زكريّا بن محمّد بن أحمد الأنصاري
المحقق: الدكتور يحيى مراد
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4012-4
الصفحات: ٣٦٠
سورة النّبأ
١ ـ قوله تعالى : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ.)
كرره تأكيدا ، أو الأول توعّد للكفّار بما يرونه عند النزع ، والثاني توعّد لهم بما يصيرون إليه من عذاب الآخرة.
أو الأول توعد بأهوال القيامة ، والثاني عن توعد بما بعدها من النار وحرّها.
أو الأول ردع عن الاختلاف ، والثاني عن الكفر ، (ثُمَ) للإشعار بأن الوعيد الثاني أشدّ.
٢ ـ قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. وَالْجِبالَ أَوْتاداً.)
وجه اتّصاله بما قبله ، أنهم لما اختلفوا في النبأ العظيم ـ وهو البعث ـ ثم أنكروه ، نبّههم الله تعالى خلقه وأوجده ، على كمال قدرته ، وغاية قهره ، وأن جميع الأشياء طوع إرادته ، وفي مشيئته.
٣ ـ قوله تعالى : (إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً. جَزاءً وِفاقاً.)
قال ذلك هنا ، وقال بعد : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) لأن الأول للكفار ، فناسب ذكر (وِفاقاً) أي : جزاء موافقا لأعمالهم ، كما قال تعالى : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] والثاني للمؤمنين ، فناسب ذكر (حِساباً) أي : كافيا وافيا لأعمالهم ، من قولك : حسبي : أي كفاني.
" تمت سورة النبأ"
سورة النّازعات
١ ـ قوله تعالى : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً. وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً.) الواو فيه للقسم ، وجوابه محذوف أي لتبعثنّ ، والمراد بالنازعات وما عطف عليه : الملائكة ، وذكروا بلفظ التأنيث مع أنهم ليسوا إناثا ، لأنه تعالى أقسم بطوائفها ، والطائفة مؤنثة.
٢ ـ قوله تعالى : (أَبْصارُها خاشِعَةٌ.)
أي : ذليلة لما ترى.
فإن قلت : كيف أضاف الأبصار إلى القلوب ، مع أنها لا تضاف إليها؟
قلت : فيه حذف مضاف أي أبصار أربابها.
٣ ـ قوله تعالى : (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى.)
أي : العصا واليد.
فإن قلت : كيف قال ذلك ، مع أنه أراه الآيات كلّها ، لقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها) [طه : ٥٦] وكلّ آياته كبرى.
قلت : الإخبار هنا عمّا أراه أوّل ملاقاته إيّاه ، وهو العصا ، واليد ، وأطلق عليهما (الْآيَةَ الْكُبْرى) لاتحاد معناهما ، أو أراد بالكبرى : العصا وحدها ، لأنها كانت مقدّمة على الأخرى.
٤ ـ قوله تعالى : (وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها.) أضاف الليل إلى السماء ، مع أنه إنما هو الأرض ؛ لأنه هو أول ما يظهر عند الغروب من أفق السماء.
٥ ـ قوله تعالى : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) أي الداهية العظمى التي تطمّ على غيرها ، وهي" النفخة الثانية" ، وخصّ ما هنا بالطامّة ، موافقة لما قبله من داهية فرعون ، وهي قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ولذلك وصفت الطامة بالكبرى ، موافقة لقوله قبل : (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) بخلاف ما في" عبس" لم يتقدمه شيء من ذلك ، فخصّت بالصاخّة ، وإن شاركت الطامّة في أنها النفخة الثانية ، لأنها الصوت الشديد ، والصّوت يكون بعد الطّم ، فناسب جعل الطمّ للسّابقة ، والصخّ للاحقة ، وجواب" إذا" قوله : (فَأَمَّا مَنْ طَغى) إلخ ، وقيل : محذوف تقديره : فإن الجحيم مأواه.
" تمت سورة النازعات"
سورة عبس
١ ـ قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ.)
