مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

الى العوامل كما لا يلزم مباشرة العامل بنفسه ، فيجوز له أخذ الأجير على العمل [١] إلا مع الشرط.

( مسألة ١٢ ) : الأقوى جواز عقد المزارعة بين أزيد من اثنين [٢]

______________________________________________________

الضابط ». إذ لا تدل الأخبار الثلاثة على الضابط المذكور. فلاحظ.

[١] عملا بإطلاق العمل المجعول عليه ، فإنه أعم من المباشرة ولا مجال للتمسك بأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير للشك في إذن المالك إذ فيه : أنه إذا ثبت إطلاق العمل الشامل لعمل الأجير فهذا الإطلاق يثبت الإذن ، لأن الإذن في الشي‌ء إذن في لوازمه.

ثمَّ إن قول القائل : زارعتك على الأرض الفلانية ، أعم من المباشرة » لكن إذا قال : عاملتك على أن تزرع هذه الأرض ، أو : ازرع هذه الأرض ولك نصف حاصلها مثلا ، فظاهر النسبة المباشرة ، وكذا إذا قال : استأجرتك على أن تخيط ثوبي بكذا » فان ظاهر النسبة المباشرة. ولذلك ذكروا أن قول القائل : بنى الأمير المدينة مجاز ، لأن النسبة ليست بنحو المباشرة. ولأجل ذلك قد يقال : إن الأصل المباشرة لا أن ثبوت المباشرة يحتاج إلى شرط وذكر. لكن لما كان بناء العرف فيما يقبل النيابة هو العموم كان الأصل ذلك العموم وأن المباشرة محتاجة إلى شرط وذكر. وعليه أيضاً بناء الفقهاء في مختلف الأبواب. ولذا ذكروا أن من استأجر أجيراً على عمل فمات قام وارثه مقامه إلا أن يشترط المباشرة ، ومن استأجر داراً فمات انتقلت المنفعة إلى وارثه.

[٢] كما اختاره في الحدائق ، وحكاه عن المحقق الأردبيلي ، عملاً بإطلاق الأدلة ، وفي القواعد : « في صحة كون البذر من ثالث نظر وكذا لو كان البذر من ثالث والعوامل من رابع » ، وفي جامع المقاصد : « منشأ الاشكال من عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ومن أن المعاملة بتوقيف‌

١٠١

بأن تكون الأرض من واحد والبذر من آخر والعمل من ثالث والعوامل من رابع. بل يجوز أن يكون بين أزيد من ذلك ، كأن يكون بعض البذر من واحد وبعضه الآخر من آخر ، وهكذا بالنسبة إلى العمل والعوامل. لصدق المزارعة [١] ، وشمول الإطلاقات بل يكفي العمومات العامة [٢]. فلا وجه لما في المسالك من تقوية عدم الصحة [٣] بدعوى أنها على خلاف الأصل ، فتتوقف على التوقيف من الشارع ولم يثبت عنه ذلك. ودعوى : أن العقد لا بد أن يكون بين طرفين موجب وقابل ، فلا يجوز‌

______________________________________________________

الشارع ، ولم يرد النص بمثل هذا. والأصح عدم الجواز ».

[١] الصدق عرفاً غير ثابت. فلا مجال للتمسك بإطلاق مشروعية المزارعة.

[٢] العمومات تكفي في الصحة ولا تكفي في كونها مزارعة.

[٣] قال في المسالك : « فلو جعلا معهما ثالثاً وشرطا عليه بعض الأربعة ، أو رابعاً كذلك ، ففي الصحة وجهان من عموم الأمر بالوفاء بالعهد ، والكون مع الشرط. ومن توقف المعاملة ـ سيما التي هي على خلاف الأصل ـ على التوقيف من الشارع ولم يثبت منه ذلك ، والأصل في المزارعة قصة خيبر ومزارعة النبي اليهود عليها على أن يزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها وله شطره الآخر. وليس فيها أن المعاملة مع أكثر من واحد. وكذلك باقي النصوص التي وردت من طرقنا. ولان العقد يتم باثنين موجب ـ وهو صاحب الأرض ـ وقابل ، فدخول ما زاد بخرج العقد عن وضعه ، أو يحتاج إثباته إلى دليل. والأجود عدم الصحة ».

وفيه : أنه إن كان المراد عدم صحته مزارعة ـ بمعنى أنه لا تجري عليها أحكام المزارعة ـ فهو في محله ، لعدم الدليل على مشروعية المزارعة‌

١٠٢

تركبه من ثلاثة أو أزيد على وجه تكون أركاناً له. مدفوعة : بالمنع ، فإنه أول الدعوى [١].

______________________________________________________

مع ثالث. وإن كان المراد عدم صحته عقداً من العقود ففيه : أن ذلك خلاف الإطلاق ـ كما عرفت ـ فالإطلاق محكم.

