مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

وإن كان في الأثناء فالظاهر جواز الرجوع للمالك [١]. وفي‌

______________________________________________________

الاعتراف بعدم استحقاق الزائد عليها ، فيؤخذ باعترافه ولا يدفع له الزائد ولأجل ذلك وافق القواعد جماعة ممن تأخر عنه.

وأشكل عليه في الحدائق : بأن اعترافه بعدم استحقاق الزائد مبني على صحة دعواه وثبوتها ، فإذا بني على بطلانها فقد بني على بطلان ما يترتب عليها وفرضهما معدومين. وفيه : أن الاعتراف بعدم استحقاق الزائد لا مجال لفرضه كالعدم ، فإنه خلاف إطلاق الأدلة ، ولا ملازمة بين بطلان الدعويين وبطلان ما يترتب عليهما من اللوازم الخارجية ، وإنما الملازمة بين بطلانهما وبطلان ما يترتب عليهما شرعاً ، لا عقلا.

هذا ولم يتعرض المصنف (ره) لوجه إهمال القيد المذكور كما أنه لم يصرح بالإطلاق ، وهل ذلك كان من جهة موافقته للحدائق في الاشكال المذكور ، أو من جهة أن موضوع المسألة المزارعة ، وعوض منفعة الأرض فيها الحصة ، وليست هي من جنس أجرة المثل حتى يصح فرض الزيادة والنقيصة بينهما ، لاختصاص ذلك بما كانا متحدي الجنس. لكن التقييد بعدم الزيادة في عبارة القواعد كان في مورد المزارعة صريحاً ، وحمل كلامه على صورة ما إذا كانت الحصة مساوية لأجرة المثل بعيد ، ولو كان المراد ذلك كان اللازم في التعبير أن يقال : إنه بعد التحالف يحكم بالأجرة المسماة ، فلا بد أن يحمل كلامه على صورة كون الزيادة بحسب القيمة لا العين. والوجه المقتضي للتقييد بعدم زيادة أجرة المثل أيضاً وارد في ذلك ، إذ المالك أيضاً يعترف بعدم استحقاق الزيادة في القيمة على المسمى من أجرة أو حصة ، فيؤخذ باعترافه. ومن أجل ذلك يتوجه الاشكال على المصنف على كل حال.

[١] يعني : الرجوع عن العقد الواقع بينه وبين العامل ، لأن العامل‌

١٤١

وجوب إبقاء الزرع الى البلوغ عليه مع الأجرة إن أراد‌

______________________________________________________

يدعي كونه عارية يجوز للمعير الرجوع فيها ، وليس له الاعتراض على المالك بأنه يعترف بكونها مزارعة ، وهي لا يجوز الرجوع فيها ، وذلك لأن عدم جواز الرجوع في المزارعة من جهة حق العامل ، والمفروض اعتراف العامل بأنه لا حق له. اللهم إلا أن يقال : انما يجوز العمل بالإقرار مع احتمال الموافقة للواقع ، لا مع العلم بالخلاف ، فاذا كان المالك يعلم بأن العقد مزارعة لا يجوز له الرجوع فيه إلا مع التقابل ، ولا يكفي اعتراف العامل بأنه عارية.

هذا بالنظر الى الحكم الواقعي الأولي ، أما بالنظر الى حكم الحاكم بنفي كل من العارية والمزارعة بعد التحالف فيجوز الرجوع عن العقد ، لا بمعنى فسخ العقد ، بل بمعنى عدم ترتيب آثار العقد ، وهذا الجواز جاء من حكم الحاكم الذي يحرم رده. والمراد من جواز ذلك أنه إذا فعله المالك فليس للعامل الاعتراض عليه ، لأن الاعتراض عليه رد الحكم الحاكم لا أنه يجوز ذلك واقعاً شرعاً. بمعنى أنه لا يؤاخذ عليه ، فان حكم الحاكم لا موضوعية له في تبديل الحكم الواقعي ، بل الحكم الواقعي على ما هو عليه ففي صحيح هشام بن الحكم : « قال رسول الله (ص) : إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان ، وبعضكم ألحن بحجته من بعض ، فأيما رجل اقتطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار » (١) ‌فاذا حكم الحاكم للمدعي بالبينة أو اليمين المردودة لم يجز له أن يأخذ المال من المدعي عليه إذا كان يعلم ببطلان دعواه. وحكم الحاكم لا يسوغ له أكل مال الغير بغير رضاً منه.

