الترتّب

السيد محمّد رضا الشيرازي

الترتّب

المؤلف:

السيد محمّد رضا الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة هيئة الأمين صلّى الله عليه وآله وسلّم
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٨

سبق غيره اليه ، كما ان قدرة المكلف على أحد الضدين مشروطة بعدم تلبسه بالضد الآخر واشتغاله به.

وكأن المجيب لاحظ القدرة بمعناها الاول في الواجب الكفائي ، وبمعناها الثاني في الواجب الترتبي ، مع ان الامور لا تقاس بميزانين.

وثانيا : بعدم تسليم تعدد العقاب في الواجبات الكفائية ، بتقريب :

ان التكليف واحد في الواجبات الكفائية ـ لوحدة الملاك أو الغرض ، على اختلاف المبنيين ـ وليس في مخالفة التكليف الواحد الا عقاب واحد.

فوحدة الملاك ـ أو الغرض ـ تستلزم وحدة التكليف ، ووحدته تستلزم وحدة الطاعة أو العصيان ، ووحدتهما تستلزم وحدة الثواب أو العقاب.

وعليه : فلم يعص للمولى الا تكليف واحد ، ولم يفوت عليه الا غرض فارد ، فلا يستحق المكلفون الا عقوبة واحدة تتوزع عليهم ، بمعنى انه لو كان للعاصي الواحد عقوبة معينة فانها تتوزع على مجموع العصاة في الواجب الكفائي.

وهذا بخلاف مقام الترتب ، اذ تتعدد فيه الاوامر ، تبعا لتعدد المبادي ، فقياس أحدهما على الآخر قياس مع الفارق.

ويرد عليه :

أولا ـ عدم تسليم وحدة الملاك في الواجب الكفائي ، اذ يحتمل ـ ثبوتا ـ كون الملاك بسيطا لا جزء له ، وكونه مركبا من جزءين ـ أو أجزاء ـ على نحو الاستقلال في الباعثية ـ بأن كان كل واحد منهما ذا باعثية تامة لو فرض منفردا ـ أو الانضمام ـ بأن كان كل واحد منهما علة ناقصة ـ أو الاختلاف.

ثانيا ـ عدم تسليم وحدة التكليف في الواجب الكفائي ، ولو مع تسليم وحدة الملاك ، لامكان تعدده فيه اما بأن يقال بوجود وجوبات عينية بعدد المكلفين ولكنها مشروطة بعدم اتيان الآخرين به.

٨١

أو يقال : بأن الفعل واجب على جميع المكلفين ، إلّا ان هناك ترخيصا في الترك لكل منهم ، مشروطا بفعل الآخر.

أو يقال : بتحريم ترك الفعل المنضم الى ترك الآخرين ، لا مطلق الترك ، على كل واحد من المكلفين.

أو يقال : بوجود وجوبات كثيرة بعدد المكلفين ، ولكن الواجب بهذا الوجوب ليس هو صدور الفعل من كل واحد منهم ، وانما هو الجامع بين الفعل الصادر منه أو من غيره ، فالواجب هو حصول الفعل خارجا ـ بناء على أن الجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور ـ.

وتفصيل الكلام في ذلك موكول الى مباحث الوجوب الكفائي.

ثالثا ـ عدم تسليم الملازمة بين وحدة التكليف ووحدة العقاب ، اذ للمولى أن يعاقب العبد عقابا واحدا ، وله أن يعاقبه عقوبات متعددة ـ مع اتحاد سنخ العقوبة أو اختلافه ـ ما لم يخرج عن دائرة العدل ، كما قد يدعى ذلك في بعض العقوبات الاخروية ، وفي بعض عقوبات الموالي العرفية ، فتأمل.

لنقض بالتكليفين الطوليين

(الثاني) ما في (المباحث) من النقض بتكليفين في زمانين يتضاد متعلقاهما في القدرة ، مع كون المتأخر منوطا بعدم امتثال المتقدم ، وذلك أمر سائغ حتى عند القائل باستحالة الترتب لعدم تعاصر الفعليتين كي تحصل المطاردة بينهما ، فلو فرض عصيان المكلف للامرين لاستحق العقابين ، مع عدم القدرة على الفعلين ـ انتهى.

ويمكن التمثيل له بالامر بصوم اليوم الثاني من شهر رمضان معلقا على عصيان

٨٢

الامر بصوم اليوم الاول ، في صورة عجز المكلف عن صوم اليومين معا ، فانه يجب على المكلف صوم اليوم الاول بناء على ما قرر في باب التزاحم من الاصول وفي كتاب الصلاة من الفقه من لزوم تقديم ما هو أسبق زمانا ، فلا يجب الصوم في اليوم الثاني الا معلقا على عصيان الامر بالصوم في اليوم الاول. وكذا فيما لو فرضت هنالك أهمية اخرى غير مجرد السبق الزماني ، كما لو دار الامر بين الدفاع عن بلاد الاسلام ليلا أو الصوم نهارا ـ مثلا ـ.