ومن الغريب ما في الحدائق من الاشكال ثانياً على ما ذكره في المسالك بقوله : « فان ما ادعاه من أن معاملة النبي (ص) مع أهل خيبر لا تدل على أن المعاملة مع أكثر من واحد من أعجب العجاب عند ذوي الألباب ، لاستفاضة الأخبار بأنه (ص) بعد فتح خيبر أقر الأرض في أيدي الذين فيها وقاطعهم بالنصف ، يعني جميع من كان فيها من اليهود ، لا شخصاً بعينه أو اثنين أو ثلاثة » ثمَّ ذكر جملة من الاخبار ثمَّ قال : « فهل ترى هنا بعد ذكرهم بطريق الجمع في هذه الموارد مجالا للحمل على واحد منهم بل الظاهر لكل ناظر إنما هو دفع الأرض إليهم كملا .. » إلى آخر ما ذكره. وقد سبقه إلى الإشكال بذلك المحقق الأردبيلي ( قده ).

وفيه : أن الكثرة التي تضمنتها أخبار خيبر إنما هي في العامل وليس ذلك محل الكلام ، ضرورة جواز كون كل من صاحب الأرض والعامل أكثر من واحد ، وإنما الكلام في دخول غير صاحب الأرض والعامل في قوام المزارعة ، بحيث تقوم بهما وبثالث ، أو بهما وباثنين آخرين أو أكثر وأين ذلك من أخبار خيبر؟! مضافاً إلى أنه لم يثبت أن كل أرض بعينها كان لها أكثر من زارع ، ومن الجائز أن تكون كل أرض لها زارع واحد فتكون مزارعات كثيرة.

[١] لا إشكال في أن العقد متقوم بالإيجاب والقبول ، فلا يحتاج إلى أكثر من موجب وقابل ، ولكن لا يعتبر فيه وحدة الموجب والقابل ، فمن الجائز تعدد الموجب والقابل ، وإذا كانت المزارعة قائمة بأربعة كان أحدهم‌

١٠٣

( مسألة ١٣ ) : يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعته أو يزارعه في حصته [١] من غير فرق بين أن يكون البذر منه أو من المالك [٢] ، ولا يشترط فيه إذنه.

______________________________________________________

موجباً والباقون قابلا ، فلم يكن إلا إيجاب واحد وقبول واحد. هذا وفي الجواهر الميل الى المنع ، لخبر أبي الربيع الشامي وغيره مما تضمن المنع عن التسمية للبذر ثلثاً ، وللبقر ثلثاً ، قال (ع) : « ولكن يقول لصاحب الأرض : ازرع في أرضك ولك منها كذا وكذا ، نصفاً أو ثلثاً وما كان من شرط ، ولا يسمي بذراً ولا بقراً ، فإنما يحرم الكلام » (١). لكن الرواية المذكورة مهجورة بظاهرها عند الأصحاب ، فلا مجال للاعتماد عليها. مع أن موردها الاثنان لا الأكثر ، فحملها على ذلك بلا قرينة غير جائز.

[١] قال في الشرائع : « للمزارع أن يشارك غيره في حصته وأن يزارع عليها غيره ، ولا يتوقف على إذن المالك. لكن لو شرط المالك الزرع بنفسه لزم ولم تجز المشاركة إلا بإذنه » وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل عن ظاهر الغنية : الإجماع عليه ».

[٢] أشار بذلك إلى ما حكاه في المسالك عن بعضهم قال فيها : « اشترط بعضهم في جواز مزارعة غيره كون البذر منه ليكون تمليك الحصة منوطاً به ، وبه يفرق بينه وبين عامل المساقاة حيث لا يصح له أن يساقي غيره. ولأن البذر إذا كان من صاحب الأرض فالأصل أن لا يتسلط عليه إلا مالكه أو من أذن له وهو الزارع. وهو حسن في مزارعة غيره ، وأما المشاركة فلا ، لان المراد بها أن يبيع بعض حصته في الزرع مشاعاً بعوض معلوم ، وهذا لا مانع منه لمالكه لها فيتسلط على بيعها كيف شاء ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١٠ وفي الباب أحاديث أخر تتضمن ذلك.

١٠٤

______________________________________________________

بخلاف ابتداء المزارعة ، إذ لا حق له حينئذ إلا العمل ، وبه يستحق الحصة مع احتمال الجواز مطلقاً ، لان لزوم عقدها اقتضى تسليطه على العمل بنفسه وغيره ، وتملكه للمنفعة والتصرف في البذر بالزرع وإن لم يكن بنفسه حيث لا يشترط عليه الاختصاص فيجوز (١) نقله الى الغير. كما تجوز الاستنابة. ويضعف : بأن البذر حينئذ ليس ملكاً له ، وإنما هو مأذون في التصرف فيه بالزرع ، وبه يملك الحصة. وقد يقال : إن هذا كاف في جواز مزارعة الغير ، لأنها عبارة عن نقل حقه في ذلك وتسليطه على العمل ، فيجوز كما يجوز له التوكيل فيه والاستنابة بغيرها من الوجوه ». ولم يعرف هذا البعض ولا وجود القائل. بل في مفتاح الكرامة : « تتبعنا كتب الأصحاب من المقنع الى المسالك فلم نجد أحداً حكاه ولا نقل حكايته من الخاصة والعامة ».

وكيف كان فالمتحصل : أن الوجه في الشرط المذكور عند قائله أمران : ( الأول ) : أنه إذا كان البذر من المالك فليس للعامل شي‌ء يصح نقله إلى غيره على نحو الشركة أو المزارعة عليه. ( الثاني ) : أن البذر لمالكه فلا يجوز لأحد التصرف فيه بغير إذنه ، وإذن العامل ليست إذناً من المالك ، فلا يجوز لغير الزارع التصرف فيه.