وإن شئت قلت : حكم الحاكم تارة : يكون اقتضائياً ، وأخرى :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث : ١‌

١٤٢

______________________________________________________

لا يكون اقتضائياً ، وكذلك الحكم الواقعي يكون اقتضائياً تارة وأخرى لا يكون اقتضائياً. فإن كان الحكم الواقعي اقتضائياً وحكم الحاكم لا اقتضائياً وجب العمل على الحكم الواقعي ، لأن العمل عليه لا يكون رداً لحكم الحاكم كما في المثال المذكور ، فان ترك أخذ المال من المدعي عليه ظلما لا يكون رداً لحكم الحاكم لجواز الأخذ. وإذا كان الأمر بالعكس ـ بأن كان الحكم الواقعي لا اقتضائياً وحكم الحاكم اقتضائياً ـ وجب الحكم بحكم الحاكم من دون مزاحم ، كما في المثال المذكور بالنسبة إلى الحكومة عليه ، فإنه يجب عليه بمقتضى حكم الحاكم دفع المال إلى المدعي ، ولا يحرم عليه ذلك بمقتضى الحكم الواقعي فيجب العمل بمقتضى حكم الحاكم ، لأن ترك العمل به رد لحكم الحاكم وهو حرام.

وإذا كانا ـ معاً ـ اقتضائيين وجب العمل بمقتضى حكم الحاكم بمقدار المزاحمة ، لئلا يلزم رده ، ويجب العمل بالحكم الواقعي فيما زاد على مقدار المزاحمة ، كما إذا ادعى رجل زوجية امرأة ظلما ، فحكم الحاكم له فوجب عليها مطاوعته بمقدار المزاحمة ، ولا يجوز لها ما زاد على ذلك ، فاذا طلب منها المدعي الاستمتاع بها ، فإن أمكنها صرفه وجب عليها ذلك ، وإن أصر على الاستمتاع بها وجب عليها المطاوعة ، وتسقط حرمة المطاوعة للأجنبي بدليل حرمة رد الحكم الذي تكون نسبته الى الحكم الواقعي نسبة الحكم الواقعي الثانوي إلى الواقعي الأولي مقيداً له ، وفي غير حال وجوب المطاوعة يحرم عليها التعرض له والتكشف ، ولا يجوز لها ذلك ، عملا بالحكم الواقعي ما دام لا يصدق رد حكم الحاكم.

وفي المقام نقول : إن حكم الحاكم بنفي المزارعة ليس حكماً اقتضائياً فلا يزاحم الحكم الواقعي بوجوب العمل على عقد المزارعة إذا كان المالك عالماً بذلك حسب دعواه ، كما أنه يجب على العامل العمل بمقتضى العقد إذا‌

١٤٣

الزارع ، وعدمه وجواز أمره بالإزالة ، وجهان [١]. وإن كان النزاع قبل نثر الحب فالظاهر الانفساخ بعد حلفهما أو نكولهما [٢].

( مسألة ٢٦ ) : لو ادعى المالك الغصب والزارع ادعى المزارعة ، فالقول قول المالك [٣] مع يمينه على نفي المزارعة‌

______________________________________________________

كان عالماً بذلك.

[١] أقواهما الأول ، لأن الزرع كان بإذن المالك وقلعه ضرر على العامل ، فلا يجوز ، لقاعدة نفي الضرر ، ولا يعارض بالضرر الوارد على المالك من إبقاء الزرع ، لأن المالك مقدم على هذا الضرر ، سواء كان العقد مزارعة أم عارية.

[٢] قد عرفت أن حكم الحاكم بعد التحالف كان ينفي كلا من العارية والمزارعة ، فبالنظر إليه يبنى على نفيهما معاً. أما بالنظر إلى الواقع فان كان عارية فانكارها رجوع بها ، أما إذا كان مزارعة فانكارها لا أثر له وحكم الحاكم لا يبدل الواقع ، فلا موجب للانفساخ ، بل يبقى وجوب العمل بها على تقدير ثبوتها بحاله حتى ينتهي الوقت ، كما عرفت في الحاشية السابقة.

[٣] إذا كان المعيار في تشخيص المدعي والمنكر مصب الدعوى فهما متداعيان ، لأن كلا منهما يدعي خلاف الأصل. فكما يقدم قول المالك في نفي المزارعة يقدم قول العامل في نفي الغصب. وإذا كان المعيار الغرض المقصود من الدعوى فدعوى المالك الغصب راجعة إلى دعوى ضمان العامل بأجرة المثل وهو منكر للمزارعة ، وكلاهما على وفق الأصل. وقد عرفت أن التحقيق الثاني ، فيكون القول قول المالك. ومنه يظهر ضعف ما عن التذكرة من أنه يحلف العامل على نفي الغصب ، كما عرفت في‌

١٤٤

( مسألة ٢٧ ) : في الموارد التي للمالك قلع زرع الزارع هل يجوز له ذلك بعد تعلق الزكاة وقبل البلوغ؟ قد يقال بعدم الجواز [١] إلا أن يضمن حصتها للفقراء ، لأنه ضرر عليهم والأقوى الجواز [٢] ، وحق الفقراء يتعلق بذلك الموجود وإن لم يكن بالغاً.

( مسألة ٢٨ ) : يستفاد من جملة من الأخبار [٣] أنه يجوز لمن بيده الأرض الخراجية أن يسلمها الى غيره ليزرع لنفسه ويؤدي خراجها عنه. ولا بأس به‌

______________________________________________________

المسألة السابقة.