ويرد عليه :

أولا : عدم تسليم اشتراط (العرضية) في تحقق موضوع الترتب ، بل يجري بحث الاستحالة والامكان وان كان التكليفان طوليين ، على ما سبق في الشرط العاشر من (شرائط تحقق الموضوع) ، فجواز التعدد في المثال مبني على جوازه في كلي مسألة الترتب ، فبناؤه عليه مستلزم للدور.

ثانيا : مع تسليم الخروج الموضوعي لمورد النقض عن الترتب نقول :

ان تعدد الاستحقاق في المقيس عليه غير مسلم لدى المستدل اذ أنه يرى مناط الاستحقاق (ترك الفعل المقدور) وليس المقدور من الامرين إلّا أحدهما في المقيس عليه ـ كالمقيس ـ فليس فيه إلّا استحقاق واحد.

ثالثا : عدم تسليم القياس لوجود الفارق بين المقامين بتقريب :

انه ليس المطلوب في المقيس عليه : كلاهما على نحو الوجوب التعييني لكونه تكليفا بغير المقدور ، ولا كلاهما على نحو الوجوب التخييري وإلّا لكانا عدلين متكافئين يتخير المكلف بينهما ، وليس المطلوب المتقدم وحده بحيث يكون التوقيت ركنا في المطلوبية مطلقا ، وإلّا لما أمر بالفاقد ، فان الامر به يكون حينئذ بلا ملاك ، فمن نفس تعلق الامر بالفاقد يستكشف عدم كون الوصف ركنا في أصل الغرض فلا يبقى في المقام سوى تعدد المطلوب ، ووجود طلبين يتعلق أحدهما بالجامع

٨٣

ويتعلق الآخر بايجاد الجامع في الحصة المعينة ، وعليه يكون تعدد الاستحقاق عند عصيان الامرين بسبب مقدورية المطلوبين ، فان الجامع مقدور ، والحصة مقدورة أيضا فيكون العقاب على تركهما عقابا على ترك أمرين مقدورين ، بخلاف الامر في الترتب.

وفيه :

أولا ـ ان هذا انما يتم بناء على كون الجامع بين المقدور وغير المقدور مقدورا ـ كما عليه المجيب وقد ذهب اليه المحقق الثاني (رحمه‌الله) وجماعة من الاعلام ـ وأما بناء على كون الجامع غير مقدور ـ كما ذهب اليه المحقق النائيني (قدس‌سره) وغيره ـ فلا يتم الفرق بين المقامين.

وثانيا ـ لا ينحصر تفسير الامرين ـ ثبوتا ـ بتعدد المطلوب ، بل يمكن أن يكون المتقدم واجبا ارتباطيا واحدا والتوقيت ركن فيه ، والمتأخر واجبا آخر مغايرا للواجب الاول في الملاك والهوية ، لكن وجوده مشروط بعدم امتثال الواجب المتقدم.

وثالثا ـ انه اما أن يراد بالجامع : الجامع المنصوص أو الجامع المنتزع ، وعلى كل تقدير يمكن فرض وجوده وعدمه في كل من المقامين ، فلا يتم الفرق المذكور بينهما.

وقد تحصل من هذه الاجوبة امكان أن لا يكون هناك جامع ، وعلى فرض وجوده فهو غير مقدور ، وعلى فرض كونه مقدورا فهو مشترك بين المقامين فالايراد الثالث لا يخلو من نظر ، فتدبر.

ملاحظة كل خطاب منفردا

(الثالث) ما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) بقوله :

٨٤

ان العبرة في استحقاق العقاب : ملاحظة كل خطاب بالنسبة الى كل مكلف في حد نفسه ، بمعنى أنه يلاحظ الخطاب وحده مع قطع النظر عن اجتماعه مع خطاب آخر ، ويلاحظ كل مكلف وحده مع قطع النظر عن اجتماعه مع مكلف آخر ، فان كان متعلق ذلك الخطاب الملحوظ وحده مقدورا بالنسبة الى ذلك المكلف الملحوظ وحده فعند العصيان يستحق العقاب وإلّا فلا. ومن المعلوم تحقق القدرة في كل من متعلقي الخطابين المترتبين في حد نفسه ، وكذا كل مكلف في الواجب الكفائي فعند ترك كلا المتعلقين يستحق عقابين ، وعند ترك الكل للكفائي يستحق الجميع للعقاب لتحقق شرط الاستحقاق انتهى.

ويرد عليه :

أنه مستلزم لجواز الامر بالضدين مطلقا والعقوبة على تركهما ، كأن يأمره بالسير الى المشرق والمغرب في زمان واحد بلا ترتب بينهما ـ لفرض تعلق القدرة بكل واحد منهما ، لو قطع النظر عن اجتماعه مع الآخر فلا يقبح الخطاب بهما ، ولا العقوبة عليهما.

اللهم إلّا أن يفرق بينهما بأن الامر بالضدين مطلقا محال في نفسه ، أو قبيح على الحكيم ، فلا يعقل صدوره ليبحث في استحقاق العقاب على تركه ، بخلاف الامر الترتبي ، فان الوجدان شاهد على امكان وقوعه ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ والضابط المذكور في كلامه (قدس‌سره) لاستحقاق العقاب انما هو بعد مفروغية امكان التكليف.

