فتح الرّحمن شرح ما يلتبس من القرآن

زكريّا بن محمّد بن أحمد الأنصاري

فتح الرّحمن شرح ما يلتبس من القرآن

المؤلف:

زكريّا بن محمّد بن أحمد الأنصاري


المحقق: الدكتور يحيى مراد
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4012-4
الصفحات: ٣٦٠

قلت : تركهما كما ترك محرّم الرضاع ، أو لفهمهما من بني الإخوان وبني الأخوات ، بالأولى أو بالمساواة.

والجواب ـ أنه لم يذكر من المستثنى ، إلا من اشترك هو وابنه في المحرميّة ، لأنّ من لم يشاركه ابنه فيها ، كالعمّ والخال ، قد يصف محرمه عن ابنه ، ، وهو ليس بمحرم لها ، فيفضي إلى الفتنة ـ نقض بأن إفضاء الفتنة ، يأتي في (آباءِ بُعُولَتِهِنَ) فقد يذكر أبو البعل ، محرمه عند ابنه الآخر ، وليس بمحرم لها.

٥ ـ قوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [النور : ٣٣] الآية.

إن قلت : كيف قال ذلك ، مع أن إكراههنّ على الزنى حرام وإن لم يردن التحصّن؟

قلت : الشرط هنا لا مفهوم له ، لخروجه مخرج الغالب من أنّ إكراههنّ إنما يكون مع إرادتهنّ التحصّن ، ولوروده على سبب ، وهو أن الجاهلية كانوا يكرهون إماءهم على الزنى ، مع إرادتهنّ التحصن ، أو أنّ" إن" بمعنى" إذ" كما في قوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٣٩].

٦ ـ قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ..) [النور : ٣٤].

قاله هنا بذكر الواو ، و (إِلَيْكُمْ) وقاله بعد بحذفها ، لأن اتصال ما هنا بما قبله أشدّ ؛ إذ قوله بعد : (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) مصروف إلى الجمل السابقة من قوله : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) إلى آخره ، وفيه معطوفان بالواو ، فناسب ذكرها العطف ، وذكر (إِلَيْكُمْ) ليفيد أن الآيات المبيّنات ، نزلت في المخاطبين في الجمل السّابقة ، وما ذكر بعد خال عن ذلك ، فناسبه الاستئناف والحذف.

٧ ـ قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) [النور : ٣٥] الآية ، أي مثل صفة نوره تعالى ، كصفة نور مشكاة فيها مصباح ، (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) هي القنديل ، والمصباح : الفتيلة الموقودة ، والمشكاة : الأنبوية في القنديل ، فصار المعنى : كمثل نور مصباح ، في مشكاة ، في زجاجة.

فإن قلت : لم مثّل الله نوره ـ أي معرفته ـ في قلب المؤمن ، بنور المصباح دون

٢٠١

نور الشمس ، مع أن نورها أتمّ؟

قلت : لأن المقصود تمثيل النور في القلب ، والقلب في الصدر ، والصّدر في البدن ، كالمصباح ، والمصباح في الزجاجة ، والزجاجة في القنديل.

وهذا التمثيل لا يستقيم إلا فيما ذكر ، ولأن نور المعرفة له آلات يتوقّف هو على اجتماعها ، كالذّهن ، والفهم ، والعقل ، واليقظة ، وغيرهم من الصفات الحميدة ، كما أنّ نور القنديل ، يتوقف على اجتماع القنديل ، والزيت ، والفتيلة وغيرها.

أو لأن نور الشمس يشرق متوجها إلى العالم السّفلي ، ونور المعرفة يشرق متوجها إلى العالم العلويّ ، كنور المصباح.

ولكثرة نفع الزيت وخلوصه عمّا يخالطه غالبا ، وقع التشبيه في نوره دون نور الشمس ، مع أنه أتمّ من نور المصباح.

٨ ـ قوله تعالى : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ) [النور : ٣٧].

إن قلت : لم عطف البيع على التجارة مع شمولها له؟

قلت : لأن التجارة هي : التصرّف في المال لقصد الربح ، والبيع أعمّ من ذلك ، فعطفه عليها لئلا يتوهم القصور على بيع التجارة.

أو أريد بالتجارة : الشراء لقصد الربح ، وبالبيع : البيع مطلقا.

٩ ـ قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ ..) [النور : ٤٥].

إن قلت : لم خصّ الدابة بالذّكر ، مع أن غيرها مثلها ، كما شمله قوله في الأنبياء : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ.)

قلت : لأن القدرة فيها أظهر وأعجب منها في غيرها.

١٠ ـ قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : ٤٥].

فيه مجاز التغليب ، حيث استعمل (" مِنْ") وهي لمن يعقل في غيره ، لوقوعه تفصيلا لما يعمّهما وهو : (كُلَّ دَابَّةٍ.)