[١] نسبه في الجواهر إلى ظاهر المحكي عن ابن الجنيد ، وعبارته المحكية في المختلف هكذا : « لو استحقت الأرض كان للمالك أن يطالب المزارع بقلع الزرع ، إلا أن يكون في ذلك ضرر على أهل الزكاة وغيرهم بتلف حقوقهم منه ، فان ضمنه رب الأرض لهم وقلع الأرض كان مخيراً بين أن يأخذ الجزء منه على تلك الحال وبين أن يضمن الذي غر المزارع قيمة نصف الزرع ثابتاً وسلم الزرع كله اليه ». لكن ظاهر ذيل كلامه أن مورده صورة صحة المزارعة وانتهاء المدة إذ لو كانت المزارعة منتفية لم يكن وجه لأخذه الجزء من الزرع.

[٢] جعله في المختلف هو الوجه ، لأن حق الفقراء لا يزيد على حق صاحب الزرع ، فاذا جاز قلعه بلا ضمان للمزارع جاز أيضاً بالنسبة إلى مستحق الزكاة.

[٣] يشير بذلك إلى خبر إبراهيم بن ميمون ، قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن قرية لأناس من أهل الذمة ، لا أدري أصلها لهم أم‌

١٤٥

مسائل متفرقة : الأولى : إذا قصر العامل في تربية الزرع فقل الحاصل ، فالظاهر ضمانه التفاوت [١] بحسب تخمين أهل الخبرة ، كما صرح به المحقق القمي ( قده ) في أجوبة مسائله.

الثانية : إذا ادعى المالك على العامل عدم العمل بما اشترط في ضمن عقد المزارعة من بعض الشروط ، أو ادعى‌

______________________________________________________

لا ، غير أنها في أيديهم ، وعليها خراج ، فاعتدى عليهم السلطان فطلبوا إلي فأعطوني أرضهم وقريتهم على أن أكفيهم ( يكفيهم. خ ل ) السلطان بما قل أو كثر ، ففضل لي بعد ذلك فضل بعد ما قبض السلطان ما قبض قال (ع) : لا بأس بذلك ، لك ما كان من فضل » (١). ونحوه خبر أبي الربيع (٢) ، وخبر أبي بردة بن رجا (٣).

[١] ظاهره ضمان نقص الحاصل الذي ملكه بالمزارعة. لكن لا دليل على ضمان النقص إلا قاعدة الإتلاف ، وهي تختص بالنقص الطارئ على الموجود كاملا ، ولا تشمل ما لو وجد ناقصاً. ويحتمل أن يكون المراد نقص العمل المؤدي إلى نقص الحاصل ، فان المالك يملك على الزارع العمل الكامل ، ولم يأت به كاملا وإنما جاء به ناقصاً ، فيضمن تفاوت العمل. لكن عرفت ـ فيما سبق ـ أن الأعمال الذمية لا تكون مضمونة والأجير على عمل إذا لم يأت به تبطل الإجارة ، ولا يستحق الأجرة ، لا أنه يستحق الأجرة ويكون ضامناً للعمل للمستأجر.

نعم في المقام لما لم يأت بالعمل كاملا يكون للمالك الخيار في فسخ المزارعة ، فإن كان البذر له كان للعامل أجرة مثل العمل ، وإن كان البذر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٣‌.

١٤٦

عليه تقصيره في العمل على وجه يضر بالزرع ، وأنكر الزارع عدم العمل بالشرط أو التقصير فيه ، فالقول قوله ، لأنه مؤتمن في عمله [١]. وكذا لو ادعى عليه التقصير في‌

______________________________________________________

للزارع عليه أجرة المثل للأرض للمالك ، فنقص العمل يستوجب الخيار لا الضمان.

[١] لو لا ذلك لكان القول قول المالك ، لمطابقة قوله للأصل ، إذ الأصل عدم فعل الشرط وعدم فعل تمام ما يلزم العامل الذي هو معنى التقصير. لكن القاعدة المذكورة مقدمة على الأصل ، فيكون العامل منكراً لموافقة قوله للحجة. والوجه في هذه القاعدة السيرة المستمرة على قبول قول الأمين فيما اؤتمن عليه ، والموظف لأداء عمل في أداء وظيفته ، وفي الجواهر عدّ من الضروريات قبول اخبار الوكيل في التطهير ، وهو في محله. ويظهر ذلك واضحاً من مراجعة سيرة المتشرعة في جميع الموارد من هذا القبيل ، سواء كان أجيراً على عمل فيخبر عن فعله ، أم مأموراً متبرعاً في عمل فيخبر عن وقوعه.

ولعل من هذا الباب قاعدة : ( من ملك شيئاً ملك الإقرار به ) التي ادعى على صحتها الإجماع كثير من الأعاظم ، فإن الوكيل إذا أخبر عن الفعل الموكل فيه يقبل خبره ، والزوج إذا أخبر عن طلاق زوجته يقبل خبره ، والحاكم إذا أخبر عن حكمه بالهلال ـ مثلا ـ يقبل خبره ، والولي إذا أخبر عن العقد للمولى عليه يقبل خبره .. وهكذا.