(إِنَّها) أي الآيات ، أو السورة (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) أي القرآن أو ما ذكر من الآيات.
٢ ـ قوله تعالى : (وَحَدائِقَ غُلْباً.)
الأبّ : ما ترعاه البهائم ، وقيل : التّبن وقيل : يا بس الفاكهة.
٣ ـ قوله تعالى : (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ. يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ.)
جواب" إذا" محذوف يدلّ عليه قوله بعد : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ.)
" تمت سورة عبس"
سورة التّكوير
١ ـ قوله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ.)
أي : أوقدت فصارت نارا.
قال ذلك هنا ، وقال في الانفطار (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) أي سالت مياهها على الأرض ، فصارت بحرا واحدا ، واختلط العذب بالملح ، موافقة في الأول لقوله بعده : (سُعِّرَتْ) ليقع الوعيد بتسجير البحار وتسعير النار ، وفي الثاني لقوله : (إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) أي تساقطت على الأرض ، وصيرورة البحار نارا مسجّرة ، يصير أحدهما في وقت ، والآخر في آخر ، لطول يوم القيامة.
٢ ـ قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ.)
فإن قلت : كيف قال ذلك ، مع أن سؤال ما ذكر إنما يحسن من القاتل لا من المقتول؟
قلت : إنما سئلت لتبكيت قاتلها وتوبيخه بما يجيب به ، فإنها قتلت بغير ذنب.
ونظيره قوله تعالى لعيسى عليهالسلام : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ..) [المائدة : ١١٦].
٣ ـ قوله تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ.)
أي علمت كلّ نفس ، لقوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) [آل عمران : ٣٠] الآية.
فإن قلت : لم ختم الآية هنا بقوله : (ما أَحْضَرَتْ) أي من خير وشرّ وفي الانفطار بقوله : (ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) أي ما قدّمته من الأعمال ، وما أخرّته منها فلم تعلمه.
قلت : رعاية للمناسبة ، إذ شروط الجواب هنا طالت بكثرتها ، فحسن اختصاره ليوقف عليه ، وشروطه ثمّ قصرت بقلّتها ، فحسن بسطه لتيسّر الوقف عليه حينئذ.
" تمت سورة التكوير"
سورة الانفطار
١ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ.)
إن قلت : ما فائدة تخصيص ذكر صفة الكرم ، من بين سائر صفاته تعالى؟
قلت : فائدته اللّطف بعبده ، وتلقينه حجّته وعذره ، ليقول : غرّني كرم الكريم.
٢ ـ قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ.)
كرّره تعظيما للدين ، وقيل : الأول للمؤمنين ، والثاني للكفار.
٣ ـ قوله تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً ...)
فإن قلت : كيف قال ذلك ، مع أن النفوس المقبولة الشفاعة ، تملك لمن شفعت فيه شيئا ، وهو الشفاعة؟
قلت : المنفيّ ثبوت الملك بالسّلطنة ، والشفاعة ليست بطريق السّلطنة ، فلا تدخل في النفي ، ويؤيده قوله تعالى : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ.)
" تمت سورة الانفطار"
سورة المطفّفين
١ ـ قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ.)
فإن قلت : هلّا قال : اكتالوا واتّزنوا ، كما قال في مقابله : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ)؟!
قلت : لأن المطفّفين كانت عادتهم ، ألّا يأخذوا ما يكال وما يوزن ، إلّا بالمكيال ، لأن استيفاء الزيادة بالمكيال أمكن لهم ، وأهون عليهم منه بالميزان ، وإذا أعطوا كالوا ووزنوا ، لتمكنهم من البخس فيهما.
٢ ـ قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ. كِتابٌ مَرْقُومٌ) .. (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ.)
إن قلت : كيف فسّر (سِجِّينٌ) و (عِلِّيِّينَ) بكتاب مرقوم ، مع أن سجّينا اسم للأرض السابعة ، و (عِلِّيِّينَ) اسم لأعلى الجنة ، أو لأعلى الأمكنة ، أو للسماء السابعة ، أو لسدرة المنتهى؟!