لكن هذا الجواب لا يخلو من شائبة الدور ، اذ محل الكلام والنقض والابرام هو الامكان ، فلو أخذ فيه دار.

إلّا أن يقال : ليس المراد اثبات الامكان ، بل دفع الاشكال عن التعدد بعد الفراغ عن الامكان بحكم الوجدان ، ولا برهان على كون القدرة المأخوذة شرطا

٨٥

في استحقاق العقاب مصححة لتوجيه الخطاب ، ليورد بالامر بالضدين مطلقا ، فتأمل.

وأما ما في (المباحث) من الايراد على ما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) باستلزامه لتعدد العقوبة فيما اذا فرض أمر المولى بالضدين مطلقا بنحو القضية الخارجية غفلة عن التضاد بينهما مع عصيان العبد لكليهما ، لكون كل منهما مقدورا في نفسه ، مع حكم الوجدان بخلافه ـ ففيه :

ان الامر الناشئ من الغفلة ليس بأمر حقيقة ، اذ الامر بما هو أمر لا موضوعية له بل هو طريق لكشف الملاكات الواقعية ـ أو أغراض المولى ـ ، فاذا علم بعدم ذي الطريق لم يكن الامر منجزا ، ولم يستحق العبد العقاب على مخالفة مثل هذا الامر ، كما يشهد له بناء العقلاء.

كما انه في صورة العكس ـ أي صورة وجود الملاك الملزم بلا أمر ـ يمكن أن يقال بوجوب تحصيل ذلك الملاك أو الغرض ، اذ الامر طريق ، فاذا حصل ما كان الامر طريقا اليه لم يكن حصول الطريق بمهم ، كما هو الشأن في كل طريق وذي الطريق لدى العرف.

ونظير المقام ما ذكره الفقهاء في بحث الغصب من أنه اذا أذن المالك في التصرف ولكن كانت هناك قرائن تدل على عدم رضاه لم يجز التصرف ، كما ان العكس بالعكس ، وقد علله السيد الوالد ـ دام ظله ـ في المسألة السادسة عشرة وفي المسألة الثانية والعشرين من بحث مكان المصلي من كتاب الصلاة من (الفقه) بنظير ما ذكرناه في المقام ، فراجع.

العقاب على ترك كل حال ترك الآخر

(الرابع) : ما ذكره (قدس‌سره) أيضا بقوله :

٨٦

ان العقاب ليس على ترك الجمع ـ ليكون على غير المقدور ـ ضرورة أن الطلب لم يتعلق إلّا بذات كل من الواجبين فكيف يعاقب على ترك الجمع الذي لم يطالب المكلف به أصلا ، بل العقاب انما هو على ترك كل منهما حال ترك الآخر ولا ريب في مقدوريته ، وهكذا الحال في الواجبات الكفائية فان العقاب هناك على عصيان كل واحد منهم حال عصيان الباقين ، انتهى.

ويرد عليه :

أولا : النقض بالامر بالضدين مطلقا ، لمقدورية ترك كل منهما حال ترك الآخر وهي شرط حسن الخطاب والعقاب.

وسوق الكلام فيه كسوقه في الثالث.

ثانيا : ان القيدين المأخوذين في سبب استحقاق العقاب ـ اعني قوله (حال ترك المهم) و (حال ترك الاهم) ـ وان اختلفا بلحاظ المفهوم والعنوان إلّا انهما متحدان بلحاظ المصداق والزمان ، اذ زمان ترك كل منهما هو زمان الاشتغال بالثالث ، ومن الواضح ان ملاك رفع التضاد ليس هو التعدد العنواني بل التعدد الزماني ، فتكون العقوبة على ترك كل من الاهم والمهم في هذه الحالة مستلزمة لفعلية الامر بهما معا فيها مع ان فعلهما معا غير مقدور ، فيكون ترك أحدهما مضطرا اليه ، فتكون العقوبة عليه عقوبة على ما لا يدخل تحت الاختيار.

نعم : لو لوحظ كل من التركين في حد نفسه كان مقدورا ، لكنه يرجع حينئذ الى الجواب الثالث ، فتأمل.

ثم لا يخفى ان متعلق العقاب تابع في اطلاقه واشتراطه لمصب التكليف ، والمفروض ان التكليف بالاهم مطلق شامل لحالتي فعل المهم وتركه ، فكون العقاب على (ترك المأمور به حال ترك الآخر) وان صح في المهم ـ لكونه مشروطا ـ لكنه لا يصح في الاهم ـ لكونه مطلقا ـ.

٨٧

ثم لا يخفى ان التكليف بالجمع لا يجب ان يكون بعنوانه ، لامكان انتزاعه من تكليف العبد بشيئين متزامنين ، ولو بأمرين منفصلين ويكفي في صدق العنوان الانتزاعي صدق منشأ انتزاعه ، فانه مجعول بجعله ، ومطلوب بطلبه ، منتهى الامر ان أحدهما مجعول بالذات ، والآخر مجعول بالعرض ، كما لا يجب أن يكون التكليف بالجمع مطلقا ، بل يمكن ـ أيضا ـ كونه تكليفا بالجمع مشروطا.