والجامع بين ما نحن فيه وبين القاعدة المذكورة هو أنه إذا كان الفعل وظيفة الإنسان فأخبر بوقوعه يقبل ، سواء كان الجاعل للوظيفة الشارع المقدس أم غيره من الناس ، والأول هو مورد قاعدة : ( من ملك .. ) والثاني مورد قاعدة : قبول خبر المؤتمن على فعل إذا أخبر بفعله.

١٤٧

حفظ الحاصل بعد ظهوره [١] وأنكر.

الثالثة : لو ادعى أحدهما على الآخر شرطاً متعلقاً بالزرع وأنكر أصل الاشتراط ، فالقول قول المنكر [٢].

الرابعة : لو ادعى أحدهما على الآخر الغبن في المعاملة فعليه إثباته [٣] ، وبعده له الفسخ.

الخامسة : إذا زارع المتولي للوقف الأرض الموقوفة بملاحظة مصلحة البطون إلى مدة لزم ولا تبطل بالموت ، وإما إذا زارع البطن المتقدم من الموقوف عليهم الأرض الموقوفة ثمَّ مات في الأثناء قبل انقضاء المدة فالظاهر بطلانها من ذلك الحين ، لانتقال الأرض إلى البطن اللاحق [٤]. كما أن الأمر كذلك في إجارته لها. لكن استشكل فيه المحقق القمي ( قده ) بأن عقد المزارعة لازمة ولا تنفسخ إلا بالتقايل أو ببعض الوجوه التي ذكروها ، ولم يذكروا في تعدادها هذه الصورة مع أنهم ذكروا في الإجارة بطلانها إذا أجر البطن المتقدم ثمَّ‌

______________________________________________________

وعلى هذه القاعدة إذا نازعه منازع كان مدعياً ، لمخالفة قوله للحجة على ما عرفت من أن المدعي من يكون قوله مخالفاً للحجة ، في مقابل المدعى عليه أو المنكر ، وهو من يكون قوله موافقاً للحجة.

[١] لما عرفت.

[٢] لموافقة قوله لأصالة عدم الاشتراط.

[٣] لأن الغبن مفهوم وجودي مسبوق بالعدم ، فدعواه على خلاف أصالة عدمه.

[٤] كما هو مقتضى الوقف الترتيبي.

١٤٨

مات في أثناء المدة ، ثمَّ استشعر عدم الفرق بينهما بحسب القاعدة ، فالتجأ الى أن الإجارة أيضاً لا تبطل بموت البطن السابق في أثناء المدة وإن كان البطن اللاحق يتلقى الملك من المواقف لا من السابق ، وأن ملكية السابق كانت إلى حين موته ، بدعوى : أنه إذا أجر مدة لا تزيد على عمره الطبيعي ومقتضى الاستصحاب بقاؤه بمقداره ، فكما أنها في الظاهر محكومة بالصحة كذلك عند الشارع وفي الواقع ، فبموت السابق ينتقل ما قرره من الأجرة إلى اللاحق [١] ، لا الأرض بمنفعتها [٢] .. إلى آخر ما ذكره من النقض والإبرام. وفيه ما لا يخفى [٣]. ولا ينبغي الإشكال في البطلان بموته في المقامين.

______________________________________________________

[١] قال في كتاب المزارعة من كتابه جامع الشتات : « فالأولى أن يقال : بعدم بطلان الإجارة في الوقف أيضاً إذا مات كل منهما إذا جعل مقدار المدة ما لا يزيد على العمر العادي ، اعتماداً على استصحاب البقاء ، فيصح عقد الإجارة الذي مقتضاه اللزوم ، ويتلقى البطن الثاني وجه الإجارة عن الوقف بواسطة جعل البطن الأول وتصرفه ، ويتم الكلام في إطلاقهم في المزارعة وعدم استثنائهم .. ».

[٢] لأن المنفعة انتقلت إلى المستأجر بالإجارة الصحيحة التي لا تبطل بالموت.

[٣] إذ لا دليل على ولاية التصرف للبطن الأول على المنفعة الراجعة إلى البطن الثاني. ( ودعوى ) : أن البناء على جواز إجارة البطن الأول في مدة لا تزيد على العمر الطبيعي يقتضي صحتها ، فكأن الواقف جعل ولاية التصرف لهم ( ممنوعة ) إذ لم يثبت الجواز الواقعي ، وإنما الثابت‌

١٤٩

السادسة : يجوز مزارعة الكافر ، مزارعاً كان أو زارعاً [١].

______________________________________________________

الجواز الظاهري الذي ينتفي بانكشاف الخلاف ، ويتعين حينئذ العمل بالواقع ، فيحكم بصحة الإجارة في مدة حياة البطن الأول دون ما بعد موته.