قلت : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) وصف معنويّ لكتاب الفجّار ولكتاب الأبرار ، لا تفسير لسجين ولعليين ، والتقدير : وهو كتاب مرقوم.
" تمت سورة المطففين"
سورة الانشقاق
١ ـ قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ.)
جواب (إِذَا) إن جعلت شرطية محذوف ، تقديره : علمت نفس ما أحضرت ، أو علمت نفس ما قدّمت وأخّرت ، أو بعثتم ، أو لاقى كلّ إنسان كدحه ، أو مذكور وهو : يا أيها الإنسان بتقدير الفاء ، أو بتقدير يقال ، أو هو : (فَمُلاقِيهِ) أي فأنت ملاقيه ، أو هو : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) إلى آخره ، والعامل فيها بكل تقدير جوابها.
وإن جعلت غير شرطية فهي منصوبة ب" اذكر" مقدّرا ، أو مرفوعة مبتدأ خبره" إذا" الثانية بزيادة الواو ، أي وقت انشقاق السماء وقت امتداد الأرض.
٢ ـ قوله تعالى : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ.)
ذكره مرتين ، لأن الأول متّصل بالسماء ، والثاني بالأرض ، ومعنى (وَأَذِنَتْ :) سمعت وأطاعت ، وحقّ لها أن تسمع وتطيع.
٣ ـ قوله تعالى : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ.)
قاله هنا بلفظ (يُكَذِّبُونَ) وفي البروج (١) بلفظ (فِي تَكْذِيبٍ) رعاية للفواصل فيهما.
" تمت سورة الانشقاق"
__________________
(١) في سورة البروج (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ).
سورة البروج
١ ـ قوله تعالى : (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ. وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ.)
الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة ، ونكّرهما دون بقيّة ما أقسم به ، لاختصاصهما من بين الأيام ، بفضيلة ليست لغيرهما ، فلم يجمع بينهما وبين البقية بلام الجنس ، وهذا جواب أيضا عمّا يقال : لم خصّهما بالذكر دون بقيّة الأيام ، وإنما لم يعرّفا بلام العهد ، لأن التنكير أدلّ على التفخيم والتعظيم ، بدليل قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [البقرة : ١٦٣].
٢ ـ قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ.)
هو جواب القسم ، بحذف اللام أو بحذفها مع" قد" إن جعل خبرا ، فإن جعل دعاء فجواب القسم (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) أو (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) أو هو محذوف لتبعثنّ.
" تمت سورة البروج"
سورة الطّارق
١ ـ قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ.)
هو جواب القسم و" ما" مخفّفة مزيدة ، أو (إِنْ) نافية ، و (لَمَّا) بالتشديد بمعنى إلا.
٢ ـ قوله تعالى : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً.)
كرّره تأكيدا ، وخولف بين لفظيهما طلبا للخفّة.
" تمت سورة الطارق"
سورة الأعلى
١ ـ قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) ذكّره.
فإن قلت : إنه صلىاللهعليهوسلم مأمور بالتذكير ، وإن لم تنفع الذكرى.
قلت : إن معنى (إِنْ) هنا" إذ" كما في قوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٣٩] أو التقدير : إن نفعت الذّكرى أو لم تنفع ، كما في قوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١].
٢ ـ قوله تعالى : (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى.)
إن قلت : كيف قال ذلك ، مع أن الحيوان لا يخلو عن الاتّصاف بأحدهما؟
قلت : معناه لا يموت موتا يستريح به ، ولا يحيا حياة ينتفع بها ، كقوله تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) [فاطر : ٣] وقيل : معناه تصعد نفسه إلى الحلقوم ، ثم لا تفارقه فيموت ، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا ، و (ثُمَ) للتراخي بين الرّتب في الشدّة.
" تمت سورة الأعلى"
سورة الغاشية
١ ـ قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ. عامِلَةٌ ناصِبَةٌ.)
