عليه.

[٥] يشير بذلك إلى قاعدة الغرور ، التي ادعي الإجماع على العمل بها. وقد استدل عليها بأمور أشرنا إليها في كتابنا نهج الفقاهة ( منها ) : قاعدة الضرر ، كما نسب إلى السيد في الرياض ، وعبارته لا تساعد على ذلك ( ومنها ) : قاعدة الإتلاف بالنسبة إلى العين المضمونة ، كما هو ظاهر الجواهر في كتاب الغصب ، أو قاعدة الإتلاف بالنسبة إلى الغرامة ، كما يظهر من شيخنا الأعظم في مبحث الفضولي ، حيث جعل من الوجوه المصححة للقاعدة كون الغار سبباً في تغريم المغرور ( ومنها ) : النصوص‌

٢١٨

لاجرة عمله [١] ، فإنه محترم ، وبعد فساد المعاملة لا يكون الحصة عوضاً عنه ، فيستحقها ، وإتلافه الحصة إذا كان بغرور من الغاصب لا يوجب ضمانه له [٢].

______________________________________________________

الواردة في تدليس الزوجة (١) المتضمنة لجواز الرجوع إلى المدلس بالمهر وغيره ، معللا في بعضها : بأنه دلس ، وفي بعضها : بأنه غرّ وخدع. ( ومنها ) : النصوص الواردة في ضمان شاهد الزور (٢) على اختلاف مواردها ( ومنها ) : النبوي ـ على ما قيل ـ : « المغرور يرجع على من غره » (٣). والجميع لا يخلو من إشكال ، عدا نصوص تدليس الزوجة ، كما أشرنا إلى ذلك في نهج الفقاهة.

والارتكازيات العرفية تقتضي أن يكون سبب مجرد التغرير والإيقاع في خلاف الواقع ، سواء كان عن علم أم جهل. فلا بأس بالبناء عليها ، ولا سيما بملاحظة بناء الأصحاب على الرجوع إليها في مختلف الموارد. ( ومنها ) : رجوع المشتري من الفضولي إليه في تدارك خساراته حتى فيما كان له في مقابله نفع. فراجع مباحث الفضولي.

[١] وجه المنافاة : أن الغاصب كان ضامناً لأجرة عمله بعد تبين بطلان العقد الذي كان موجباً لضمانه بالحصة ، فإذا كان ضامناً ما أتلفا من الحصة فقد صار ضامناً لعوضين ، والعمل ليس له إلا عوض واحد‌.

[٢] يعني : يكون الغاصب هو الضامن للحصة ، فتكون الحصة مضمونة للمالك لا للعامل ، فالغاصب يضمن الأجرة للعامل ، ويضمن الحصة للمالك.

__________________

(١) راجع الوسائل كتاب النكاح أبواب العيوب والتدليس باب : ٢ حديث : ٢ وباب ٦ حديث : ٢ وباب : ٧ حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٤ من كتاب الشهادات.

(٣) تقدم التعرض الحديث في الصفحة : ١١٧ من هذا الجزء.

٢١٩

( مسألة ٣١ ) : لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره مع اشتراط المباشرة [١] ، أو مع النهي عنه [٢]. وأما‌

______________________________________________________

فلا يكون ضامناً للعوضين. وفيه : أن الحصة بعد أن لم تكن أجرة للعمل فهي مضمونة على العامل للمالك ، فاذا دفع العامل بدل الحصة للمالك فقد وصل إلى المالك حقه ، فاذا بنينا على الرجوع إلى قاعدة الغرور لإثبات لزوم تدارك خسارة العامل للحصة فقد تمسكنا بالقاعدة لزيادة ربح العامل ، فإنه بعمله حصل على أجرة المثل وعلى الحصة معاً ، والقاعدة ما شرعت لارباح العامل ، وإنما شرعت لتدارك خسارته.

وان شئت قلت : إن القاعدة تختص بالخسارة المحضة ، ولا تجري في الخسارة المضمونة بالعوض التي أقدم عليها المغرور. ولذلك لو اشترى من الفضولي عينا جهلا ثمَّ أتلفها ولم يدفع الثمن إلى البائع ، فرجع عليه المالك في بدل المبيع ، لم يجز له الرجوع على البائع في تدارك خسارة ثمن المبيع الذي دفعه الى المالك ، لأن خسارة الثمن كانت في مقابل المبيع الذي أخذه وكان مقدماً على ضمانه به ، فلو رجع على البائع فيه كان ربح المبيع بلا عوض وذلك ما لا تقتضيه قاعدة الغرور.

[١] قد تقدم في المزارعة الإشكال من المصنف : بأن اشتراط المباشرة لا يمنع من مزارعة الغير ، لجواز كون المزارع الثاني نائباً عن العامل الثاني في العمل ، فيكون هو المباشر. وتقدم منا الاشكال عليه بأن مورد كلام الأصحاب كون العامل الثاني هو المباشر. فراجع المسألة الثالثة عشرة من كتاب المزارعة.

[٢] إذا كان النهي قد أخذ شرطاً في ضمن العقد وجب العمل به ، عملا بدليل صحة الشرط ، أما إذا لم يؤخذ شرطا فمجرد النهي لا تجب موافقته إذا كان مقتضى عقد المساقاة جواز فعل المنهي عنه.

٢٢٠