وفيه : أن مفاد عقد المزارعة ثبوت حق لكل من المالك والزارع على الآخر فحق المالك على الزارع العمل ، وحق الزارع على المالك بذل الأرض ومنفعتها أو نحو ذلك ، ولذا لو مات المالك انتقل إلى وارثه ، فذلك الأمر القابل للانتقال الى الوارث هو القابل للنقل إلى الغير على نحو التشريك أو على نحو آخر ، فاندفع الوجه الأول.

وأما الوجه الثاني فيدفعه ما عرفت من أنه يجوز لمن عليه العمل أن‌

__________________

(١) ضمير فاعله يرجع الى التملك السابق. منه قدس‌سره.

١٠٥

نعم لا يجوز تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلا بإذنه [١]. وإلا كان ضامناً ، كما هو كذلك في الإجارة أيضاً. وللظاهر جواز نقل مزارعته إلى الغير ـ بحيث يكون كأنه هو الطرف للمالك ـ بصلح ونحوه بعوض ـ ولو من خارج ـ أو بلا عوض. كما يجوز نقل حصته إلى الغير ، سواء كان ذلك قبل ظهور الحاصل أو بعده ، كل ذلك لأن عقد المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض [٢] نصفاً أو ثلثاً أو نحوهما إلى العامل ، فله نقلها إلى الغير بمقتضى قاعدة السلطنة. ولا فرق فيما ذكرنا‌

______________________________________________________

يأخذ أجيراً للعمل فاذا جاز أخذ الأجير جاز للأجير التصرف ، لأن الاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه. وأيضاً إذا مات العامل قام وارثه مقامه في العمل وإذا مات مستأجر الدار كانت المنفعة للوارث ولم تبطل الإجارة ، وهكذا الحكم في جميع الأمور التي تقبل النيابة عرفاً ، فإن الأصل فيها جواز النيابة إلا مع شرط المباشرة ، كما تقدم في المسألة الحادية عشرة ، مضافاً إلى أن الوجه الثاني لو تمَّ منع من نقل الحق إلى الغير حتى في صورة كون البذر منه ، لان كون البذر منه إنما يجوز التصرف في البذر لغيره ، لأنه في ماله بإذنه ولا يجوز التصرف في الأرض التي هي للمالك.

[١] قد عرفت الاشكال فيه وأن مقتضى جواز أخذ الأجير جواز تسليم الأرض إليه ، ولا فرق بين جواز التصرف في الأرض وجواز تسليمها وقد تقدم في كتاب الإجارة جواز ذلك أيضاً.

[٢] هذا دفع للوجه الأول من وجهي الاشكال. وفيه : أنه لم يثبت أن عقد المزارعة اقتضى تملك العامل منفعة الأرض ، بل هو ممنوع فالوجه في دفعه ما عرفت.

١٠٦

بين أن يكون المالك شرط عليه مباشرة العمل بنفسه أو لا [١] إذ لا منافاة بين صحة المذكورات وبين مباشرته للعمل [٢] ، إذ لا يلزم في صحة المزارعة مباشرة العمل ، فيصح أن يشارك أو يزارع غيره ويكون هو المباشر دون ذلك الغير.

( مسألة ١٤ ) : إذا تبين بطلان العقد فاما أن يكون قبل الشروع في العمل أو بعده وقبل الزرع ـ بمعنى نثر الحب في الأرض ـ أو بعده وقبل حصول الحاصل ، أو بعده. فان كان قبل الشروع فلا بحث ولا اشكال [٣] وإن كان بعده وقبل الزرع ـ بمعنى الإتيان بالمقدمات من حفر النهر وكري‌

______________________________________________________

[١] إشارة إلى التفصيل الذي أشار إليه في الشرائع والقواعد والمسالك بين صورة اشتراط المباشرة على العامل فلا يجوز له نقل حصته أو مزارعة غيره ، وبين صورة عدم اشتراط المباشرة عليه فيجوز ذلك.

[٢] إشارة إلى الإشكال في التفصيل المذكور بأن نقل الحصة إلى الغير أو مزارعته لا يقتضي مباشرته للعمل ، لجواز المباشرة من الزارع الأول بالنيابة عن الزارع الثاني أو من نقل اليه بعض حصته. وسبقه إلى هذا الإشكال في الجواهر وغيرها. لكن الظاهر عدم توجه الاشكال المذكور على المفصلين ، لأن مورد كلامهم في جواز التشريك للغير أو مزارعته صورة التشريك في العمل أيضاً ، لا مجرد نقل الحق فقط ، وحينئذ لا بد في جواز ذلك من عدم اشتراط المالك على العامل المباشرة ، وإلا كان التشريك للغير أو مزارعته مخالفة للشرط.

[٣] إذ لا يحتمل وجوب شي‌ء للعامل لعدم العمل ، ولا للمالك لعدم التصرف في أرضه بما له قيمة.