وعليه : فلا يشترط في كون التكليف تكليفا بالجمع : الاطلاق ، ولا عدم تعلقه بذات كل من الواجبين فالتفكيك بينهما لا يخلو من نظر ، فتأمل.

ويؤيده ما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) في طي ما استدل به لامكان الترتب حيث قال :

(والحاصل انه لا اشكال في أن الموجب لايجاب الجمع في غير باب الضدين انما هو اطلاق الخطابين لحالتي فعل متعلق الآخر وعدمه ، كالصلاة والصوم ، فان الموجب لايجاب الجمع بينهما انما هو اطلاق خطاب الصلاة وشموله لحالتي فعل الصوم وعدمه ، واطلاق خطاب الصوم وشموله لحالتي فعل الصلاة وعدمه. ونتيجة الاطلاقين ايجاب الجمع بين الصلاة والصوم على المكلف ...).

العقاب على الجمع فى الترك

(الخامس) : ما في منتهى الدراية من أن مناط استحقاق تعدد العقوبة ليس مخالفة الامر بالجمع بين المتعلقين ، ليورد بعدم القدرة ، بل مناطه (الجمع في الترك) ، وهو أمر مقدور للعبد ، فالمؤاخذة على الجمع في الترك حينئذ لا قبح فيها عقلا.

٨٨

ويرد عليه :

أولا : انه ليس للهيئة المجموعية وجود متأصل وراء وجود الافراد ، بل هي أمر ينتزع من فعل هذا وفعل ذاك أو من ترك هذا وترك ذاك ، وإلّا لزم التسلسل ، بتقريب انه لو كان هناك أمران ، وكانت الهيئة الاجتماعية أمرا ثالثا متأصلا في الاعيان ، لكانت الهيئة الاجتماعية للثلاثة أمرا عينيا أيضا لان حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد ، فتصبح الثلاثة أربعة ، ولهذه الاربعة هيئة اجتماعية عينية .. وهكذا .. فيلزم التسلسل.

ففي المقام : ليس (الجمع في الترك) الا عنوانا منتزعا من هذا الترك وذاك الترك ، وليس له وجود مستقل في قبالهما ، وحيث ان (الفعلين) معا غير مقدورين لذا يكون أحد التركين هو المقدور ، وأما الترك الآخر فهو ضروري ، والقدرة لا تجامع الضرورة ، فيكون العنوان المنتزع منهما غير مقدور ، لان النتيجة تابعة لاخس المقدمتين ، وهذا نظير ما ذكروه في ان الجامع بين المقدور وغير المقدور غير مقدور ، فتأمل.

ثانيا : لو فرض ان الهيئة المنتزعة مقدورة لم يجد ذلك فيما رامه من التعدد ، لكونها أمرا واحدا بسيطا ، فلا تستتبع أكثر من استحقاق واحد.

هذا مع ورود بعض ما تقدم عليه أيضا.

المناط امكان التخلص من المخالفة

(السادس) ما في (المباحث) من ان الميزان في صحة العقاب أن يكون التخلص من المخالفة مقدورا للمكلف ـ لا أن يكون الامتثال مقدورا ـ وفي المقام يمكن التخلص من مخالفة التكليفين وان لم يمكن امتثالهما معا فيكون تعدد العقاب في محله.

٨٩

وهذا بخلاف ما لو أمر المولى بالضدين مطلقا ـ غفلة ـ فان لا يستحق عقوبتين مما يبرهن على أن ميزان صحة العقاب : امكان التخلص ، والمكلف في المثال لا يمكنه التخلص الا عن احدى المعصيتين فلا يستحق الا عقابا واحدا.

ويرد عليه :

أنه مستلزم لجواز الامر بجميع المحالات الوقوعية ، بل الذاتية معلقا على عصيان تكليف مولوي أو ارتكاب فعل اختياري ـ وان كان مباحا ـ وجواز العقاب على تركها كقوله (ان ظاهرت زوجتك فطر في السماء) أو (ان دخلت دار زيد فاجمع بين النقيضين) وذلك لوجود الملاك المذكور وهو امكان التخلص من المخالفة فيها ، بعدم ايجاد مقدم الشرطية ، فلا يقبح الخطاب بها ولا العقاب عليها ، وهو خلاف الوجدان.

وكون الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا ـ وان نافاه خطابا ـ لا ينافيه لكون مجراه الممكنات بالامكان الذاتي والوقوعي التي طرأ عليها (الامتناع الغيري) بسوء الاختيار لا (الممتنعات الذاتية) ولا (الوقوعية) ولا (الغيرية) (١)

__________________

(١) الامكان الذاتى عبارة عن تساوى نسبة الشىء الى الوجود والعدم بحيث لا يقتضى بذاته أحدهما.

ـ والامكان الوقوعى عبارة عن كون الشىء بحيث لا يستلزم وجوده ولا عدمه محذورا عقليا.

ـ والامتناع الغيرى عبارة عن عدم تحقق علة الشىء ، فكل شىء لم توجد علته التامة يطلق عليه انه ممتنع غيرى.

ـ والامتناع الذاتى عبارة عن كون الشىء بحيث يقتضى بذاته العدم اقتضاء حتميا ويحكم العقل بمجرد تصوره انه ممتنع الوجود كاجتماع النقيضين أو ارتفاعهما.