وفيه أيضا : مجاز التشبيه ، إذ إسناد ما ذكر إلى الحيّة ، زحف لا مشي ، لكنّه يشبهه في السّير.

٢٠٢

١١ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ..) [النور : ٥٨].

إن قلت : كيف أمر الله تعالى بالاستئذان لهم ، مع أنهم غير مكلّفين؟

قلت : الأمر في الحقيقة لأوليائهم ليؤدّبوهم.

١٢ ـ قوله تعالى : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) [النور : ٥٩] الآية.

ختمها بقوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ.) بالإضافة إليه.

وختم ما قبلها وما بعدها بقوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) بالتعريف ب" أل" لأنهما يشتملان على علامات يمكننا الوقوف عليها ، وهي في الأول : (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ.)

وفي الأخيرة (مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ) الآية.

فختم الآيتين بقوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ.)

وأمّا بلوغ الأطفال ، فلم يذكر له علامات يمكننا الوقوف عليها ، بل تفرّد تعالى بعلمه بذلك ، فخصّها بقوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ) بالإضافة إليه.

١٣ ـ قوله تعالى : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) [النور : ٦٠] الآية.

إن قلت : كيف أباح تعالى بذلك للقواعد من النساء ـ وهنّ العجائز ـ التجرّد من الثياب بحضرة الرجال؟!

قلت : المراد بالثياب : الزائدة على ما يسترهنّ ، وسمّيت العجوز قاعدا لكثرة قعودها قاله ابن قتيبة.

١٤ ـ قوله تعالى : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ..) [النور : ٦١] الآية.

أي : من بيوت أولادكم وعيالكم ، وإلا فانتفاء الحرج عن أكل الإنسان من بيته معلوم.

١٥ ـ قوله تعالى : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ ..) [النور : ٦١] الآية.

٢٠٣

أي : قولوا : السلام ـ أي : من الله ـ علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنّ الملائكة تردّ عليكم ، هذا إن لم يكن بها أحد ، وإلا فقولوا : السلام عليكم.

١٦ ـ قوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ..) [النور : ٦٣] الآية.

إن قلت : كيف عدّى خالف ب (عَنْ) مع أنه يتعدّى بنفسه؟!

قلت : ضمّن ب" خالف" معنى" يعرض" أو" يعدل" فعدّاه تعديته ؛ أو عن متعلّق بمحذوف تقديره : أو ويعدلون عن أمره ، أو هي زائدة على قول الأخفش.

" تمت سورة النور"

٢٠٤

سورة الفرقان

١ ـ قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان : ١]. (تَبارَكَ) هذه كلمة لا تستعمل إلا لله بلفظ الماضي ، وذكرت في هذه السورة في ثلاثة مواضع تعظيما لله تعالى ، وخصّت مواضعها بذكرها ، لعظم ما بعدها.

الأول : ذكر الفرقان وهو القرآن ، المشتمل على معاني جميع كتب الله.

والثاني : ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومخاطبة الله له فيه ، وروي : " لولاك يا محمد ما خلقت الكائنات" (١).

والثالث : ذكر البروج ، والشمس ، والقمر ، والليل والنهار ، ولولاها لما وجد في الأرض حيوان ولا نبات.

٢ ـ قوله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان : ٢].

إن قلت : الخلق هو التقدير ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) فكيف جمع بينهما؟

قلت : الخلق من الله هو الإيجاد ، فصحّ الجمع بينه وبين التقدير ، ولو سلّم أنه التقدير ، فساغ الجمع بينهما لاختلافهما لفظا ، كما في قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ.)

٣ ـ قوله تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ..) [الفرقان : ٣] الآية.

قاله هنا بالضمير (مِنْ دُونِهِ) وقاله في مريم ، ويس بلفظ (اللهِ) موافقة لما قبله في المواضع الثلاثة.

٤ ـ قوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً ..) [الفرقان : ٣].

قدّم الضرّ على النفع لمناسبة ما بعده ، من تقديم الموت على الحياة.

٥ ـ قوله تعالى : (أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً

__________________

(١) أي : في الأثر. وقد ذكره في" كشف الخفاء" بلفظ : " لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك".

قال الصغّاني : موضوع ، وكذلك قال الشّوكاني.

٢٠٥

وَمَصِيراً) [الفرقان : ١٥].

إن قلت : كيف قال في وصف الجنة ذلك ، مع أنها لم تكن حينئذ جزاء ومصيرا؟

قلت : إنما قال ذلك ، لأن ما وعد الله به ، فهو في تحقّقه كأنه قد كان. أو أنه كان في اللوح المحفوظ ، أنّ الجنة جزاؤهم ومصيرهم.