وأشكل من ذلك ما ذكره في إجارة المالك ، فإنه بعد كلامه السابق قال : « وظهر من جميع ذلك أن المصحح لاجارة المالك في مدة لا يبقى عمره بها في علم الله تعالى وانتقال العين قبل انتهائها إلى الوارث في نفس الأمر إنما هو الاستصحاب ، مثل اجارة الوقف بعينها ، لا لأنه ملكه بعد فوته أيضاً كما هو واضح ». إذ فيه : أن المالك يصح تصرفه في ماله بالإجارة مدة يعلم بموته في أثنائها ، عملا بقاعدة السلطنة ، ولا دخل له بالاستصحاب ، إذ لا مجال للاستصحاب مع العلم.

وقد حكى هو عن جماعة التصريح : بأنه لا تتقدر مدة إجارة الأرض بقدر ، وفي التذكرة قال : « يجوز إلى مائة ألف سنة » ، وجعله قول علمائنا أجمع ، فما الذي دعى إلى إهمال هذا الإجماع وقاعدة السلطنة والعمل بغيرهما مما لا محصل له؟! ومجرد كون المنفعة للوارث بعد موت المالك لا يقتضي قصور سلطنة المالك ، فان الوارث يملك ما تركه الميت ، لا ما عارض عليه وأخرجه عن ملكه بالإجارة.

[١] لعموم أدلة الصحة. مضافاً في الثاني إلى نصوص خيبر (١) ، وموثق سماعة (٢).

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٠ من أبواب بيع الثمار ، وباب : ٨ ، ١٠ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة ، وغيرها.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١.

١٥٠

السابعة : في جملة من الأخبار [١] النهي عن جعل ثلث البذر وثلث للبقر وثلث لصاحب الأرض ، وأنه لا ينبغي أن يسمي بذراً ولا بقراً ، فإنما يحرم الكلام. والظاهر كراهته [٢] وعن ابن الجنيد وابن البراج حرمته ، فالأحوط الترك.

الثامنة : بعد تحقق المزارعة على الوجه الشرعي يجوز لأحدهما [٣] بعد ظهور الحاصل أن يصالح الآخر عن حصته بمقدار معين من جنسه [٤] أو غيره بعد التخمين [٥] بحسب المتعارف ، بل لا بأس به قبل ظهوره أيضاً [٦]. كما أن الظاهر جواز مصالحة أحدهما مع الآخر عن حصته [٧] في هذه القطعة‌

______________________________________________________

[١] تقدمت الإشارة إلى هذه الأخبار في المسألة الثانية عشرة.

[٢] لأن الأخبار المذكورة مهجورة عند الأصحاب ، كما تقدم في المسألة الثانية عشرة ، وتقدم أنه في الجواهر مال إلى القول بظاهرها وتقدم الاشكال عليه. فراجع.

[٣] لعمومات صحة الصلح.

[٤] تقدم في المسألة العشرين أنه لا ربا ولو مع التفاوت ، لعدم كونه من المكيل والموزون.

[٥] أو بدونه. لعموم صحة الصلح. ولا دليل على اعتبار التخمين وما دل على النهي عن الغرر مختص بالبيع.

[٦] مع العلم بوجوده في المستقبل ، أما مع عدمه فلا دليل على صحة الصلح ، لعدم ثبوت موضوعه.

[٧] لعمومات الصحة. وقد تقدم في المسألة العشرين ما له نفع في المقام.

١٥١

من الأرض بحصة الآخر في الأخرى ، بل الظاهر جواز تقسيمهما بجعل إحدى القطعتين لأحدهما والأخرى للآخر. إذ القدر المسلم لزوم جعل الحصة مشاعة من أول الأمر وفي أصل العقد [١].

التاسعة : لا يجب في المزارعة على أرض إمكان زرعها من أول الأمر [٢] وفي السنة الاولى. بل يجوز المزارعة على أرض بائرة لا يمكن زرعها إلا بعد إصلاحها وتعميرها سنة أو أزيد. وعلى هذا إذا كانت أرض موقوفة ـ وقفاً عاماً أو خاصاً ـ وصارت بائرة يجوز للمتولي أن يسلمهما الى شخص بعنوان المزارعة إلى عشر سنين أو أقل أو أزيد ـ حسب ما تقتضيه المصلحة ـ على أن يعمرها ويزرعها إلى سنتين مثلا لنفسه [٣] ثمَّ يكون الحاصل مشتركاً بالإشاعة بحصة معينة.

العاشرة : يستحب للزارع ـ كما في الاخبار الدعاء عند نثر الحب ، بأن يقول : « اللهم قد بذرنا وأنت الزارع واجعله‌

______________________________________________________

[١] فلا ينافي التقسيم بعد ذلك ، كما لا ينافيه تقسيم الحاصل بعد بلوغه.

[٢] عملا بعمومات الصحة بعد عدم وجود مقيد.