ـ والامتناع الوقوعى عبارة عن كون الشىء بحيث يلزم من وقوعه الباطل والمحال وان لم يكن بمحال ذاتا. كذا ذكره بعضهم.

٩٠

التي لم يكن لسوء الاختيار دخل في امتناعها ، لخروج هذه القاعدة على نحو الخروج الموضوعي اذ ليس الامتناع فيها ناشئا من سوء الاختيار ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فتدبر.

وأما ما ذكره من الامر بالضدين غفلة فقد سبق الكلام فيه في (الثالث) فراجع.

لا قبح فى العقاب على غير المقدور

(السابع) : ما في (حقائق الاصول) من ان قبح العقاب على ما لا يقدر عليه لا أصل له ما لم يرجع الى قبح العقاب على ما لا تكليف به ، فلا يكون العقاب عليه عقابا على المعصية ، وقد عرفت سابقا امكان التكليف بكل من الاهم والمهم انتهى.

وهذا الجواب كما ترى متفرع على ثبوت الامكان ، فلا يرد عليه اشكال الدور المتقدم.

الهتك هو الملاك

(الثامن) : انه يمكن أن يتخذ (الهتك) ملاكا للاستحقاق ، لا (الترك) وعليه يبنى استحقاق المتجري للعقاب ، لهتكه حرمة مولاه ، وجرأته عليه ، وخروجه عن رسوم العبودية ، وخلعه لزي الرقية ولا شك في تحقق الانتهاكين في عصيان الامرين ، لخروج العبد عن رسوم العبودية مرتين ، ومن الواضح قدرة العبد على ترك الانتهاكين فيكون ارتكابه لهما ارتكابا لما هو داخل في حيز القدرة ، فيستحق العقابين.

ويرد عليه :

٩١

انه ان اريد بالهتك العنوان المتحد مع الترك الخارجي فقد مر أن أحد التركين هو المقدور.

وان أريد به العنوان المنتزع منه ففيه : ان العنوان الانتزاعي متحد الحكم مع منشأ الانتزاع.

وقد يناقش فيه : بأنه انما يتم لو قيل بكون استحقاق العقاب على نفس الاتيان بالفعل ـ أو الترك ـ المتجرى به ، كما اختاره في (النهاية) و (مصباح الاصول) ـ وأما لو قيل بكونه على قصد العصيان والعزم على الطغيان ، لا على الفعل الصادر بهذا العنوان ـ كما اختاره في (الكفاية) ـ فلا ، لتعدد القصد.

وفيه : أنه لا مناص من أحد القصدين (قصد ترك الاهم أو المهم) لسراية اللابدية من المقصود الى القصد فما دام ترك أحدهما مضطرا اليه ـ على ما سبق ـ يكون قصد ذلك الترك كذلك ، فتأمل.

تفويت الملاك

(التاسع) : ان تفويت الملاك المولوي سبب لاستحقاق العقوبة .. وحيث أن العبد في المقام فوت على المولى ملاكين لذا يستحق عقوبتين.

وقد يقرب هذا الوجه بأن الملاك في طرف الاهم مركب من جزءين (أصل الوجود) ـ المشترك بين الاهم والمهم ـ و (شدة الوجود) ـ المختصة بالاهم ـ فيكون في مقدور المكلف الحصول على كلا الملاكين ، بفعل الاهم ، كما يمكنه تفويت أحدهما ، بفعل المهم ، وتفويت كليهما ، بترك الاثنين.

مثلا : لو أمر المولى عبده بسقي الزرع بالماء الاجاج معلقا على عصيانه الامر بسقيه بالماء العذب فسقى الزرع بالماء العذب حصل ملاكين : ملاك أصل

٩٢

السقي ، وملاك السقي بالماء العذب ، ولو سقاه بالماء الاجاج فاتته الحصة وان لم يفته الطبيعي ، ولو ترك الاثنين فاته الملاكان.

ولكن هذا المبنى لا يخلو من نظر ، اذ ليست المرتبة القوية من الوجود مركبة من (أصل الوجود) و (شدة الوجود) ولا المرتبة الضعيفة تفقد من حقيقة الوجود شيئا أو تختلط بالعدم ، بل لا تزيد كل واحدة من مراتب الوجود المختلفة على حقيقة الوجود المشتركة شيئا ، ولا تفقد منها شيئا ، وانما هي الوجود في مرتبة خاصة بسيطة ، لم تتألف من أجزاء ولم تنضم اليها ضميمة ، وتمتاز عن غيرها بنفس ذاتها التي هي الوجود المشترك ـ على ما قرر في محله ـ.

فالملاك القوى والضعيف حقيقتان بسيطتان ، وأحدهما فائت لا محالة ، لان المكلف ان فعل الاهم فات عليه ملاك المهم (لو كان ذا ملاك فعلي في عرض الاهم أما لو كانت فعلية ملاكه مترتبة على عصيان الامر بالاهم فالسالبة بانتفاء الموضوع) ولو فعل المهم فات عليه ملاك الاهم ، وعلى هذا فلم يفوت المكلف بعصيانه للامرين إلّا أحد الملاكين.