١٠٧

الأرض وشراء الآلات ونحو ذلك ـ فكذلك [١]. نعم لو حصل وصف في الأرض يقابل بالعوض ـ من جهة كريها أو حفر النهر لها أو إزالة الموانع عنها ـ كان للعامل قيمة ذلك الوصف [٢] ، وإن لم يكن كذلك وكان العمل لغواً فلا شي‌ء له. كما أن الآلات لمن أعطى ثمنها. وإن كان بعد الزرع كان الزرع [٣] لصاحب البذر [٤] ، فان كان للمالك كان الزرع له وعليه للعامل أجرة عمله وعوامله [٥] ، وإن كان للعامل كان له وعليه أجرة الأرض للمالك [٦] وإن كان منهما كان لهما على النسبة نصفاً أو ثلثاً ، ولكل منهما على الأخر أجرة مثل ما يخصه من تلك النسبة [٧] ، وإن كان من ثالث فالزرع له وعليه للمالك أجرة الأرض [٨]

______________________________________________________

[١] لأن المعاملة كانت على الزرع لا غير ، فما لم يكن العمل زرعاً لا أمر به من المالك ولا استيفاء منه له. اللهم إلا أن يقال : المراد من الزرع كل عمل يتعلق بالزرع ومنه حفر النهر وحرث الأرض.

[٢] لأنه أثر عمله ، فيملكه تبعاً له.

[٣] هذه الاحكام ذكرها في الجواهر نافياً لوجدان الخلاف فيها حاكياً ذلك عن الرياض أيضاً.

[٤] لأنه نماء ملكه ، فيتبعه في إضافة المالك ، كما تقدم مراراً.

[٥] لما تقدم مراراً في الإجارة والمضاربة من الضمان بالاستيفاء.

[٦] لاستيفاء منفعتها بالزرع فيضمنها ضرورة.

[٧] لما سبق.

[٨] لاستيفائه منفعة أرضه. من دون فرق بين كونها تحت يده أو‌

١٠٨

وللعامل أجرة عمله وعوامله [١] ولا يجب على المالك إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل [٢] إن كان التبين قبله ، بل له أن يأمر بقلعه ، وله أن يبقى بالأجرة إذا رضي صاحبه ، وإلا فليس له إلزامه بدفع الأجرة [٣] ، هذا كله مع الجهل بالبطلان وأما مع العلم فليس للعامل منهما الرجوع على الأخر بعوض أرضه أو عمله ، لأنه هو الهاتك لحرمة ماله أو عمله [٤] فكأنه متبرع به وإن كان الأخر أيضاً عالماً بالبطلان. ولو كان العامل بعد ما تسلم الأرض تركها في يده بلا زرع فكذلك يضمن أجرتها للمالك مع بطلان المعاملة ، لفوات منفعتها تحت يده (ره) ، إلا في صورة علم المالك بالبطلان ، لما مر [٦].

______________________________________________________

يد الزارع لصدق الاستيفاء بالنسبة إليه في المقامين بعد ما كان تسليم الأرض للزرع فيها بداعي الوفاء بالعقد الواقع بينهم.

[١] لما سبق بعينه.

[٢] لان الزرع بعد أن لم يكن بإذن المالك وإنما كان جريا على العقد الفاسد يكون بحكم غرس الغاصب الذي ليس لعرقه حق ، لان المقبوض بالعقد الفاسد بمنزلة المغصوب.

[٣] كما تقدم في المسألة السادسة.

[٤] تقدم أنه لما كان العمل بقصد الجري على مقتضى المعاملة والمعاوضة لا يكون تبرعاً ، ولا هو هاتك لحرمة عمله أو ماله.

[٥] وذلك كاف في الضمان ، إما لعموم : « على اليد ما أخذت .. » ‌

بناء على شموله للمنافع ، وإما لملاك ضمان الأعيان باليد.

[٦] قد مر الاشكال فيه مراراً.

١٠٩

( مسألة ١٥ ) : الظاهر من مقتضى وضع المزارعة ملكية العامل لمنفعة الأرض بمقدار الحصة المقررة له [١] ، وملكية المالك للعمل على العامل بمقدار حصته ، واشتراك البذر بينهما على النسبة [٢] ، سواء كان منهما أو من أحدهما أو من ثالث ،

______________________________________________________

[١] قد عرفت فيما سبق أن مفاد عقد المزارعة أن يزرع الأرض بحصة من الحاصل ، وهذا المعنى يقتضي أن يكون عمل الزرع مملوكاً لصاحب الأرض ، ولا يقتضي كون منفعة الأرض مملوكة للعامل إذ كون الأرض موضوعاً للزرع لا يقتضي إلا تعلق الزرع بالأرض ولو على نحو البذل من المالك لأرضه ، إذ لا دليل على ملك العامل لمنفعة الأرض. وأما التحصيص الذي ذكره المصنف (ره) فغريب لا مأخذ له كما عرفت في المسألة السابقة ، ومجرد الاشتراك في الحاصل لا يقتضي الاشتراك في مقدماته.