٦ ـ قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [الفرقان : ٤٣].

إن قلت : لم أخّر (هَواهُ) مع أنه المفعول الأول؟

قلت : للعناية بتقديم الأول ، كقوله : علمت فاضلا زيدا.

٧ ـ قوله تعالى : (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) [الأنعام : ٤٩].

ذكر الصفة مع أن الموصوف مؤنّث ، نظرا إلى معنى البلدة وهو المكان ، لا إلى لفظها ، والسرّ فيه تخفيف اللفظ.

وقدّم في الآية إحياء الأرض ، وسقي الأنعام ، على سقي الأناسيّ ، لأن حياة الأناسي بحياة أرضهم وأنعامهم ، فقدّم ما هو سبب حياتهم ومعاشهم ، ولأن سقي الأرض بماء المطر ، سابق في الوجود على سقي الأناسي.

٨ ـ قوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ) [الفرقان : ٥٥] الآية ، قدّم ، النفع على الضّرّ ، موافقة لقوله قبل : (هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ.)

٩ ـ قوله تعالى : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) [الفرقان : ٥٦] ، أي ما أسألكم على إبلاغ ما أنزل عليّ من أجر (إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) أي إلى ثوابه (سَبِيلاً) أي فأنا أدلّه على ذلك ، فهو استثناء منقطع.

وأمّا الاستثناء في قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣] فمنسوخ بقوله تعالى : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) [سبأ : ٤٧] على ما روى ابن عباس رضي الله عنهما.

٢٠٦

أو هو استثناء منقطع كما عليه المحققون تقديره : لكنّي أذكّركم المودّة في القربى.

١٠ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) [الفرقان : ٧٤] ، لم يقل" أئمة" رعاية للفواصل.

أو تقديره : واجعل كلّ واحد منا إماما.

١١ ـ قوله تعالى : (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) [الفرقان : ٧٥].

جمع بين التحية والسلام ، مع أنهما بمعنى لقوله تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) [الأحزاب : ٤٤] ولخبر" تحية أهل الجنة في الجنة السلام" لأن المراد هنا بالتحية : سلام بعضهم على بعض ، أو سلام الملائكة عليهم ، وبالسّلام سلام الله عليهم لقوله تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس : ٥٨].

أو المراد بالتحية إكرام الله لهم بالهدايا والتّحف ، وبالسلام سلامه عليهم بالقول ، ولو سلّم أنهما بمعنى ، فساغ الجمع بينهما ، لاختلافهما لفظا كما مرّ نظيره.

" تمت سورة الفرقان"

٢٠٧

سورة الشّعراء

١ ـ قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٨].

كرّره في ثمانية مواضع ، أولها في قصة موسى ، ثم إبراهيم ، ثم نوح ، ثم هود ، ثم صالح ، ثم لوط ، ثم شعيب ، ثم في ذكر نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإن لم يذكر صريحا.

٢ ـ قوله تعالى : (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦].

إن قلت : كيف أفرد (رَسُولُ) مع أنه خبر متعدّد ، والقياس رسولا كما في طه؟

قلت : الرسول بمعنى الرسالة ، وهي مصدر يطلق على المتعدد وغيره.

أو تقديره : كلّ واحد منّا رسول ربّ العالمين.

أو أفرده نظرا إلى موسى لأنه الأصل ، وهارون تبع له.

٣ ـ قوله تعالى : (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٢٠].

إن قلت : كيف قال موسى (وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) والنبيّ لا يكون ضالا؟

قلت : أراد به وأنا من الجاهلين ، أو من الناسين كقوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى.)

أو من المخطئين لا من المتعمدين ، كما يقال : ضلّ عن الطريق إذا عدل عن الصواب إلى الخطأ.

٤ ـ قوله تعالى : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٢٣].

لم يقل فرعون : " ومن ربّ العالمين" لأنه كان منكرا لوجود الربّ ، فلا ينكر عليه التعبير ب" ما".

٥ ـ قوله تعالى : (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) [الشعراء : ٢٤].

إن قلت : كيف علّق كونه ربّ السموات والأرض ، بكون فرعون وقومه كانوا موقنين ، مع أن هذا الشرط منتف ، والرّبوبية ثابتة؟!

قلت : معناه إن كنتم موقنين أن السموات والأرض موجودات ، وهذا الشر موجود ، و" إن" نافية لا شرطيّة.

فإن قلت : ذكر السموات والأرض مستوعب جميع المخلوقات ، فما فائدة

٢٠٨

قوله : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ؟) وقوله : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ؟!)

قلت : فائدتها تمييزهما في الاستدلال على وجود الصّانع.

أم الأول : فإن أقرب ما للإنسان نفسه ، وما يشاهده من تغييراته ، وانتقاله من ابتداء ولادته.