قال ذلك هنا ، وقال بعده : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) وليس بتكرار ، لأن الأول في الكفار ، والثاني في المؤمنين ، والمراد بالوجوه فيهما جميع الأبدان ، لأنّ ما ذكر من الأوصاف ، لا يختصّ بالوجوه ، فهو كقوله تعالى : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) [طه : ١١١] ، أو المراد بها الأعيان والرؤساء ، كما يقال : هؤلاء وجوه القوم ، ويا وجه العرب.
٢ ـ قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ..) إلخ.
إن قلت : كيف ارتبط هذا بما قبله ، وأيّ مناسبة بين الإبل والمعطوفات عليها حتى جمع بينهما؟
قلت : أما الجواب عن الأول ؛ فلأنه لمّا وصف الله تعالى الجنة بما وصف ، عجب الكفّار من ذلك ، فذكّرهم غرائب صنعه ، ولأنه لمّا ذكر ارتفاع سررها. قالوا : كيف نصعدها؟ فنزلت هذه الآية.
أو المعنى : أفلا ينظرون إلى الإبل نظر اعتبار؟ كيف خلقت للأثقال ، وحملها إلى البلاد البعيدة ، وبروكها لتحمّل ، ونهوضها بما حملته ، وسخّرت لكلّ من قادها ، حتى الصبيّ الصغير ، وأعطيت الصبر على العطش عشرة أيام فأكثر ، وجعلت ترعى كلّ نبات في المفاوز ، دون غيرها من الدوابّ؟ وإنما لم يذكر الفيل ، والزّرافة ، والكركدن وغيرهما ، مما هو أعظم من الجمل ؛ لأن العرب لم يروا شيئا من ذلك ولا عرفوه.
وأما الجواب عن الثاني ، فلأنّ الإبل كانت أنفس أموالهم وأكثرها ، وإنما جمع بينهما وبين ما بعدها ، لأنهما جاءا على وفق عادة العرب ، في انتفاعهم بالإبل أكثر ، ولا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب ، وذلك بنزول المطر من السماء ، فعطفها في الذّكر على الإبل. ثم لا بدّ لهم من حصن يتحصنون به ، ولا شيء في ذلك لهم كالجبال ، فعطفها على ما قبلها ، فإذا فتّش البدويّ في نفسه ، وجد هذه الأشياء حاضرة عنده على الترتيب المذكور ، بخلاف الحضري.
" تمت سورة الغاشية"
سورة الفجر
١ ـ قوله تعالى : (وَالْفَجْرِ. وَلَيالٍ عَشْرٍ.)
قسم وجوابه مع ما بعده محذوف ، تقديره : لتعذبنّ يا كفّار مكة ، (وَلَيالٍ عَشْرٍ ،) أي : ليالي عشر ذي الحجة.
إن قلت : كيف نكّرها دون بقيّة ما أقسم به؟
قلت : لاختصاصها من بين الليالي بفضيلة ليست لغيرها ، فلم يجمع بينها وبين البقيّة بلام الجنس ، وإنّما لم تعرّف بلام العهد ، لما مرّ في سورة البروج.
٢ ـ قوله تعالى : (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ.)
إن قلت : كيف ذمّ من يقول : (رَبِّي أَكْرَمَنِ) مع أنه صادق فيه لقوله تعالى : (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) ومع أنه متحدّث بالنعمة وهو مأمور بالتحدث بها لقوله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ؟)
قلت : المراد أن يقول ذلك مفتخرا به على غيره ، ومستدلا به على علوّ منزلته في الآخرة ، ومعتقدا استحقاق ذلك على ربه ، كما في قوله تعالى : (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص : ٧٨] وكلّ ذلك منهيّ عنه ، وأمّا إذا قاله على وجه الشكر ، والتحدّث بنعمة الله تعالى ، فليس بمذموم بل ممدوح.
٣ ـ قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ ...)
أي : أمره.