[٢] هذا غير ظاهر ، بل هو خلاف ظاهر قولهم في تعريف المزارعة بأنها المعاملة على الأرض بحصة من حاصلها ، فإنه ظاهر في أن الاشتراك في الحاصل ، لا في غيره من المراتب السابقة عليه. مع أن ذلك لا يناسب ما ذكره في المسالك من الإشكال في جواز مشاركة العامل لغيره أو مزارعته إذا كان البذر من المالك ، لأنه لا يملك شيئاً ليجوز له نقله ، فاذا كان مقتضى المزارعة المشاركة في البذر لا مجال لتوهم الاشكال المذكور. كما أن من تأخر عن المسالك لم يدفع الاشكال بما ذكر ، وإنما دفعه من وجه آخر. مضافاً الى أن المزارعة إذا اقتضت المشاركة في البذر كان اللازم التعرض لحكم ما إذا لم يزرع العامل وأنه يرجع البذر الى مالكه أو أنه يقسم بين المالك والعامل ، أو غير ذلك. وبالجملة : دعوى الاشتراك في البذر غريبة.

١١٠

فاذا خرج الزرع صار مشتركا بينهما على النسبة [١] ، لا أن يكون لصاحب البذر إلى حين ظهور الحاصل ، فيصير الحاصل مشتركا من ذلك الحين ، كما ربما يستفاد من بعض الكلمات [٢] أو كونه لصاحب البذر إلى حين بلوغ الحاصل وإدراكه ، فيصير مشتركاً في ذلك الوقت ، كما يستفاد من بعض آخر. نعم الظاهر جواز إيقاع العقد على أحد هذين الوجهين مع التصريح والاشتراط به من حين العقد [٣]. ويترتب على هذه الوجوه ثمرات ( منها ) : كون التبن أيضاً مشتركاً بينهما‌

______________________________________________________

وكأن الذي دعا إليها هو التحصيص الذي دعا المصنف الى القول بالاشتراك في منفعة الأرض وفي عمل العامل ، الذي عرفت غرابته أيضاً ، وغرابة استفادته من تحصيص الحاصل.

[١] الذي يظهر من عبارة المسالك المتقدمة في المسألة الثالثة عشرة أن خروج الزرع هو وقت حدوث الاشتراك بين المالك والزارع لا قبله ولا بعده.

[٢] هذا مقتضى ما ذكره الأصحاب في تعريف المزارعة بأنها المعاملة على الأرض بحصة من حاصلها ، إذ جعل فيه موضع التحصيص هو الحاصل الشامل لهذا المعنى ولما بعده ، فلا تحصيص قبله. اللهم إلا أن يكون المراد من الحاصل الأعم من الزرع ، والتعبير بالحاصل لمزيد الاهتمام به وكونه الغرض الاولي. وهذا وإن كان خلاف الظاهر ، لكن يجب الحمل عليه عملا بالارتكاز العرفي ، فإن بناء العرف على عدم الاشتراك في البذر والاشتراك في جميع مراتب النماء والتحولات للبذر.

[٣] لكن الشرط المذكور إذا كان منافياً للمزارعة لا يكون العقد مزارعة وإن كان صحيحاً.

١١١

على النسبة على الأول ، دون الأخيرين [١] فإنه لصاحب البذر. ( ومنها ) : في مسألة الزكاة [٢]. ( ومنها ) : في مسألة الانفساخ أو الفسخ في الأثناء قبل ظهور الحاصل [٣] ( ومنها ) : في مسألة مشاركة الزارع مع غيره ومزارعته معه [٤] ( ومنها ) : في مسألة ترك الزرع إلى ان انقضت المدة [٥]. إلى غير ذلك.

( مسألة ١٦ ) : إذا حصل ما يوجب الانفساخ في الأثناء قبل ظهور الثمر أو بلوغه كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن تحصيله ، أو استولى عليه ولم يمكن قطعه ، أو حصل مانع آخر عام ـ فالظاهر لحوق حكم تبين البطلان من الأول ـ على‌

______________________________________________________

[١] فان التبن جزء من الزرع ، فيكون مشتركاً على الأول ولا يكون جزءاً من الحاصل ، فلا يكون مشتركاً بناء على الأخيرين.

[٢] كما يأتي في المسألة الحادية والعشرين.

[٣] كما يأتي في المسألة السابعة عشرة.

[٤] يظهر مما ذكرنا في المسألة الثالثة عشرة الإشكال في هذه الثمرة وأنه يصح مشاركة الغير ومزارعته وإن لم نقل بالاشتراك بالبذر نعم يترتب على ذلك عدم توجه الإشكال أصلا ، بخلاف القول بعدم الاشتراك فإنه يتوجه الاشكال ، وإن كان يمكن اندفاعه بما عرفت ، فالثمرة وضوح الحكم وعدم وضوحه ، لا ثبوت الحكم وعدمه.

[٥] فإنه بناء على الاشتراك في البذر يكون البذر مشتركاً بناء على الاشتراك في البذر ، وبناء على الوجهين الأخيرين يختص المالك به.

١١٢

ما مر ـ لأنه يكشف عن عدم قابليتها للزرع [١] ، فالصحة كانت ظاهرية ، فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر. ويحتمل بعيداً كون الانفساخ من حينه [٢] ، فيلحقه حكم الفسخ في الأثناء ـ على ما يأتي ـ فيكون مشتركا بينهما على النسبة.