وأمّا الثاني : فلما تضمّنه ذكر المشرق والمغرب وما بينهما ، من بديع الحكمة في تصريف الليل والنهار ، وتغيير الفصول بطلوع الشمس من المشرق ، وغروبها في المغرب ، على تقدير مستقيم في فصول السنة.

فإن قلت : لم قال أوّلا : (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) وثانيا : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ؟)

قلت : لاطفهم أولا بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) فلما رأى عنادهم خاشنهم بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) وعارض به قول فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ.)

٦ ـ قوله تعالى : (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) [الشعراء : ٢٩].

إن قلت : لم عدل إليه عن" لأسجننّك" مع أنه أخصر منه؟

قلت : لإرادة تعريف العهد ، أي لأجعلنك مّمن عرفت حالهم في سجني ـ وكان إذا سجن إنسانا طرحه في هوّة عميقة مظلمة ، لا يبصر فيها ولا يسمع.

٧ ـ قوله تعالى : (قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٥٠].

قاله هنا بحذف لام التأكيد ، وفي الزخرف بإثباتها ، لأنّ ما هنا كلام السحرة حين آمنوا ، ولا عموم فيه فناسب عدم التأكيد ، وما في الزخرف (١) عامّ لمن ركب سفينة أو دابة فناسبه التأكيد.

٨ ـ قوله تعالى : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء : ٦١].

إن قلت : قضيته أن كل جمع منهما رأى الآخر ، لأن الترائي تفاعل ، مع أنّ كلا

__________________

(١) في الزخرف (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (١٤).

٢٠٩

منها لم ير الآخر (١) ، لأن الله تعالى أرسل غيما أبيض ، فحال بينهما حتى منع الرؤية؟

قلت : الترائي يستعمل بمعنى التقابل ، كما في خبر" المؤمن والكافر لا يتراءيان" أي : لا يدانيان ولا يتقابلان.

٩ ـ قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ) [الشعراء : ٧٠].

قاله في قصة إبراهيم هنا بدون ذكر" ذا" وفي" الصافات" بذكره ، لأن" ما" لمجرد الاستفهام ، فأجابوا بقولهم (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً) و (ما ذا) فيه مبالغة ، لتضمنه معنى التوبيخ ، فلما وبّخهم ولم يجيبوه ، زاد على التوبيخ فقال : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ. فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) فذكر في كل سورة ما يناسب ما ذكر فيها.

١٠ ـ قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ. وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) [الشعراء : ٧٨].

زاد (فَهُوَ) عقب الذي في الإطعام والسقي ، لأنهما مّما يصدران من الإنسان عادة ، فيقال : زيد يطعم ويسقي ، فذكر (فَهُوَ) تأكيدا إعلاما بأن ذلك منه تعالى ، لا من غيره ، بخلاف الخلق ، والموت ، والحياة ، لا تصدر من غير الله .. ويجوز في (الَّذِي خَلَقَنِي) النصب ، نعتا لربّ العالمين ، أو بدلا ، أو عطف بيان ، أو بإضمار أعني .. والرفع خبرا لضمير" الذي" أو مبتدأ خبره الجملة بعده ، ودخلت عليه الفاء على مذهب الأخفش ، من جواز دخولها على خبر المبتدأ نحو : زيد فاضربه ، وقيل : دخلت عليه لما تضمّنه المبتدأ من معنى الشرط لكونه موصولا ، وردّ بأن الموصول هنا معيّن لا عامّ.

وقوله : (وَإِذا مَرِضْتُ) لم يقل : أمرضني ، كما قال قبله : (خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) لأنه كان في معرض الثناء على الله تعالى ، وتعداد نعمه ، فأضاف ذينك إليه تعالى ، ثم أضاف المرض إلى نفسه تأدبا مع الله تعالى ، كما في قول الخضر (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) [الكهف : ٧٩] وإنما أضاف الموت إلى الله تعالى في قوله (وَالَّذِي يُمِيتُنِي) لكونه سببا للقائه الذي هو من أعظم النّعم.

__________________

(١) هذا القول غير مسلّم به ، وليس هنالك نص صريح واضح على أنه حال بين الرؤية الغيم.

انظر : صفوة التفاسير ٢ / ٣٨٢.

٢١٠

١١ ـ قوله تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء : ٨٨ ، ٨٩].

فينفعه ماله الذي أنفقه في الخير ، وولده الصالح بدعائه ، كما جاء في خبر" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له" (١).

١٢ ـ قوله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الشعراء : ٩٠].

أي : قرّبت.

فإن قلت : كيف قرّبت مع أنها لم تنتقل من مكانها؟

قلت : فيه قلب أي وأزلف المتقون إلى الجنة ، كما يقول الحاج إذا دنوا إلى مكة : قربت مكة منا.