ولو سلم التركيب لم يقدح في المرام أيضا ، اذ ليست نسبة الطبيعي الى أفراده نسبة الاب الواحد الى الابناء المتعددين ، بل نسبة الآباء المتعددين الى الابناء المتعددين ، بل الطبيعي وجوده عين وجود أشخاصه ، ففرض عدم مقدورية الفردين معا مساوق لفرض عدم مقدورية الطبيعيين ، فأحد الطبيعيين فائت على المكلف لا محالة ، اذ يدور أمره بين تفويت الطبيعي الكائن في ضمن الاهم ، أو تفويت الطبيعي الكائن في ضمن المهم ، فيكون العقاب اما على تفويت الاهم أو المهم ، لا على تفويت الاثنين.

الوقوع

ثم انه لو فرض عدم وفاء هذه الاجوبة بحل اشكال عدم المقدورية لم يقدح

٩٣

ذلك في تعدد الاستحقاق ، بعد رؤية العقل ثبوت الاستحقاق المتعدد في الخارج فان الوقوع أدل دليل على الامكان .. اذ الشيء ما لم (يتقرر) لم (يمكن) وما لم يمكن لم (يحتج) وما لم يحتج لم (يوجب) وما لم يوجب لم (يجب) وما لم يجب لم (يعط الوجود) وما لم يعط الوجود لم (يوجد) ومن هنا قالوا (الشيء قرر ، فأمكن فاحتاج ، فأوجب ، فوجب ، فأوجد ، فوجد) .. فالوجود يقع في مرحلة متأخرة عن الامكان ، وما لم يمر الشيء بمرحلة (الامكان) لا يمكن أن يصل الى مرحلة (الوجود) لاستحالة (الطفرة) في المراتب ، كاستحالتها في الزمان والمكان ، فالوجود اللاحق كاشف عن الامكان السابق.

ومما يؤيد ما ذكرناه من تعدد الاستحقاق عقلا أن المولى لو أمر عبده بانقاذ جمع من الغرقى على سبيل الترتب ، فلم يمتثل ، فعاقبه المولى أضعاف ما يعاقب به العبد المأمور بانقاذ غريق واحد ، لما كان عند العقلاء ملوما ، وكان العبد عندهم به جديرا.

قلب الاشكال

ثم انه يمكن أن يقلب هذا الاشكال (أي اشكال تعدد الاستحقاق الذي أورد به على القائل بامكان الترتب) على القائل بعدم الامكان ، اذ تعدد الاستحقاق ـ في صورة عصيان الامرين ـ لا شك فيه عند العقلاء ، وإلّا لزم تساوي العاصي للامر المولوي الواحد ، والعاصي للامرين المسوقين على نحو الترتب ، في العقوبة ، وهو خلاف حكم العقل بالتعدد ، وخلاف ما جرت عليه سيرة العقلاء ، ومن المعلوم أن العقوبة على الهيئة لا تصح في مخالفة الامر الارشادي ، فيتعين كون الامر بالمهم ـ كالاهم ـ مولويا ، وهو المطلوب ، فتأمل.

٩٤

الالتزام بوحدة الاستحقاق

ثم انه قد يلتزم بوحدة الاستحقاق في صورة عصيان الامرين ـ مع كونهما مولويين ـ بتقريب أن ملاك الاستحقاق تفويت الغرض الداعي للامر ، فلو فرض اشتمال المهم على بعض مصلحة الاهم فالمكلف اما ان يأتي بالاهم فيدرك تمامها أو بالمهم فيتدارك بعضها فلا عقوبة الا بقدر البعض الآخر ، واذا تركهما فلا يستحق من العقوبة إلّا بمقدار مصلحة الاهم ، لان مصلحة المهم انما أمر بتحصيلها لتدارك مصلحة الاهم لا لنفسها ، فالعقوبة على تقدير ترك كليهما مثلها لو لم يؤمر بالمهم وعصى الاهم.

ويرد عليه :

أولا : ان استحقاق العقوبة لازم لا ينفك بالنسبة الى مخالفة الامر المولوي.

(لا) لما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) بقوله : (لا يصح الخطاب المولوي الشرعي إلّا اذا أمكن أن يكون داعيا نحو الفعل ، وباعثا اليه ، وداعوية الخطاب بالنسبة الى غالب نفوس البشر انما هي باعتبار ما يستتبعه من الثواب والعقاب ، اذ قل ما يكون نفس الخطاب بما هو خطاب داعيا نحو الامتثال إلّا بالنسبة للاوحدي فلا بد أن يكون كل خطاب الزامي مولوي مستتبعا لاستحقاق العقاب ليصلح أن يكون داعيا ، وإلّا خرج عن المولوية الى الارشادية).

(بل) لما سبق في تقرير الوجه الثاني مما أورد به على الترتب.