( مسألة ١٧ ) : إذا كان العقد واجداً لجميع الشرائط وحصل الفسخ في الأثناء إما بالتقايل ، أو بخيار الشرط لأحدهما ، أو بخيار الاشتراط بسبب تخلف ما شرط على أحدهما ـ فعلى ما ذكرنا من مقتضى وضع المزارعة ـ وهو الوجه الأول من الوجوه المتقدمة ـ فالزرع الموجود مشترك بينهما على النسبة وليس لصاحب الأرض على العامل أجرة أرضه ، ولا للعامل أجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى ، لان المفروض صحة المعاملة وبقاؤها إلى حين الفسخ [٣]. وأما بالنسبة إلى الاتي فلهما التراضي على البقاء إلى البلوغ بلا أجرة أو معها ، ولهما التراضي‌

______________________________________________________

[١] التي هي شرط للصحة من الأول ـ كما تقدم في أول الكتاب ـ فاذا تبين فقد الشرط فقد تبين فقد المشروط.

[٢] مبنى هذا الاحتمال أن يكون اعتقاد القابلية لزرع شرطاً لصحة المزارعة ، لا وجود القابلية واقعاً.

[٣] هذا لا يجدي بعد وقوع الفسخ ، لأنه يرد على أصل المعاملة ، فتكون بعد الفسخ كأنها لم تكن ، فيرجع الزرع الى مالكه ، فان كان هو المالك ضمن عمل العامل بالاستيفاء ، وإن كان هو العامل ضمن منفعة الأرض بالاستيفاء ، وإن كان غيرهما ضمن كلا من الأمرين لمالكه ولأجل ذلك احتمل المصنف (ره) في كتاب الإجارة ـ في المسألة الخامسة من‌

١١٣

على القطع قصيلا. وليس للزارع الإبقاء إلى البلوغ بدون رضي المالك [١] ولو بدفع أجرة الأرض ، ولا مطالبة الأرش إذا أمره المالك بالقلع. وللمالك مطالبة القسمة [٢] وإبقاء حصته في أرضه إلى حين البلوغ وأمر الزارع بقطع حصته قصيلا. هذا وأما على الوجهين الآخرين فالزرع الموجود لصاحب البذر. والظاهر عدم ثبوت شي‌ء عليه من أجرة الأرض أو العمل ، لأن المفروض صحة المعاملة إلى هذا الحين وإن لم يحصل للمالك أو العامل شي‌ء من الحاصل ، فهو كما لو بقي الزرع إلى الآخر ولم يحصل حاصل [٣] من جهة آفة سماوية أو أرضية.

______________________________________________________

فصل : يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان ـ الرجوع الى أجرة المثل فيما مضى من المدة وجعل الاحتمال المذكور قريباً ، فراجع. وحينئذ فالعمدة فيما ذكره المصنف (ره) هنا : أن بناء العرف في المقام ونحوه على التبعيض ، نظير باب تبعض الصفقة ، فيكون من قبيل تعدد المطلوب ، فيكون فسخ المزارعة من حينه ، لا من الأول.

[١] لأنه خلاف سلطنة المالك على أرضه. نعم إذا كان في قلع الزرع ضرر على الزارع ولم يكن ضرر على مالك الأرض في إبقاء الزرع كانت قاعدة السلطنة المذكورة محكومة بقاعدة نفي الضرر ، وكان له الإبقاء بدفع الأجرة ، كما تقدم نظير ذلك في المسألة السادسة.

[٢] لعموم ما دل على جواز طلب الشريك القسمة.

[٣] والوجه فيه في المقامين : أن البذر إذا كان للعامل فمالك الأرض لم يبذل أرضه على وجه الضمان مطلقاً ، وإنما كان بذله لها على وجه الضمان‌

١١٤

ويحتمل ثبوت الأجرة عليه إذا كان هو الفاسخ [١].

______________________________________________________

في صورة وجود الحاصل لا مع عدمه ، وكذا الكلام إذا كان البذر لصاحب الأرض ، فإن العامل لم يعمل بقصد العوض مطلقاً ، وإنما كان بقصد العوض على تقدير وجود الحاصل لا مع عدمه ، وحينئذ لا موجب لضمان منفعة الأرض ، ولا لضمان عمل العامل.

وفيه : أن البذل في المقامين لم يكن بقصد التبرع والمجانية ، وإنما كان برجاء الحاصل وبانتظاره ، غاية الأمر أنه إذا فات الحاصل لأمر سماوي ونحوه لم يكن له شي‌ء ولم يكن مقدماً على البذل مجاناً مع فوات الحاصل من جهة الفسخ ، فاستيفاء عمله حينئذ يوجب ضمانه. وبذلك افترقت هذه المسألة عن المسألة السابقة ، فإن البذل في المسألة السابقة مضمون بالمسمى فيها ، وهنا لا ضمان له بالمسمى ، فإذا بنى على الفسخ من حينه يكون البذل بلا عوض وهو خلاف قاعدة الضمان بالاستيفاء ، فإنه يوجب الضمان إما بالمسمى أو بأجرة المثل ، ولما لم يسلم المسمى هنا تعين الضمان بأجرة المثل.

وقد اعترف بذلك المصنف في المسألة التاسعة إذا كان التعيين على وجه التقييد ، وكذلك في المسألة الرابعة عشرة في صورة البطلان ، ولا فرق في موجب الضمان بين الفسخ والبطلان. وسيأتي في المسألة الثامنة والعشرين من كتاب المساقاة الحكم بالضمان بأجرة المثل. وفي المسألة السابقة بناء على الفسخ من حينه يكون الضمان بالمسمى ، فلا موجب للرجوع إلى أجرة المثل.