١٣ ـ قوله تعالى : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) [الشعراء : ١٠٠ ، ١٠١].

جمع الشافع ، وأفرد الصّديق ، لكثرة الشفعاء عادة وقلة الصديق ، ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه :

ما في زمانك من ترجو مودّته

ولا صديق إذا جار الزّمان وفى

فعش فريدا ولا تركن إلى أحد

ها قد نصحتك فيما قلته وكفى

١٤ ـ قوله تعالى : (أَلا تَتَّقُونَ) إلى قوله : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٠٩].

ذكر في خمسة مواضع : في قصة نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب.

١٥ ـ قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) [الشعراء : ١١٠].

ذكر مكرّرا في ثلاثة مواضع : في قصة نوح ، وهود ، وصالح تأكيدا.

فإن قلت : لم خصّت الثلاثة بالتأكيد ، دون قصة لوط ، وشعيب؟!

قلت : اكتفاء عنه في قصة لوط بقوله : (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) وفي قصة شعيب بقوله : (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) لاستلزامهما له.

١٦ ـ قوله تعالى : (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ..) [الشعراء : ١٥٤].

__________________

(١) أخرجه البخاري ومسلم.

٢١١

قاله فيها بلا" واو" وقاله في قصة شعيب بواو ؛ لأنه هنا بدل مما قبله ، وثمّ معطوف على ما قبله ، وخصّت الأولى بالبدل ، لأن صالحا قلّل في الخطاب ، فقلّلوا في الجواب. وأكثر شعيب في الخطاب ، فأكثروا في الجواب.

١٧ ـ قوله تعالى : (فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ. فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) [الشعراء : ١٥٧ ، ١٥٨] الآية.

إن قلت : كيف أخذهم العذاب بعد ما ندموا على جنايتهم : وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " النّدم توبة"؟!

قلت : ندمهم كان عند معاينة العذاب ، وهو ليس وقت التوبة كما قال تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ ..) [النساء : ١٨] الآية.

وقيل : كان ندمهم ندم خوف من العقاب العاجل ، لا ندم توبة فلم تنفعهم.

١٨ ـ قوله تعالى : (يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٣].

الضمير للأفّاكين وهم الكذّابون.

فإن قلت : كيف قال (وَأَكْثَرُهُمْ) بعد ما حكم بأنّ كل أفّاك أثيم أي فاجر؟!

قلت : الضمير في (وَأَكْثَرُهُمْ) للشياطين ، لا للأفاكين ، ولو سلّم فالأفّاكون هم الذين يكثرون الكذب ، لا أنهم الذين لا ينطقون إلا بالكذب.

" تمت سورة الشعراء"

٢١٢

سورة النّمل

١ ـ قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) [النمل : ١].

إن قلت : الكتاب المبين هو القرآن ، فكيف عطفه عليه ، مع أن العطف يقتضي المغايرة؟!

قلت : المغايرة تصدق بالمغايرة لفظا ومعنى ، وباللفظ فقط ، وهو هنا من الثاني ، كما في قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) [البقرة : ١٥٧].

أو المراد بالكتاب المبين : هو اللوح المحفوظ ، فهو هنا من الأول.

فإن قلت : لم قدّم القرآن هنا على الكتاب ، وعكس في الحجر؟

قلت : جريا على قاعدة العرب في تفننهم في الكلام.

٢ ـ قوله تعالى : (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) [النمل : ٧].

فإن قلت : كيف قال هنا ذلك ، وفي طه : (لَعَلِّي آتِيكُمْ) وأحدها قطع ، والآخر ترجّ ، والقضيّة واحدة؟!

قلت : قد يقول الراجي إذا قوي رجاؤه : سأفعل كذا ، وسيكون كذا ، مع تجويزه عدم الجزم.

٣ ـ قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) [النمل : ١٨].

المراد بالنّار عند الأكثر" النّور" وبمن فيها" موسى" ومن حولها" الملائكة" أو العكس ، بأن بارك الله من في مكان النور ، ومن حوله ومكانه هو البقعة المباركة في قوله تعالى : (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) [القصص : ٣٠] وبارك يتعدّى بنفسه كما هنا ، وب" على" و" في" كما في قوله تعالى : (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) [الصافات : ١١٣] وقوله : (وَبارَكَ فِيها) [فصلت : ١٠].

٤ ـ قوله تعالى : (وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً) [النمل : ١٠].

قاله هنا بدون ذكر" أن" وفي القصص بذكرها ؛ لأن ما هنا تقدمه فعل بعد" أن" وهو (" بُورِكَ") فحسن عطف الفعل عليه ، وما هناك لم يتقدمه فعل بعد" أن"

٢١٣

فذكرت" أن" لتكون جملة (أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) معطوفة على جملة (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ.)