" تمت سورة الفجر"
سورة البلد
١ ـ قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ. وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ.)
أي : مكة.
إن قلت : لم كرّر لفظ البلد؟
قلت : لم يكرّره ، إذ التقدير : لا أقسم بهذا البلد المحرّم ، الذي جبلت العرب على تعظيمه وتحريمه (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ،) أي : أحلّ لك فيه من حرماته ، ما لم يحلّ لأحد قبلك ولا بعدك ، من قتل" ابن خطل" وقتال المشركين ساعة من نهار ، فالمراد بالبلد الأول الباقي على تحريمه ، وبالثاني الذي أحلّ للنبي صلىاللهعليهوسلم إكراما له ، وتعظيما لمنزلته.
٢ ـ قوله تعالى : (وَوالِدٍ وَما وَلَدَ.)
الوالد : آدم ، وما ولد : ذريته ، وقال (وَما) ولم يقل" ومن" لأن في (ما) من الإبهام ما ليس في" من" فقصد بها التفخيم والتعظيم ، كأنه تعالى قال : وأيّ شيء عجيب غريب ولد ، ونظيره قوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) [آل عمران : ٣٦].
" تمت سورة البلد"
سورة الشّمس
١ ـ قوله تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها.)
نكّرها دون بقيّة ما أقسم به ؛ لأنه لا سبيل إلى لام الجنس ، المدخلة لنفس غير الإنسان ، مع أنها ليست مرادة ، لقوله تعالى (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) ولا إلى لام العهد ، إذ ليس المراد نفسا واحدة معهودة ، وبتقدير أنه أريد بها" آدم" فالتنكير أدلّ على التفخيم والتعظيم كما مرّ في سورة الفجر.
٢ ـ قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها.)
جواب القسم بحذف اللام ، لطول الكلام ، وقيل : جوابه محذوف تقديره : لتبعثن أو لتدمرن يا أهل مكّة.
٣ ـ قوله تعالى : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها.)
هو" قدار" بن سالف" وقيل هو : مصدع بن دهر.
" تمت سورة الشمس"
سورة اللّيل
١ ـ قوله تعالى : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى.)
جواب القسم ، وقيل : جوابه محذوف ، كما مرّ في نظائره السابقة.
٢ ـ قوله تعالى : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى.)
المراد الشّقيّ.
" تمت سورة الليل"
سورة الضّحى
١ ـ قوله تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى.)
جواب القسم.
٢ ـ قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى.)
أي : بحقّ معالم النبوّة ، وأحكام الشريعة فهداك إليها.
أو ضالّا في صغرك في شعاب مكة ، فردّك إلى جدّك عبد المطلب ، أو وجدك ناسيا فهداك إلى الذّكر ، لأن الإضلال جاء بمعنى النسيان ، كما في قوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة : ٢٨٢] وإنما جمع بينهما في قوله تعالى : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢] ؛ لأن الضلال ثمّ ليس بمعنى النسيان ، بل بمعنى الخطأ أو الغفلة.
٣ ـ قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى.)
أي : فقيرا فأغناك بما قنّعك به من الغنيمة وغيرهما ، لا بكثرة المال ، وفي الحديث : (ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس) (١).
٤ ـ قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.)
كرّر فيه (أَمَّا) ثلاث مرّات ، لوقوعها في مقابلة ثلاث آيات مناسبات لها وهي : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى. وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) فقال (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) واذكر يتمك ، (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) واذكر فقرك (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) التي هي النبوة أو الإسلام فحدّث واذكر ضلالك.
" تمت سورة الضحى"
__________________
(١) رواه البخاري ومسلم.
سورة الشّرح
١ ـ قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.)
إن قلت : ما فائدة ذكر (لَكَ) فيه و (عَنْكَ) فيما بعده ، مع أن الكلام تامّ بدونهما؟
قلت : فائدته الإبهام ثم الإيضاح ، وذلك من أنواع البلاغة ، فلمّا قال تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ) فهم أن هناك مشروحا ، ثم قال : (صَدْرَكَ) فأوضح ما علم بهما ، وكذا الكلام في : (وَوَضَعْنا عَنْكَ.)