[١] لأنه ضيع الحاصل على شريكه ، بخلاف ما إذا كان الفاسخ غير من له البذر ، فإنه هو الذي ضيع الحاصل على نفسه. لكن عرفت أن الاستيفاء هو الموجب للضمان ، فاذا كان الفسخ مفوتاً للضمان بالمسمى وجب أن يكون بأجرة المثل ، وهذا المعنى لا يختص بفسخ من له البذر ،

١١٥

( فذلكة ) : قد تبين مما ذكرنا في طي المسائل المذكورة أن هاهنا صوراً ( الاولى ) : وقوع العقد صحيحاً [١] جامعاً للشرائط والعمل على طبقه إلى الآخر ، حصل الحاصل أو لم يحصل لآفة سماوية أو أرضية ( الثانية ) : وقوعه صحيحاً مع ترك الزارع للعمل إلى أن انقضت المدة [٢] ، سواء زرع غير ما وقع عليه العقد أو لم يزرع أصلا ( الثالثة ) : تركه العمل في الأثناء بعد أن زرع [٣] اختياراً أو لعذر خاص به ( الرابعة ) : تبين البطلان من الأول [٤] ( الخامسة ) : حصول الانفساخ في الأثناء [٥] ، لقطع الماء أو نحوه من الأعذار العامة ( السادسة ) : حصول الفسخ بالتقايل أو بالخيار في الأثناء [٦]. وقد ظهر حكم الجميع في طي المسائل المذكورة ، كما لا يخفى.

( مسألة ١٨ ) : إذا تبين بعد عقد المزارعة أن الأرض كانت مغصوبة فمالكها مخير بين الإجارة ، فتكون الحصة له ـ

______________________________________________________

بل يكون بفسخ غيره أيضاً.

[١] هذا تبين من بيان صحة المزارعة.

[٢] هذا تبين من المسألة السابعة.

[٣] هذا تبين مما قبله ، ولم يتعرض له المصنف.

[٤] تبين ذلك من المسألة الرابعة عشرة.

[٥] تبين ذلك من المسألة السادسة عشرة.

[٦] تبين ذلك من المسألة السابعة عشرة. وقد تبين أمور كثيرة غير ما ذكر لم يتعرض لها المصنف (ره) لأنه في مقام ما يتعلق بالصحة والبطلان من الأول أو في الأثناء.

١١٦

سواء كان بعد المدة أو قبلها في الأثناء أو قبل الشروع بالزرع ـ بشرط أن لا يكون هناك قيد أو شرط لم يكن معه محل للإجازة [١] ، وبين الرد ، وحينئذ فإن كان قبل الشروع في الزرع فلا إشكال ، وإن كان بعد التمام فله أجرة المثل لذلك الزرع [٢] ، وهو لصاحب البذر. وكذا إذا كان في الأثناء [٣] ويكون بالنسبة إلى بقية المدة الأمر بيده [٤] ، فاما يأمر بالإزالة وإما يرضى بأخذ الأجرة ، بشرط رضا صاحب البذر. ثمَّ المغرور من المزارع والزارع يرجع فيما خسر على غاره [٥] ،

______________________________________________________

[١] لم يتضح الوجه في هذا الشرط ، فان القيود والشروط المذكورة في ضمن العقد لا تمنع من إجازته ، لأن الإجازة تتعلق به على ما هو عليه من قيد أو شرط.

[٢] وهي على المباشر ، لا على المالك للبذر وان كان قد أمره به ، لأن المباشر أقوى من الآمر فتصح نسبة الاستيفاء اليه لا الى المالك وان كان آمراً ، والضمان على المستوفي لا على الآمر بالاستيفاء. نعم المباشر يرجع على صاحب البذر بأجرة العمل مع ملاحظة كون العمل في أرض مضمونة منفعتها على العامل ، وبذلك تزيد الأجرة.

[٣] لعين ما سبق.

[٤] لما سبق.

[٥] لقاعدة الغرور المستفادة من النبوي المشهور (١). ولبعض‌

__________________

(١) هذا الحديث وان وجد في بعض الكتب الفقهية الا أنه لم نعثر عليه بعد الفحص في كتب الحديث العامة والخاصة وبعد الاستعانة ببعض الفهارس المعدة لضبط السنة النبوية. وقد تعرضنا لذلك في الجزء العاشر الصفحة : ١٤٤ من هذه الطبعة.

١١٧

ومع عدم الغرور فلا رجوع. وإذا تبين كون البذر مغصوباً فالزرع لصاحبه ، وليس عليه أجرة الأرض ، ولا أجرة العمل [١]. نعم إذا كان التبين في الأثناء كان لمالك الأرض الأمر بالإزالة [٢]. هذا إذا لم يكن محل للإجازة ـ كما إذا وقعت المعاملة على البذر الكلي لا المشخص في الخارج [٣] أو نحو ذلك ـ أو كان ولم يجز [٤] ، وإن كان له محل وأجاز يكون هو الطرف للمزارعة [٥] ويأخذ الحصة التي كانت‌

______________________________________________________

الصحاح الواردة في باب تدليس الزوجة المتضمنة رجوع الزوج على المدلس معللا بقوله (ع) : « كما غر الرجل وخدعه » (١). وقد تعرضنا لذلك في بعض المباحث المتقدمة من هذا الشرح.