(وذلك) لرجوع ما ذكره (قدس‌سره) الى لغوية الامر المولوي لو جرى تفكيك الاستحقاق عنه ، مع أن مجرى صدق اللغوية متحد مع مجرى الجعل التأليفي ، وهو لا يعقل بين الشيء ونفسه ، ولا بينه وبين ذاتياته ، ولا بينه وبين عوارضه اللازمة وذلك لان مناط الحاجة هو الامكان ، والضرورة ملاك الاستغناء ، والنسبة بين الذات

٩٥

ونفسها وذاتياتها واعراضها اللازمة من سنخ النسب الضرورية فلا تقبل الوضع ولا الرفع ، وقد سبق أن النسبة بين الامر المولوي والاستحقاق نسبة ضرورية فلا مجرى فيها للجعل التأليفي ، فلا مجال فيها للقول : بان تفكيك هذا اللازم عن ملزومه سبب للغوية الملزوم ، وذلك لكون هذا التفكيك محالا ، ولا معنى لتعليل عدم التسبيب للمحال باللغوية.

وعليه : كيف يمكن افتراض كون الامر بالمهم مولويا مع عدم استحقاق العقوبة على تركه ـ في حالة عصيان الامرين ـ وفرضه ارشاديا خروج عن موضوع الترتب واندكاك العقوبتين مستلزم لتوارد علتين مستقلتين على معلول واحد ـ ان أريد به الاندكاك الحقيقي ـ وللخلف ـ ان أريد به غيره ـ.

ثانيا : ما ذكره المشكيني (رحمه‌الله) من (منع كون ملاك الاستحقاق هو التفويت ، بل هو الهتك) ، انتهى ـ.

ويرد عليه :

ان العقل هو الحاكم على الاطلاق في باب الاستحقاق ، وهو كما يرى الهتك سببا ، كذلك يرى التفويت سببا.

لا يقال : انه يلزم منه تعدد الاستحقاق عند اجتماع السببين ، وإلّا لزم توارد العلتين المستقلتين على معلول شخصي واحد ، وهو محال (للزوم احتياجه الى كل واحدة منهما ـ لكونهما علة له ـ واستغناءه عن كل واحدة منهما ـ لاستقلال الاخرى في العلية ـ فيكون حال حاجته اليهما مستغنيا عنهما ، وللزوم تحصيل الحاصل) مع انه ليس في المعصية الواحدة إلّا عقوبة واحدة ، فوحدة المسبب كاشفة ـ انا ـ عن وحدة السبب.

لانه يقال : بجريان الكسر والانكسار في تأثير العلتين اذا اجتمعتا ، اذ لا يخلو الامر عند اجتماعهما من (عدم تأثيرهما أصلا) أو (تأثير أحدهما المعين) ، أو

٩٦

(المردد) ، أو (كليهما على نحو الاستقلال في العلية) ، أو (التشارك غير المتكافئ) أو (المتكافئ).

والاول خلاف وجدان المعلول خارجا.

والثاني ترجيح بلا مرجح.

والفرد المردد لا وجود له ، فكيف يكون علة للوجود مع ان فاقد الشيء لا يعطيه.

والرابع مستلزم للتوارد.

والخامس كالثاني.

فيتعين الاخير.

وهذا يجري فيما نحن فيه من تعدد سبب الاستحقاق.

مع امكان أن يقال : انه لا استحالة في تعدد الاستحقاق عند انطباق عناوين مختلفة على الفعل ، بل مطلقا على ما مر فتأمل.

لا يقال : ليس تفويت غرض المولى بما هو هو سببا للاستحقاق ، بل لانطباق عنوان الهتك عليه ، بدليل الدوران والترديد ، فالتفويت بلا هتك ـ كما في صورة الجهل القصوري ـ ليس سببا للاستحقاق ، والهتك بلا تفويت ـ كما في صورة التجري ـ سبب لذلك ... فينحصر الامر ـ بالنتيجة ـ في سببية الهتك.

وهذا نظير ما أورد على استحقاق المتجري للعقاب بما حاصله ان المعصية سبب للعقاب ، فلو كان التجري سببا أيضا لزم التعدد أو التداخل ، في المعصية الحقيقية.

وفيه : عدم تسليم كونها سببا ، بالدليل المزبور ، بل انطباق عنوان الهتك يمنحها السببية.

فانه يقال : لا ملازمة بين العنوانين اذ ان من الممكن صدق التفويت دون

٩٧

انطباق عنوان الهتك عليه .. كما لو سقط ابن المولى في البئر في حال غيبته ـ مثلا ـ فانه ان لم ينقذ الابن استحق العقوبة ـ على ما بيناه في موضع آخر ـ مع عدم انطباق عنوان الهتك عليه ، مع أنه لا مانع في مورد التصادق من استحقاق العبد عقوبتين ـ كما سبقت الاشارة اليه ـ فتأمل.

ثالثا : مع تسليم كون ملاك الاستحقاق هو تفويت غرض المولى نقول :

ان المستدل ان أراد نفي كلية الملازمة بين تعدد الامر وتعدد العقوبة لا نفي الملازمة كلية ، ففيه ان ذلك لا يجديه لعدم توقف استدلال نافي الترتب على كلية تعدد العقاب ، لينقض من قبل المثبت بالسالبة الجزئية ، وانما تكفيه الموجبة الجزئية التي لا يمكن نقضها بالسالبة الجزئية ، بل لا يتوقف استدلال النافي على اثبات وجود الموجبة الجزئية ، وانما يكفيه احتمال وجودها ، لان احتمال استلزام الشيء للازم الباطل كاف في اثبات بطلان الملزوم ، وذلك لان اللازم المحال أو الباطل مقطوع العدم ، فلا يمكن احراز وجود شيء إلّا مع القطع بعدم استلزامه له ، لان الشيء لا يحرز وجوده الا مع القطع بسد جميع أبواب العدم عليه ، ومن هنا قيل في العقليات «اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال».