٥ ـ قوله تعالى : (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) [النمل : ١٠].

قال ذلك هنا ، وقال في القصص : (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) بزيادة (أَقْبِلْ) لأن ما هنا بني عليه كلام يناسبه وهو : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) فناسبه الحذف ، وما هناك لم يبن عليه شيء ، فناسبه زيادة (أَقْبِلْ) جبرا له ، وليكون في مقابلة (مُدْبِراً) أي أقبل آمنا غير مدبر ، ولا تخف.

٦ ـ قوله تعالى : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ. إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ..) [النمل : ١٠ ، ١١] الآية.

إن قلت : كيف وجه صحة الاستثناء فيه ، مع أن الأنبياء معصومون من المعاصي؟!

قلت : الاستثناء منقطع ، أي لكن من ظلم من غير الأنبياء فإنه يخاف ، فإن تاب وبدّل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ، أو متصل بحمل الظلم على ما يصدر من الأنبياء من ترك الأفضل ، أو" إلا" بمعنى" ولا" كما في قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا.)

وإنما خصّ المرسلين بالذّكر ، لأن الكلام في قصة موسى ـ وكان من المرسلين ـ وإلا فسائر الأنبياء كذلك ، وإن لم يكن بعضهم رسلا.

٧ ـ قوله تعالى : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ..) [النمل : ١٢].

قاله هنا بلفظ (أَدْخِلْ) وفي القصص بلفظ (اسْلُكْ) لأن الإدخال أبلغ من السلوك ، لأن ماضيه أكثر حروفا من ماضي السلوك ، فناسب (أَدْخِلْ) كثرة الآيات ، في قوله : (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ) أي معهما مرسلا إلى فرعون ، وناسب (اسْلُكْ) قلّتها ، وهي سلوك اليد ، وضمّ الجناح ، المعبّر عنهما بقوله : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ.)

٨ ـ قوله تعالى : (فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) [النمل : ١٢].

٢١٤

قاله هنا بلفظ (وَقَوْمِهِ) وفي القصص بلفظ (وَمَلَائِهِ) لأن الملأ أشراف القوم ، ولم يوصفوا ثمّ بما وصف به القوم هنا في قوله : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِها ..) الآية ، فناسب ذكر القوم هنا ، وذكر الملأ ثمّ.

٩ ـ قوله تعالى : (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ..) [النمل : ١٦].

النّون نون الجمع ، عنى" سليمان" نفسه وأباه ، أو نون العظمة ، مراعاة لسياسة الملك ؛ لأنه كان ملكا مع كونه نبيا.

فإن قلت : كيف سوّى بينه في قوله : (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) وبين بلقيس في قول الهدهد : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؟!)

قلت : الفرق بينهما أنها أوتيت من كلّ شيء من أسباب الدنيا فقط ، لعطف ذلك على (تَمْلِكُهُمْ) وسليمان أوتي من كل شيء من أسباب الدين والدنيا ، لعطف ذلك على المعجزة وهي" منطق الطير".

١٠ ـ قوله تعالى : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) [النمل : ٢١].

توعّد" سليمان" الهدهد بذلك ، مع أنه غير مكلّف ، بيانا لكونه خصّ بذلك ، كما خصّ بتعلّم منطقه.

١١ ـ قوله تعالى : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) [النمل : ٢٨].

إن قلت : إذا تولّى عنهم كيف يعلم جوابهم؟!

قلت : معناه تولّ عنهم يسيرا حيث لا يرونك ، فانظر ماذا يرجعون؟

١٢ ـ قوله تعالى : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل : ٣٠].

قدم" سليمان" اسمه على اسم الله تعالى ، مع أن المناسب عكسه ، لأنه عرف أن" بلقيس" تعرف اسمه ، دون اسم الله تعالى ، فخاف أن تستخفّ باسم الله تعالى ، أوّل ما يقع نظرها عليه ، أو كان اسمه على عنوان الكتاب ، واسم الله في باطنه.

١٣ ـ قوله تعالى : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ..) [النمل : ٤٠].

٢١٥

القائل كاتب سليمان ، واسمه" آصف".

فإن قلت : كيف قدر مع أنه غير نبيّ ، على ما لم يقدر عليه سليمان مع أنه نبيّ ، من إحضار عرش بلقيس في طرفة عين؟!