٢ ـ قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً.)
إن قلت : (مَعَ) للمصاحبة ، فما معنى مصاحبة العسر اليسر؟
قلت : لمّا عيّر المشركون المسلمين بفقرهم ، وعدهم الله يسرا قريبا ، من زمان عسرهم ، وأراد تأكيد الوعد وتسلية قلوبهم ، فجعل اليسر كالمصاحب للعسر في سرعة مجيئه.
فإن قلت : لم ذكر ذلك مرّتين بقوله : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً؟)
قلت : لأن معناه فإن مع العسر ، الذي أنت فيه من مقاساة الكفار ، يسرا في العاجل ، إنّ مع العسر الذي أنت فيه من مقاساتهم يسرا في الآجل ، فلا تكرار ، فالعسر واحد ، والتعريف أولا للجنس وثانيا للعهد ، واليسر اثنان بدليل تنكيرهما.
والتنكير فيهما للتفخيم والتعظيم ، ولذلك روي عن عمر وابن عباس وابن مسعود ، بل عن النبي صلىاللهعليهوسلم : (لن يغلب عسر يسرين) (١) وقيل : كرّر ذلك للتأكيد ، كما في قوله تعالى : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [المرسلات : ١٩] لتعزيز معناه في النفوس ، وتمكينه في القلوب ، فاليسران متحدان كالعسرين.
" تمت سورة الانشراح"
__________________
(١) أخرجه الحاكم والبيهقي.
سورة التّين
١ ـ قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.)
قال ذلك هنا : وقال في سورة البلد (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) ولا منافاة بينهما ، لمراعاة الفواصل في السورتين ، ولأنّ معناه هنا عند كثير من المفسرين منتصب القامة ، معتدلها ، فيكون في المعنى أحسن تقويم ، وذلك لا ينافي كونه في كبد.
٢ ـ قوله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ..) الآية.
إن فسّر بالردّ إلى جهنم ، فهو سفل حقيقيّ ، والاستثناء بعده متّصل ، وعليه فقوله تعالى : (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) قائم مقام قوله : فلا نردّهم أسفل سافلين.
أو بالردّ : إلى أسفل العمر ، فهو تسفّل في الرّتب والأوصاف ، بالنسبة إلى رتب الشّباب وأوصافه ، والاستثناء بعده منقطع ، وعليه فقوله تعالى : (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي غير مقطوع بالهرم والضّعف ، والمعنى : إلّا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات في حال تسبابهم وقوتهم ، إذا عجزوا بالهرم عن العمل ، كتب لهم ثواب ما كانوا يعملون إلى وقت موتهم.
" تمت سورة التين"
سورة العلق
١ ـ قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ.)
أي أوجد القراءة مبتدئا باسم ربك ، و (اقْرَأْ) الثاني تأكيد له (الَّذِي خَلَقَ) أي الخلائق ، وخصّ (خَلَقَ الْإِنْسانَ) بالذّكر ، مع دخوله في الأول ، لشرفه ونزول القرآن إليه ، وقوله : (مِنْ عَلَقٍ) لم يقل من علقة ؛ لأنّ الإنسان في معنى الجمع ، أو رعاية للفاصلة قبله ...
٢ ـ قوله تعالى : (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ.)
مبهم فسّره بقوله بعده (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ.)
" تمت سورة العلق"
سورة القدر
١ ـ قوله تعالى : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.)
عدل عن الضمير إلى الظاهر ، في لفظ القدر ، تعظيما لليلته.
٢ ـ قوله تعالى : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) متعلّق ب (تَنَزَّلُ) و (مِنْ) بمعنى الباء ، كما في قوله تعالى : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [الرعد : ١١] ، وقوله : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) [غافر : ١٥].
" تمت سورة القدر"