[٣] هذا لا دخل له في تفريع جواز المزارعة على أرض الوقف البائرة على ما ذكره من جواز انفصال الزرع عن سنة عقد المزارعة. بل كان الأولى له تركه ، لأن اختصاص الزرع بالعامل في السنتين الأوليين ـ مثلا ـ ينافي وضع المزارعة من لزوم كون الحاصل مشتركاً. ( ودعوى ) : أن ما ذكروه في شرط المزارعة من لزوم الاشتراك في الحاصل يراد به اشتراطه في الجملة ، بحيث لا ينافي اختصاص أحدهما به في بعض السنين‌

١٥٢

حباً متراكما » (١) ‌وفي بعض الاخبار : « إذا أردت أن تزرع زرعاً فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة ، وقل ( أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ ) (٢) ثلاث مرات ثمَّ تقول : بل الله الزارع ، ثلاث مرات ، ثمَّ قال : اللهم اجعله حباً مباركاً ، وارزقنا فيه السلامة. ثمَّ انثر القبضة التي في يدل في القراح » (٣) ‌وفي خبر آخر : « لما هبط آدم (ع) إلى الأرض احتاج إلى الطعام والشراب ، فشكى ذلك إلى جبرئيل فقال له جبرئيل : يا آدم كن حراثاً ، فقال (ع) : فعلمني دعاء قال : قل : اللهم اكفني مئونة الدنيا وكل هول دون الجنة وألبسني العافية حتى تهنئني المعيشة » (٤).

______________________________________________________

( إن صحت ) كان اللازم التنبيه عليه في مسألة مستقلة ، فيقال فيها : إنه لا يشترط في المزارعة أن يكون الزرع مشتركاً دائماً ، بل يكفي أن يكون مشتركاً في بعض السنين وإن كان مختصاً في بعضها الآخر ، فيقول المالك : زراعتك على هذه الأرض على أن يكون الزرع مشتركاً في السنة الأولى ومختصاً بك في الثانية ومختصاً بي في الثالثة ، لا أن يجعل ذلك من فروع ما حررت له المسألة.

مع أن الظاهر عدم تمامية ذلك ، فإنه خلاف إطلاق الفتاوى والنصوص ، مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « لا تقبل الأرض بحنطة مسماة ، ولكن بالنصف والثلث والرابع والخمس لا بأس به. وقال :

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب المزارعة والمساقاة حديث : ٢.

(٢) الواقعة : ٦٤.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب المزارعة والمساقاة حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب المزارعة والمساقاة حديث : ١.

١٥٣

______________________________________________________

لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس » (١).

نعم يمكن البناء على صحته لا بعنوان المزارعة ، بل بعنوان عقد آخر غيرها ، على ما عرفت من الأخذ بعموم صحة العقود وان لم تكن متعارفة بل الظاهر أنه متعارف عند أهل الزراعة ، لكنه ليس من الكتب المحررة في كتب الفقهاء.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٣.

١٥٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب المساقاة

وهي معاملة على أصول ثابتة بحصة من ثمرها [١].

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

كتاب المساقاة‌

[١] قد تقدم بعض الكلام في تحقيق مفهوم المزارعة ، وهو جار في المقام أيضاً. فراجع. ثمَّ إنه اشتهر تحديد المساقاة بما ذكر في كلام الأصحاب وربما أسقط بعضهم لفظ « الثابتة » ، وأبدل بعضهم حاصلها بثمرتها ، وقرأ بعضهم « النابتة » بالنون. وسيأتي التعرض لذلك إن شاء الله تعالى. ثمَّ إن لفظ المساقاة لم يذكر في الكتاب والسنة ، ولا في أخبار الأئمة (ع) وإنما ذكر مفهومها والمراد منها في النصوص ، كما سيأتي ، ولا يهم عدم ذكر لفظها. وفي القواعد وغيرها : « هي مفاعلة من السقي ، سميت به لأن أكثر حاجة أهل الحجاز إليه ، لأنهم يسقون من الآبار ». ولا بأس به.

١٥٥

ولا إشكال في مشروعيتها [١] في الجملة. ويدل عليها ـ مضافاً إلى العمومات – خبر يعقوب بن شعيب [٢] عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه ، وفيها رمان أو نخل أو فاكهة ، ويقول : إسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرج. قال (ع) : لا بأس » ‌، وجملة من أخبار خيبر ، منها : صحيح الحلبي [٣] قال : « أخبرني أبو عبد الله (ع) أن أباه حدثه أن رسول الله (ص) أعطى خيبراً بالنصف أرضها ونخلها ، فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة .. » ‌هذا مع أنها من المعاملات العقلائية ولم يرد نهي عنها ولا غرر فيها [٤] حتى يشملها النهي عن الغرر. ويشترط

______________________________________________________

[١] قد ادعى الإجماع عليه جماعة ، وفي الجواهر : « جائزة بالإجماع من علمائنا وأكثر العامة » ، وفي الحدائق : « دليل صحة هذه المعاملة الإجماع والنصوص » وفي مفتاح الكرامة : « طفحت كتب أصحابنا بحكاية الإجماع على مشروعيتها ».