قلت : يجوز أن يخصّ غير النبيّ بكرامة ، لا يشاركه فيها النبيّ ، كما خصّت" مريم" بأنها كانت ترزق من فاكهة الجنة ، و" زكريا" لم يرزق منها ، ولم يلزم من ذلك فضلها على" زكريا" وقد نقل أن" سليمان" عليه‌السلام ، كان إذا أراد الخروج إلى الغزاة ، قال لفقراء المهاجرين والأنصار ، ادعوا لنا بالنّصرة ، فإن الله ينصرنا بدعائكم ، ولم يكونوا أفضل منه ، مع أن كرامة التّبع من جملة كرامة المتبوع.

ويحكى أن العلم الذي كان عند" آصف" هو اسم الله الأعظم ، فدعا به فأجيب به في الحال.

وهو عند أكثر العلماء كما قال البندنيجي : اسم الله ، وقيل : يا حيّ ، يا قيّوم.

وقيل : يا ذا الجلال والإكرام ، وقيل : يا الله ، يا رحمن ، وقيل : يا إلهنا وإله كل شيء ، إلها واحدا ، لا إله إلا أنت.

١٤ ـ قوله تعالى : (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [النمل : ٤٤].

حقيقة المعيّة : الاتفاق في الزمان ، وسليمان كان مسلما قبلها ولم يقل بدل" مع سليمان" على يد سليمان لأنها كانت ملكة ، فلم تذكر عبارة تدلّ على أنها صارت مولاة له بإسلامها ، وإن كان الواقع ذلك.

١٥ ـ قوله تعالى : (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) [النمل : ٥٣].

قاله هنا بلفظ (وَأَنْجَيْنَا) وفي حم السجدة بلفظ (وَنَجَّيْنَا) موافقة لما بعده هنا ، ولما قبله وبعده ثمّ ، فيما وزنه" أفعل" و" فعل" ثمّ ، حيث قال هنا بعد : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ) .. (وَأَمْطَرْنا) وقال ثمّ قبله : (وَزَيَّنَّا) وبعده : (وَقَيَّضْنا.)

١٦ ـ قوله تعالى : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) [النمل : ٦٠].

ذكر هنا في خمسة مواضع متوالية.

وختم الأولى بقوله : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ.)

والثانية بقوله : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.)

٢١٦

والثالثة بقوله : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ.)

والرابعة بقوله : (تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.)

والخامسة بقوله : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.)

أي عدلوا ، وأوّل الذنوب العدول عن الحقّ ، ثمّ لم يعلموا ولو علموا ما عدلوا ، ثم لم يتذكّروا فيعلموا بالنظر والاستدلال ، فأشركوا من غير حجة وبرهان ، قل لهم يا محمد : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

١٧ ـ قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [النمل : ٧٨].

تجوّز" بحكمه" عما يحكم به ، وهو العدل ، وإلا فالقضاء والحكم واحد.

١٨ ـ قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النمل : ٨٦].

خصّ المؤمنين بالذّكر ، مع أن غيرهم مثلهم ، لأنهم المنتفعون بالآيات.

١٩ ـ قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ..) [النمل : ٨٧] الآية.

قاله هنا بلفظ (فزع) وفي الزمر بلفظ (صعق) موافقة هنا لما بعده ، وهو : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) وفي الزمر لما قبله ، وهو (إِنَّكَ مَيِّتٌ) إذ معنى الصعق : الموت ، وعبّر فيهما بالماضي دون المضارع مع أنه أنسب ، للإشعار بتحقيق الفزع والصعق ووقوعهما ، إذ الماضي أدلّ على ذلك من المضارع.

٢٠ ـ قوله تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) [النمل : ٨٧].

إن قلت : كيف قال : (داخِرِينَ) أي صاغرين أذلّاء بعد البعث ، مع أن" النبيّين ، والصدّيقين ، والشهداء ، والصالحين" يأتون عزيزين مكرّمين؟!

قلت : المراد صغار العبودية والرّق وذلّهما ، لا ذلّ المعاصي والذنوب ، وذلك يعمّ الخلق كلّهم ، كما في قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) [مريم : ٩٣].

٢١ ـ قوله تعالى : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها ..) [النمل : ٩٠]. أي : حرّم محرّماتها ، من تنفير صيدها وغيره.

" تمت سورة النمل"

٢١٧

سورة القصص

١ ـ قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ..) [القصص : ٧] الآية.

هي من معجزات الإيجاز ، لاشتمالها على أمرين ، ونهيين ، وخبرين متضمنين بشارتين ، في أسهل نظم ، وأسلس لفظ ، وأوجز عبارة.

فإن قلت : ما فائدة وحي الله تعالى إلى أم موسى بإرضاعه ، مع أنها ترضعه طبعا وإن لم تؤمر بذلك؟

قلت : أمرها بإرضاعه ليألف لبنها ، فلا يقبل ثدي غيرها بعد وقوعه في يد فرعون ، فلو لم يأمرها به ، ربّما كانت تسترضع له مرضعة ، فيفوت المقصود.