[١] لأنه لم يكن الزرع بأمره حتى يصدق الاستيفاء الموجب للضمان فان جاء بالبذر العامل كان عليه أجرة الأرض لصاحبها ، وان جاء به صاحب الأرض كان عليه أجرة المثل للعامل ، وقد بطلت المزارعة.

[٢] كما سبق وجهه.

[٣] إذ حينئذ لا يكون البذر الشخصي دخيلا في المزارعة حتى يكون لصاحبه سلطان عليها بالإجازة والرد ، فلو فرض أن مالك الشخصي أجاز لم تكن إجازته مصححة للمزارعة ، بل تكون إجازته رخصة منه في تملكهما لزرعه كل على حصته ، مع بطلان المزارعة ، لفقد البذر منهما.

[٤] أما إذا أجاز حينئذ صحت المزارعة ، لأنه يكفي في صحتها كون البذر مباحاً لهما ولو بإجازة متأخرة.

[٥] بناء على ما تقدم منه من جواز كون صاحب البذر طرفاً للمزارعة ولو بني على بطلان ذلك لم تنفع الإجازة في إثبات الحصة للمجيز ، كما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب العيوب والتدليس من كتاب النكاح حديث : ١.

١١٨

للغاصب. وإذا تبين كون العامل عبداً غير مأذون فالأمر إلى مولاه [١]. وإذا تبين كون العوامل أو سائر المصارف مغصوبة فالمزارعة صحيحة [٢] ، ولصاحبها أجرة المثل أو قيمة الأعيان التالفة. وفي بعض الصور يحتمل [٣] جريان الفضولية [٤] وإمكان الإجازة ، كما لا يخفى.

( مسألة ١٩ ) : خراج الأرض على صاحبها [٥] ،

______________________________________________________

إذا كان البذر من صاحب الأرض أو الزارع ، فذكر شرطاً عليه دون رضا مالكه ، فإن الإجازة تقتضي ثبوت الحصة لأحدهما كما هو مضمون العقد ، ولا توجب انقلاب مضمونه وثبوت الحصة للمجيز.

[١] يعني : إن أجاز صحت المزارعة وكانت له حصة ، وإلا بطلت ، وحينئذ فإن كان البذر من صاحب الأرض كان عليه أجرة عمل العبد ، وإن كان من غيره كان على العبد أجرة مثل الأرض.

[٢] لأن العوامل ليست مقومة للمزارعة ، بخلاف البذر ، فان الحاصل الذي هو مورد التحصيص قائم بالبذر.

[٣] كان المناسب الجزم لا الاحتمال.

[٤] كما سبق في البذر ، بأن يكون المتولي لها طرفاً ثالثاً أو رابعاً ، فيجيز المالك ، وتكون له الحصة.

[٥] بلا خلاف ظاهر ، وفي المسالك : أنه محل وفاق ، وفي مفتاح الكرامة : أن الإجماع معلوم ، وحكى عن مجمع البرهان : أن الحكم معلوم ، وفي الحدائق : « الظاهر أنه لا خلاف فيه بينهم ». ويقتضيه : أن خراج الأرض موضوع على صاحب الأرض ، ولا يرتبط بالعامل ، والأصل براءة ذمته ، فاذا طالب السلطان العامل بالخراج كان عادياً عليه وظالماً له.

١١٩

وكذا مال الإجارة إذا كانت مستأجرة [١] ، وكذا ما يصرف في إثبات اليد عند أخذها من السلطان ، وما يؤخذ لتركها في يده ولو شرط كونها على العامل ـ بعضا أو كلا ـ صح [٢] وإن كانت ربما تزاد وربما تنقص على الأقوى [٣] ، فلا يضر مثل هذه الجهالة ، للأخبار [٤].

______________________________________________________

[١] الحكم فيه أوضح مما قبله. وكذا ما بعده.

[٢] عملا بعموم الصحة في الشروط.

[٣] قال في الشرائع : « خراج الأرض ومئونتها على صاحبها. إلا أن يشترط على الزارع ». وظاهره صحة الشرط مطلقاً. لكن في المسالك : « فان شرط عليه ( يعني : على الزارع ) لزم إذا كان القدر معلوماً. وكذا لو شرط بعضه معيناً أو مشاعاً مع ضبطه. ولو شرط عليه الخراج فزاد السلطان فيه زيادة فهي على صاحب الأرض ، لأن الشرط لم يتناولها ولم تكن معلومة فلا يمكن اشتراطها ». وفيه : أنه لا دليل على قدح الجهالة في المقام ، وعموم الصحة ينفي ذلك.

[٤] يشير بذلك إلى جملة من النصوص ، كصحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل تكون له الأرض يكون عليها خراج معلوم ، وربما زاد وربما نقص ، فدفعها الى رجل يكفيه خراجها ويعطيه مائتي درهم في السنة. قال (ع) : لا بأس » (١). ومثله ما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام(٢). وصحيح يعقوب بن شعيب المروي في الكافي عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة ملحق حديث : ١.

١٢٠