[٢] بل هو صحيح ، فقد رواه الصدوق عنه بطريقه الصحيح إليه ، ورواه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان عنه. والسند صحيح. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يحيى عمن بعده عنه ‌(١).

[٣] رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عنه. والسند مصحح لأجل إبراهيم بن هاشم ‌(٢).

[٤] فيه منع ظاهر ، ولذا منع عنها أبو حنيفة وزفر ، على ما في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب بيع الثمار حديث : ٢.

١٥٦

فيها أمور‌ ( الأول ) : الإيجاب والقبول [١]. ويكفي فيهما كل لفظ دال على المعنى المذكور [٢] ، ماضياً كان أو مضارعاً أو أمراً [٣] ، بل الجملة الاسمية مع قصد الإنشاء بأي لغة كانت.

______________________________________________________

الجواهر. نعم لا دليل على المنع عن الغرر كلية. ومنه يظهر الإشكال في قول المصنف (ره) : « حتى يشملها .. ».

[١] لأنها من العقود ، لما عرفت سابقاً من أن المفهوم العقدي هو الذي يتعلق بشخصين على نحو يحدد سلطنتهما ، وهذه المعاملة كذلك لأنها تلزم العامل بالعمل وتلزم المالك ببذل ملكه ، فلا بد فيها من الإيجاب والقبول أو ما يقوم مقامهما ، بأن كان الإنشاء متضمناً لإعمال السلطنتين معاً ، كما في إنشاء ولي الطرفين أو الوكيل عنهما.

[٢] عملا بعمومات الصحة وإطلاقاتها.

[٣] قد عرفت ـ في بعض المباحث السابقة ـ أن الأمر ليس إنشاء للمفهوم الإيقاعي ، فلا يكون إيجاباً ولا قبولا ، وإنما هو قائم مقام الإيجاب باعتبار أنه إعمال لسلطنة المالك وبذل الملكة لأن يعمل العامل فيه ، نظير قول المالك لغيره : أذنت لك في أن تتملك ملكي ، فان المخاطب إذا قال : تملكت ، تمَّ الملك بلا إيجاب ، لقيام الاذن مقامه.

ومن ذلك يظهر الاشكال فيما قد يظهر من الشرائع وصريح غيرها من اعتبار الماضي ، فلا يصح بغيره. كما يظهر الاشكال فيما في المسالك حيث قال : « وزاد في التذكرة : تعهد نخلي بكذا ، أو اعمل فيه بكذا. ويشكل بما مر في نظائره من عدم صراحة الأمر في الإنشاء » كما لا وجه لإخراج هذا العقد اللازم من نظائره ، وقد نوقش في الاكتفاء في المزارعة بلفظ الأمر مع الاستناد فيها إلى النص ، وهو منتف ، مضافاً إلى أن النص موجود هنا وغير منتف ، وهو صحيح يعقوب المتقدم.

١٥٧

ويكفي القبول الفعلي [١] بعد الإيجاب القولي. كما أنه يكفي المعاطاة [٢]. ( الثاني ) : البلوغ والعقل والاختيار [٣]. ( الثالث ) : عدم الحجر لسفه أو فلس. ( الرابع ) : كون الأصول مملوكة [٤] عيناً ومنفعة ، أو منفعة فقط ، أو كونه‌

______________________________________________________

[١] لدلالته على الالتزام النفسي المقوم للقبول كاللفظ ، فيشمله عموم صحة العقود.

[٢] قال في المسالك : « وجريان المعاطاة هنا بعيد ، لاشتمال هذا العقد على الغرر وجهالة العوض ، بخلاف البيع والإجارة ، فينبغي الاقتصار فيه على موضع اليقين » وقد سبقه إلى ذلك في جامع المقاصد. ولكنه ظاهر الإشكال ، لأن عموم أدلة الصحة لا يفرق فيه بين اللفظ والمعاطاة ، فإذا جاز الغرر في الأول جاز في الثاني. نعم يتم لو لم يكن عموم يقتضي الصحة. وكان دليل الصحة يختص باللفظ فيتعين الرجوع في غيره إلى أصالة عدم ترتب الأثر. وفي المقام وإن كان صحيح يعقوب المتقدم يختص باللفظ. لكن روايات خيبر عامة له وللفعل ، ومثلها العمومات الأولية.

[٣] لما دل على اشتراطها في صحة التصرف ، كما أشرنا الى ذلك في كتاب الإجارة. هذا ولا يظهر وجه لجعل الثلاثة المذكورة شرطاً واحداً مع تباينها. وكان الأولى أن يجعل أحد الشرطين الاختيار ، والثاني عدم الحجر لعدم البلوغ أو لعدم العقل أو للسفه أو للفلس.