٢ ـ قوله تعالى : (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي ..) [القصص : ٧].

إن قلت : جواب الشرط يجامعه ، وجوابه هنا الإلقاء وعدم الخوف ، فكلّ منهما يجامعه : فيصدق بقوله : فإذا خفت عليه فلا تخافي عليه ، وذلك تناقض؟

قلت : معناه فإذا خفت عليه القتل ، فألقيه في اليمّ ولا تخافي عليه الغرق ، فلا تناقض.

فإن قلت : ما الفرق بين الخوف والحزن ، حتى عطف أحدهما على الآخر في الآية؟

قلت : الخوف غمّ يصيب الإنسان ، لأمر يتوقعه في المستقبل ، والحزن : غمّ يصيبه لأمر وقع ومضى.

٣ ـ قوله تعالى : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) [القصص : ١٥].

إن قلت : كيف جعل موسى قتله القبطيّ الكافر من عمل الشيطان ، وسمّاه ظلما لنفسه واستغفر منه؟

قلت : أما جعله من عمل الشيطان ، فلكونه كان الأولى له تأخير قتله إلى زمن آخر ، فلما عجّله ترك المندوب ، فجعله من عمل الشيطان.

وأمّا تسميته ظلما فمن حيث إنه حرم نفسه الثواب بترك المندوب ، أو من

٢١٨

حيث إنه قال ذلك على سبيل الانقطاع إلى الله ، والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه ، وإن لم يكن ثمّة ذنب ، وأما استغفاره من ذلك فمعناه اغفر لي ترك ذلك المندوب.

٤ ـ قوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى ..) [القصص : ٢٠] الآية.

قاله هنا بتقديم (رَجُلٌ) على (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) وعكس في يس (١).

قيل : موافقة هنا لقوله قبل : (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) واهتماما ثمّ بتقديم (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) لما روي أن الرجل" حزقيل" وقيل" حبيب" كان يعبد الله في جبل ، فلما سمع خبر الرّسل سعى مستعجلا.

٥ ـ قوله تعالى : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) [القصص : ٢٥].

إن قلت : موسى لم يسق لابنتي شعيب طلبا للأجر ، فكيف أجاب دعوة شعيب في قول ابنته له : (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا؟!)

قلت : يجوز أن يكون أجاب دعوته لوجه الله تعالى ، على وجه البرّ والمعروف ، لا طلبا للأجر وإن سمّي في الدعوة أجرا.

٦ ـ قوله تعالى : (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [القصص : ٢٧].

قاله هنا بلفظ (الصَّالِحِينَ) وفي الصّافات (٢) بلفظ (الصَّابِرِينَ) لأنّ ما هنا من كلام" شعيب" وهو المناسب للمعنى هنا ، إذ المعنى ستجدني من الصالحين في حسن العشرة ، والوفاء بالعهد.

وما هناك من كلام" إسماعيل" وهو المناسب للمعنى ثمّ ، إذ المعنى ستجدني من الصابرين على الذبح.

٧ ـ قوله تعالى : (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) [القصص : ٣٤] أي يوضّح حججي ، ويؤيدها بما رزقه الله من فصاحة اللّسان.

__________________

(١) في يس (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) آية (٢٠).

(٢) في الصافات (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (١٠).

٢١٩

٨ ـ قوله تعالى : (وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ) [القصص : ٣٧] الآية.

قاله هنا بزيادة الباء ، وبعد بدونها ، تقوية للعامل هنا بحسب الظاهر ، لضعفه عن العمل ، وحذفه بعد اكتفاء بدلالة الأول عليه.

٩ ـ قوله تعالى : (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى ..) [القصص : ٣٨] الآية.

قاله هنا بحذف (أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ) وقال في غافر (١) بذكره ؛ لأن ما هنا تقدّمه (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) من غير ذكر أرض وغيرها ، فناسبه الحذف ، وما هناك تقدّمه (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) فناسبه مقابلته بالسماء في قوله : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ.)

١٠ ـ قوله تعالى : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) [القصص : ٣٨].

قال ذلك هنا ، وقال في غافر : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) موافقة للرويّ هنا ، وعلى الأصل بلا معارض ثمّ.

١١ ـ قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ ..) [القصص : ٤٤] الآية.

إن قلت : أوّلها يغني عن قوله : (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ.)

قلت : لا ، إذ معنى أولها : ما كنت يا محمد حاضرا حين أحكمنا إلى موسى الوحي ، ومعنى (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أي الحاضرين قصته مع شعيب عليهم‌السلام فاختلفت القصتان.

١٢ ـ قوله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها ..) [القصص : ٦٠].

__________________

(١) في غافر (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) (٣٦ ، ٣٧).

٢٢٠