وان أراد نفي الملازمة كلية ففيه :

ان الامر بالمهم كاشف عن انية الملاك لا مهيته ، فلا معين لافتراض كون ملاك الامر بالمهم هو التدارك لينفى به تعدد العقاب ، وذلك لما ذكره المشكيني (رحمه‌الله) من انه يتجه اذا كانت المصلحة في المهم من سنخ مصلحة الاهم ، وفي غيره لا معنى لتداركها لها ، وعلى فرض السنخية فانما يتم لو كان الغرض المترتب على المهم مطلوبا لتدارك الغرض الاهم لا في عرضه ، كما في انقاذ العالم والجاهل ـ مثلا ـ.

٩٨

الوجه الثالث

(الوجه الثالث) ـ مما اورد به على الترتب ـ ما نسب الى المحقق التقي الشيرازي (قدس‌سره) وهو :

ان الترك المحرم من المهم اما أن يكون الترك المطلق حتى الى فعل الاهم ، أو خصوص الترك المقارن لترك الاهم ، وهو الترك غير الموصل الى فعل الاهم.

فان كان الاول فهو مناف لفرض الاهمية فان مقتضاها جواز ترك المهم الى فعل الاهم ، ومناف لفرض طلب المهم على تقدير ترك الاهم ومعه كيف يعقل حرمة ترك المهم الموصل الى فعل الاهم؟

وان كان الثاني فنقيض ترك المهم المحرم حينئذ هو ترك الترك غير الموصل فهو المعروض للوجوب لا فعل المهم ، نعم : له لا زمان أحدهما : الترك الموصل الى فعل الاهم والآخر فعل المهم لكن الحكم ـ وهو الوجوب ـ لا يسري الى لازم النقيض ـ ليكون المهم واجبا.

ومع فرض السريان أو فرض مصداقية الفعل لترك الترك يكون فعل المهم ـ حيث أنه له البدل ـ واجبا تخييريا مع أن وجوب المهم تعييني ـ بناء على ثبوته ـ انتهى.

ويرد عليه :

أولا : ما في (النهاية) وهو : ان ايجاب المهم ليس من ناحية ترك المهم ، بل لدليله المقتضي لحرمة نقيضه عرضا.

ثانيا : سلمنا لكن نقيض (ترك المهم) هو (فعل المهم) لا (ترك ترك المهم).

وقولهم (نقيض كل شيء رفعه) تخصيص بلا مخصص ، ولذا أبدله بعضهم

٩٩

بقوله (رفع كل شيء نقيضه) ، وان لم يصلح معرفا ، لكونه تعريفا للرفع ، لا للنقيض ، فلا يدل على كونه أعم أو اخص أو مساويا.

أو يراد بالمصدر القدر المشترك بين المبني للفاعل والمبني للمفعول فيراد بالرفع في السلب الرافع وفي الايجاب المرفوع.

أو يراد بالرفع : الطرد الذاتي ، حيث أن كل واحد من المتناقضين يطرد ما يقابله ، بذاته.

وأما تفسير الرفع بالنفي والسلب ، فيكون نقيض الانسان هو اللاإنسان ، ونقيض اللاإنسان هو اللالاوجود ، وأما الانسان فهو لازم النقيض وليس بنقيض فهو يستلزم عدم تحقق التناقض بين شيئين أبدا ، لعدم كون الايجاب رفعا للسلب ، وان كان السلب رفعا للايجاب ، والمناقضة انما تكون بين طرفين.

وعلى هذا يكون (فعل المهم) هو المعروض للوجوب ـ بناء على اقتضاء حرمة الشيء وجوب ضده ـ لا (ترك ترك المهم) ليرد الاشكال المذكور في كلامه (قده).

ثالثا : مع التسليم نقول : لم ترد كلمة (النقيض) في النصوص الشرعية لتكون هي محور الكلام في المقام ، بل المحور هو (الملاك) الذي على اساسه بنيت دعوى (الاقتضاء) ، والملاك كما يشمل (ترك ترك المهم) كذلك يشمل (فعل المهم) وان فرض عدم كونه نقيضا للترك في الاصطلاح.

رابعا : ما في (النهاية) من أنه لو فرض قيام الدليل على حرمة ترك المهم على تقدير ترك الاهم ـ كما هو معنى الترتب ـ فنقيضه الواجب هو ترك الترك على هذا التقدير أيضا ، وليس لترك الترك في هذا التقدير الا لازم واحد أو مصداق واحد وهو الفعل ، اذ لا يعقل فرض الترك الموصل في تقدير ترك الاهم للزوم الخلف ، فليس للفعل حينئذ عدل وبدل حتى يكون وجوبه تخييريا ـ انتهى.

١٠٠