[٤] كان المناسب جعل هذا الشرط أولا ، وتكون الشروط السابقة مبنية عليه ، إذ لو لم تكن العين مملوكة وكان المتصرف مأذوناً صح التصرف وإن لم يكن بالغاً ولا مختاراً أو كان مفلساً أو كان سفيهاً ، فليست الشروط السابقة شروطاً في مقابل الشرط المذكور ، بل إنما تكون شروطاً على تقدير الملكية لا غير.

١٥٨

نافذ التصرف فيها ، لولاية أو وكالة أو تولية. ( الخامس ) : كونها معينة عندهما [١] معلومة لديهما. ( السادس ) : كونها ثابتة مغروسة [٢] ،

______________________________________________________

[١] يحتمل أن يكون المراد به ما يقابل المرددة. ولا إشكال في اعتبار ذلك ، لأن المردد لا وجود له في الخارج ، فلا يكون موضوعاً للاحكام. ويحتمل أن يكون المراد به المعلومة ، فيكون قوله : « معلومة » تفسيراً له ، فالشرط واحد ، وهو أن تكون معلومة ، كما صرح به جماعة ، قال في القواعد : « يجب أن تكون الأشجار معلومة » ، قال في جامع المقاصد في شرح ذلك : « إما بأن تكون مرئية مشاهدة وقت العقد أو قبله أو موصوفة بوصف يرفع الجهالة ، فلا يصح بدون ذلك ، لأن المساقاة عقد اشتمل على الغرر من حيث أن العوض فيه معدوم في الحال مجهول القدر والوصف ، فلا يحتمل فيه غرر آخر. ولأنها معاملة لازمة فلا بد فيها من العلم الا ما استثناه الشارع ، ولا بد منه فيها ». ولا يخفى ما في الاستدلال عليه بما ذكر.

وفي الإرشاد : « إذا كانت مرئية » فاشترط الرؤية بالخصوص ولم يكتف بمطلق العلم. وفي مجمع البرهان : « كأنه يلزم ذلك من تعريفها حيث قيل فيه : إنه لا بد أن يكون شجراً له أصل ثابت ، ولا يكون كذلك إلا إذا كانت مرئية ، ولأنه مع عدم الرؤية مجهول. فتأمل ». ولا يخفى أيضاً ما في الاستدلال بما ذكر. فكأن المستند الإجماع ، ولا يخلو من تأمل ، لعدم تعرض الأكثر له.

[٢] بلا خلاف الا من بعض العامة ، كما في المسالك ، وفي جامع المقاصد : « لا شك في عدم صحة المساقاة على ما ليس بمغروس ، ولم ينقل في ذلك خلاف إلا لأحمد ، وعلله في التذكرة : بأنه قد لا يعلق ،

١٥٩

فلا تصح في الوادي [١] ، أي الفسيل قبل الغرس‌ ( السابع ) : تعيين المدة [٢] بالأشهر والسنين وكونها بمقدار يبلغ فيه الثمر غالباً [٣].

______________________________________________________

وهذا غرر فلا يجوز ». وهذا التعليل كما ترى.

فالأولى أن يقال : بأن دليل المساقاة من النصوص والفتاوى مختص بالثابت ولا يشمل المقلوع ، قال في الشرائع : « ولو ساقى على ودي أو شجر غير ثابت لم يصح ، اقتصاراً على موضع الوفاق » ، وفي الجواهر : أنه مقتضى الاقتصار في المعاملة المخالفة للأصول على موضع الوفاق. انتهى. اللهم إلا أن يقال : هذا بالنظر إلى أدلة مشروعية المساقاة ، أما بالنظر إلى الأدلة العامة فمقتضاها الصحة وإن لم يكن بعنوان المساقاة.

[١] بالتشديد على وزن « غني ».

[٢] يظهر من كلامه اعتبار أمرين ( الأول ) : أنه يجب أن تذكر المدة فيها ، فلا تجوز المساقاة دائماً ، فإنه يبطل العقد قولا واحداً ، لأن عقد المساقاة لازم ، ولا معنى لوجوب الوفاء به دائماً. كذا في المسالك. ويشكل : بأنه لا مانع من وجوب الوفاء به دائماً ما دام الموضوع ، فيدخل تحت إطلاق صحيح يعقوب بن شعيب المتقدم من جهة ترك الاستفصال.

( الثاني ) : أنه يجب تعيين المدة بالشهور والسنين ، فلا يجوز تقديرها بما يحتمل الزيادة والنقصان ، مثل قدوم الحاج. وفي المسالك : نسبه إلى المشهور ، واستدل له بقوله : « وقوفاً فيما خالف الأصل واحتمل الغرر والجهالة على موضع اليقين » ، وقد سبقه في جميع ذلك في جامع المقاصد. لكنه يشكل : بأنه يدخل في إطلاق صحيح يعقوب بن شعيب ، كما عرفت فيما قبله.

[٣] هذا غير ظاهر ، لجواز عدم احتياج الشجر إلى السقي في جميع‌

١٦٠